بوغالي يستقبل سفير الصين    مواطن يشكو اتصالات الجزائر    هؤلاء سبقوا آيت نوري إلى السيتي    بوقرة يعترف..    "قافلة الصمود" ترجمة لعمق تضامن الجزائر مع فلسطين    إلغاء مقررات الاستفادة من العقار لأصحاب المشاريع غير الجاهزة    توظيف تجربة الجزائر الرّائدة لتوفير الخدمات الأساسية    صعودنا مستحَق بفضل مجهودات الجميع    "الشلفاوة" يستهدفون نقاط البقاء    جمع 295 شهادة لمجاهدين عايشوا أحداث الثورة    الفنانة التشكيلية نورة علي طلحة تعرض أعمالها بالجزائر العاصمة    الاستفادة من تجربة هيئة الدواء المصرية في مجال التنظيم    وصول أول فوج من الحجاج إلى أرض الوطن    لقاء تنسيقي حول التحضيرات لموسم المخيمات الصيفية    التحذير من المساس بحقوق الأطفال خلال الامتحانات    ضبط مواقيت عمل المؤسسات البريدية خلال الصيف    كرة القدم/ مباراة ودية: المنتخب الجزائري ينهزم أمام نظيره السويدي 4-3    المحاربون بوجه مشرف في الشوط الثاني    فرط النشاط وتشتّت الانتباه يجمع الأولياء والمختصين    تقنيات جراحية حديثة لمعالجة أمراض الرجال    النقش على الفضة والنحاس انعكاس لتاريخ المنطقة    الديوان الوطني للتطهير: قرابة 800 تدخل خلال أيام عيد الأضحى لضمان استمرارية الخدمة العمومية    تحضيرا لموسم الاصطياف.. مخطط خاص بالرقابة والتموين في 14 ولاية ساحلية    قبل أيام من موعد امتحان شهادة البكالوريا..سلطة ضبط السمعي البصري تحذر من المساس بحقوق الأطفال    مجلة "آفاق سينمائية" : إبراز دور السينما الجزائرية في فضح الاستعمار الفرنسي    نفذتها "منظمة الجيش السري" للاستعمار الفرنسي:حرق مكتبة الجامعة المركزية عام 1962 جريمة ضد الفكر والإنسانية    كمائن الموت تتواصل ضد الأبرياء بغزّة    تعيين سفراء الجزائر بكازاخستان والسلفادور وروسيا    تحديد وزن الأمتعة المسموح به للحجاج خلال العودة    مجلة الجيش:الجزائر سترفع كل التحديات داخليا وخارجيا    حيداوي يدعو الجمعيات الشبانية للانفتاح على شراكات محلية ووطنية    موانئ: اعتماد ميناءين كنموذج أولي لتجريب استراتيجية العصرنة الجديدة    العدوان الصهيوني: الهجوم على سفينة "مادلين" جزء من الإبادة الجماعية    مجلس الأمن:البوليساريو تدحض ادعاءات ممثل دولة الاحتلال المغربي    البطل سقط في ميدان الشرف يوم 6 جوان 1958..ولاية باتنة تحيي الذكرى ال 67 لاستشهاد علي النمر    حادثة محاولة الانتحار أمام مقر وزارة العدل: إيداع 4 متهمين الحبس المؤقت    جمع جلود الأضاحي, أداة لدفع عجلة تطوير الصناعة الوطنية للجلود    العروض الوطنية للفيلم السينمائي "محطة عين لحجر" تتواصل عبر عدة ولايات    مجلس الأمة: السيد بوجمعة يبرز أهمية الرقمنة بقطاع العدالة    بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية    مؤشرات الاقتصاد الجزائري تتحسّن    البرتغال تُتوّج بدوري الأمم الأوروبية    حجز قرابة 1.5 مليون قرص مهلوس بباتنة    الجزائر تتحصّل على جائزة لبيتم    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 54981 شهيدا و126920 مصابا    تكريس لإرادة سياسية واضحة لحماية "ذاكرة وطن"    تكرس قيم الاحترافية والوطنية التي تحدو منتسبي القطاع    يختطف سفينة "كسر الحصار" على قطاع غزة    ورقلة : حجز أزيد من 62 ألف كبسولة من "بريقابالين"    ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان    تنظيم عودة أول فوج للحجاج الجزائريين إلى أرض الوطن    تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025    "التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين    ويلٌ لمن خذل غزّة..    هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة    عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقلم علاوة كوسة الصغير/ سطيف
أوردة الرخام /رواية (الجزء02)

-إيه...من هنا مرّ الكثير ..إلى دروب مجهولة!! وأخذ الكثير قسطا من الراحة ..ووا صلوا سفرهم وكثيرا كانوا سيمرّون من هنا ..كلهم..جميعهم..هل عَلِمَ هؤلاء أو تخيلوا أن الأيام جرّتهم إلى أهاليهم وذويهم معززين مكرمين ..وأنه سيأتي من بعدهم من يلعق بقايا وحشتهم الممزوجة بالحسرة و الاغتراب؟
-وما شأنهم يا سي (اسعيد).ومن أدراهم بغريب مثلك ستنكره المدينة من بعدهم ؟
ولكننا كلنا أبناء آدم..فأين إنسانيتهم ..أين ؟
-كل إنسان احتواه دربه ..وتلقفه مصيره فلا تحزن على ما فاتك ولا تسعد بما سيدركك..
آه صحيح ..كل الدروب تؤدي على الفرقة و الشتات..وكل نفس تساق إلى حيث كتب الله لها ان تساق..
ويقطع دويّ الرّعد خيوط تيهه وشروده فيواصل السير صوبها ..نحوها..إليها..إنها "عين الفوارة"حبيبته.. ملاذه مكمن أسراره..وكلّه شوق للوقوف أمامها.. هي وحدها من تعترف بوجوده..تصغي إليه..تنصت عندما يتكلم..لكنها..لا تجيب..أجل لا تجيب...
..ثياب مبللة كانت ترتديه..خصلات شعره الناعم غدت كومات تتلاعب بها الريح القوية..الخاتم الفضي مازال في إصبعه اليسار..يذكره حبيبته التي لفظت أنفاسها يوم زفافها بين يديه..وهو يسير..ويدير رأسه جهة اليمين... وتسابقت نظراته المنكسرة لتلف أرجاء"حديقة التسلية"التي لم يكن ليبدو منها في هذا الظلام الحالك ومن خلف البنايات الشامخة إلا "العجلة الكبيرة"التي كانت مقاعدها تتأرجح كما تأرجحت جوانحه بفعل المتناقضات التي تفشها العالم المحيط به .فأحالته هشيما تذروه الرياح.. في هذه اللحظة عادت إلى ذاكرته صورة آخر لقاء له بمحبوبته (زوينة)وهما متقابلان في جلسة المتأملين..و الصمت يلفهما.. والعجلة العظيمة تدور في غبطة.. تذكر حوارهما بالعيون مطولا..قبل أن تتسلل العبارات العذبة من بين شفاههما المعطرة بالقول المعبّر و الحب العفيف العذري ..و نبضات قلبيهما تشكل سيمفونية أزلية المبعث ..أبدية المنتهى .. وردية اللون .. و قال اسعيد :
- حبيبتي زوينة كيف هي حياتك قبل أن أدخل عالمك ؟
- كانت قاسية قساوة الحديد الذي صنعت منه هذه العجلة العظيمة...
- وما كانت حكمتك فيها ؟
- كنت أرى فيها أن في هذه الدنيا الصاعد و النازل ..كما نصعد الآن و ننزل ..
- و ما الذي عزّاك فيما ألحقه بك الغير من أذيّة ..و عذاب ؟
- كان عزائي في المصائب و الحوادث أنّ الأيام تدور كما تدور بنا هذه العجلة .
- و بم أوحى إليك هذا الدوران ؟
- أوحى إليّ أن الدهر يومان يوم لك ..و يوم عليك ..يوم نسرّ فيه و آخر نحزن فيه ..و أنه مهما طال الليل ..فالفجر آت و الشمس طالعة يوما لا محالة يا حبيبي و أنت يا ملاكي كيف كانت حياتك قبل لقائي ؟
تجهم وجهه واعتلاه احمرار و اصفر في لحظة واحدة و تلعثم لسانه .. قبل أن يرد عليها :
-أترين يا محبو بتي تلك البحيرة الساكنة في هذا المساء ؟
- أجل أنا أراها ..
- كانت حياتي بحيرة من طول سكونها غشاها الملل .. وافتقدت إلى نسمات تدغدغها فتبعث فيها الحركة و الحياة ..
انتفض قلب زوينة و سكنتها رعشة الفرح و الأسى في آن واحد ثم أردف قائلا : أترين ياحبيبتي هذه الباخرة الخشبية على يمينك ؟
- أجل يا روحي إني أراها .. كانت نفسي قبل أن ألتقيك باخرة تتقاذفها أمواج الحيرة في ليل بهيم..وشطآن الأمان و الاستقرار تتباعد عني كلما أشرفت على الوصول إليها..ولم أكن لأصبر على ذلك لولا انه في كل لحظة ترتسم في خيالاتي صورة "السند باد"ورحلاته الشاقة التي نجا فيها من مخالب الردى بأعجوبة ..حينها كنت أعلم أن رحلتي في الحياة ..هي "الرحلة الثامنة"التي كان "السندباد"ينوي القيام بها..كنت أتشبث بخيط من أمل في زمن فرّت فيه أنغام الاستقرار من أوتار الذات..وتركت المجال فسيحا لأنامل اليأس كي تعزف مثلما شاءت ألحان العذاب..والاغتراب.. ..هنا توقفا معا عن البوح..وسالت من عيونهما دموع باردة..تعزي مصابهما..وتطهر روحيهما من عوالق الأمس الآسية..وقالت له بلغة شاعرية تقطر حبا وجنية:
- ها هوا لقدر يجمع الشمس بالقمر..يا حبيبي في سماء المحبة الصافية .
- ..يبتسم ويرد عليها ..
- وها هي السماء الصافية تجود ببعض المطر من عيوننا فتسقي بساتين مودتنا التي ستتفتح فيها ورود وفائنا ..ولم يبق يفصلنا عن موعد زواجنا ولقائنا الملائكي الجميل إلا القليل.
تشابكت أصابعهما ..وقفلا عائدين ..كل على منزله..وفي كل قلب.. الحبّ الكبير..والكثير..والأمل..والأمان.
***************************
ويقصف الرعد ثانية ..وثالثة.فيستفيق من أحلامه التي غدت كوابيس تحرض فيه الجراح على التمرد و الثورة..المطر مازال يغسله..الرياح تعبث بجسده النحيل..وهو يسير..صوبها ..نحوها ..إليها إنها حبيبته ملاذه ,"عين الفوارة"..خطاه بدأت تتسارع..نبض قلبه يتزايد ..الليل والمطر..الرعد..والبرق.. مطاردة من جهتين.. بينهما صار جسدا متعبا في مهب الرماح..وهو يسير.. لم يعد يفصله عن حبيبته إلا الأمتار القليلة.. هي في انتظاره..هو يعلم أنها..لا تسمن ولاتغني من جوع ..ولكنها تنصت إليها عندما يتكلم ..وتحس به وقد أنكرته المدينة..هذا ما كان .يقنع به نفسه التي تلاشت..اضمحلت..جعلته يردد في كثير من الأوقات :"تلك إذا قسمة ظيزى " لكنه.. يستغفر ربه ويعود إلى وعيه ويردد"وأنه هو أضحك وأبكىوأنه هو أمات وأحيا"...وفجأة تناهت إلى مسمعه موسيقى هادئة انبعثت من عمارة كانت على يمينه فنظر متعجبا إلى النافذة التي كان يلوح خلق زجاجها نور خافت ..وتساءل في حيرة وقد توقف عن السير صوب حبيبته .أمازال هناك من يسهر حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل، وفي جو كهذا ؟..ودقق مليا في هذه الألحان المنبعثة فانشرح صدره وقد ميز ما سمع من الأغاني التي صنعت أجواء الأفراح و الأعراس في مدينة سطيف في الفترة الأخيرة أجل ..ميّزها..وعرفها....إنها الموسيقى العذبة التي كانت فرقة "السعادة " تؤسس بها لفن محلي سطا يفي بحت في الفترة الاستعمارية ،بعدان اكتسحت الحفلات التي كان يقيمها الفرنسيون الساحة الفنية بالمنطقة ،حفلات عزز بها المستعمر احتلاله العسكري ،وأراد من خلالها التأثير على المشاعر والأفكار و العواطف حتى أشرفت على السيطرة فنيا ووجدانيا في عقول السكان ليبقوا تحت النغمة الفرنسية ولكن فرق "السعادة"وقفت حصنا منيعا في الدفاع عن مملكة العادات و التقاليد العربية الجزائرية و حفظت للوجدان المحلي طهره و للموسيقى المحلية عذوبتها ونغماتها .......عادت إلى ذهنه حكايا جدّه "الصغير بن أحمد".التي كانت تتناول شهامة و بطولة وذوق أعضاء الفرقة ..كم مرة عبّر لي عن إعجابه بالملحن "حسان بلخيرد" وعن تألق عميد الفرقة "عاشور بوزيد" المدعو
" عاشور الحفاف " و"الحاج صالح موصلي" و"عبد القادر بعلي"و"محمد بن شايب "..وآخرين كثيرين صنعوا المشهد الثقافي و الفني بالمدينة آنذاك.
تذكر في هذه اللحظة الحساسة"حمام الزمامرة "الذي حوّله الرجال الطامحون إلى المجد و الحرية من مقر الاستحمام إلى قلعة ثقافية ..كان يلتقي فيها الفنانون والرياضيون وأعضاء الكشافة ..كانت انتماءاتهم إلى فروع الفنون شتى ..ولكن قلوبهم توحدت على مصير مشترك وواقع واحد
-آه يا حسرتاه ..على ذلك الجيل الذهبي ..صنع مجد المدينة وهيبتها..وخلف من بعدهم خلف أضاعوا هذا المجد..ودخلوا العهد الجديد وفي فنهم فتات..وفي اجتماعهم شتات .
واحسرتاه على زمن كان فيه عرض فني واحد لفرقة "السعادة"يحسس الحاضرين بأن الله واحد..،والوطن واحد،والمصير واحد ..وعلى زمن كان فيه حمام "الزمامرة"يطهر القلوب من أدران الأحقاد والفرقة و يجمع بين أبناء الوطن ..والمدينة على كلمة واحدة ..
واحسر تاه.. واحسر تاه..هل سيعود ذلك الزمان ؟!
..ترتسم على شفاهه أسئلة كثيرة ..و يواصل السير صامتا مرغما مكرها ..مغلوبا على أمره. عزاؤه الوحيد أنه يتجه نحوها ..صوبها ..إليها ..إنها حبيبته..ملاذه "عين الفوارة" هي الثقافة والفن ..هي التي تغربت في جوانحها الألحان ..هي من عزفت سيمفونية المحبة في صدق ..طوال ما هي بذاك المكان ..فراحت ذاكرة الأيام تحفظه وتضعه في رفوف الأبدية والخلود .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.