بعد تسع جمعات من عمر الهبّة الشعبية، وانهيار قلب النظام في مؤسسة الرئاسة، وتصدُّع واجهته في الحكومة وأحزاب الموالاة وتحرير يد العدالة التي نراها اليوم تسوق رؤوس زمرة الأوليغارك إلى المحاكم تباعا، بدءا بكبار القوم (حداد والإخوة كونيناف وربراب) وتضع البقية على سكة المساءلة، يفترض أن ينتقل الشارع ومن يقوده من النخب المخلصة إلى مرحلة التثمين، وتكريس ما تحقق، بالمشاركة في تيسير طريق آمن للانتقال تحت سقف الدستور. الأسبوع كان حافلا بالأحداث بدأ بتغيير ملحوظ في الإدارة الأمنية للمسيرات التي خلت من أيِّ مواجهة أو شغب، فيما يشبه إذعانا من الطرفين للتحذير الوارد في الخطاب الأخير لقائد الأركان، وانتهى باعتقال رؤوس زمرة المال والأعمال، بالتحاق ربراب والإخوة كونيناف برئيس نادي “الأفسيو” علي حداد، فيما طالت يد العدالة المدنية والعسكرية رؤوسا أخرى سياسية وعسكرية، بتوقيف قائدي الناحيتين العسكرية الأولى والثانية (شنتوف وسعيد باي) ومدنية باستدعاء رئيس الحكومة الأسبق أويحيى ورئيس البنك المركزي الأسبق وزير المالية في حكومة بدوي، لوكال. نحن إذن أمام عملية جرف بوتيرة عالية لثنائي الفساد المالي والسياسي، هي عند التقييم أهمّ وأولى من مطلب ترحيل “الباءات” الثلاثة، حتى وإن كان ترحيلها قد بدأ بالسيد بلعيز، ووضع مسار ترحيل بوشارب من رأس الأفلان والبرلمان على السكة، ليتم عزل بقايا بؤر المقاومة من داخل النظام الساقط، سوف يتم الإجهاز عليها على مرحلتين: بترحيل رئيس الحكومة ورئيس الدولة (بدوي وبن صالح) بتفعيل المادتين ال7 وال8 قبل اختتام عملية الجرف والترحيل المنهجي، باستهداف رأس العصابة التي اختطفت قرار الرئيس في شخص شقيق الرئيس (السعيد بوتفليقة) ورأس الزمرة المتآمرة على الحراك في شخص المدير السابق لمديرية الأمن والاستعلامات (الفريق توفيق مدين). ومع واجب احترام سلطة القضاء وعدم التشويش على صلاحياته أو استباق نتائج التحقيق، فإن قرار ملاحقة رؤوس الفساد عبر القضاء وحده سوف يمنح وجها مشرِّفا آخر لهذا الحراك، الذي ينبغي ألا ينزلق نحو دروب الاستئصال الأعمى الذي يرافق الثورات في العادة، ولا يكون له الأثر الردعي للفساد والمفسدين مثلما يتحقق عبر الاحتكام إلى القانون والقانون وحده، مع ضمان حق الدفاع للمذنبين كيفما كان حجم جرائمهم. أهمُّ ما استوقفنا في الإجراءات الأخيرة، أنها وسَّعت من دائرة المتابعة القضائية عموديا وأفقيا، وقد اختير لها رموزٌ كبيرة، لها وزنٌ في الحياة السياسية والاقتصادية ولم تستثن أيَّ مؤسسة بما في ذلك مؤسسة الجيش، فبمجرد ملاحقة السيد ربراب بتهمة تضخيم فواتير الأجهزة المستورَدة يكون قد فتح مسارا يطال معظم المتعاملين الاقتصاديين في القطاعين العمومي والخاص، فيما تفتح ملاحقة رئيس الحكومة السابق ورئيس البنك المركزي مسار ملاحقة كبار المسؤولين في الحكومات السابقة، وكبار الموظفين في الدولة، قبل الانتقال إلى دروب الفساد على المستوى المحلي. استهداف أقطاب النظام الساقط، سوف يساعد لا محالة في تدبير حل العُقد التي لا تزال تعوق حتى الآن الانتقال الآمن عبر المادة 102، أعتقد جازما أنها باتت ممكنة بتفعيل جريء للمادة السابعة، تسمح بترحيل السيد عبد القادر بن صالح وحكومة السيد بدوي، والتوافق على شخصية توافقية قد تُنصَّب مكان السيد بلعيز بالمجلس الدستوري يتبعها استقالة السيد بن صالح ورئيس الحكومة مع بعض الوزراء المرفوضين شعبيا، وأخيرا تشجيع البرلمان على مراجعة سريعة لقانون الانتخابات وتشكيل الهيأة المستقلة لإدارة الانتخابات.