يعتبر شهر رمضان أحد أقدس أشهر السنة ولذلك يعد له الجزائريون العدة حتى يستقبلوه في أحلى حلة، و هذا الشهر مرادف في المعتقد السائد عند الكثير لفعل الشراء والذهاب إلى السوق والوقوف في طوابير طويلة وعريضة من أجل اقتناء كل ما تشتهيه الأنفس من المأكولات و المشروبات. عتيقة مغوفل رمضان كما حدده الله عزوجل في كتابه هو الشهر الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى، جاء ليعلمنا كيف نصبر على مشقة الجوع والعطش ولا نستجيب لغرائزنا وأهوائنا، أي منع النفس عن الرذيلة وتعويديها على الفضيلة، لكن غياب هذه المعاني في أذهان الناس جعلهم يتصرفون على عكس أهداف شهر رمضان، بل كل ما يخيم على التفكير كمية المواد الغذائية التي سيقتنونها وأنواعها، فمنذ حلول شهر شعبان والجزائريون يشترون المأكولات ويخزنونها وكأنهم داخلون على حرب ضروس أين سيحظر فيها التجوال و تشمّع المحلات والأسواق، لكن ورغم ذلك وقفنا على الإقبال على مختلف المواد خلال اليوم الأول من رمضان رغم العدة التي أعدها الكل قبيل حلول الشهر الفضيل. 8 دجاجات وخروف لاجتياز رمضان تجوّلت (أخبار اليوم) ببعض الأسواق الشعبية للعاصمة خلال اليوم الأول من رمضان على غرار سوق باب الوادي وسوق علي ملاح، إلا أننا ذهلنا للإقبال الكبير للجزائريين على المواد الغذائية وبطريقة غريبة جدا، فالعديد منهم كانوا يقتنون بكميات كبيرة، بسوق باب الوادي سوق الزوالية كما يحلو للكثير تسميته والذي يفتح أبوابه لزبائنه منذ 6 صباحا إلى غاية منتصف النهار، وقفنا عند أحد باعة الدجاج والبيض مثلا، وهناك كان الزبائن يشترون طيور الدجاج بأعداد هائلة، من بين هؤلاء الزبائن السيدة(راضية) التي قامت بشراء 8 دجاجات، تقربنا منها خطوة بخطوة لمعرفة الأسباب الذي دفعتها لشراء هذه الكميات من الدجاج، وفي سياق الحديث معها أدركنا أنها ستخبئ كل تلك طيور الدجاج في البراد لكي لا تعاود الخروج في كل مرة إلى السوق بسبب الحرارة المرتفعة التي لا تتوافق مع الصيام، بالإضافة إلى هذا فقد قام زوجها بذبح خروف لاجتياز كامل رمضان من حيث توفير اللحوم الحمراء والبيضاء وحتى لا يقوم هذا الأخير بالخروج أيام الصيام إلى السوق بل هو يفضل النوم عوض الخروج من المنزل. من محل بيع الدجاج إلى القصابات وبالتحديد إلى قصابة الرحمة بساحة الساعات الثلاث المعروفة بأسعارها المنخفضة مقارنة بأسعار باقي القصابات، والتي تفتح منذ 6 صباحا إلى غاية آخر ساعات اليوم، تشهد هذه الأخيرة يوميا طوابير طويلة من الناس منهم من يشتري نصف خروف وآخر كتف إلى غيرها من الرغبات، بحيث تعمل القصابة عل قدم وساق خلال كامل الشهر بالنظر إلى الإقبال الكبير عليها من طرف الزبائن. لهفة كبيرة على الخبز و الخضر من القصابة إلى المخبزة نفس السيناريو وهناك أيضا من يشتري الخبز بأعداد هائلة فجميع الزبائن الذين كانوا متواجدين داخل المخبزة وكأنهم أجمعوا على اقتناء ما لا يقل على 10 رغائف من الخبز ومن كل الأنواع، خبز الزيتون، البصل، السانوج، المطلوع، السميد ما أكثر أنواع الخبز خصوصا في رمضان، والتي ستقدم فيما بعد على الطاولات الإفطار ومن ثمة سيكون لها طريق واحد ومعروف (المزبلة). من المخبزة إلى سوق الخضر والفواكه فأحسسنا بالضياع وسط حشد كبير من الناس على اختلاف أعمارهم، يتجولون بين طاولات الخضر والفواكه يشترون كل شيء وأحيانا يشترون أشياء ليسوا بحاجة إليها بل من (باب عاند ولا تحسد)، فكثيرا ما يحدث أن التقينا كومة من النساء متجمعات كلهن حول طاولة حتى يتخيل أن هناك شيئا مهما للغاية، ولكن في الأخير يتبين أن السلعة المعروضة للبيع تافهة لا تحتاج كل ذاك التجمهر. بالإضافة إلى ما سبق ذكره فإن السوق الرمضانية لا يمكن أن تخلو من الصراعات، من أجل كل شيء ولا شيء، كصراع العجائز وتعاركهن من أجل ربطة حشيش. بالإضافة إلى هذا فإن السوق الرمضانية لا يمكن لها أن تخلو من الطماعين والباحثين عن كميات كبيرة، فقد تفاجأنا حقا من رجل واقف أمام أحد باعة الفواكه يبحث عن أكبر دلاعة، ويريدها بحجم عائلي، وعلى ما يبدو من ملامح ذاك الرجل أنه يريد أن يدخل موسوعة قينيس للأرقام القياسية لأكبر دلاعة في العالم. طوابير أمام محلات الحلويات الشرقية أما محلات الزلابية وقلب اللوز فحدث ولا حرج فلا تسمع فيها إلا عبارة واحدة تتردد بين الواقفين هناك، (أرى زوج كيلو زلابية يا خو من الصباح وأنا نستنى ما شفتنيش؟)، واحد يبحث عن زلابية بوفاريك الشهيرة وآخر عن مقروط تونس، وغيره من أصابع العروسة، فما أكثر أنواع الزلابية في بلادنا، ولكن هذا التنوع وللأسف فتح الباب على مصراعيه لجشع الجزائريين ولهفتهم، دون أن يهمهم السعر الذي يتراوح ما بين 200 و 300 دينار جزائري. أما محلات قلب اللوز وباقي أنواع الحلويات والمرطبات لا تخلو هي الأخرى من الاكتظاظ، التدافع والطلبات الكثيرة، فكل زبون في هذه المحلات لا يتوانى لحظة واحدة في شراء 10 قطع على الأقل من قلب اللوز، وعلى مختلف أنواعها من المحشي باللوز إلى المحشي بالجوز والفستق وغيرها من المكسرات رغم أن أسعارها تفوق في بعض المحلات الراقية 100 دج للقطعة الواحدة "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" ولكن المؤسف في الأمر أنه بعد وجبة إفطار كاملة تنتهي النسوة من تنظيف الطاولات والأواني، ويحين بعدها دور الشباب في رمي كل ما بقي على المائدة من مأكولات في الأكياس المخصصة لرمي النفايات، رغم أنها طازجة ويمكن تخزينها لليوم الموالي، فبأحد أحياء بولوغين بالجزائر مثلا وأمام بقالة الحي تجد الناس يرمون خبزا ناضجا في مكان مخصص لذلك، بحجة أنه بائت ولا يؤكل أحيانا نجد خبزة كاملة دون أن تنقص منها قطعة واحدة، فالذهنية الجزائرية الطاغية أن يصوم الفرد يوما كاملا ثم يفطر على عدة أنواع من المأكولات بكميات ضئيلة، وترمى البقية في سلة النفايات وبالتالي ينسى الفرد قوله تعالى (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) وكذلك قوله (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) فأين القيم التي يجب الاتصاف بها في هذا الشهر الفضيل؟ أم أنه شهر كول ونام؟