عطاف يستقبل نظيره الجنوب إفريقي    السيد عرقاب يستقبل وزير خارجية نيجيريا لبحث تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة    الألعاب المدرسية الإفريقية اليوم الخامس : خمس ميداليات ذهبية للملاكمة النسوية الجزائرية    كرة القدم/شان 2024 :تعيين الحكم الجزائري بوكواسة لإدارة لقاء الافتتاح بين تنزانيا و بوركينا فاسو    الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني يستقبل سفيرة كندا بالجزائر    زيارة الرئيس اللبناني إلى الجزائر "كانت ناجحة ومميزة"    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر2025) / سباحة: حصاد إضافي من الميداليات للجزائر خلال اليوم الثالث من المنافسة    الدولة تولي "عناية بالغة" لتطوير السياحة عامة والداخلية خاصة    تنصيب رئيسة جديدة لمجلس قضاء بومرداس والنائب العام الجديد في إطار الحركة القضائية الأخيرة    استزراع 20 ألف وحدة من صغار سمك البلطي الأحمر بمزرعة وادي تليلات في وهران    عين تموشنت..محطة شط الهلال ببني صاف تتجاوز حاجز المليار متر مكعب من المياه المحلاة منذ 2009    زيتوني يعاين تحضيرات معرض التجارة البينية الإفريقية IATF 2025 بالصنوبر البحري    الحماية المدنية: 3682 تدخل خلال 24 ساعة بمعدل تدخل كل 23 ثانية    تمديد عطلة الأمومة إلى 150 يوماً مدفوعة الأجر بنسبة 100% في إطار قانون جديد للتأمينات الاجتماعية    السويد تطالب الاتحاد الأوروبي بتجميد الشق التجاري من اتفاقية شراكته مع الكيان الصهيوني    هاتف نقال: ارتفاع استثمارات "أوريدو الجزائر" الى 6ر8 مليار دج في السداسي الأول    الصحراء الغربية: الإعلام الدولي يواصل تسليط الضوء على تداعيات تصوير فيلم سينمائي في الداخلة المحتلة    تواصل موجة الحر بجنوب الوطن وارتفاع الامواج بعدد من الولايات الساحلية وأمطار في أخرى    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا مجزرة الاحتلال بحق منتظري المساعدات شمال غزة إلى 51 شهيدا    زيتوني يشدد على ضرورة تعزيز آليات التوزيع    استذكار مواقف أيقونة النضال والتحرر    رئيس لجنة تنسيق اللجان يشيد بالتنظيم المحكم    الموانئ المغربية في خدمة آلة الإبادة الصهيونية    زعلاني يرافع لقانون مكافحة الاتجار بالبشر    الجزائر لن تتراجع عن دعم فلسطين    ناصري يبرز جهود الجزائر لتكريس نظام دولي عادل    افتتاح صالون دعم الاستثمار    بللو يؤكّد الدور الاستراتيجي لمركزي البحث    رافد استراتيجي لصون التراث الثقافي الجزائري والإفريقي    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    بن ناصر يغير وكيل أعماله    شاطئ "رشيد فلاح" وجهة بحرية من الطراز الأوّل    أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث في غزّة    القضية الفلسطينية أخذت حصة الأسد من النّقاش مع الرئيس    9 مراكز لتجميع الحبوب عبر البلديات    تحسين شروط الاستقبال والتواصل مع المواطن    مليون و900 ألف مقعد بيداغوجي في الدخول الجامعي المقبل    5 جرحى في انحراف وانقلاب سيارة    "نصف دلاعة" لا يزال يغري المستهلك الجزائري    مشروب المونجو يغزو تندوف    رئيس الجمهورية يعيّن عباس عمار عضوا بالمحكمة الدستورية    آيت نوري يعود للتدريبات مع مانشستر سيتي    إيقاعات بلا حدود في قلب الجزائر    بين عبق التراث ورهانات المعاصرة    تساؤلات وفرضيات حول خفايا موقعين أثريين    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    الطبعة الثامنة للمهرجان الثقافي الدولي "الصيف الموسيقي" من 7 إلى 14 أغسطس بالعاصمة    تيسير المعاني باختيار الألفاظ ليس إهانة لها بل وفاء لجوهرها    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    بوجدرة يفتح النار على مُمجّدي الاستعمار    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    تمنراست: سيشرع في الأيام القادمة في الإجراءات المتعلقة بفتح مصالح المستشفى الجديد بسعة 240 سرير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من كسرى إلى آيات الله.. أمة الفرس تبعث من جديد
"الشروق" تتجول في قلب طهران وأصفهان وتستطلع إيران من الداخل
نشر في الشروق اليومي يوم 21 - 02 - 2009


إيران تتعسكر..وتغزو الفضاء
كثيرا ما كنا نسمع ونقرأ عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية من مصادر غربية ونراها بعيون من لهم نوايا وأهداف معينة من هذا البلد الآسيوي الهام، وهو ما جعل معظمنا يكّون صورة مختلفة ومغلوطة عن ما هو موجود في أرض الواقع.
*
إيران التي كانت لي فرصة زيارتها ضمن وفد إعلامي أجنبي بمناسبة احتفالات الذكرى الثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني ليست ببلد منغلق ومتقوقع على نفسه ولا ببلد القمع والاستبداد ومصادرة الحريات وإنما هو على غرار معظم دول العالم له ثقافته الخاصة ولكنه يعيش عصر العولمة وتتصارع فيه الأفكار والآراء المختلفة وشبابه يعيش حياته بشكل طبيعي، يسمع الموسيقى ويذهب إلى السينما ويستعمل تكنولوجيا الانترنت، وحتى المرأة لها حضور قوي ولا يمنعها حجابها المفروض قانونا من أن تخرج وتشتغل إلى جانب الرجل بل وتناضل من أجل قضايا مجتمعها وبلدها..
*
*
عندما تتجول في شوارع طهران المكتظة تلتمس أن هذا البلد الذي تمتد حضارته إلى آلاف السنين، ورغم الحصار المفروض عليه من طرف الغرب، نجح في صنع التحدي بالاعتماد على قدراته الذاتية، فهناك عمران وهناك طرقات معبدة وهناك مترو يربط مناطق طهران الشاسعة ومشاريع أخرى لتوسيعه، وهناك مرافق ومنتزهات ومحلات تجارية تعرض على الزبون كل ما يريده من ملابس آخر موضة ومواد تجميل للنساء وهواتف نقالة وأفلام وآلات تسجيل. كما أن بإيران جامعات حرة "375" كان الإمام الخميني قد أمر ببنائها وأخرى حكومية تدرس الطلبة العلوم الدقيقة والفيزياء والآداب وتخرج كوادر وإطارات نجحت في تحقيق قفزة تكنولوجية لبلدها مثل إطلاق القمر الصناعي "أوميد" وتصنيع السيارات، حيث توجد في إيران أعظم شركة لإنتاج السيارات في الشرق الأوسط، وهي تقوم اليوم بالتصدير لبعض الدول العربية والأجنبية. وفي هذا البلد الإسلامي توجد أيضا صحافة تعبر عن كل الاتجاهات "100 صحيفة على المستوى الوطني بينها 20 سياسية"، وصحفيوها يتحكمون بالإضافة إلى اللغة الأم "الفارسية" في اللغات الأساسية مثل الانجليزية والألمانية والفرنسية، ولكن للأسف لاحظت أن هناك غيابا للغة العربية في الوسط الإيراني رغم الروابط التي تجمعه بالمجتمع العربي، وقيل لي إن اللغة العربية تدرس في الثانوي ولكن لساعات قليلة. وبالإضافة إلى قناة "العالم" الفضائية الناطقة بالعربية تصدر صحيفتين إيرانيتين أيضا باللغة العربية في العاصمة طهران وهما "الوفاق العربي والكيهان العربي".. وقد كان للوفد الصحفي الأجنبي فرصة لزيارة مقر صحيفة "اطلاعات" وهي مستقلة ماليا ولكنها تابعة لقيادة الثورة، تصدر طبعتين صباحية ومسائية وطبعة دولية في لندن وباريس موجة للجالية باللغة الفارسية. هذه الصحيفة تسحب حوالي 350 ألف نسخة، وهي الأقدم والأعرق في إيران ولها مقر ضخم وحديث وتعتمد على تقنية عالمية هي الأولى في الشرق الأوسط كما أوضح لنا المسؤولون في هذه الصحيفة.
*
وخلال عشرة أيام قضيتها في طهران اكتشفت أن الإيرانيين لديهم حب العمل والسعي وراء لقمة العيش رغم المصاعب التي تواجههم وغلاء المعيشة الذي بدأ يستفحل مع الأزمة المالية العالمية وهناك فقراء ومحرومون وبطالون، ولكنهم يمارسون مهنا وحرفا مختلفة من بينها صناعة السجاد المميز جدا ولكنه مرتفع الثمن..
*
الإيرانيون كبيرهم وصغيرهم مشبع بالمبادئ الثورية التي جاء بها الإمام الخميني، ويقولون لك إن هذه الثورة هي التي حررتهم من العبودية والاستبداد الذي كان يمثله نظام الشاه، ويؤكدون مثلا أن الثورة قضت على الأمية، حيث كان 80 بالمائة من السكان أميين قبل انتصار الثورة، وبعد انتصار الثورة أصبح 80 بالمائة منهم مثقفين. كما يرجعون الفضل لثورة الخميني في تحرير المرأة وإعطائها حقوقها في المجتمع، ولكن هذا التشبع بمبادئ الخميني لا يمنع من وجود شباب وفئات مشبعة بالأفكار الليبرالية وتسعى إلى تقليد النموذج الغربي في الحياة، وقد قيل لي إن المجتمع الإيراني أصبح يعاني من بعض الظواهر الدخيلة. وعلى سبيل المثال فقد تزامن وجودنا في إيران مع احتفالات ما يسمى "عيد الحب" وأخبرتني مرافقتي الإيرانية أن هذا اليوم مميز عند الشباب، حيث يشترون فيه الورود ويحتفلون به بشكل عادي في أماكن خاصة.. ولا يخفي المسؤولون في هذا البلد خشيتهم من وجود هوة وقطيعة بين الثورة وبين جيل الشباب، ولكنهم يحاولون استدراك الأمر بالتوعية في وسائل الإعلام وفي الكتب وفي كل النشاطات الفعاليات الثقافية والاجتماعية.. غير أن الصراع بين الأفكار والآراء يعكس من جهة أخرى تركيبة المجتمع الإيراني، حيث تتعايش بداخله طوائف مختلفة من فرس وعرب وأذريين ويهود وأرمن. وقد أخبرتني إحدى المرافقات الإيرانيات أن الحرية الدينية مكفولة لجميع الطوائف، وأن هذه الأخيرة ممثلة جميعها في مجلس الشورى الإيراني. وقد لاحظت ونحن نتجول في قلب العاصمة طهران إحدى الكنائس وفي مدينة أصفهان الأثرية أيضا زار الوفد الصحفي الأجنبي كنيسة يحج إليها الزوار..
*
*
"الله واحد.. الزوجة واحدة"
*
أكثر ما لفت انتباهي خلال زياتي إلى طهران كان الحضور القوي الذي تتمتع به المرأة الإيرانية، ففي كل مكان هي موجودة وتتولى مسؤوليات كبرى، لا فرق بينها وبين الرجل بل إن هذا الأخير يعمل تحت إدارتها في بعض المؤسسات ويأتمر بأوامرها دون حرج. وعكس الصورة التي كنا نحملها عنها، فالمرأة الإيرانية غير مسجونة تحت حجابها المعروف ب "التشادور" فهي متحررة في فكرها وفي عملها، تجدها زوجة وأم لأولاد ولكن مع ذلك هي أستاذة جامعية ودكتورة وناشطة اجتماعية تشتغل دون كلل وتوازي بين عملها وبيتها. في مهرجان نسوي أقيم بمناسبة احتفالات الذكرى الثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني سألت إحدى السيدات، وهي معاونة محافظ طهران وأم لأربعة أطفال، عن مدى تفهم زوجها لطبيعة شغلها، فقالت لي إن لديها طفلة مريضة في البيت وزوجها هو الذي يتولى رعايتها بينما تقوم هي بالإشراف على هذا المؤتمر النسوي. قالت لي إن زوجها الذي يشتغل مستشار وزير الطاقة والكهرباء متمسك بوجهة نظر الإمام الخميني الذي كان يحترم قيم المرأة ويقول إن لديها عبءا ومسؤوليات. هذا النموذج من الرجل الإيراني هو الذي جعل مواطنة من أصل عراقي تقطن بمدينة أصفهان الأثرية تتحدى والدها وتقاليده وتصر على الزواج من إيراني، مثلما كشفت لي هي بنفسها..
*
وتؤكد معظم السيدات اللواتي تحدثت إليهن على أن المرأة لم يكن لها كيان وحضور خلال فترة حكم الشاه ولكن الإمام الخميني منحها الكثير، حيث أعطاها حقوقا وجعلها نموذجا يغاير المرأة التقليدية وكذلك المرأة الغربية، وطبقا لهذا النموذج تقوم بمهامها الأسرية وبنشاطاتها الاجتماعية. وأخبرتنا السيدة زهرة، ابنة الإمام الخميني التي استضافت الوفد الإعلامي الأجنبي خلال زيارته إلى طهران أن والدها لم يطلب من زوجته ولا مرة واحدة في حياته أن تسكب له الشاي أو أن تغلق الباب. السيدة زهرة الحاملة لشهادة الدكتوراه في الفلسفة وتناهز السبعين من العمر قالت أيضا إن والدها كان يؤيد وصول المرأة إلى سدة الحكم؛ أي الرئاسة، وأنه ضمن لها حقوقها في الدستور، حيث ينص على أن الحكومة مطالبة بأن تراعي حقوق المرأة وفق التعاليم الإسلامية. وتشير الإحصائيات إلى أن المرأة الإيرانية تسجل حضورها بقوة في العديد من المجالات، حيث 79 بالمائة من الجامعيين فتيات و67 بالمائة يشتغلن في منصب مديرات، كما أن عددهن تضاعف في البرلمان وازداد عدد الكاتبات والمؤلفات والصحفيات. وفي المجال الإعلامي تبرز المرأة أيضا بقوة، وقد أكد لنا مدير قناة "العالم" السيد أحمد سادات أن ما بين 20 إلى 25 بالمائة من الإعلاميين في قناته هن من النساء، وقال أيضا إنه يرغب في توظيف أخريات في بعض الدول.
*
وعلى عكس نظيرتها في بعض دول الخليج، تقود المرأة الإيرانية السيارة بشكل عادي، وبعضهن يقود حتى حافلات مثلما أكدت لي إحدى الإيرانيات، كما يمارسن الرياضة بمختلف أنواعها، وهناك قاعات مخصصة للمرأة مجهزة بكل المستلزمات. وعمليات التجميل أيضا منتشرة في هذا البلد رغم تكاليفها الباهضة، وقد أخبرتني مرافقتي الإيرانية "حوراء" أن رجال الدين لم يفتوا بتحريم أو منع هذه العمليات..
*
هذا الحضور في مجال الدراسة والعمل يقابله حضور آخر في البيت، وكما روت لي إحدى الإيرانيات فإن المرأة لها كيانها داخل الأسرة، حيث يستشيرها الزوج في كل صغيرة وكبيرة ويلبي طلباتها. وأغرب ما عرفته في إيران أن تعدد الزوجات غير مقبول، وهو نادر جدا، وهناك مثل معروف عندهم يقول "الله واحد والمرأة واحدة"؛ بمعنى كما أن الله وحده لا شريك له، فإن المرأة أيضا لا يجب أن تشاركها أخرى في زوجها. وعندما سألت عن هذا الأمر ما دامت الآية القرآنية واضحة وصريحة في هذا المجال وهي: ".. فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة.." قيل لي إن الآية مقرونة بشروط ولا يمكن للرجل أن يلبي هذه الشروط. ولكن من عادات الإيرانيين أن المرأة هي التي تتحمل العبء الأكبر من نفقات وتكاليف الزواج، حيث تأخذ معها كل مستلزمات البيت بما في ذلك الشاي والسكر وعود الكبريت. وفي المقابل يكون المهر متواضعا، وقد تطلب العروس أن يكون مهرها كتابة جزء من البيت باسمها، كما قالت لي سيدة من محافظة أصفهان. ولكن هذه العادات ليست هي نفسها في كل المحافظات، فمثلا في جنوب إيران فإن جهاز العروس يتكفل به العريس. والأعراس في إيران مكلفة جدا، وهي كما في الجزائر تجرى معظمها في قاعات خاصة بالحفلات وتستعمل فيها الأغاني والأناشيد، ولكن في حدود ما تسمح به التقاليد والثقافة الإيرانية.
*
*
"التشادور" يثير الجدل حتى في إيران
*
الحجاب هو الشيء الوحيد الذي يميز الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن بقية دول العالم، فكل من تدخل هذا البلد عليها أن ترتدي ملابس محتشمة وتغطي شعرها ولو بوشاح "ايشارب". فالحجاب مفروض على الإيرانيات منذ انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام 1979 والأجنبيات ملزمات باحترام هذه التعاليم حتى لو لم يكن مسلمات. وبينما كان "التشادور" الذي يغطي كامل جسد المرأة ما عدا الوجه واليدين هو السائد في السنوات الأولى للثورة، بدأت بعض النساء في التخلي عنه والاكتفاء بملابس محتشمة، وانتشرت هذه الظاهرة على وجه الخصوص في ظل حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي "1997 و2005"، حيث خفف خاتمي من القيود المفروضة على ارتداء الحجاب وأصبحت المرأة أو الفتاة حرة بين ارتداء "التشادور" أو الحجاب العادي الذي يكون عادة عبارة عن سروال وجاكيت مع "ايشارب" يغطي الرأس. وبقي هذا الخيار في ارتداء الحجاب حتى بعد مجيء الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد المعروف عنه بالتشدد والتمسك بمبادئ الثورة الإسلامية.
*
وحسب ما أخبرتني إحدى المرافقات الإيرانيات فقد وضع الرئيس نجاد لجنة خاصة تسمى "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" مهمتها مراقبة السلوك العام والخروج عن الآداب العامة والتعاليم وبينها ارتداء الحجاب، مع العلم أن الحجاب لا يمنع المرأة الإيرانية من مسايرة الموضة العالمية في اللباس ولا في استعمال الماكياج بمختلف أنواعه.
*
ولكن رغم كل هذا يثار الجدل اليوم داخل هذه الدولة الإسلامية بخصوص الحجاب، وترتفع الأصوات المطالبة بتغيير القوانين ليصبح الحجاب غير مفروض وإنما اختياري، وهناك نسوة ينشطن في هذا الاتجاه وقد شكلن مؤخرا لجنة لتغيير الدستور وجمعن مليونا ونصف المليون توقيع، ولكن لا جهة استجابت لهذه اللجنة.
*
وقد استغربت ابنة الإمام الخميني السيدة زهرة من المطالبين بتغيير الدستور حول المرأة وقالت إن الحجاب لم يكن يوما عائقا أمام المرأة، بل إنه لم يمنعها من المشاركة في الألعاب الأولمبية العالمية والفوز بألقاب في حين لم تكن تشارك في هذه الألعاب قبل الثورة. ولكل من المؤيدين والمعارضين لجعل الحجاب اختياري في إيران أسبابه ومبرراته، ولكن يبدو أن هذه المسألة هي بيد صناع القرار، لأن الأمر مرتبط بثقافة إيرانية هي وليدة ثورة مقدسة عندهم. وإن كانت بعض المنظمات النسوية التي تتبنى الأفكار الليبرالية تراهن على عودة الإصلاحيين إلى الحكم، وخاصة محمد خاتمي، خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع عشر من جوان القادم، لكي ترفع مطالبها الخاصة بالحجاب..
*
*
أصفهان.. المدينة التي سحرت خليدة تومي
*
لإيران ثقافة وحضارة عريقة عمرها آلاف السنين، وتتجسد على وجه الخصوص في مدينة أصفهان جنوب طهران، حيث تحتوي على ستة آلاف نوع من الآثار. وتعرف هذه المدينة الواقعة في محافظة اصفهان بجسورها وبمنتزهاتها الجميلة وبقصورها ومساجدها الأثرية ذات اللون الأزرق، وهو اللون الذي اشتهر به الصفيون وكانوا يقدسونه اعتقادا منهم أنه لون السماء الذي يوصلهم إلى الله سبحانه وتعالى. في أصفهان أو كما يسميها الإيرانيون "فيروز العالم" أو أنها "تعادل نصف العالم" تلتمس حضارة وثقافة انعكست في سلوك الناس هناك، فهي مدينة نظيفة جدا، وقد أخبرتني الدليلة السياحية التي كانت برفقتنا بأن شعار المواطن الإيراني والأصفهاني خصوصا هو "مدينتنا بيتنا" ومنذ الصغر يربي أبناءه على ثقافة النظافة. وفي أحد متاحف أصفهان توجد لوحة فنية تعود إلى 60 عاما مضت تجسد أحد رؤساء البلديات وهو يتولى كنس الشوارع بنفسه بعدما غاب عمال التنظيف.
*
الدليلة السياحية التي كانت تتولى الترجمة إلى اللغة العربية أخبرتني أن وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي خلال زيارتها إلى إيران هذا العام كانت قد انبهرت بسحر مدينة أصفهان وخاصة بآثارها ومعالمها، وكانت قد وقفت كثيرا عند الطراز المعماري المميز لقصور ومساجد المدينة. كما أخبرتني نفس الدليلة بأن وفودا رسمية جزائرية أيضا قصدت المدينة وأعجبت بها كثيرا. وروت لي هذه المرافقة كيف أن والدها العراقي الأصل كان قد أصر عليها بمرافقة الوفد الجزائري رغم أن والدتها كانت طريحة الفراش في المستشفى.
*
ما يميز مدينة أصفهان التي كان قد فتحها الخليفة عمر بن الخطاب هي جسورها المعلقة فوق نهر "زاينده" الذي يتوسط المدينة . ويبلغ عدد الجسور 12 خمسة منها جسورا أثرية مصنفة ضمن أثار اليونيسكو وكلها تروي روايات وحكايات عن العصر الذهبي الذي مر على هذه المدينة. وتشتهر المدينة أيضا بمنتزهاتها الشاسعة بينها "ساحة الإمام" التي تعد ثاني مساحة في العالم بعد مساحة بكين وكان قد بناها الصفويون بعد انتقال عاصمتهم من بحر قزوين إلى طهران. هذه الساحة مفتوحة للزوار الباحثين عن الراحة والاستجمام وهي محاطة بمتاجر للتسوق.
*
وحسب رئيس مجلس محافظة أصفهان السيد حاج رسوليها الذي التقى الوفد الصحفي الأجنبي، فقد سطرت برامج ومشاريع مختلفة لجذب المزيد من السياح الأجانب خلال السنوات القادمة، ومن بين المشاريع بناء ساحة تفوق ثلاث مرات "ساحة الإمام" ودعا المستثمرين، وخاصة من الدول الإسلامية، إلى القدوم إلى مدينته والاستثمار فيها، وخاصة بعدما وضع قانون للاستثمار.. كما أن أصفهان مشهورة بزهورها الرائعة، وقيل لي إن هناك حديقة تسمى "حديقة الزهور" في الجهة الجنوبية لأصفهان تحتوي على كل أنواع الزهور الجميلة.
*
وللعلم فإن أطراف مدينة اصفهان تحاط بحزام أخضر، والجهة الغربية منها مليئة بجبال تكتسيها الثلوج، أما الجهة الشرقية ففيها تلال جميلة. ومناخ أصفهان فيه الفصول الأربعة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.