في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل اختطاف الاثرياء في تيزي وزو‮
نشر في الشروق اليومي يوم 11 - 07 - 2006

إننا خائفون وننتظر أدوارنا، لكننا متأكدون أننا سنتعرض للإختطاف أيضا.. هكذا اعترف لنا مقاولون وتجار وأصحاب حانات يصنفون ضمن أثرياء تيزي وزو، وقاموا بترحيل أسرهم وتغيير سلوكاتهم وعاداتهم المهنية والاجتماعية، بعد أن سجلت ستة اختطافات منذ بداية السنة، وانتهت بالإفراج عن الرهائن بعد دفع فدية باستثناء الطفل علي.. "الشروق اليومي" تنقلت إلى عين المكان والتقت مختطفين وتحدثت إلى مهددين بالإختطاف، وتنقلت إلى مناطق "محررة" تحولت فيها الوديان إلى حانات مفتوحة وأوكار للدعارة، وأصبحت طرقاتها منعرجا للموت ذبحا أو بالرصاص‮ أو‮ حتى‮ حرقا‮ بالنار‮..‬
روبورتاج‮: نائلة‮.‬ب
تعيش مختلف مناطق ولاية تيزي وزو، منذ نهاية السنة الماضية، سلسلة من الاختطافات مست مقاولين وأصحاب شركات خاصة يصنفون ضمن أثرياء المنطقة، مقابل طلب "فدية"، تردد أنها بلغت 3 ملايير سنتيم في بعض الحالات.. جميع المختطفين أفرج عنهم، ويزاولون اليوم حياتهم بصفة طبيعية‮ نسبيا،‮ وبلغ‮ عددهم‮ ستة‮ أشخاص،‮ بينما‮ عثر‮ على الصغير‮ علي‮ حجار،‮ جثة‮ داخل‮ بئر،‮ وهو‮ المختطف‮ الوحيد‮ الذي‮ تمت‮ تصفيته،‮ وتوصلت‮ التحقيقات‮ إلى توقيف‮ قاتله،‮ وأدرجت‮ هذه‮ الجريمة‮ ضمن‮ تصفيات‮ حسابات‮.‬
10‮ إختطافات‮ شهريا‮ بتيزي‮ وز،‮ وتحالف‮ الإجرام‮ مع‮ الإرهاب
وتعرف ظاهرة الاختطافات مقابل طلب "فدية"، أبعادا خطيرة في منطقة القبائل في الأشهر الأخيرة، وكانت أول عملية قد نفذت نهاية شهر ديسمبر 2005، عند اختطاف صاحب مطعم وحانة بمنطقة "إيفليسن" من طرف مسلحين اقتحموا المخمرة ليلا واقتادوه إلى مكان مجهول، قبل الإفراج عنه بعد دفع مبلغ مالي قدر أنذاك بحوالي 300 مليون سنتيم، أعقبتها ثلاث عمليات اختطاف بعد ذلك لمالكي حانات بمنطقة تيڤزيرت، وأفرج عنهم جميعهم بعد أيام وذلك بعد دفع أهاليهم "فدية" وصلت إلى 500 مليون سنتيم، ونسبت هذه الاختطافات إلى تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تنشط بهذه المناطق التي تعتبر أحد أهم معاقلها الرئيسية، وسبق أيضا أن نسبت إلى أتباعها عمليات السطو على البنوك ووكالات البريد بولاية تيزي وزو، في وضح النهار وقدرت مصادرت أمنية قيمة المبالغ المسروقة خلال الفترة الممتدة بين 1 جانفي 2004 و 1 جويلية 2005 بأكثر من 16 مليون دج و 179650 أورو، إضافة إلى الاستيلاء على ممتلكات المواطنين في حواجز مزيفة عرفت تكثيفا في السنوات الخمس الأخيرة، قبل أن يتحول نشاط الإرهابيين إلى الاختطافات مقابل طلب فدية، تصل أحيانا إلى مبالغ خيالية تصل إلى 30 مليار سنتيم، ولا يكشف "المختطفون‮" بعد‮ الإفراج‮ عنهم‮ عن‮ قيمة‮ "‬الفدية‮"‬،‮ والتي‮ دفعوها‮ ويؤكدون‮ ضمنيا‮ فقط‮ إنهم‮ يدفعون‮ أموالا‮ مقابل‮ إطلاق‮ سراحهم‮.‬
وتقدر أجهزة الأمن، عدد الاختطافات من 10 عمليات إلى 15 حالة وذلك في الشهر الواحد بولاية تيزي وزو وحدها التي تتصدر قائمة الولايات التي تشهد هذه الظاهر، تليها بومرداس ب 5 اختطافات شهريا، وتتوزع حالات محدودة على العاصمة، تبسة وجيجل، وتتمركز الظاهرة في منطقة القبائل، وينسب متتبعون عمليات الاختطاف لتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال على خلفية انها معقله المركزي، لكن مراقبين لا يستبعدون تحالف الإجرام مع الإرهاب في هذه الاختطافات واستغلال الفراغ الأمني الفظيع الذي تعيشه المنطقة منذ أحداث الربيع الأسود وما ترتب عنها‮ من‮ إنسحاب‮ فرق‮ الدرك‮ الوطني‮ من‮ مناطق‮ نشاطها‮ في‮ القرى‮ والمناطق‮ المعزولة‮ والنائية،‮ وهي‮ النقاط‮ التي‮ وقعت‮ فيها‮ الاختطافات‮.. كيف‮ وقعت‮ وما‮ هي‮ خلفياتها‮ الحقيقية؟
كان من الصعب جدا الحديث مع المختطفين الذين أفرج عنهم بعد دفع فدية، لأنهم رفضوا فتح الموضوع من جديد "لأننا نريد النسيان وألا تتكرر العملية"، ويشددون على عدم الخوض في التفاصيل.. لكننا استطعنا جمع بعض المعلومات عند تنقلنا إلى المنطقة، والحديث إلى أقاربهم، كان‮ أبرزهم‮ مزيان‮ حداد،‮ أحد‮ الشركاء في‮ مؤسسة‮ ETRHP‮ والمختصة‮ في‮ المقاولات،‮ الذي‮ تم‮ اختطافه‮ يوم‮ 25 أفريل‮ الماضي‮ وأفرج‮ عنه‮ أسبوعا‮ بعد‮ ذلك‮ بعد‮ دفع‮ فدية‮.‬
مزيان‮ حداد‮.. دفعت‮ الفدية‮ فأرجع‮ لي‮ المختطفون‮ مسدسي‮!‬
كانت الساعة تشير إلى حوالي الساعة السادسة مساء، عندما كان مزيان حداد عائدا إلى مقر إقامته بفيلا في أزفون على بعد حوالي 70 كلم من مدينة تيزي وزو، حيث يدير شركته مع شقيقيه موح واعمر، وكان على متن سيارته من نوع 406، عندما أوقفه مسلحون بضواحي أغريب، وقاموا بوضع منديل على عينيه، قبل نقله على متن سيارة أخرى إلى وجهة مجهولة، وصباح اليوم الموالي، تم العثور على سيارته قرب المركز التجاري بتيزي راشد، وتم ترك مفاتيح السيارة على المقعد الأمامي، إضافة إلى جهازي هاتفه النقال مغلقين.
بعدها، يتلقى أحد أشقائه إتصالا هاتفيا من المختطفين، يطالبون فيه بضرورة دفع فدية تقدّر ب25 مليار سنتيم، للإفراج عن مزيان، بعد خمسة أيام يفرج عنه في منطقة معزولة وبعيدة، ويلتحق بعائلته سالما معافى، لكنه رفض الإدلاء بأي تصريح صحفي، وعلمنا أنه قام باسترجاع قطعة سلاحه من نوع "بيريطا"، التي كانت بحوزته ساعة الإختطاف، وأعادها له "الإرهابيون" بعد إطلاق سراحه، رغم أن نشطاء الجماعة السلفية للدعوة والقتال من الصعب جدا أن يتنازلوا عن هكذا غنائم، فكيف "يتنازلون" عن قطعة سلاح؟ تساؤل نقلناه إلى مزيان حداد، في لقاء به بمقر مؤسسته، حيث استقبلنا، لكنه تحفظ عن الخوض في هذه القضية بالذات: "أريد أن أنسى ما حدث نهائيا، لم يكن أمرا سهلا أو بسيطا، ومن الصعب اليوم عليّ العودة إلى الوراء"، لكنه أشار إلى المعالجة الإعلامية لقضية اختطافه لم تخدمه، بل أساءت إليه وأضرته كثيرا، "لأنه تمّ‮ نقل‮ حجم‮ ثروتي‮ وممتلكاتي،‮ رغم‮ أنها‮ ليست‮ خاصة‮ بي،‮ وهي‮ ممتلكات‮ العائلة‮"‬،‮ في‮ إشارة‮ ضمنية‮ إلى أن‮ المختطفين،‮ يكونون‮ قد‮ رفعوا‮ من‮ قيمة‮ الفدية‮ بعد‮ "‬إطلاعهم‮" على ثروته‮ (...).‬
ويضيف مزيان حداد، بعد إلحاحنا عليه بالسؤال، أنه يجهل هوية منفذي الإختطاف بقوله: "أنا أجهل ذلك تماما، لا أعرف إن كانوا إرهابيين أو مجرمين، لا أعرف حقا"، وعلمنا أنه تمّ "حجزه" في "خيمة" وسط الغابة وأشرف خمسة مسلحين على حراسته ولم يقم أحد بإيذائه أو الإساءة إليه، وهو ما يؤكده مزيان حداد، الذي قال أيضا أنه لم يأكل ولم يشرب طيلة أيام اختطافه "لم يكن ذلك ممكنا في الغابة"، وهو ما يؤكد فعلا أنه كان محتجزا في الغابة، وكان يتم إطعامه وحراسته "حفاظا على حياته للحصول على المال".
ويرفض مزيان، تقديم تفاصيل أخرى، واكتفى بالرد بابتسامة على سؤالنا حول قيمة الفدية التي قيل إنها قدرت ب25 مليار سنتيم، ليؤكد ضمنيا على دفع الفدية وأنه عاش مرحلة صعبة جدا وهو مختطف ينتظره الموت في كل لحظة.
وأفادت مصادر موثوقة للشروق اليومي، أنه بعد حوالي خمس ساعات من اختطاف مزيان حداد، أقدمت مجموعة مسلحة مجهولة، على اغتيال حارس بحظيرته "ربما كان يعرف أحد المختطفين؟" يرفض التعليق، وكل المعطيات تؤكد أنه تمّ رصد تحركاته، ونفذت العملية وفق خطة محكمة ومدروسة مسبقا،‮ رسالة‮ مزيان‮ حداد،‮ كانت‮ واضحة‮ "‬أريد‮ أن‮ تتوقف‮ سلسلة‮ الإختطافات‮"‬،‮ الرجل‮ لايزال‮ تحت‮ الصدمة،‮ ويرفض‮ أن‮ يعيش‮ غيره‮ "‬المغامرة‮" التي‮ انتهت‮ لحسن‮ الحظ‮ بسلام‮.‬
سألته‮: ألست‮ متواطئا‮ بعدم‮ التبليغ‮ عن‮ هؤلاء‮ وقول‮ كل‮ الحقيقة؟ يقول‮ إنه‮ ليس‮ لديه‮ ما‮ يقول‮.. فيما‮ أفادنا‮ مصدر‮ أمني،‮ أنه‮ بعد‮ التحقيق‮ معهم‮ بعد‮ الإفراج،‮ لم‮ يتعرفوا‮ على‮ صور‮ الإرهابيين‮ التي‮ تمّ‮ إطلاعهم‮ عليها‮.‬
مخبي‮ بلقاسم‮.. تمكن‮ من‮ الفرار‮ بعد‮ دفع‮ الفدية؟ كانت قد مرّت ثلاثة أيام فقط، عن "الإفراج" على مخبي بلقاسم، أحد سكان معاتقة بتيزي وزو، الذي تمّ اختطافه الإثنين من الأسبوع الماضي، وكان بلقاسم عائدا من تيزي وزو إلى مسكنه بقرية آيت زعيم بدائرة معاتقة على بعد 15 كلم من وسط تيزي وزو، على متن سيارته، عندما استوقفه مسلحون، وقاموا كذلك بوضع منديل على عينيه، واقتادوه إلى مكان مجهول، واستنادا إلى رواية مصادر من محيط عائلته، فإن حوالي خمسة مسلحين، نقلوه على متن سيارة مغمّض العينين، بعد توقيفه على مستوى "واد ڤرڤور" الذي يعد أحد أبرز معاقل الجماعة السلفية للدعوة والقتال بمنطقة "بترونة" التي شهدت عملية اختطاف شهر رمضان الماضي ساعة قبل الإفطار. وسارت السيارة مسافة ساعة من الزمن، قبل الوصول إلى مكان جبلي، ليتنقل رفقتهم سيرا على الأقدام، إلى منطقة جبلية بعد قطع الوادي، وأضافت مصادرنا نقلا عنه "وضعوني في خيمة مبنية بالبلاستيك تشبه بيتا بلاستيكيا خاصا بإنتاج الطماطم، كان يحرسني خمسة أشخاص مسلحين واثنين آخرين كانا يراقبان المكان، لكنه تمّ تحويله بعدها إلى مكان آخر وتمّ نقله على متن سيارة أخرى، وعلمنا بعدها أن عملية عسكرية تمّ شنّها في هذه المنطقة وأشرفت عليها قوات الجيش بالتنسيق‮ مع‮ أفراد‮ الدرك‮ الوطني،‮ وذلك‮ بعد‮ العثور‮ على‮ حقل‮ لزراعة‮ القنب‮ الهندي‮ بذراع‮ بن‮ خدة،‮ ليزحف‮ المختطفون‮ إلى مكان‮ آخر‮ مجهول‮.‬
ويضيف أقارب بلقاسم، أنه كان يتناول "سندويشات" من علب "التونة" ولحم البقر وجبن، وكانوا يملأون قارورات بلاستيكية من مياه الوادي ممزوجة بمسحوق العصير الجاهز، مما يشير ضمنيا، إلى أن هؤلاء "المختطفين" لا يملكون ملجأ خاصا أو مهيأ، أو لم يقوموا بنقل "ضحاياهم" إليه، كما أن أحدهم كان يتجاوز عمره 60 عاما ويتحدثون جميعهم بالأمازيغية، وبعضهم يضعون أقنعة على وجوههم، لكن بلقاسم أكد لمقربيه أن هؤلاء ليسوا جميعا من أبناء المنطقة، وأنهم ينتمون للجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تنشط بولاية بومرداس، و"دليلهم" هو إبن المنطقة‮ الذي‮ يقوم‮ بالدعم‮ بالمعلومات‮ عن‮ تحركاتهم‮ وممتلكاتهم‮.‬
بعد يوم من اختطافه، يتم العثور على سيارة بلقاسم بمنطقة "لاكاس" ببلدية بوغني، وهي منطقة مفتوحة تباع فيها سيارات مختلفة، جديدة وقديمة وأخرى تعرضت لحوادث مرور ويجهل مصدر أغلبها، "لاكاس" باختصار هي سوق للسيارات، لكنه غير شرعي وغير قانوني تباع فيه سيارات مسروقة بشهادات الضحايا الذين عثروا عليها هنا، و"استرجعوها" بعد شرائها. اكتشفنا عند تنقلنا هناك دون الكشف عن هويتنا، أن الدولة غائبة تماما هنا، ووجدنا سيارات تحمل آثار دماء قيل لنا أنها لضحايا حوادث مرور (...)، هنا في هذا المكان، تمّ العثور على سيارة بلقاسم واسترجعها‮ أقاربه،‮ هل‮ كان‮ المختطفون‮ لصوصا‮ ومجرمين‮ فقط،‮ أم‮ إرهابيين‮ أيضا؟‮ أم‮ أن‮ هناك‮ تحالفا‮ بين‮ مافيا‮ تهريب‮ السيارات‮ والجماعات‮ الإرهابية؟‮ التحقيقات‮ الأمنية‮ تؤكد‮ على‮ وجود‮ تنسيق‮ وعلاقة‮ قوية‮.‬
وتلقى شقيق بلقاسم، وهو من مواليد عام 1977، صاحب شركة حافلات لنقل المسافرين، في اليوم الثاني، اتصالا يلزمه بدفع فدية قيمتها 3 ملايير سنتيم، وفعلا دفع مبلغا ماليا قدره إبنه بحوالي 300 مليون سنتيم، قدمه لأحد المختطفين بضواحي مدينة ڤرڤور، رغم أن مصالح الأمن شدّدت عليه عدم دفع "الفدية" وإبلاغها بالإتصالات، لكن ما حدث أن بلقاسم تمكن من الفرار يوم دفع "الفدية" حسب روايته وقال أنه استغل انشغال المختطفين، ليهرب ركضا مع جهله لمكان تواجده، وقال أنه ظل يركض من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية السادسة مساء، قبل أن يصل طريقا‮ وينقله‮ أحد‮ الأشخاص،‮ ويرجّح‮ أنه‮ كان‮ في‮ ضواحي‮ الأربعاء‮ "‬نايث‮ اراثن‮" أو‮ "‬إرجن‮".‬
بلقاسم لم يتعرّض لسوء المعالمة حسب روايته لكنه كان يحمل آثار خدوش وجروح، قال أنه أصيب بجروح عند اصطدامه بالأغصان خلال هروبه، ولا يبدو اليوم خائفا من استهدافه مجدّدا أو تصفيته أو الانتقام منه، ويزاول حياته بصفة عادية، ابن شقيقه يبدو أكثر ثقة منه بقوله "إنهم‮ لن‮ يعودوا‮ بعد‮ أخذ‮ المال‮".‬
مسيّر‮ "‬كوسموس‮".. كل‮ المستثمرين‮ في‮ خطر لم نتمكن من الحديث إلى عائلة ياكر اعمر، صاحب مطبعة الأوراسي، بعد اختطاف نجله أمين، في حاجز مزيّف بتيغزيرت وأفرج عنه بعد دفع فدية أيضا، وقالت مصادر من محيط عائلته "إننا لا نريد مشاكل، ويكفينا ما عشناه، لا نريد فتح الموضوع مجددا.. اخطونا". وكان والد أمين، قد تلقى تهديدات بتصفيته في حال تدويل القضية إعلاميا، وإذا كان ياكر من أبرز الصناعيين بولاية تيزي وزو، إلا أن مصادرنا أكدت أنه مدين للبنوك بأكثر من 1 مليار سنتيم فوائد القروض التي استفاد منها مقابل الإستثمار في بعض المشاريع.
وتراجع عدد الصناعيين بمنطقة القبائل، منذ بداية مسلسل الإختطافات الأخيرة، وأكد السيد غريب عبد النور، مسيّر "كوسموس"، لتعليب مساحيق التنظيف بشراكة إيطالية، أن حالة اللاأمن التي تسود المنطقة أدت إلى نفور المستثمرين، مؤكدا "إننا كصناعيين أصبحنا مستهدفين والاقتصاد‮ بولاية‮ تيزي‮ وزو‮ مهدّد‮ بالزوال‮".‬
غريب، تعرّض إلى تهديد من طرف مجموعة تتكون من حوالي 25 فردا مسلحا اقتحموا وحدته الواقعة بقرية غريب وخربوا مكاتبها واستولوا على مبلغ مالي هام من الخزينة قبل الانصراف، مؤكدين على العودة للحصول على "فدية"، كان ذلك صبيحة يوم 11 أفريل في حدود الساعة الثالثة، بعدها‮ تعرضت‮ سيارة‮ الوحدة‮ إلى هجوم‮ من‮ طرف‮ ثلاثة‮ مسلحين،‮ كان‮ يفترض‮ يومها‮ نقل‮ أموال‮ الوحدة‮ لإيداعها‮ في‮ البنك‮ "‬لكنني‮ اضطررت‮ لتأجيلها‮ بأمر‮ من‮ مصالح‮ الدرك‮".‬
يقول غريب: "حياتي تغيّرت، أنا أقيم ببرج منايل وأخشى اختطافي، وقمت بترحيل أفراد أسرتي، لكني أعترف أني أعيش خائفا متوترا، وأنا أعلم أنهم يترصدونني"، لكن ما يستاء له هذا الصناعي، هو مراسلة والي الولاية رسميا ثلاث مرات لتأمين الوحدة دون جدوى أو حتى رد مما اضطره لتوظيف أعوان مكلفين بالأمن والوقاية "لم يكن هذا الوضع قائما، حتى في عزّ سنوات العنف.. لا يوجد أمن، وماذا تنتظر السلطات للتدخل وعودة الدرك الوطني.. عبريكا يرفض؟ من عبريكا ومن يمثل؟ يجب للدرك أن يعود حتى يعود الإستقرار، إقتصادنا في خطر ونحن أيضا".
وكان‮ مسلحون‮ قد‮ قاموا‮ قبل‮ يومين،‮ بالإعتداء‮ على بعض‮ موظفيه‮ ليلا‮ للإستيلاء‮ على علب‮ الصابون‮ ويعتقد‮ أنهم‮ لصوص‮ ومجرمون‮.‬ في تيزي وزو، تحالف الإجرام والإرهاب، وقضية الصغير علي حجار، تصنف في هذا الإطار، علي (12 عاما) هو الطفل الوحيد لأسرته، والده تنقل لفرنسا للعلاج، قام شخص باختطافه وطلب فدية، قبل العثور على جثته داخل بئر بقرية اثنى بوفال التابعة لبلدية سوق الإثنين بدائرة معاتقة،‮ وعليها‮ آثار‮ عنف‮ وأوقفت‮ مصالح‮ الأمن‮ الجاني‮ وهو‮ شاب‮ من‮ القرية‮ قتله‮ في‮ إطار‮ تصفية‮ حسابات‮ فقط‮.‬
رحيل‮ الدرك‮.. فرصة‮ للإرهاب‮ وأخرى‮ للمافيا والمتتبع‮ لخريطة‮ الإختطافات،‮ يجد‮ أن‮ الظاهرة‮ تتمركز‮ بمعاتقة،‮ تيغزيرت،‮ أزفون‮ وهي‮ المناطق‮ النائية‮ التي‮ تتوسطها‮ الغابات‮ والوديان‮ التي‮ تشكل‮ مسالك‮ تحركات‮ وتنقلات‮ الإرهابيين‮.‬ تنقلنا إلى دائرة بوغني، مرورا بدائرة معاتقة، واتجهنا أيضا إلى دائرة واضية، على طول منعرجات خطيرة، لاتزال مسرحا للحواجز المزيفة وفي وضح النهار، هي مناطق "محررة"، على طول هذه الطرقات لا أثر لأي حاجز أمني أو مركز للأمن أو حتى محتشد ولا أثر هناك ل"الدولة"، وقال لنا أهالي المنطقة الذين أصبحوا يخضعون مضطرين ل"حظر التجول" رغما عنهم إبتداء من الساعة السادسة مساء، إن هذه المناطق كانت تابعة لأفراد الدرك الوطني، لكن بعد أحداث الربيع الأسود، وانسحابهم أصبح لنا الله فقط "إننا نعاني من اللاأمن والاعتداءات التي امتدت إلى منازلنا، الوضع خطير جدا في قرى تيزي وزو"، قال لنا دادة حميد، وهو أحد أعيان معاتقة الذي نقلنا إلى غاية منطقة بوغني أو مدينة الحواجز المزيفة ليطلعنا على ما وصفه ب"النقطة السوداء" في المنطقة، بعد أن تحولت ضفاف الوادي الجميل إلى حانات مفتوحة، حيث تمّ نصب بيوت بلاستيكية، يتم فيها استهلاك المشروبات الكحولية وحتى المخدرات، إضافة إلى ممارسة الفسق والدعارة، وتمكنا من بعيد رؤية ثلاث شابات كنّ في وضعيات مخلة بالحياء مع شباب، أخبرنا دادة حميد، أنهن يأتين من بومرداس، بجاية، البويرة وحتى البليدة وعين الدفلى "هذا المكان آمن بالنسبة إليهم ولا أحد يلاحقهم"، وغير بعيد عنهن، لفت انتباهنا مشهد شواء خنزير في الهواء الطلق "إن ذلك يتكرّر يوميا، وعدد السكارى والعاهرات يرتفع مع انخفاض درجة الحرارة"، واضطررنا للعودة أدراجنا خوفا من أي اعتداء قد نتعرّض له على اعتبار أننا غرباء والتزمنا السيارة، وبمدينة تيرمتين، لفت دادة حميد، انتباهي إلى انتشار محلات بيع المشروبات الكحولية بدون رخصة، وقال مازحا "بين حانة وحانة.. تقع حانة، وعدد المخمرات يفوق اليوم عدد محلات بيع المواد الغذائية هنا".
وتواجه ولاية تيزي وزو، فراغا أمنيا ونقصا فظيعا في التغطية، حيث تنعدم دائرة ماكودة لأي حاجز أو مركز أمن، ولا يوجد أي سد على طول الطريق الرابط بين ولايات بومرداس، بجاية، تيزي وزو، ولا أثر للأمن على محور تيزي وزو، الأربعاء وعين الحمام، وتبقى الطرقات الرابطة بين تيڤزيرت وتيزي وزو (الطريق الوطني رقم 72) ومعاتقة تيزي وزو (الطريق الوطني رقم 147) والطريق الوطني رقم 12 غير آمنة ليل نهار بعد تسجيل عدّة إعتداءات على السائقين لسرقة سياراتهم، وتعتبر معاتقة، أزفون، فريحة، ذراع الميزان، بني دوالة مناطق خطر.
أهالي المنطقة، يؤكدون أن تيزي وزو لم تعد "سويسرا الصغيرة" كما كانت تسمى، بل "كولومبيا"، تعرف مختلف أشكال الجريمة المنظمة، وطالبوا والي الولاية بالتدخل بعد مراسلته مؤخرا لتحقيق الأمن باعتباره أولوية "صرح أن التغطية ستكون كاملة نهاية 2006، لكنه لم يقدم توضيحا، ولا شيء تحقق.. نحن كنا واضحين، نريد عودة الدرك إلى النشاط، في كل دول العالم، هذا الجهاز ينشط في المناطق الريفية، ونحن نعاني". أعيان عزيب وذراع الميزان وماكودة وإفليسن ذهبوا إلى أبعد من ذلك، عندما هدّدوا بالخروج إلى الشارع "لأنه وحده يحقق مطالبنا".. لأن منطقة القبائل لم تعد آمنة، ومن دخل واليا.. فهو ليس آمن أيضا.. وإذا كان مسؤول بالمديرية العامة للأمن الوطني قد نسب أول أمس، الإختطافات إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، إلا أن الأهالي يؤكدون على نشاط هذا التنظيم منذ سنوات في المنطقة، لكن الاختطافات برزت بشكل فظيع في السنوات الأخيرة وبعد أحداث الربيع الأسود "ندرك أن الإرهاب تحالف مع الإجرام، وهناك تنسيق بين الجماعات الإرهابية ومافيا تهريب الرمال والسيارات والمخدرات والأسلحة"، وبرأي مصادر أمنية، فإن خطورة الإختطافات تكمن في أنها مصدر هام لتمويل الإرهاب بالأسلحة‮ والمؤونة‮ بعد‮ عجزه‮ عن‮ تحقيق‮ ذلك‮ في‮ ظل‮ تفكيك‮ قواعده‮ الخلفية‮ وشبكات‮ الدعم‮ والإسناد‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.