تحديد هوية الإرهابيين الاثنين    توقيع عقود شراكة خلال أيام المعرض فاقت 48 مليار دولار    "الشراكة مع إيطاليا الأكثر تأثيرا" "من حيث الكيف والكم"    فلسطين : استشهاد 12 فلسطينيا بقطاع غزة    ابراهيم غالي: على المجتمع الدولي الضغط على المغرب    الأولوية الآن بالنسبة للفلسطينيين هي حشد الاعتراف"    ضبط أزيد من 2 كلغ من الكيف المعالج    خنشلة : توقيف 03 أشخاص و حجز 1000 قرص إكستازي    توقيف شخص و حجز 10ألاف مؤثر عقلي    كرة اليد/كأس إفريقيا للأمم (إناث أقل من 19 سنة): مصر تتوج باللقب على حساب غينيا (25-22)    الرابطة الأولى "موبيليس" (الجولة الرابعة): النتائج الكاملة والترتيب    ماكرون في عين إعصار غضب "الخريف الفرنسي"    حاجي تبرز حرص الجزائر    لا دعوى قضائية من مالي ضد الجزائر    حضور "مميز" للقضية الصحراوية في مجلس حقوق الإنسان بجنيف    قسنطينة: مشاركة مرتقبة ل10 بلدان في الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    آدم وناس يسعى لبعث مشواره من السيلية القطري    عوار يسجل مع الاتحاد ويرد على منتقديه في السعودية    "مدار" توقّع مذكرة لتصدير السكر إلى ليبيا    تسريع وتيرة إنجاز صوامع تخزين الحبوب عبر الولايات    متابعة لمعارض المستلزمات المدرسية وتموين السوق    إصابة آيت نوري تتعقد وغيابه عن "الخضر" مرة أخرى وارد    إشادة ب"ظلّ البدو" في مهرجان تورونتو    قتيلان و10 جرحى في انقلاب حافلة    وفاة سائق دراجة نارية    التحضير النفسي للأبناء ضرورة    وضع خارطة عمل واضحة تقوم على دعم مبادرات جمعيات ذوي الهمم    معرض التجارة البينية الإفريقية: نتائج طبعة الجزائر تؤكد استعادة إفريقيا لزمام المبادرة الاقتصادية    حفر في الذاكرة الشعبية واستثمار النصوص المُغيَّبة    "سفينة المالوف" تتوج الدورة ال13 للمهرجان الدولي بقسنطينة    المهرجان الدولي للرقص المعاصر يعزف "نشيد السلام"    الجزائر: العدوان على الدوحة استهداف لوسيط يعمل من أجل السلام    مركز جهوي حديث بقسنطينة يعزز مراقبة شبكات توزيع الكهرباء بشرق البلاد    انطلاق التسجيل في أقسام التربية التحضيرية والتسجيل الاستثنائي في السنة الأولى ابتدائي بداية من يوم 28 سبتمبر المقبل    مشاريع سينمائية متوسطية تتنافس في عنابة    «نوبل للسلام» يقين وليست وساماً    نجاح جزائري إفريقي    مؤسّسة جزائرية تحصد الذهب بلندن    بقرار يتوهّج    آيت نوري ضمن تشكيلة أفضل النجوم الأفارقة    دورة برلمانية جديدة    الحلم الإفريقي يولَد في الجزائر    المنتدى العالمي للبرلمانيين الشباب: إبراز مميزات النظام البرلماني الجزائري وآليات عمل غرفتيه في صياغة القوانين    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    الاحتلال ينتهج سياسة "الأرض المحروقة" في غزّة    ورقة عمل مشتركة لترقية علاقات التعاون بين البلدين    مخيَّم وطني لحفَظة القرآن وتكريم مرضى السرطان    الفنان التشكيلي فريد إزمور يعرض بالجزائر العاصمة "آثار وحوار: التسلسل الزمني"    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    :المهرجان الثقافي الدولي للسينما امدغاسن: ورشات تكوينية لفائدة 50 شابا من هواة الفن السابع    حج 2026: برايك يشرف على افتتاح أشغال لجنة مراجعة دفاتر الشروط لموسم الحج المقبل    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    فتاوى : زكاة المال المحجوز لدى البنك    عثمان بن عفان .. ذو النورين    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه خلفيات الانحياز وحساباته

اتّخذت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفًا متشدّدًا من عملية "طوفان الأقصى"، التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية، صباح 7 أكتوبر 2023، فأعربت عن إدانتها للعملية، وعن وقوفها التام مع الكيان الصهيوني، ودعمه تحت غطاء ما يوصف ب "حق الدفاع عن النفس"، وتقديم كل العون الذي تحتاج إليه.
منذ الساعة الأولى لعملية "طوفان الأقصى" التي استهدفت المواقع العسكرية والمستوطنات الصهيونية المنتشرة في محيط قطاع غزة، تبنّى بايدن الرواية الصهيونية للحدث، بما في ذلك ادّعاءات ملفقة حول قيام المقاومة بقطع رؤوس أطفال صهاينة، وزعم أنه شاهد صورًا تؤكد ذلك. ورغم أن البيت الأبيض ذاته وبعض وسائل الإعلام الأمريكية التي لا تقل تعاطفًا مع الكيان الصهيوني، تراجعا عن تلك التقارير الملفقة، فإن بايدن لم يعتذر عنها إلى الآن. وعندما قصف الكيان الصهيوني المستشفى الأهلي (المعمداني) في قطاع غزة، في 17 أكتوبر الجاري، وهي المجزرة التي خلّفت مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والمرضى الفلسطينيين، سارع بايدن وإدارته إلى تبني رواية الكيان الصهيوني التي تزعم أن المجزرة نتجت من سقوط صاروخ أطلقته المقاومة.
وذهب بايدن أبعد من ذلك في تأييده سياسات الكيان الصهيوني؛ فقد قال إنه أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية أنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن ردّه سيكون "سريعًا وحاسمًا وساحقًا"، وهو ما يعني إعطاء ضوء أخضر للكيان للاستمرار في الجرائم التي تصل حدَّ الإبادة ضد أكثر من 2.3 مليون من سكان قطاع غزة. وقد أكّدت مذكّرة داخلية مسرّبة من وزارة الخارجية الأمريكية هذا التوجه، تضمّنت توجيهًا للدبلوماسيين الأمريكيين بأن يتجنبوا استخدام عبارات مثل "وقف التصعيد / وقف إطلاق النار"، و«إنهاء العنف / إراقة الدماء"، و«استعادة الهدوء". وعوض ذلك، جعلت إدارة بايدن "القضاء" على المقاومة هدفًا أساسيًا لها، وهو الهدف الذي أعلنه الكيان الصهيوني. ويعدّ بايدن أول رئيس أمريكي يزور الكيان وهو في حالة حرب، ويجتمع مع المجلس الوزاري الصهيوني الحربي المصغر، في 18 أكتوبر، ما يجعل الولايات المتحدة شريكًا للكيان في حربه ضد فلسطين. وقد جاء الدعم الذي قدّمته واشنطن للكيان الصهيوني في عدة مجالات.
الدّعم السّياسي والدّبلوماسي
بعد خمسة أيام من عملية "طوفان الأقصى"، وصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الكيان الصهيوني؛ ليظهر تضامن واشنطن معه. وشملت جولته كلًا من الأردن والسعودية وقطر والإمارات ومصر، وحاول فيها الضغط على الأطراف العربية لإدانة الهجوم، وطلب المساعدة في الإفراج عن رهائن أمريكيين في قطاع غزة، فضلًا عن مطالبتهم ببذل الجهود لمنع توسع الصراع. وتقول رواية وزارة الخارجية الأمريكية إن 29 أمريكيا قُتلوا في "الطوفان"، ويُعتقد أن عدد الأسرى الأمريكيين لدى المقاومة يراوح بين 12 و15 أسيرًا.
ولم تشر إدارة بايدن إلى الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، خصوصًا بعد أن قرر الكيان الصهيوني منع دخول الماء والغذاء والوقود والدواء إليه، وأصدرت تحذيرًا لأكثر من 1.1 مليون فلسطيني (نصف سكان القطاع تقريبًا) مفاده النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، إلا بعد ضغوط مارستها دول عربية ومنظمات إنسانية حذّرت من أن القطاع على حافة كارثة حقيقية. وأخذت إدارة بايدن تنسّق مع مصر والكيان الصهيوني لفتح معبر رفح وإدخال مساعدات إنسانية، دخلت الدفعة الأولى منها في 21 أكتوبر، بواقع 20 شاحنة، وفي اليوم التالي 14 شاحنة، وهي تغطّي أقل من 5 في المئة من الاحتياجات الضرورية، علمًا أن إدارة بايدن اشترطت عدم حصول المقاومة على أي من تلك المساعدات. وبدأ بايدن وأركان إدارته، منذ الثالث عشر من الشهر الجاري، يشيران إلى ضرورة أن يحترم الكيان الصهيوني القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إلا أن هذه الإدارة ما تزال ترفض الاعتراف بأن عمليات القصف الوحشي التي يشنّها الكيان الصهيوني ضد القطاع، والتي أوقعت آلاف الضحايا، أغلبهم من الأطفال والنساء، وهجّرت مئات الآلاف من المدنيين، ودمرت البنى التحتية، تُعدّ جرائم حرب. وتتذرّع بأنه لا يمكن الجزم بحقيقة ما يجري في قطاع غزة بسبب "ضباب الحرب".
وتعمل إدارة بايدن على تقويض أيّ جهد دولي يدعو إلى إرساء هدنة إنسانية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصرين. وفي هذا السياق، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد مشروعَي قرارين، الأول قدّمته روسيا، والثاني قدّمته البرازيل؛ بذريعة أنهما لا يشيران بوضوح إلى حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسها. وفي الحادي والعشرين من الشهر الجاري، قدّمت واشنطن مشروع قرار في مجلس الأمن ينص على ما يوصف بأنه (حق الدّفاع)، ويطالب إيران بوقف تصدير الأسلحة إلى "الميليشيات التي تهدد السلام والأمن في جميع أنحاء المنطقة". وتدعو مسودة القرار إلى حماية المدنيين، بمن فيهم أولئك الذين يحاولون الوصول إلى مناطق آمنة، وتشير إلى أنه يجب على الدول الالتزام بالقانون الدولي عند الرد على "الهجمات"، وتحثّ على "إيصال المساعدات إلى قطاع غزة دون عوائق".
الدّعم العسكري
ما إن انتشر خبر عملية "طوفان الأقصى" حتى أمر بايدن بإرسال مساعدات عسكرية طارئة للكيان الصهيوني، شملت ذخيرة وصواريخ اعتراضية خاصة بنظام القبة الحديدية. وقرّر نشر حاملتَي طائرات نوويتين مع مجموعتيهما القتالية في المنطقة، الأولى، هي "يو إس إس جيرالد ر. فورد"، وهي الأكثر تطورًا في الأسطول الأمريكي، وتحمل مع مجموعتها المقاتلة أكثر من 5 آلاف من مشاة البحرية، وتضم قوات خاصة أمريكية إضافية، ومعدات لجمع المعلومات الاستخبارية، وطائرات هجومية، وهي ترسو شرق البحر الأبيض المتوسط. والثانية، هي "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور"، التي نُشرت في الخليج العربي، وذلك بهدف توجيه رسالة ردع لإيران، بعد أن كانت الأوامر الأولية صدرت بإبحارها نحو شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتمنح حاملتا الطائرات الولايات المتحدة "قوة ضاربة" في المنطقة، إذ توفران معًا نحو 80 طائرة ذات قدرات هجومية، فضلًا عن طرادات ومدمرات وغواصات مجهزة بصواريخ توماهوك. ويمكنهما، أيضًا، مساعدة الكيان في صد هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية متوسطة المدى المحتملة. وتقول واشنطن إن وضع تلك الأصول العسكرية في المنطقة يأتي بهدف منع أي طرف آخر من استغلال فرصة خوض الكيان صراعًا في قطاع غزة، ومن ثمَّ فتح جبهات إقليمية جديدة ضدها، في إشارة إلى إيران وحلفائها في المنطقة، وتحديدًا حزب الله اللبناني.
إضافةً إلى ذلك، وُضِع 2000 عنصر من وحدة مشاة البحرية السادسة والعشرين في حالة تأهب قصوى. وتعدّ هذه الوحدة قوة رد سريع قادرة على القيام بعمليات خاصة، في حال صدور أوامر لها لدعم عملية إجلاء واسعة النطاق لمواطنين أو أسرى أمريكييين لدى الفصائل الفلسطينية. وستنضم مجموعة أخرى من مشاة البحرية يبلغ عدد عناصرها أكثر من 4000 إلى الأسطول الأمريكي قبالة سواحل فلسطين المحتلة. وتنفي إدارة بايدن وجود نية لنشر هذه القوات في أرض المعركة.
وفي 19 أكتوبر الجاري، أعلن بايدن أنه سيطلب من الكونغرس 100 مليار دولار مساعدات لأوكرانيا وتايوان والكيان الصهيوني، إضافةً إلى مخصصات لحماية الحدود الأمريكية مع المكسيك. وأفادت الإدارة بأن المبلغ الذي سيحصل عليه الكيان هو 14 مليار دولار، إضافةً إلى ما تحصل عليه سنويًا؛ فهي تتلقى ما قيمته 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، على الأقل. وعلى مدى عقود، حصل الكيان على أكثر من 154 مليار دولار مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة. وإذا أخذنا في الاعتبار نسب التضخّم، فإن مجموع ما تلقّاه الكيان من الولايات المتحدة في الفترة 1946–2022، يصل إلى 245 مليار دولار أمريكي تقريبًا.
خلفيات الانحياز الأمريكي
المطلق إلى الكيان
تفسّر جملةٌ من الأسباب الانحياز المطلق لبايدن وإدارته إلى الكيان الصهيوني، وهي:
الشغف الشخصي لبايدن بالصّهيونية والكيان، وهو لا يفتأ يعيد تصريحًا أطلقه منذ عقود يتباهى فيه بصهيونيّته، "لا تحتاج أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا". وقد أعاد تكرار هذا الموقف، في خطابه في العاشر من الشهر الجاري الذي كان الأكثر تماهيًا مع الكيان الصهيوني، وتبنّى على نحو مطلق موقفه.
الحسابات السياسية؛ فاقتراب الانتخابات الرئاسية، العام المقبل، يمثّل فرصة لبايدن وللديمقراطيين لتقديم أنفسهم باعتبارهم داعمين أقوياء للكيان الصهيوني وأمنه، بعد سنواتٍ من التوتر مع نتنياهو وحكومته اليمينية، واستغلال الجمهوريين ذلك لاتهامهم بالتخلي عن الكيان، خصوصًا في ظلّ مساعي إدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. وتُظهر استطلاعات الرأي تراجع دعم الديمقراطيين للكيان الصهيوني، وتحديدًا في صفوف الجناح التقدمي في الحزب. وكانت علاقات بايدن قد شابها توتر كبير مع نتنياهو، هذا العام تحديدًا، على خلفية إصرار حكومة الأخير على تمرير حزمة قوانين "الإصلاح القضائي"، التي تسبّبت في انقسام صهيوني حاد. ويزعم الجمهوريون أن صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة، الشهر الماضي (سبتمبر)، وما تضمّنته من إفراج مشروط عن ستة مليارات دولار مجمّدة تعود لإيران، ساهمت في تمويل المقاومة، رغم أن إيران لم تستلمها حتى الآن. كما أن إدارة بايدن وجدت نفسها في موقع الدفاع عن سياستها الشرق أوسطية؛ فقد حمّلها بعض الخبراء مسؤولية ما جرى في السابع من أكتوبر، وعدّوه دليلًا على فشل مقاربتها للشرق الأوسط، التي قامت على توسيع الاتفاقات الإبراهيمية، التي بدأتها إدارة دونالد ترامب، للتطبيع بين دول عربية والكيان الصهيوني، في حين تجاهلت الفلسطينيين. ويسوق النقاد هنا تصريحًا لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في 29 سبتمبر 2023، أشاد فيه بمقاربة الإدارة في الشرق الأوسط قائلًا: إن "منطقة الشرق الأوسط أكثر هدوءًا اليوم مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن". وكان الافتراض القائم هو أن تحقيق نوع من السلام بين العرب والصهاينة، سيرغم الفلسطينيين على القبول بما يريد الكيان الصهيوني فرضه عليهم، بعد أن يجدوا أنفسهم معزولين في ظل تطبيع سياسي واقتصادي عربي - صهيوني، في حين أن الأحداث تثبت أنه لا يمكن التغاضي عن معاناة الفلسطينيين ومطالبهم المشروعة بالحرية والكرامة والاستقلال.
علاقة التحالف الأمريكي – الصهيوني الوثيقة؛ إذ إن الولايات المتحدة تنظر إلى الكيان على أنه قاعدة متقدمة لها في المنطقة، وهي تشكّل حجر الزاوية في مقاربتها الأمنية في الشرق الأوسط. إلا أن الهشاشة الأمنية والعسكرية التي بدا عليها الكيان الصهيوني صباح يوم السابع من أكتوبر، فاجأت واشنطن وصدمتها وزعزعت ثقتها بها. وبهذا المعنى، يهدف التدخل الأمريكي المباشر إلى منع حدوث انهيار صهيوني محتمل في حال توسّع الصراع، وما قد ينجرّ عن ذلك من تداعيات على الحسابات الاستراتيجية الأمريكية. وبما أن إدارة بايدن جاءت إلى البيت الأبيض معلنةً أن الصين هي "التحدّي الجيوسياسي" الأساسي للولايات المتحدة، وبدرجة أقلّ روسيا، فإنها سعت إلى تخفيض الالتزامات الأمريكية في الشرق الأوسط. وعمدت هذه الإدارة، لتحقّق ذلك، إلى محاولة البناء على مقاربة إدارة ترامب في توسيع نطاق التطبيع العربي - الصهيوني، وبناء هيكل إقليمي أمني جديد مرتبط بها، وعزّزته بمكون اقتصادي، يتمثل في الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي طُرح على هامش قمة العشرين التي عُقدت في نيودلهي، في الشهر الماضي (سبتمبر)، لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية. وافترضت إدارة بايدن في كل ذلك أن الكيان الصهيوني سيكون بمنزلة الرافعة لحلفائه العرب، لمعادلة النفوذ الإيراني وقدراته في المنطقة، إلا أن ذلك بدا كأنه يتداعى بعد الهجوم الأخير. وهذا ما دفع إدارة بايدن إلى العودة إلى المنطقة لتمكّن الكيان الصهيوني من ترميم صورة الردع التي تلقّت ضربة كبيرة، وكي تمنع فتح جبهاتٍ جديدة ضدّها، قد تتسبب في حرب إقليمية ربما لا يتمكّن الكيان من مواجهتها.
خاتمة
تهدّد العملية العسكرية التي نفّذتها المقاومة، والمقاربة التي تبنّتها إدارة بايدن في مواجهتها بتقويض الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ فالانهيار الصهيوني في الساعات الأولى للعملية، وزيادة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، بهدف ردع إيران ووكلائها عن فتح جبهة جديدة مع الكيان الصهيوني، إذا استمر عدوانه على غزة، قد يجرّان الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية لا ترغب فيها، فهي تريد أن تركز على تحدي الصين لها. أضف إلى ذلك أن غياب رؤية أمريكية واضحة في المنطقة وتوتير الأوضاع فيها قد يزعزعان استقرار بعض الدول العربية الحليفة، التي تخشى احتجاجات شعبية، فضلًا عن هواجس مصر والأردن من أن يدفع الكيان بالفلسطينيين إلى موجات لجوء جديدة نحو حدودهما.
على صعيد الحسابات الانتخابية لبايدن، فإن انحيازه المطلق إلى الكيان في عدوانه الوحشي على قطاع غزة، وإن كان قد يفيده من حيث العلاقة باللوبي المؤيد للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة، قد يكلّفه غاليًا من ناحية دعم التيار التقدمي له والقاعدة الشبابية في الحزب الديمقراطي، فضلًا عن أصوات العرب والمسلمين في ولايات ترجيحية، من قبيل ميتشغان وفرجينيا وجورجيا وأريزونا، ومن هنا، قد ترتد حساباته ضده. وقد ترتب على موقف بايدن وإدارته المفرط في انحيازهما إلى الكيان، وتغاضيهما عن معاناة الفلسطينيين، استقالاتٌ واستياءٌ واسع في وزارة الخارجية، وتوسّع هذا الاستياء ليشمل موظفين وأعضاء في الكونغرس، وتحديدًا من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، فضلًا عن انقسامات في المجتمع وفي الجامعات، وحتى في شركات التكنولوجيا الأمريكية، ووصلت تداعياته إلى هوليوود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.