ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعا لمكتبي مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني    افتتاح الدورة البرلمانية: المجلس الشعبي الوطني سيواصل مهامه بنفس العزيمة والإصرار    المهدي وليد يتسلم مهامه على رأس وزارة الفلاحة و التنمية الريفية و الصيد البحري    يحيى بشير يتسلم مهامه وزيرا للصناعة    انطلاق أشغال القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة    إعادة فتح العيادة المتخصصة في أمراض الأنف والأذن والحنجرة بباتنة بعد تهيئتها وتجهيزها بتقنيات حديثة    بومرداس: إنطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    الجزائر تبرز مكانة المرأة والشباب في المنتدى العالمي للبرلمانيين الشباب بليما    الجزائر تعرض استراتيجيتها في الوقود البديل والهيدروجين خلال اجتماعات وزارية ب"إكسبو 2025″ أوساكا    عطاف يجري محادثات ثنائية مع رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر قبيل القمة العربية الإسلامية الطارئة    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    ألعاب القوى (مونديال طوكيو): الجزائر عبد الرزاق شريك ينهي السباق في المركز ال18    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة (أقل من 20 سنة): المنتخب الوطني ينهزم أمام أوغندا (3-1)    افتتاح الدورة البرلمانية العادية    طاقة: الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين حول الوقود المستدام والهيدروجين بأوساكا    تنظيم الطبعة ال7 للصالون الدولي للواجهات والنوافذ والأبواب من 20 إلى 23 سبتمبر بالعاصمة    عشرات المستوطنين الصهاينة يقتحمون المسجد الأقصى    اختتام فعاليات مخيم الشباب لذوي الاحتياجات الخاصة    هزة أرضية بشدة 2ر3 بولاية المدية    مطار الجزائر يستعين بالذكاء الاصطناعي    أسبوع وطني للصحة المدرسية    تفكيك شبكة إجرامية وحجز 5623 كبسولة    رونالدو الأوّل ورام يتفوق على ميسي    تكريم جزائري لسلوم حدّاد    خفض التصنيف الائتماني لفرنسا    رئيس الجمهورية يعين أعضاء الحكومة الجديدة    توقيف ثلاثيني بعد ظهوره في فيديو    خارطة طريق للتعاون والتطوير المنجمي    مخطط خاص لتأمين الإقامات الجامعية    بوغالي يرحّب باعتماد إعلان نيويورك حول حلّ الدولتين    الجزائر ملتزمة بترقية الديمقراطية وحقوق المرأة    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    تعليمات للتكفّل الأمثل بانشغالات الصيادلة الخواص    ضيوف إمدغاسن يكتشفون جمال جبال الشلعلع    وجهة سياحية ساحرة تستقطب عشاق المغامرة    فان بيرسي يدافع عن أنيس حاج موسى ويتهم التحكيم    يوسف بلايلي يثير أزمة جديدة في تونس    إعداد ملف لإدراج المالوف ضمن قائمة التراث العالمي    ملتقى وطني عن آثاره وإنجازاته الرائدة في نوفمبر القادم    أدب السجون.. وثيقة تاريخية وأخلاقية بأبعاد كونية    المالوف من المدرسة إلى العالمية : الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    نظمته "الجاحظية"..لقاء تأبيني لاستذكار خصال الكاتب والمثقف الموسوعي محمد صالح ناصر    إصابة عمورة تُهدد جاهزيته لمباراتي الصومال وأوغندا    لبحث العدوان الإسرائيلي على دولة قطر..عطاف يمثل الرئيس تبون في القمة العربية الإسلامية الطارئة    69 مليارا مستحقات "سونلغاز"    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    جيش الاحتلال يدمر "برج الكوثر" في غزة..استشهاد 26 فلسطينيا بغارات إسرائيلية    إفريقيا لم تعد تقبل بالأمر الواقع    سوق أهراس تستقبل الموروث الثقافي لولاية إيليزي    المولودية تعود بالفوز    إشادة ب"ظلّ البدو" في مهرجان تورونتو    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ينهي الانتقال إلى "الشرعية الشعبية" الجدل حول المشروع النوفمبري؟
58 سنة عن إقرار وثيقته وخلاف حول الالتزام بمبادئها وأهدافها
نشر في صوت الأحرار يوم 31 - 10 - 2012

لم تكن عبقرية محرري بيان أول نوفمبر 1954 تقتصر على توحيد الجهود الوطنية وتعبئة كافة القدرات لتحقيق الاستقلال الوطني، وإنما تجاوزته لوضع أرضية حددت معالم الدولة الجزائرية المستقلة، دولة جمهورية ديمقراطية شعبية اجتماعية وفق المبادئ الإسلامية، فإلى أي حد تم تحقيق ذلك بعد 58 سنة عن نداء نوفمبر؟ وهل حان الوقت للانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الشعبية؟ أو ليس هذا ما تستهدفه الإصلاحات السياسية المعلن عنها؟.
يتفق الدارسون والمؤرخون للتاريخ الجزائري الحديث أن عبقرية بيان أول نوفمبر وقوته وصلابة أرضيته تكمن في كونه أول وثيقة التفت حولها كل التوجهات السياسية والتيارات الإيديولوجية التي كانت تناضل من اجل الاستقلال الوطني.
بيان أول نوفمبر أو »قميص عثمان«
فالبيان الذي جاء في وقت عصيب من مسيرة الحركة الوطنية لم يكتف بتعبئة الشعب الجزائري وتجنيده لتحقيق الاستقلال من خلال الحسم العسكري بالتوازي مع الحل السياسي، بل تمكن محررو البيان من وضع تصور كامل وشامل لما يجب أن تكون عليه الدولة الجزائرية المستقلة لاحقا، حيث تم الاتفاق على أن يكون النظام السياسي الذي يؤطر مؤسسات الدولة المستقلة جمهوريا، والخيار الديمقراطي منهجا للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، ولكن أن يكون الشعب وحده مصدر السلطة كل السلطة، على أن تقوم الدولة بمؤسساتها على تجسيد البعد الاجتماعي في برامجها وسلوكاتها دون إهمال أو إغفال للمرتكزات »الهوياتية« للمجتمع الجزائري وفي مقدمتها المرتكز الإسلامي.
ومن هنا فلا غرابة أن تكون المرجعية النوفمبرية، واحدة من الأدوات التي التف حولها الجزائريون عموما والناشطون خصوصا، كيف لا، والوثيقة محل الذكر، وحدت الرؤى وحسمت الخيارات ورسمت الأهداف وحددت الأفاق، تحت عنوانين رئيسيين هما جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني.
وفي مثل هذا المستوى من الطرح، ينتقل باحثون ومؤرخون ودارسون للتاريخ السياسي الجزائري الحديث إلى مستوى آخر من النقاش، وهنا يبرز السؤال المركزي، الذي تباينت الإجابات عنه واختلفت حوله التقديرات: هل تمكنت السلطات المتعاقبة منذ الاستقلال من تحقيق أهداف نوفمبر الخالدة وتجسيد قيمه ومبادئه السامية، في إطارها الوطني بخلفياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبأبعادها الإنسانية والحضارية؟ هل بيان أول نوفمبر كمشروع مجتمع ما يزال صالحا للأمة أم أن التحولات الوطنية والإقليمية تقتضي فيما تقتضيه إصلاحات جذرية ضمن المرجعية التاريخية ذاتها؟.
المشروع الجامع والأدوات المفرقة
في الواقع لا بد من الإقرار أن الاتفاق أو التوافق الوطني حول وثيقة بيان أول نوفمبر، لم يمنع من وقوع خلافات حادة وصلت إلى حد إشهار السلاح في وجه الرفقاء، خلال الثورة وبعدها بين القادة التاريخيين حول آليات وأسلوب تجسيد ذات المشروع على أهميته وجسامة طموحاته، ولعل التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الثورة في سنواتها الأخيرة والبدايات الأولى للاستقلال، أحسن دليل على ذلك، فمن الاستشهاد الغامض للبطل عبان رمضان إلى الانقلاب على الحكومة المؤقتة إلى أحداث صائفة 62 المأساوية، برزت إشكالية الشرعية وممارسة السلطة بوضوح. ولان التوافق لم يحسم المسألة رغم التلويح بالمرجعية النوفمبرية من قبل كل الأطراف، فقد ظل التجاذب حول الشرعية قائما إلى يوم الناس هذا، فإقرار الأحادية الحزبية كأداة وحيدة لممارسة السلطة بعد الاستقلال واختيار الاشتراكية منهجا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، حتى وان كانا ضروريان لتلك المرحلة من تاريخ الدولة الحديثة إلا أنه لم يكن محل اتفاق كل التوجهات النشطة في الساحة عقب الاستقلال، فقد بدا واضحا أن »حراس الشرعية الثورية« الذين بسطوا سلطتهم على مفاصل الدولة الوليدة بفضل القوة الميدانية المتمثلة بالأساس في جيش التحرير الوطني، أزاحوا كل الأصوات »المغردة خارج السرب« حسب توصيف السياقات التاريخية لتلك الفترة.
وهنا تتوقف بعض التيارات السياسية والإيديولوجية الفاعلة في المشهد السياسي والتي عارضت بعض الخيارات السياسية والاقتصادية بعد الاستقلال عند نقطة يعتقدون أنها على جانب كبير من الأهمية، وتتعلق في جوهرها بتخلي كل السلطات المتعاقبة منذ الاستقلال إلى غاية مطلع تسعينيات القرن الماضي عن واحد من أهم بنود أول نوفمبر 1954 وهو الخيار الديمقراطي، فمن بن بلة مرورا ببومدين إلى غاية الشاذلي بن جديد ظل نمط الحكم أحادي، شمولي. ويضيف رموز هذا التيار المعارض بمختلف أطيافه السياسية أن التخلي عن الخيار الديمقراطي أدى حتما إلى التخلي عن الشرعية الشعبية، ومنه عن بنود من أبرز بنود وثيقة نوفمبر الجامعة، وهو ما فتح الباب برأي نشطاء المعارضة دائما أمام اللااستقرار السياسي الذي ميز فترات من تاريخ الجزائر المستقلة.
لكن »حراس الشرعية الثورية« والمدافعون عن الخيارات التي تم فرضها عقب الاستقلال، يبررون ذلك بالظروف القاسية الموروثة عن الاستعمار، إذ لم تكن هناك لا مؤسسات ولا إدارة ولا اقتصاد ولا إطارات قادرة على تسيير المرحلة، بل يذهب البعض منهم إلى أن إقرار الشرعية التاريخية أو الثورية كوسيلة لممارسة الحكم إنما فرضته جملة من المعطيات الميدانية على الأرض وأهمها عدم الرغبة في تقسيم الشعب إلى تيارات وتوجهات سياسية وفكرية قد تؤثر سلبا على بناء هياكل الدولة الحديثة العهد بالاستقلال، فضلا على معاناة الشعب طيلة قرن ونصف قرن من استعمار استيطاني مدمر، فكان لابد من الإسراع في التقليل من معاناته وذلك بإعادة النظر في الأولويات ومنها تأجيل الخيار الديمقراطي إلى حين. إلا أن هذا الطرح رغم وجاهته في كثير من جوانبه إلا أنه ترك باب الجدل مفتوحا حول تجسيد مبادئ وأهداف نوفمبر.
إقرار الشرعية الشعبية لم ينه الجدل
عندما أعلن الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد عن إصلاحات سياسية وهيكلية عميقة بعد أحداث الخامس من أكتوبر1988 وإصدار دستور 23 فيفري 1989 استبشر الكثيرون خيرا، وهللوا لإنهاء مسار الأحادية الفكرية والسياسية والثقافية والاحتكار الاقتصادي وكبح المبادرة التي ميزت المرحلة الفاصلة عن أحداث أكتوبر، فقد ساد نسيم الحرية في الجزائر وتعددت المبادرات وتدافع الناس بالأفكار وتراشقوا بالرؤى وبزغت في الأفق ملامح مرحلة جديدة في مسيرة الدولة الجزائرية. لكن سرعان ما تم إجهاض هذا الحلم الديمقراطي بعد الانزلاق في العنف لمسلح من قبل المعارضة الاسلاماوية التي تمثلت في الجبهة الإسلامية للإنقاذ آنذاك، ودخلت البلاد في مرحلة التيه السياسي أصبحت معه أركان الدولة مهددة بالانهيار تحت ضربات الإرهاب الأعمى الذي أتى على الأخضر واليابس، وطالت مدة الأزمة وتشعبت خيوطها وتعددت أوجهها وعظمت خسائرها واشتدت مآسيها.....والنتيجة هي إخفاق في امتحان الانتقال إلى الشرعية الشعبية من خلال الانتخابات، وتعطل المسار الديمقراطي لسنوات طوال.
الإصلاحات: رسكلة للمشروع النوفمبري أم تكيف مع ضرورات المرحلة؟
صحيح أن الشعب الجزائري تجاوز تلك المحنة من خلال مسار التقويم الوطني الذي أطلقه الرئيس السابق ليامين زروال، وأكمله الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة من خلال مشروع المصالحة الوطنية وقبلها قانون الوئام المدني، وحاليا الإصلاحات السياسية التي اقرها قبل سنة والتي أعادت فتح المجال السياسي والإعلامي في شقه المتعلق بالسمعي البصري، ومنح المرأة مكانتها في الدستور، وقبل هذا وذاك دسترة الامازيغية كلغة وطنية ضمن رؤية تهدف إلى استكمال عناصر الهوية الوطنية وتعزيزها. كل هذا يتم ضمن الإطار النوفمبري المحدد الوحيد للعملية السياسية وبوصلتها برأي السلطة القائمة. ومع ذلك ماتزال أصوات تطالب بمزيد من الانفتاح، انفتاح لا يرونه إلا بتسليم المشعل للجيل الجديد، وفق مقتضيات الشرعية الشعبية أو الدستورية المصدر الوحيد للسلطة.
وهكذا يبقى بيان أول نوفمبر 1954 في ذكراه ال58 نقطة التقاء كل الأطياف السياسية باختلاف مرجعياتها الفكرية، لكنه يبقى أيضا مادة دسمة لجدل سياسي ما فتئ ينتقل من مستوى إلى آخر، في انتظار التعديلات الدستورية المرتقبة وما تتضمنه من اقتراحات في مجال تنظيم السلط وتوزيعها واختيار نمط الحكم والذي يعتقد متفائلون انه سيكرس الإرادة الشعبية كمرجعية مكملة للمرجعية التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.