* مقري: النظام ضيع فرصة كبيرة للتغيير * تواتي: الجزائر رهينة لإدارة المال بعد 27 سنة * بلعياط: الحقبة أتت بالتعددية وإن شابتها عيوب تمر اليوم 27 سنة على أحداث 5 أكتوبر 1988، التي تعتبر ”ثورة عربية” سابقة لأوانها، مهدت لدستور جديد، وأنهت فكر الحزب الواحد ”شكليا”، بل حتى النظام الاقتصادي تغير، ورغم مرور كل هاته الفترة لم تتحقق كل المطالب مع عودة الجزائر إلى ”نقطة الصفر” بالحديث عن تعديل آخر وآخر للدستور وأزمة اقتصادية تحوم بالبلاد. بعد مرور عقدين وسبع سنوات على اضطرابات شعبية كبرى شملت أهم المدن، احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لا تزال تلك الفترة يشوبها الغموض حول الأسباب والدوافع ومن وقف فعلا وراء تلك الأحداث التي أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في مواجهات مع مصالح الأمن بعد إعلان حالة الحصار، وفرض حظر التجول في العاصمة وضواحيها، وانتشرت قوات الجيش عبر كامل أحياء العاصمة حفاظا على ما تبقى مما خربه المتظاهرون. وظهر بعدها بخمسة أيام، الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، على التلفزيون، ليدعو المواطنين للتعقل، ووعدهم بغد أفضل، وبإصلاحات في المجالات السياسية والاقتصادية، ليفهم الجميع أن انفتاحا يلوح في الأفق، وهو ما تم فعلا، حيث رحل المرحوم الشريف مساعدية عن جبهة التحرير الوطني، ليخلفه عبد الحميد مهري، وتم تعيين الراحل قاصدي مرباح رئيسا جديدا للحكومة بعد شهر واحد من أحداث 5 أكتوبر، وفي الشهر الموالي عاد الكثير من أنصار الرئيس الأول للجزائر الراحل أحمد بن بلة. لكن عقلية الحزب الواحد استمرت بعد ترشح الشاذلي بن جديد، لوحده في الانتخابات الرئاسية في 22 ديسمبر 1988، وفوزه بنسبة 82 بالمائة، في سباق انتخابي من دون مرشحين، ليقر دستورا جديدا الذي اعتبر ”مهد” التعددية السياسية والإعلامية في الجزائر، مع فتح مجال النشاط واسعا لكل التيارات السياسية، وأقر حرية التعبير أيضا، بينما تم فتح المجال الاقتصادي أمام الخوصصة. وبعيدا عن إشكالية من حرك الشارع ذات يوم خريفي، يبقى السؤال يراوح مكانه حول من جنى ثمار التغيير، الشارع أم السلطة؟ فبعد 27 سنة من التعددية، لم يلمس الجزائريون أنهم يملكون أحزابا ولا مجتمعا مدنيا. كما لا يزال الرسميون يمتنعون عن الخوض في الحدث المفصلي الذي غير تاريخ الجزائر، رغم ”افتخار” الوزير الأول عبد المالك سلال، بكون الجزائر سباقة في الثورة وذلك عام 2012، تعليقا على أحداث ما يسمى بالربيع العربي في دول الجوار، أما من كانوا شهودا على تلك المرحلة أمثال سيد أحمد غزالي، رئيس الوزراء بين جوان 1991 وجويلية 1992، فعلق على ما تم جنيه من دستور 1989، وقال إنه تضمن ”أفضل الإصلاحات”، في إشارة إلى إقراره الإصلاحات السياسية والقانونية التي سمحت بتأسيس أحزاب سياسية معارضة. في المقابل رئيس الحكومة الأسبق، مقداد سيفي، يعود بالذاكرة إلى أحداث 5 أكتوبر 1988، مؤكدا أن تلك الأحداث الدامية من شأنها أن تتكرر لاستمرار نفس أسباب اندلاعها، موضحا أن انسداد الآفاق بالنسبة للشباب الجزائري، من شأنه أن يدفعه للمغامرات، وشدد على أن المشروع السياسي الجمهوري الديمقراطي، وحده الكفيل بالخروج من عنق الزجاجة، وإلا فإن مصير محاولات النظام كلها سيكون حائط الصد، المفضي إلى الصدمة. ويشخص موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، ما وقع قائلا في اتصال مع ”الفجر”، إن كل المراحل التي مرت بها البلاد كانت انقلابية من 65 إلى تاريخ 88، الحدث الذي مهد للتعددية السياسية، وتابع بأن التاريخ هو من حرك الشارع للوصول إلى الرأسمالية، لكن في حقيقة الأمر استفاد منها ذوو الجاه واستفادت قلة قليلة من الريع. ولا يرى تواتي أي اختلاف بين تلك الحقبة والأوضاع اليوم، في سياق الأزمة الاقتصادية والسياسية مع اختلافات في الظاهر، وأوضح أن السلطة العسكرية هي من كان يحكم آنذاك، ثم عقب التعددية امتزج الحكم بسلطة إدارية وعسكرية خفية، لكن اليوم المال هو من يتحكم، وبالتالي الشعب الجزائري رهينة هذه المجموعات بعد مرور 27 سنة على ”ثورة شعبية” لم يحصد منها الشيء الكثير، محذرا من سيطرة هذه الثنائية الآن على مستقبل البلاد، فانتفاضة ثانية ستحدث لا محالة، لكن ستكون عواقبها كارثية، وتكون بدون جدوى لأن المجتمع غير مهيكل وغير واع سياسيا. من جانبه، عبد الرزاق مقري، العضو في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي المطالبة باعتماد أرضية مزفران لتجنيب البلاد الوقوع في الأزمة، يؤكد في تصريح ل”الفجر”، تشابه الكثير من المعطيات اليوم، إلى حد التطابق لتلك الأحداث، وقال إن ”أحداث 88 سبقتها أزمة انهيار أسعار البترول عام 86”، وهو ما يراه ماثلا اليوم مع تراجع تدريجي لأسعار النفط بقرابة 70 دولار للبرميل، فضلا عن حالة التشاحن السياسي، وألقى باللائمة على السلطة التي ضيعت فرصة كبيرة للتغيير الإيجابي واصفا ذلك ب”إخفاق النظام”. .. الأفالان يتحدث عن نهاية الحزب الأوحد أما رئيس الهيئة التنفيذية الموحدة في الأفالان، عبد الرحمن بلعياط، الذي يهيمن حزبه على غالبية الأصوات في البرلمان، فيرفض الحديث عن وجود أوجه شبه بين المرحلتين، بل حدثت قطيعة مع مرحلة الحزب الواحد. ويرى في تصريح ل”الفجر” أن العبرة في النتائج والتعددية، وإن شابت الحقبة بعض العيوب إلا أنها مهدت لتعديل الدستور، وفتحت الأبواب لإنشاء أحزاب وصحف مستقلة، معلقا حول محرك الأطراف للأحداث أنه ”لم نعثر على من حركها بعد، لكن الحكمة بما حصدته الجزائر كدولة وشعب”. ... الإصلاح: ”تجريم الآخر” قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية أخرى من جهتها، حركة الإصلاح سجلت استمرار السلطة في فرض الأمر الواقع ومواصلة الهروب إلى الأمام، وقالت في بيان، إنه بعد مرور 27 سنة لازالت سياسة الهروب إلى الأمام مستمرة، وما فرضته من واقع جديد حينها تميز بتجاوز الأحادية نحو التعددية الحزبية، وكذا تحقيق بعض المكاسب الديمقراطية توجت بإجراء استحقاقات انتخابية شهد الجميع لها بالنظافة والشفافية، سرعان ما تم الانقلاب عليها، وفق قول البيان، مع تواصل حلقات التضييق والتراجع عن مكتسبات الديمقراطية وهوامش الحريات الفردية والجماعية إلى أن وصل الحد إلى ”تجريم الآخر”، واستعداء كل المناضلين من أجل التغيير من القناعات المتحررة والرأي المخالف في ظل انتهاج السلطة سياسة فرض الأمر الواقع وتجاهل كل مطلوب، ما كرس ثلاثية ”الانسداد والاستبداد والفساد”. وتابع المصدر بأنه ”بالقدر الذي سجلنا به كل هذا التراجع عن مقومات العمل الديمقراطي السليم، وإصرار السلطة على التحرك خارج الأطر الديمقراطية الصحيحة، نسجل معه يأسا شعبيا واسعا في إحداث التغيير عن طريق الفعل الانتخابي، وعليه ننبه السلطة في البلاد إلى أن مواصلة الهروب إلى الأمام واستمرار التعنت وفرض الأمر الواقع قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية أخرى، لن يتحكم فيها أحد، فالجميع يريد الخروج من هذه الأوضاع المتردية المفروضة بالقوة”.