مراصد إعداد: جمال بوزيان الأمة بين التحرّر والخضوع للصهيونية.. طوفان الأقصى .. وصفة للوحدة والتحدي تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. ***** الحرب الأمريكية-الصهيونية على إيران.. دوافع ومآلات أ.م.رابح لكحل فيما أصبح يُعرف بحرب الاثنا عشر يوما مرت منطقة الشرق الأوسط بأصعب أيامها منذ الحرب على العراق في 2003 حيث باغتت إسرائيل إيران بهجوم مكثف بالطيران الحربي رافقته حملة اغتيالات واسعة لقيادات عسكرية من الصف الأول ولنخبة من علماء الذرة بالتوازي مع عمليات تخريب وتدمير واسعة لقواعد الرادار ومنصات الدفاع الجوي.. خطة متكاملة سبقتها عملية إلهاء ومخادعة أمريكية نفذها بإتقان الرئيس ترامب حيث نجح في استغفال القيادة الإيرانية وإقناعهم بحرصه على التفاوض وسعيه لتوقيع اتفاق مستبعدا اللجوء إلى القوة!.. بحيث لم يظهر عليهم أي استعداد حتى أوجعتهم إسرائيل (بدعم مباشر وصريح من الغرب المنافق) بضربتها الأولى العنيفة والمؤلمة ولو راجعنا قوة الهجوم المباغت ودقة ضرباته لخلصنا بيسر إلى أن قرار الحرب قديم و أنه اتخذ منذ سنوات حيث: 1- في شقه الاستخباراتي: تجنيد وتدريب تلك الشبكة الواسعة وإدخال ذاك الكم الهائل من المعدات وخاصة الطائرات بدون طيار وتحديد بدقة غريبة أماكن القيادات العسكرية والعلماء ومواقع الرادارات ومنصات الدفاع الجوي.. لازيمكن تحقيقه في شهور ولا حتى منذ اندلاع طوفان الأقصى . 2- في أهدافها المعلنة: بإسقاط النظام وهدم البرنامج النووي لوجدنا أن عدوانهم ليس تكتيكيا ولا رد فعل آني بل تحرك ضمن خطة استراتيجية هدفها تهشيم الدولة الإيرانية لضمان استمرار الهيمنة الغربية مع إدخال تعديل طفيف بحيث تكون الهيمنة هذه المرة عبر وكيلهم الحصري في المنطقة ممثلا في الكيان المفبرك. وبرغم دقة التخطيط وقوة التنفيذ وفداحة الخسائر الأولية (خاصة اغتيال القيادات العسكرية والعلماء) لملمت إيران جراحها وأثبتت أن نظام القيادة والسيطرة لديها لم يتأثر وفاجأت الكل برد منضبط ومتدرج في القوة آلم بشدة العدو الإسرائيلي أمنيا وماليا مما دفع بأمريكا للتدخل المباشر وقنبلت المفاعلات النووية الأساسية وهنا نقرأ أن: - الولاياتالمتحدةالأمريكية هي المهاجم الحقيقي والكيان أداة. - عجز الكيان الأداة عن تحقيق المطلوب وتأثره بالرد الإيراني (غير المتوقع). - اضطرار العدو لخفض مستوى الأهداف والاكتفاء بالتركيز على محاولة هدم البرنامج النووي. 1 دوافع العدوان: كما أشرت سابقا الهجوم هو نتاج سنوات طويلة من التحضير والتخطيط ولا يمكن تفسيره بمحاولة الغرب تأديب إيران ومعاقبتها على دعمها الصريح للمقاومة في غزة فلو كان كذلك لأكتفى المحتل بما حققه من إضعاف لأذرع إيران في المنطقة. أما تفسيره بسعي إيران لامتلاك السلاح النووي فكان يسع الغرب توفير ردع نووي مضاد (وهو متوفر لدى الكيان) وانتهى الأمر.. وحتى نفهم هذه الحرب ودوافعها وجب ألا نتوقف عند لحظة الحدث وصورته بل نحاول كشف السياق الأوسع والذي عنونه الرئيس التركي باسم سايكس-بيكو 2 ..!. فمنطقة الشرق الأوسط التي هيمن عليها الاستدمار العسكري البريطاني المباشر وورثته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية بهيمنة سياسية واستراتيجية مضمون خراجها ها هو الكيان المفبرك يطمح لاستخلاف راعيه في المنطقة بعد إبداء أمريكا لرغبتها في التخفف من أوزار المنطقة والتفرغ للتهديد الحقيقي ممثلا في المارد الصيني.. ومنه فإن هذه الحرب تندرج ضمن استراتيجية غربية ثابتة تقتضي منع أي دولة من الدول الإسلامية عموما ودول المنطقة خصوصا من من الاستقلال بقرارها الاستراتيجي أو امتلاك قوة نوعية.. ويعتمدون في ذلك منهجين مختلفين: 1- منهج القوة الناعمة: والذي يقوم على الاستدراج والترويض (اشتهر به الاستدمار البريطاني خاصة) أين تُخترق الدول من الداخل ويُسيطر فيها على المفاتيح الحاكمة لصناعة القرار فيها فينكشف حكامها تماما ويضمنون دورانها في فلكهم مسلوبة إرادتها سلبية في مواقفها وهذا ما يفسر تشجيعهم ودعمهم للاستبداد في بلداننا لأن الحاكم فيها يكون خانعا ضعيفا أمامهم وها هو محور التطبيع المجاني نموذجا صارخا لهذا النمط من الدول حيث تقبل أن يستعبدها كيان مفبرك رغم ما تملكه من قوة وإمكانات فمصر التاريخ (أكثر من 100مليون نسمة وما يزيد عن مليون كم2 مساحة) تُهمش وتخضع لنزوات كيان مفبرك ب6 ملايين معمر..!. 2- منهج القوة الغاشمة: يلجأ الغرب الاستدماري إلى قوة النيران ضد الدول التي ييأس من تهميشها بأن يصحى حكامها ويسعون لكسر طوق التبعية أو التي تصر قياداتها على استقلال قرارها أو تسعى شعوبها للتحرر وبناء مستقبلها.. فيضربونها بقسوة بهدف تهشيم أركانها وتحطيم بنيانها وتحقيق أكبر أذى ممكن لشعوبها.. حتى تتحول إلى دول فاشلة هشة مسلوبة القوة لا دور لها في أي مخططات أو ترتيبات إقليمية.. ولنا في وضع دول مثل العراقسوريا ليبيا السودان اليمن وحتى لبنان أحسن مثال. والغريب أن إيران مثلا طُبق عليها المنهجين فعند ما قرروا تهشيم العراق استدرجوا إيران وكانت سندا قويا لقوى الشر وها هم الآن ينقلبون عليها ويسعون لتهشيمها بدورها لما قدروا أنها تمردت عن سلطتهم بإصرارها على استقلال قرارها الاستراتيجي وتأكد ذلك بسعيها القوي لكسب قوة نوعية. 2- مآلات العدوان: لم تخف أمريكا وربيبتها أهدافها من العدوان على إيران إلى درجة المبالغة ورفع سقف الإملاءات خاصة مع نشوة الضربة الأولى ونتائجها الكبيرة لكن نجاح إيران في المحافظة على توازنها ثم الرد السريع على العدوان ردا منضبطا متدرجا في القوة ودقيقا في أهدافه ألم الكيان المفبرك وأرغم الشيطان الأكبر على المشاركة المباشرة في الهجوم.. ثم اضطروا إلى وقف القتال بعد أن تأكد لهم أنهم أعجز عن تهشيم الدولة أو تحطيم قوتها النووية والظاهر أنهم استعجلوا وقف الحرب تحت ضغط الأذى الكبير الذي لحق الكيان والذي يظهر أنه لم يكن في الحسبان.. ولسائل أن يسأل كيف تقدر أن أمريكا اضطرت للدفع إلى وقف الأعمال الحربية؟!.. ألم تتعرض إيران لأكبر خسارة؟ نعم خسارة إيران كبيرة جدا وكلفة الضربات التي تعرضت لها عالية وأشد خسائرها انكشافها الأمني الفادح الذي لم يعرف له مثيل في تاريخ الحروب لكن في ظل الوضع الاستراتيجي الحالي الذي يتسم باختلال رهيب في القوة بين الغرب المعتدي وإيران وفي ظل البيئة المحيطة التي تجعل إيران مكشوفة الظهر دون حليف حقيقي مقابل تحالف أقوى قوى الشر في العالم وبناء عن الأهداف الصريحة لتحالف العدوان فإن محافظة إيران عن وجود الدولة وقدرتها على حماية برنامجها النووي هو في حد ذاته انتصار على العدوان ناهيك عن مفاجأتها المدوية بخلقها لتوازن رعب حقيقي تَلمَّسه الكيان على الواقع وأقتنع بحقيقته رعاته. ولو طبقنا مفاهيم النصر والهزيمة المختلفة لوجدنا أن النصر يتحقق ب: 1 نزع السلاح: بالمفهوم الكلاسيكي .. هدف الحرب هو إجبار العدو على الخضوع لإرادة المعتدي.. وأكبر مظاهر الخضوع والهزيمة هو تسليمه لسلاحه وهذا لم يحدث مع إيران وهذا ما يفسر إصرار الاحتلال وسلطة أوسلو ودول محور التطبيع على أن تُسلم المقاومة سلاحها. 2 كسر الإرادة: بالمفهوم النفسي .. هدف الحرب هو دفع العدو إلى الاقتناع بأن الاشتباك أو متابعة الصراع أمر غير مجد.. بالتالي فالشعب الذي يواصل سعيه نحو التحرر ورفضه الاستسلام لإرادة العدو.. لا يمكن عدّه مهزوما. وفي حالة إيران سجلنا الالتفاف الجماهيري غير المسبوق مع قيادته السياسية ودفاعهم المستميت عن الدولة وبرنامجهم النووي.. وبهذا المفهوم أيضا نفسر عدم انهزام المجاهدين في غزة وصمودهم الأسطوري. 3 تغيير الواقع على الأرض: بالمفهوم الثوري .. هدف الحرب هو القضاء على النظام القديم وإقامة نظام جديد يتوافق مع تطلعات الثوار.. وهو الهدف الأول الذي سعى له العدوان تحت عنوان شرق أوسط جديد وبما أننا نسجل استمرار المنظومة الحاكمة نفسها على الأرض وبحاضنة شعبية متماسكة فإيران لم تنهزم.. وبالمنطق نفسه نفسر استمرار حكم حماس وإصرار حاضنتها الشعبية على خياراتها. فإذا اكتفينا بهذه المفاهيم الثلاث نخلص إلى أن إيران لم تهزم بل خرجت منتصرة وفي وضعية أقوى فهاجس إيران قبل الحرب هو خشيتها من تعرضها لهجوم شامل من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها وكان هذا الهاجس هو ورقة الضغط الأساسية المسلطة على رقبتها أثناء التفاوض.. وبزوال هذا الاحتمال أصبحت القيادة الإيرانية متحررة أكثر وبإمكانها مقاومة كل الضغوط وحتى تسريع إنتاج القنبلة النووية التي تردع عنها كل عدوان مستقبلا. 3- نتائج وملاحظات: قوة العدوان وخطره على المنطقة تدفعنا للتفكير في حالنا والاستفادة من واقعنا مستحضرين تاريخنا مع الاستدمار قديما وحديثا ومما نستخلصه من هاته الأحداث: 1- انكشاف إيران من أسبابه انفصال النخبة الحاكمة عن شعبها ولهذا نقول للجميع .. السلطة المنفصلة عن شعبها تفقد روحها وتتحول إلى قوة مادية مجردة تقوم على ذات الشوكة وهذه بداية النهاية.. 3- علينا أن ندرك جميعا أن الغرب يعادينا عقديا ولا أحد منا عنده أحسن من الآخر فقط يجزئ حربنا متى اقتضت ضرورة تجديد الهيمنة وتثبيثها ومن السذاجة أن يعتقد أحدنا أن بإمكانه بناء مجده على أشلاء أخيه. 3- مبدأ نصرة المظلوم والضرب على يد الظالم لا يقبل التأويل ولا التجزئة فإيران التي انتصرت لسلطة الأسد بمنطلق طائفي على حساب الشعب السوري المظلوم دفعت الثمن غاليا (معجلا غير مؤجل) بانكشافها الأمني المفضوح عند ما عملت عن قرب مع المخابرات الروسية ومخابرات نظام الأسد البائد فخسرت بسببه ذراعها الأقوى ممثلا في حزب الله والأشد تعرضها لخطر سقوطها وزوال دولتها. 4- نقول لحكام المنطقة وقادتها إن الاستدمار يكسب قوته من ضعفكم ويراهن على خنوعكم فالكيان المفبرك وبرغم الدعم المطلق للغرب الاستدماري فإنه أضعف مما تعتقدون ولكم في صمود المقاومة وفي توازن الردع الذي خلقته إيران أحسن دليل فيكفي أن تتصالحوا مع شعوبكم وتعملوا على الوحدة فيما بينكم وتتعاونوا على كسب قوة نوعية تحميكم وتردع عدوكم. وأخيرا نقول إن طوفان الأقصى فاض أثره على المنطقة وما سقوط نظام الأسد المجرم والعدوان الشرس على إيران إلا بداية لشرق أوسط جديد لكن ليس بتعريف أمريكا ولا بتعريف كيانه المفبرك. ///// للنقاش الهادئ أ.د.هاشم غرايبة منذ أن بدأ العدوان الأمريكي على إيران بالمخلب الصهيوني نشب خلاف حول الموقف منه الغالبية تعاطفت مع إيران بعضهم انطلاقا من الأخوة الإسلامية بعضهم تشفيا بالكيان اللقيط الذي طالما أثخن الأمة بالاعتداءات من غير أن يلقى ردا ولو بسيطا من تلك الأقطار المستهدفة فكانت الضربات الصاروخية الإيرانية الصاعقة للعدو المتغطرس فيها شفاء للنفوس المتعطشة للانتقام منه وقلة لم تتمكن من نسيان ما أذاقته إيران للشعبين العراقي والسوري تحت عنوان محاربة الإرهاب السني بدافع من التعصب المذهبي فذهب هؤلاء الى التشفي بما أصاب الطرفين قائلين: اللهم اضرب الظالمين بالظالمين. بين هؤلاء وهؤلاء اندست طائفة خبيثة هم الموالون للأنظمة المتصهينة والتي توالي أعداء الله تبعية وعمالة ووظيفتها الموكلة اليها من قبل سيدتها الإمبريالية الغربية هي محاربة أي محاولة لعودة الدولة الإسلامية فسياستها داخليا هي قمع أي حركة دعوية فكرية أو سياسية تطالب بتطبيق منهج الله والبطش بمن يؤيدها من الدعاة والمفكرين وتعدهم إرهابيين. وسياستها الخارجية قائمة على انتهاز كل فرصة لتعميق الخلاف السني – الشيعي وأي خلاف آخر يفاقم شرخ الأمة الإسلامية وإفشال أي جهد يصب في تشكل محور إسلامي يتجاوز الخلافات. هذه الفئة اجتباها الحكام المتصهينون من شيوخ السلاطين وأتباعهم بالمال لتضفي غطاء شرعيا على أفعالهم الخسيسة بحق الأمة وهي مكونة أساسا من جماعات تدّعي انتماءها للسلفية لكنها بعيدة كل البعد عن منطلقاتها الإيجابية فلا تأخذ منها إلا عقيدة طاعة ولي الأمر ولو خالف كتاب الله وهي عقيدة باطلة ليس لها أساس شرعي لمخالفتها للقاعدة الشرعية الصريحة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لكي يكون المرء على بينة ولا يقع في الفتنة فيخسر دنياه وآخرته عليه أن يتبين مواضع قدميه فلا ينجر من حيث قد لا يعلم إلى تأييد أو تقبل أفكار المتصهينين العرب. الفيصل للمؤمن في مسألة الوقوف مع إيران في هذه الحرب أو ضدها هو شرع الله. فليس من يقول تدإن إيران هي المدافعة الوحيدة عن الأمة وأن على يدها سينتصر الإسلام محق ولا الذي يقول إنها لا تختلف عن الصهيونية في العداء للأمة. 1 - بداية يجب أن نعلم إن إيران دولة ذات تاريخ عريق لا تقبل أن تهمش ولا أن تنتهك سيادتها ولها مشروعها القومي الخاص بها ومن الطبيعي أن يتناقض مع المشروع القومي العربي لذلك فلا يعيبها أن ما تفعله اليوم هو ليس دفاعا عن فلسطين ولا انتصارا لأمة العرب المهزومة بل هو لمصلحتها كدولة ويخدم مشروعها. ومن غير المنطقي أن نطالبها بالتصدي للعدو ونتهمها أنها بذلك تسعى لنشر مذهبها وتحسين صورته فيما نتغاضى عن موالاة الأنظمة العربية للعدو بل والاصطفاف معه في عدوانه على القطاع. نعم هي تملك مشروعا توسعيا في المنطقة باستثمار التعصب المذهبي لكن المشكلة هي أننا لا نملك أي مشروع بالمقابل للإسلام السني بل جميع الأقطار العربية السنية معادية لأي مشروع اسلامي سياسي. 2 – تأييد ايران في معركتها الحالية واجب شرعي وليس مجرد اصطفاف سياسي والدليل فتوى لابن تيمية عند ما سئل في رجل يعتبر أهل الكتاب أقرب إليه من الشيعة وجاء فيها: كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام مفضل على من كفر به ولو كان هذا المؤمن من أصحاب البدع كالخوارج والشيعة والقدرية وغيرهم فإن اليهود والنصارى كفار كفرا صريحا معلولا بدين الإسلام . 3 – تأييد موقف جهة ما لا يعني تأييدها في كافة المواقف فنحن نترضى عن معاوية كصحابي وكاتب وحي وندعو له لكننا لا نؤيده في موقفه في منازعة علي على الخلافة ولا يجوز إنكار فضل الحجاج في أنه يعتبر أكثر من قام بالفتوحات مع أنه أكثر من قطع الرؤوس بغير حق. وكذلك فإن تأييد إيران في معركتها الحالية والوقوف معها لا يعني نسيان ما فعلته من جرائم بحق المسلمين فكل موقف يحسب على حدة. 4 – الكيان اللقيط عدو أساسي وما فعله بالمسلمين لا يجوز مقارنته مع أفعال غيره لذلك لا يحل شرعا الاعتراف به كدولة أو التطبيع معه وأي دولة عداه يمكن إقامة علاقات مصالح معها. عند ما وضعت عنوان المقال: للنقاش الهادئ كنت أعلم أنني سأقع بين ناري الجهتين المتطرفتين: الأولى بدافع الاصطفاف القومي العاطفي وهم من يعتبرون ايران قائدة محور مقاوم للهيمنة الأمريكية والثانية المحور المضاد المصطف مع الأنظمة العربية المتصهينة التي تنفذ إملاءات العدو وتتخذ من التخويف من الخطر الشيعي حجة للتحالف مع العدو هؤلاء الطرفين أصحاب مواقف مسبقة لا جدوى من محاولة إقناعهم كلامي موجه الى الفئة العظمى من أبناء الأمة الحائرة بين محاولات الشد من هؤلاء وهؤلاء وهي تبحث عن النجاة من غضب الله في زمن الفتنة الذي نعيشه وبينت أن أفعال إيران الإجرامية واستغلالها الحقد الطائفي لا يمكن تناسيه لكن ليس الآن وقت الحديث فيه لأن في ذلك خدمة للعدو وأذنابه بيننا ومصلحة الأمة في التصدي لعدوها الحقيقي تقتضي الشد على كل يد تؤذيه حتى ولو كانوا معادين لعقيدتنا كروسيا أو الصين أو كوريا الشمالية. ///// الأنفاق: منظومة دفاعية معقدة ضرورية في رَحَى الحروب أ.محمد حيدوش المقدمة: سِتر الأرض في مواجهة نار السماء لطالما شكَّلت الحروبُ أقسى امتحانات الوجود الإنساني فدفعتْ بالإنسان إلى استنفار كل مَخزون فِكره وحيلته بحثًا عن النجاة. ومن بين أقدم وأنجع الحلول التي ابتكرها العقل البشري لتحصين الحياة ضدّ سَيف الدمار الجوي والمدفعي جاءت الأنفاقُ لتكون حُجُورَ الأرض الحصينة وخنادقَ الصمود في وجه العواصف النارية. فهي ليست مجرد حُفر في جوف التربة بل هي منظومة دفاعية مُعقدة وشاهدٌ على قدرة الإنسان على تحويل باطن الأرض إلى سقف يُؤمِّن رِحابه. تَحفل المصادر العسكرية والتاريخية الموثوقة من دراسات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إلى تقارير الهيئات الدولية المعنية بحماية المدنيين بالإشارات الدالة على الدور المحوري للأنفاق في حماية الأرواح أثناء النزاعات المسلحة خاصة في ظلّ تفوّق أسلحة القصف الجوي والمدفعي المدمّرة. الأنفاق: هندسة البقاء وفلسفة الحماية تستمد الأنفاق أهميتها من مبدأ فيزيائي بسيط عميق: قدرة الأرض على امتصاص وحَجب القوة التدميرية. فبينما تَطحن المتفجرات السطحَ وتُبيد ما فوقه تتحول الطبقات الصخرية والترابية الكثيفة فوق الأنفاق المدروسة هندسيًّا إلى دِرع طبيعي هائل. وتُجمع المصادر كدليل اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) حول حماية المدنيين على أن الأنفاق توفر: 1. حماية فائقة: ضد القصف الجوي والمدفعي بالمدفعيات والصواريخ خاصة الذكية منها التي تستهدف نقاطا محددة فوق الأرض. 2. إمكانية الاختفاء والتخفي: مما يُعطِّل قدرة العدو على التتبع المباشر ويُصعّب استهداف التجمعات البشرية. 3. شبكة اتصال ونقل آمنة نسبيًّا: تسمح بحركة الأفراد ونقل الإمدادات الأساسية (طعام دواء ذخيرة محدودة) بعيدًا عن مرمى النيران. 4. مأوى طويل الأمد: عند تهيئتها بشكل مناسب يمكنها توفير مساحات للسكن المؤقت تخزين المؤن وحتى تقديم الخدمات الطبية الأساسية أثناء الحصار. أنفاق غزة: نسيج حياة وممر صمود لا يُمكن الحديث عن الأنفاق في سياق الصراعات المعاصرة دون التوقف مليًّا عند نموذج أنفاق غزة. فهذا النسيج المعقد تحت أرض القطاع الضيق والذي تطور على مدار عقود تجاوز كونه مجرد ملاجئ. لقد تحوّل إلى شريان حياة حقيقي وأداة استراتيجية في مواجهة الحصار المتواصل والهجمات العسكرية المتكررة. وظَّفت فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس هذه الأنفاق بشكل مكثف لعدة أغراض: -التموين: استيراد السلع الأساسية والوقود والأدوية والمواد الإنشائية عبر أنفاق التهريب بين غزة ومصر كسرًا للحصار الخانق. -الحركة الآمنة للمقاومين: تنقل المقاتلين ونقل الأسلحة خفيفة والمتفجرات محلية الصنع بعيدًا عن المراقبة الجوية. -القيادة والسيطرة: إيواء قيادات وعقد اتصالات آمنة نسبيًا. -المفاجأة التكتيكية: تنفيذ عمليات الكرّ والفرّ والهجمات المفاجئة عبر منافذ خفية كما حدث في عمليات عسكرية شهيرة. أصبحت هذه الأنفاق رمزًا لصمود غزة رغم ما يُثار حول استخداماتها العسكرية وما يتبع ذلك من جدل دولي إلا أن دورها الأساسي في حماية حياة مئات الآلاف من المدنيين والأسرى أثناء الحروب المتلاحقة كما وثّقت تقارير منظمات حقوق الإنسان أمر لا يمكن إنكاره. تل أبيب: الصدمة والمرآة العكسية ولكن اللافت في المشهد الاستراتيجي الحديث ما كشفته التصعيدات الأخيرة في الشرق الأوسط وخصوصًا في إطار المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية المباشرة وغير المباشرة. فالهجمات الصاروخية والمسيّرة التي استهدفت إسرائيل أدت إلى مشهد كان يُعدُّ مستحيلاً في السابق: فرار أعداد كبيرة من الإسرائيليين في شوارع تل أبيب والمدن الكبرى نحو الملاجئ والأنفاق العميقة. هذا المشهد الذي بثّته وسائل الإعلام العالمية يُعدُّ كشفاً صادماً ومرآةً عكسيةً لقيمة الأنفاق. لقد أثبت وبشكل ملموس للعالم أجمع أن التهديد الجوي والصاروخي لا يُفرّق بين جندي ومدني ولا بين دولة قوية وأخرى تحت الحصار. وأظهر أن مفهوم الحماية عبر التحصين تحت الأرض هو استجابة عالمية وضرورة وجودية في زمن الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة وليس حكرا على طرف دون آخر. الأنفاق في إسرائيل جزء من منظومة دفاعية متكاملة (القبة الحديدية الإنذار المبكر الملاجئ العمومية والخاصة) لكن ذعر المدنيين وهرعهم نحوها يؤكد أنها الحل الأخير والأكثر موثوقية عند فشل كل الحلول الأخرى في التصدي للقذائف الساقطة. الأنفاق: ظاهرة عالمية ودرس استراتيجي الحقيقة الجوهرية التي تُفرض نفسها هنا هي أن الأنفاق ليست ظاهرةً محصورةً في غزة أو إسرائيل بل هي واقع دفاعي عالمي. من الملاجئ العميقة المضادة للقنابل النووية في عصر الحرب الباردة (كتلك في أمريكا الشمالية وأوروبا المشهورة) إلى الأنفاق الواسعة في عواصم مثل سيول تحسبًا لتهديدات جارة الشمال إلى أنفاق التهريب والمقاومة في مناطق النزاع المختلفة حول العالم. كلها تشهد على أن جوف الأرض أصبح فضاءً استراتيجيًّا موازيًا يُوظَّف للحماية والتخزين والحركة والردع. إنها تعكس إدراكًا عميقًا لطبيعة التهديدات الحديثة التي تعلو فوق الأرض وتدفع باتجاه التحوّل إلى ما تحتها للنجاة. الجزائر والتعبئة العامة: السؤال المحوري وهنا يبرز السؤال المحوري الذي يختم هذا التحليل وخصوصًا في سياق دولة كالجزائر التي أقرّت أخيرًا قانون التعبئة العامة والذي يُعدّ إطارًا تشريعيًّا استعداديًّا لمواجهة أي تهديدات خارجية محتملة في ظلّ إحساس عام بأن البلاد مستهدفة من قِبَل أعدائها في محيط إقليمي مضطرب: هل فكّرت الجزائر أو ينبغي لها أن تفكر في الاستثمار بشكل جاد ومنظّم في إنشاء شبكة أنفاق وملاجئ عميقة تحت الأرض كجزء من استراتيجيتها الدفاعية الشاملة لحماية مدنييها في حالات الطوارئ القصوى؟ لا شك أن التهديدات الأمنية متعددة الأوجه والجزائر تمتلك جيشًا قويًّا وأنظمة دفاع جوي متطورة. ولكن دروس غزة وإسرائيل وتجارب دول أخرى تُظهر أن لا بديل عن التحضير لحماية السكان المدنيين مباشرةً. قانون التعبئة العامة يضع الأسس التنظيمية لكن التطبيق العملي يتطلب خطوات ملموسة. بناء الأنفاق والملاجئ العميقة الآمنة والمتاحة على نطاق واسع في المدن الكبرى والمناطق الاستراتيجية يتطلب: 1. إرادة سياسية واستراتيجية واضحة تُدرج هذا البُعد في صلب التخطيط الأمني القومي. 2. استثمارات مالية ضخمة وطويلة الأمد في البنية التحتية تحت الأرض. 3. دراسات هندسية وجيولوجية دقيقة لضمان الأمان والاستدامة. 4. توعية واسعة على الإستخدام والصيانة. هل الجزائر بثقلها الجيوسياسي وإمكاناتها وتاريخها النضالي مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة الاستباقية الجريئة؟ هذا سؤال مصيري يمسّ أمن مستقبل ملايين الجزائريين ويستحق نقاشًا جادًّا يتجاوز الخطاب إلى التخطيط الفعلي. ففي عصر تتهاوى فيه الحدود بين الجبهة والخلف بين المقاتل والمدني قد يكون التحوّل إلى جوف الأرض كما علمتنا دروس التاريخ الراهنة ليس خيارًا تكتيكيًّا بل ضرورة استراتيجية للبقاء.