« اليهودي» في ثقافتنا وخاصة الشعبية كلمة متشيطنة، أي كلمة تمتّ بصلة للشيطان والأبالسة وكل الأخلاق المتعلقة بهم. كما أنها اتهام جاهز لكل من يخالفنا الرأي والتوجه وخاصة في العقيدة والدين. . وهي شماعة ممتازة وأصلية في هواجسنا لكل ما يحيق بنا من مخاطر ومؤامرات. فانقسام السنة والشيعة وراءه يهودي هو إبن سبأ، مشعل الفتن ومؤسس الرافضة أي »لشيعة«، وعليك هنا أن لا تفكر كثيراً ك»سني»، ولا تقرأ أكثرو فمتى عُرف السبب بطل العجب. المجتمع كان مجتمعا ملائكياً وليس إنسانياً حتى دخل عليه شيطان إبن سبأ وشتّت الأمة الإسلامية ضمن «مؤامرة يهودية كبرى»! لم يقتصر الأمر على بدايات الإسلام فالمؤامرة بقيت حتى تم القضاء على الخلافة الإسلامية وعلى يد مصطفى أتاتورك «اليهودي»، فالروايات المتلبكة تقول بأن أصوله من يهود الدونمة رغم أنه مسلم ووالداه متصوفان، وعرف عن والدته تشددها الديني وارتداءها الدائم لليشمك أو النقاب. وإطلاقنا عليه صفة اليهودي المتآمر يعني ان إيمان والديه وجدوده كان «فالصو» ومجرد نفاق. فعمل كهذا حطَّم رمز قوة المسلمين ووحدتهم لا يفعله إلا «يهودي حاقد على الإسلام». ونسينا أن العرب بمسلميهم هم من تخلوا عنها بثورتهم على الخلافة العثمانية ب»الثورة العربية الكبرى»، وقد عرض يومها أتاتورك هذه الخلافة على رؤساء وملوك عرب ومسلمين ليأخذوها فلم يقبلها أحد منهم أو يجرؤ. إطلاق الاتهام «يهودي» سهل على المتلقي أو السامع، إذ ليس عليه أن يسأل أو يبحث بشكل جدي، فاليهودي عدو العرب والإسلام وكفى. وإن أردت أن تعطل تفكير أتباعك أو أفراد مجتمعك وتضمن ولاءهم، فكلمة «يهودي» لها فعل السحر. ونادرا ما نفرق بين اليهودية كدين سماوي واليهودية كسياسة وصهيونية. وننسى أيضاً ان اليهودية فرق ومذاهب وأفراد كما نحن المسلمين. ونفترض أن عقيدتهم وفكرهم وكيانهم واحد دون التمعن في الاختلافات بينهم، فنحن العرب لا نقرأ (حسب المقولة المشهورة لموشي دايان)، وإن قرأنا لا نفهم، وهذا القول صحيح وينطبق علينا في محاولاتنا لفهم أعدائنا أو الآخر المختلف عنا، إذ لدينا أحكام ونظريات جاهزة معظمها إنفعالي. ولا أدري ما سيكون رد فعل المتعاطفين معنا من جمعيات يهودية وأفراد مثقفين يهود أمثال البروفسور اليهودي نورمان فنكلستاين عندما يدرك ما تعنيه كلمة يهودي في ثقافتنا، وأغلب الظن أنه يعرفها ويتفهمنا بصمت على عكسنا نحن طبعاً. والمفارقة أننا نذمّ كلمة يهودي ونحتقرها لدرجة نكران وجودها، مع أن كتبنا السماوية ملأى بها. فهي في ثقافة الترجمة عندنا وخاصة في الأفلام والمسلسلات غير موجودة أو مرغوبة. وكأن الاعتراف بها اعتراف بإسرائيل. شاهدت فيلماً منذ أيام وهو كان الشرارة لهذه الكتابة. الفيلم قصته لها صلة بسيجموند فرويد «يهودي متآمر آخر». وتمت ترجمة كلمة يهودي إلى غريب واليهود إلى أغراب. ليس في الأمر ما يثير الاستغراب عندي أو عند غيري من المشاهدين، فنحن منذ تفتحت أعيننا على الشاشة الفضية والحال هكذا. فكرت قليلاً وبشيء من عقلية المؤامرة الساذجة. هل تسلل اليهود إلى ثقافتنا من خلال أغاني مطربين ونحن لا ندري لكي يتلاعبوا بأذهاننا. هل في أغنية ربيع الخولي «متل الغربا منتلاقى» مؤامرة يهودية ليجعلونا نتماهى عن طريق الفن وكلام الحب مع اليهودي «الغريب»، يعني هل المقصود عبر اللاوعي ان يصبح معنى الأغنية في الأنا الأعلى «متل اليهود منتلاقى»، أو ربما العكس أن ربيع الخولي كان يريد وصف حبيبته بأن أفعالها وأخلاقها معه كاليهود، لكن منعته الرقابة من استعمال الكلمة. وقد ترجم البعض في الأفلام والمسلسلات كلمة يهود إلى الأغيار. وهنا تنفضح نوايانا من هذه الكلمة وتتضح. وأعتقد قبل أن نفهم اليهود الأغيار يجب أن نفهم حالنا وبعضنا ومجتمعنا. فهناك يهود الداخل، أو غير نحن، أو غيرنا، أو الآخر المختلف عني ولو بنقطة وفاصلة «شيعة رافضة وعلمانيون وليبراليون وقرآنيون وسلفيون وشيوعيون ومعارضة وموالاة.. و.. و..»، اللائحة تطول وتتعمق مع كل يوم يمر ويزداد تخندقنا وتقوقعنا ضد ما لا نفهمه ولا نريد استيعابه، لأننا ببساطة نحب أن نمارس بحق أنفسنا »مؤامرة يهودية«.