هذا جديد صندوق التعاون الفلاحي    أخبار اليوم تُهنّئ وتحتجب    المغرب فشل في "شرعنة" احتلاله للصحراء الغربية بالقوة ولن ينجح في تحقيقه ب"شراء الذمم"    الجامعة العربية تدعو إلى تجديد التفويض الدولي ل"الأونروا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة    استشهاد مدير المستشفى الإندونيسي تحت القصف..إسرائيل تقتل 44 فلسطينيا بينهم 15 من منتظري المساعدات    كرة اليد/كأس الجزائر (سيدات)..نادي بومرداس- نادي الأبيار: نهائي واعد بين عملاقي الكرة الصغيرة النسوية    تيزي وزو.. تدشين ملعب بلدي وقاعة متعددة الرياضات ببلدية ايللتن    نهائي كأس الجزائر 2025 : شباب بلوزداد من أجل العاشرة واتحاد الجزائر لكسر الأرقام    توأمة بين البلديات : انطلاق قافلة ثقافية من تيميمون باتجاه مدينة أقبو    المجلس الأعلى للغة العربية ينظم احتفائية بمناسبة الذكرى ال63 لعيدي الاستقلال والشباب    سكيكدة.. توقع إنتاج أزيد من 6 ملايين قنطار من الطماطم الصناعية    فاطمة الزهراء سليماني و عبد الباسط بودواو يتوجان في المهرجان الوطني السادس للمواهب الشابة في فنون الغناء    الجزائر/فنزويلا: اجتماع تحضيري على مستوى الخبراء استعدادا للدورة الخامسة للجنة المشتركة للتعاون    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57012 شهيدا و134592 مصابا    السكن في الجزائر: ديناميكية متسارعة ونظرة عمرانية حديثة    415 ألف مؤسسة مصغرة ممولة منذ 2020    تأكيد على تمسك الجزائر بمبادئها الثابتة    الإصلاحات بدأت تعطي ثمارها    الهلال يُقصي آيت نوري    نحو إدراج 14 تخصصا تكوينياً جديدا    ربيقة: جرائم الاستعمار لا تسقط بالتقادم    أطول جسر في الجزائر وإفريقيا    تكريس إشعاع الجزائر    نهاية مأساوية    الموافقة على تعيين سفير الجزائر الجديد لدى سريلانكا    إيليزي: إطلاق مشروع انجاز 240 مسكن بمنطقة تين تورهة سبه النائية    أمطار رعدية مرتقبة على عدة ولايات بشرق البلاد    قسنطينة: تدشين مركز منبع الكهرباء بمنطقة قطار العيش    الضغوط باتجاه إنجاز صفقة في غزة ج2    الشلف : شرطة الأمن الحضري الخامس    الفاف" تقرر تقليص الطاقة الاستيعابية لكل الملاعب بنسبة 25 بالمائة    يوم الأحد المقبل عطلة مدفوعة الأجر    ممارستنا التشريعية تعد "نموذجا واقعيا في التنسيق المؤسساتي"    دعوة إلى الاستلهام من الثورة الجزائرية للتحرر من قيود الاستعمار    رئيس الجمهورية يجدد التزام الجزائر بدعم التنمية في القارة    التزام مشترك بإنجاح مشروع "بلدنا الجزائر"    ياسين بن زية يتجه لتوقيع عقد جديد في أذربيجان    160 مدرب في مهمة وطنية لتأهيل داخلي "القفص الذهبي"    مراقبة صارمة لنوعية مياه الصهاريج بعنابة    حدائق ومعالم أثرية في طريق الشرق    هدفنا بلوغ العالمية بقدرات مصارعينا واجتهاد مؤطريهم    المسؤولون المحليون يتحملون تبعات الوضع الحالي    مزرعة توارس... استثمار يجمع الابتكار بطموح الشباب    "بريد الجزائر" يطلق منصة للشكاوى والاستفسارات    مدّ جسور الإنشاد من البلقان إلى دار السلام    ستة مؤلفات جزائرية في أربع فئات    جرائم التاريخ تتكرر في غياب المسؤولية الأخلاقية والقانونية    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    برنامج خاص بالعطلة الصيفية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    بللو يشرف على إطلاق برنامج "هي"    بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.. صوت الإسلام الأول    الدعاء وصال المحبين.. ومناجاة العاشقين    فتاوى : حكم تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها    التاريخ الهجري.. هوية المسلمين    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    صناعة صيدلانية: تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الوزاري الافريقي المرتقب نوفمبر المقبل بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى جانب الفوائد الصحية: قدر الفخار آنية تقليدية تجمع الذكريات و « بنة زمان »
نشر في النصر يوم 31 - 03 - 2024

تسجل قِدر الطين حضورا مميزا في المطابخ، كما تعد من القطع المهمة التي تتصدر قائمة أواني شهر رمضان، حيث تصفها نسوة بأنها رفيقة لهن في أيامه، يعتمدن عليها لضمان لذة للأطباق خصوصا «شربة فريك» التي تطبخ بشكل أفضل في القدر الفخارية وتكون رائحتها زكية وقوامها كثيفا وذلك فإن حضور القدر في رمضان ضروري، ولا يكتمل المشهد إلا بصحون من ذات الطين تزين الموائد و تجعل تجربة الأكل أكثر متعة.
ربورتاج/ إيناس كبير
وقفت النصر، على حركية ملفتة خلال جولة قادتنا إلى معرض الأواني الخزفية بساحة أول نوفمبر بوسط مدينة قسنطينة، حيث توافد رجال ونساء على خيم بائعي الأواني، يسألون عن الأسعار ويتبادلون أحاديثا حول صلابة القدور الفخارية وفوائدها، وقد لفت انتباهنا أن الأغلبية تفضل القدور البسيطة المصنوعة من الطين دون زينة أو ألوان.
وأمام الإقبال الكبير للزبائن، نوع الباعة معروضاتهم و امتلأت مساحات بأواني بأشكال و أحجام مختلفة، كما عرضت أطقم كاملة من ثلاثة قطع تتمثل في قدر للطبخ وآنية للتقديم وتشكيلة صحون.
كانت هنالك أوان بسيط بلون الطين كما وجدنا أخرى جميلة بألوان متعددة، إلى جانب عرض قطع متعددة الاستخدامات مثل المقلاة الفخارية و قدر تحضير الكسكس، وميزتها جميعها أنها مزينة بزخارف ورموز تراثية شائعة في منطقتي القبائل و الأوراس وتستخدم في الصحراء كذلك.
أوان تمنح نكهة خاصة للطعام
عند اقترابنا من أحد الباعة قال لنا، بأن المكان لا يهدأ إلى غاية الساعة الثالثة زوالا، أما زبائنه فكانوا منهمكين في اختيار وتفحص بعض القطع يتبادلون أحاديث فيما بينهم عن كيفية الحفاظ عليها، أخبرنا السيد محمد الذي كان بصدد شراء تشكيلة صحون، أن أواني الفخار تضفي نكهة خاصة على الطعام، فما يطبخ فيها يكون ألذ مقارنة بما يطهى في الأواني المعدنية، مضيفا بأنه يستطيع تمييز الطعم بمجرد تذوق الأكلة، لأنه اعتاد على الطعام الذي تعده زوجته في قدر الفخار خلال رمضان، و الذي يكون أشهى بكثير، مما تحضره في الأيام العادية بأوان أخرى، ولذلك يشتري قدرا جديدة كلما تلفت القدر التي توجد في منزله.
أما السيدة جميلة، سيدة في الأربعينات التقينا بها في خيمة حرفي جاء من ولاية تيزي وزو، فقالت إن «الشربة» المطبوخة في قدر الطين تكون ألذ و كثيفة القوام، فضلا عن أن اللحم يطهى على مهله ما يجعله لذيذا جدا وطريا.
وأردفت محدثتنا، بأنها تجدد أواني الفخار كل رمضان، و تفضل المنتجات التي تصنع في منطقة القبائل، معلقة «أحب تزيين الطاولة خلال شهر رمضان بأواني تضفي مظهرا جميلا على خلاف المعتاد، لهذا لا أتردد في الإنفاق أبدا إذا تعلق الأمر بأوان فخارية جديدة».
قادتنا جولتنا إلى محلات تجار يختصون في بيع القدور والأواني الفخارية قبالة سوق حي الدقسي عبد السلام، وهناك لاحظنا بأن النساء يشكل غالبية الزبائن، كانت شابة تتبادل أطراف الحديث مع سيدات أخريات، اقتربنا منها فقالت إنها تزوجت حديثا وأتت لاقتناء قدر فخارية لأجل رمضان وذلك اقتداء بوالدتها التي كانت تخرج قدر الطين كلما حل الشهر، وتابعت بأنها تعودت منذ صغرها على رؤية القدر التي تعتني بها والدتها بشكل بالغ كي لا تتحطم، حيث تجهزها وتنظفها في أول أسبوع من رمضان، وعند انتهاء الشهر الفضيل تعيدها إلى مكانها في الخزانة، قائلة « كانت والدتي تنبه علينا إلى ضرورة الحذر عند غسل القدر أو حملها».
وأفادت سميرة الشابة الثلاثينية، بأنها تقلد والدتها اليوم و تعتمد على قدر الفخار لتحضير «الشربة» وكذا «الطاجين» أو الطبق الرئيسي، خصوصا أثناء تنظيمها للعزائم، حتى تضمن لذة الأطل وتحصل على العلامة كاملة من عند ضيوفها.
بجانبها كانت السيدة رشيدة، تتنقل بين الطاولات وبدى أن مهمتها كانت صعبة أمام توفر عدة خيارات، سواء في الشكل أو الحجم، قالت لنا إنها تحرص في شهر رمضان على طبخ «الشربة» في قدر الفخار، وأرجعت ذلك إلى أن الطعام يجهز سريعا ويبقى ساخنا لأطول مدة لأن الطين يحفظ الحرارة.
حرفيون يستلهمون من الأواني العصرية
أكد لنا عصام حرفي من ولاية قسنطينة، صاحب ورشة تنشط في صناعة الفخار منذ قرابة 14 سنة، بأن الإقبال على قدور الطين يطبع كل أيام السنة ويزيد خلال شهر رمضان، وأوضح بأن الطينة تختلف حسب نوع القطعة والغاية منها، فالأواني المخصصة للطبخ تُصنع من الطينة التي تُعرض للحرارة حتى لا تنكسر أثناء وضعها فوق النار، بينما تُصنع قطع الديكور من الطين الأبيض، موضحا بأنهم كحرفيين يحرصون على اختيار النوعية الجيدة خصوصا بعدما بات المنتج المحلي مطلوبا بقوة منذ تراجع الاستيراد.
سر التي لا تنكسر
كما كشف لنا الحرفي عن بعض التفاصيل التي يجب أن تلتزم بها المرأة حتى تحتفظ بالقدر لأطول مدة ممكنة، وذكر عدم الطبخ فيها مباشرة بعد شرائها حتى لا تنكسر عند تعريضها للحرارة، مضيفا « قديما كان الحرفيون يعتمدون على الفرن البدائي في عملهم فالأواني تكون أكثر صلابة، أما حاليا فقد توفرت الأفران الحديثة عالية السخونة، ولذلك فإن استعمال أواني الطين يلزم تحضيرها أولها، إذ يجب أن تُشبع بالماء لليلة كاملة، وعند وضعها فوق النار يجب أن تكون درجة الحرارة منخفضة مع استخدام الماء الساخن بدل البارد للطبخ، والتحريك بملعقة من الخشب أو السيليكون»، كما نبه المتحدث، إلى عدم وضع القدر مباشرة في الماء البارد عند الانتهاء من الطبخ.
من جانبه، قال رشيد تاجر بسوق الدقسي، بأن علاقته بأواني الفخار تتجاوز 65 سنة ما أكسبه خبرة في التعامل معها، وتحدث عن الفرق بين القدر المطلية والعادية المصنوع من الطين فقط، موضحا بأن القدر البسيطة تقدم طعاما ألذ وبطعم أفضل، لأنها طبيعية لم تضف إليها أصباح كيميائية، مشيرا إلى أن القدر المطلية يجب أن تمر على مراحل قبل أن تستخدم لطبخ الطعام، بداية بغلي كمية من الحليب فيها للقضاء على رائحة الطلاء وحتى لا يكون الأكل مرا، مع ذلك فإن سعر القدر العادية 300 دج بينما تكلف القدر الملونة 600دج.
ويتفنن الحرفيون في صناعة الأواني الخزفية وتزيينها، مازجين بين التقليدي والعصري، كما تتوفر في السوق تشكيلات كاملة من أوان فخارية متعددة الاستخدامات تتراوح أسعراها حسب الحجم بين 1400 دج و1600 دج، بينما يصل سعر « الطاجن» إلى 2200دج.
قيمة تراثية
صناعة الفخار واحدة من الحرف القديمة التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، هكذا وصفها الصادق، حرفي من ولاية تيزي وزو، وجدناه في معرض بساحة أول نوفمبر، قال إن هذه الصناعة التقليدية كانت ولا تزال مصدر رزق عديد العائلات، وأنها بقيت شاهدة على الهوية ونمط العيش البسيط الذي كان سائدا منذ عقود حينما كان الإنسان يعتمد في أكله وطريقة تحضيره على الطبيعة وحدها.
وأكد محدثنا، بأن الجزائر تزخر بأنواع عديدة من الطين الجيد خصوصا في منطقة القبائل، وذكر طين بلدية «آيت واسيف»، و»آيت خليلي» بولاية تيزي وزو، التي تتواجد بها مدرسة عريقة مختصة في الصناعات الخزفية.
وأفاد الصادق، بأنهم في ورشته يصنعون كل أنواع الأواني الفخارية من قدور مختلفة الأحجام والوظائف إلى الأطقم والصحون العادية، وأخبرنا بأن صناعة الأواني الفخارية تمر بعدة مراحل بداية من تجميع وإحضار طين خاص، مرورا بمرحلة التشكيل وذلك بوضع الطين في عجلة متحركة ليشكل الحرفي بعدها النوع والشكل المطلوب، ويضع في الأخير مصنوعاته داخل فرن بدرجة حرارة تصل إلى 980 درجة مئوية تكفي لتخريج آنية صلبة وثابتة. وحبه، فإن سبب إقبال الزبائن على الأواني الفخارية يكون لدواع صحية أيضا، إذ أن مصدرها طبيعي ومعروف، عكس الأواني المصنعة من مواد مضرة، كنفايات البلاستيك و الزجاج والألمنيوم التي تجمع من القمامة ويعاد تدويرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.