جلسة عمل جزائرية–أمريكية لاتينية لتعزيز التعاون البرلماني ودعم القضايا العادلة    سونارام وليون الماليزي يعززان تعاونهما في قطاع المناجم والصناعة الفولاذية    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار تستقبل وفداً تركياً لبحث مشروع ضخم في الطاقات المتجددة بسعيدة    غزة:300 شهيد وأكثر من 2640 مصابا برصاص الاحتلال الصهيوني خلال محاولة الحصول على الغذاء    البطولة الوطنية للجيدو ما بين مصالح الشرطة : انطلاق منافسات الطبعة ال14 بوهران    إطلاق مشروع تعميم العنونة الجغرافية بورقلة: خطوة استراتيجية نحو تنمية محلية مستدامة    كاس افريقيا سيدات2024/ المؤجلة الى 2025: المنتخب الجزائري يشرع في اجراء تربص تحضيري بوهران    إيران تطلق موجة جديدة من الهجمات الصاروخية ضد أهداف صهيونية    ملتقى المسيرة الدولية للنساء بمرسيليا (فرنسا): إبراز الواقع الأليم للمرأة الصحراوية تحت وطأة الاحتلال المغربي    وزارة العدل تشرع في دورات تكوينية    خطط لتطوير وكالة الأنباء    دعم رئاسي لمشاريع الأسر المنتجة    هل يصل سعر البترول إلى 150 دولاراً؟    إيران الكيان الصهيوني.. المواجهة الكبرى    ليلة الشرق الأوسط الساخنة وأسئلتها الجديدة    دعوة للاستثمار الفوري    شايب وواضح يشاركان في لقاء حول المقاولاتية    نادي سطاوالي بطلاً    غريب يدعو إلى رفع نسبة الإدماج    ما تْغامْروش..    شرطة المسيلة توقف 18 شخصا    طوابع بريدية جديدة    لماذا تتضاعف أسباب الهم والغم هذه الأيام؟    منع مواقد الشواء في الغابات لقلة الوعي البيئي    دفع التعاون الجزائري - العماني في صناعة الأدوية    صواريخ إيران تزرع الرعب.. وتل أبيب تتوجّع    استمرار الضربات المتبادلة بين إيران والكيان الصهيوني    جاهزية تامة لإطلاق شركة النّقل الجوي الداخلي    استكمال المشاريع الهيكلية وتحسين القدرة الشرائية    دعم وحدات الجيش بكفاءات قتالية عالية    حملة وطنية لتلقيح الأطفال دون السادسة    تعادل مثير بين الأهلي وميامي    مشكلة حراس "الخضر" مستمرة وتضع بيتكوفيتش في ورطة    جهود مكثفة لحماية المناطق الرطبة    يوم دراسي حول المسؤولية الطبية    تعليمات لتسريع تسليم المشاريع السكنية الجديدة    إسلام منصوري يفتك القميص الأصفر    أدعو إلى التجديد والإبداع في الفن مثلما فعل العنقا    الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية لسنة 2025    ذاكرة تُكرّم وأصوات تُخلد    دورة تكوينية في المقاولاتية للطلبة ذوي الهمم    إجراءات تنظيمية وتدابير أمنية محكمة    الوقاية من الأمراض المتنقلة أمر بالغ الأهمية    بكالوريا 2025: تنظيم محكم وظروف مريحة ميزت مجريات اليوم الأول    صحة: سايحي يتحادث مع نظيره التونسي    ورقلة : مشروع المرجع الوطني للعنونة ركيزة في مسار التنمية    بشارات ربانية عظيمة    تخيل.. عام واحد بلا كهرباء ولا آلات!    "واللَّه يعصمك من الناس"    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    كرة القدم/الدورة الدولية الودية لأقل من 17 سنة: المنتخب التونسي يتعادل مع نظيره الموريتاني ب(0-0)    باتنة: عودة أول فوج من الحجاج عبر مطار الشهيد مصطفى بن بولعيد الدولي    تتويج الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"    بعد تسجيل خروقات في استغلال المصنفات المحمية، الوصاية:    العرباوي يشرف على إحياء يوم الفنان    نشر القائمة المؤقتة للوكالات المرخّص لها تنظيم العمرة    مونديال الأندية ينطلق اليوم    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا المسجد الأقصى في معجزة الإسراء والمعراج؟!
نشر في الفجر يوم 02 - 06 - 2014

لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس، ولم تبدأ من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة؟. إنّ هذا يرجع بنا إلى تاريخ قديم، فقد ظلّت النبوّات دهورا طوالا وهي وقف على بني إسرائيل (كما قلنا في المقال السابق) وظلّ بيت المقدس مهبط الوحي، ومشرق أنواره على الأرض، وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار .
فلما أهدر اليهود كرامة الوحي، وأسقطوا أحكام السماء، حلّت بهم لعنة الله، وتقرّر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد! ومن ثمّ كان مجيء الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ انتقالا بالقيادة الروحية في العالم من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل.
وقد كان غضب اليهود مشتعلا لهذا التحوّل، ما دعاهم إلى المسارعة بإنكاره:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ} [البقرة 90] .
لكنّ إرادة الله مضت وحمّلت الأمة الجديدة رسالتها، وورث النبيّ العربيّ تعاليم إبراهيم وإسماعيل ويعقوب، وقام يكافح لنشرها، وجمع الناس عليها، فكان من وصل الحاضر بالماضي، وإدماج الكلّ في حقيقة واحدة أن يعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين في الاسلام، وأن ينتقل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في إسرائه، فيكون هذا الانتقال احتراما للإيمان الذي درج - قديما - في رحابه.. ثم يجمع الله المرسلين السابقين من حملة الهداية في هذه الأرض وما حولها؛ ليستقبلوا صاحب الرسالة الخاتمة، إنّ النبوات يصدّق بعضها بعضا، ويمهّد السابق منها للّاحق، وقد أخذ الله الميثاق على أنبياء بني إسرائيل بذلك: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران 81].
وفي السنة الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلّى بإخوانه الأنبياء ركعتين في المسجد الأقصى، فكانت هذه الإمامة إقرارا مبينا أنّ الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، أخذت تمامها على يد محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن وطّأ لها العباد الصالحون من رسل الله الأولين.
والكشف عن منزلة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ليس مدحا يساق في حفل تكريم، بل هو بيان حقيقة مقرّرة في عالم الهداية منذ تولّت السماء إرشاد الأرض، ولكنه جاء في إبّانه المناسب. فإنّ جهاد الدعوة الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم على كواهله، عرّضه لعواصف عاتية من البغضاء والافتراء، ومزّق شمل أتباعه، فما ذاقوا- مذ آمنوا به - راحة الركون إلى الأهل والمال، وكان آخر العهد بمشاق الدعوة، طرد (ثقيف) له، ثم دخوله البلد الحرام في جوار مشرك، إنّ هوانه على الناس - منذ دعاهم إلى الله - جعله يجأر إلى ربّ الناس شاكيا راجيا.
فمن تطمين الله له، ومن نعمائه عليه: أن يهيّئ له هذه الرحلة السماوية؛ لتمسّ فؤاده المعنّى ببرد الراحة، وليشعر أنه بعين الله مذ قام يوحده ويعبده، ويعلّم البشر توحيده وعبادته. كان يقول: ”إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي”، فالليلة علم أنّ حظّه من رضوان الله جزيل، وأن مكانته بين المصطفين الأخيار موطّدة مقدمة.
إنّ الإسراء والمعراج يقعان قريبا من منتصف فترة الرسالة التي مكثت ثلاثة وعشرين عاما، وبذلك كانا علاجا مسح متاعب الماضي، ووضع بذور النجاح للمستقبل. إنّ رؤية طرف من آيات الله الكبرى في ملكوت السموات والأرض له أثره الحاسم في توهين كيد الكافرين، وتصغير جموعهم، ومعرفة عقباهم.
وقد عرف محمّد صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة أنّ رسالته ستنساح في الأرض، وتتوطّن الأودية الخصبة في النيل والفرات، وتنتزع هذه البقاع من مجوسية الفرس وتثليث الروم. بل إنّ أهل هذه الأودية سيكونون حملة الإسلام جيلا في أعقاب جيل؛ وهذا معنى رؤية النيل والفرات في الجنة، وليس أنّ مياه النهرين تنبع من الجنة كما يظن السذّج والبله. لقد روى الترمذيّ مثلا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يردّه، فإنّه خرج من الجنة”؛ فهل ذلك يدلّ على أنّ الريحان من الجنة، ونحن نقطف أزهاره من الحقول والحدائق؟!.
والحكمة من الاسراء أنه أتاح لرسل الله فرص الاطّلاع على المظاهر الكبرى لقدرته، حتى يملأ قلوبهم ثقة فيه، واستنادا إليه، إذ يواجهون قوى الكفار المتألّبة، ويهاجمون سلطانهم القائم.
فقبل أن يرسل الله موسى شاء أن يريه عجائب قدرته، فأمره أن يلقي عصاه، قال: {أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23)} [طه]. فلمّا ملأ قلبه إعجابا بمشاهد هذه الآيات الكبرى، قال له بعد: {اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17)..} [النازعات].
وقد علمت أنّ ثمرة الإسراء والمعراج إطلاع الله نبيّه على هذه الايات الكبرى، وربّما تقول: إنّ ذلك حدث بعد الإرسال إليه بقريب من اثني عشر عاما، على عكس ما وقع لموسى! وهذا حق، وسرّه ما أسلفنا بيانه من أنّ الخوارق في سير المرسلين الأولين قصد بها قهر الأمم على الاقتناع بصدق النبوة؛ فهي تدعيم لجانبهم أمام اتّهام الخصوم لهم بالادّعاء، وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم فوق هذا المستوى. فقد تكفّل القران الكريم بإقناع أولي النهى من أول يوم، وجاءت الخوارق في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ضربا من التكريم لشخصه، والإيناس له، غير معكرة، ولا معطلة للمنهج العقلي العادي الذي اشترعه القرآن. وقد اقترح المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرقى في السماء، فجاء الجواب من عند الله: {قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا} [الإسراء 63]. فلمّا رقي في السماء بعد، لم يذكر قط أن ذلك ردّ على التحدي، أو إجابة على الاقتراح السابق؛ بل كان الأمر - كما قلنا- محض تكريم، ومزيد إعلام من الله لعبده. وفي قصّة الإسراء والمعراج تلمح أواصر القربى بين الأنبياء كافة، وهذا المعنى من أصول الإسلام: {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة 285].
والتحيات المتبادلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وإخوته السابقين توثّق هذه الاصرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.