مراكز ”التنمية البشرية” :جزائريون لا يؤمنون ب”بياعين الهدرة”

ألم تتعرض يوما للفشل في مرحلة ما من حياتك؟ هل تريدين السعادة الزوجية وتحقيق التوافق بين الزوج والزوجة؟ أتبحث عن تفعيل قدراتك في الذكاء والبحث عن خطوات النجاح في الإدارة؟ كيف تكون خطيبا إيجابيا ومستثمرا ناجحا؟ هي أسئلة تطرحها مراكز التنمية البشرية الموزعة في الجزائر وتحاول استقطاب المواطنين وإعطاءهم وصفة ربما يمكن تسميتها ب”السحرية ” لعلاج مشاكلهم اليومية، فيما ينظر إليها بعين أخرى أنها مراكز لبيع ”الكلام”، فيما يقف الكثيرون موقفا محايدا لأنهم لا يعرفونها أصلا·
طبيعي جدا أن تسعى تلك المراكز إلى الربح مقابل التأثير على الفرد وجذبه لأخذ دورات تدريبية يشرف عليها دكاترة ومختصون ومدبرون ومكونون أيضا، قد تستغرق أسبوعا أو عشرة أيام ولكنها تحتاج إلى مبالغ مالية تتراوح ما بين 25 و35 ألف دينار· والأهم في هذه المراكز أنها تحاول التنسيق بين الأفراد والعمل على استغلال قدراتهم ونقاط قوتهم من أجل علاج بعض المشاكل أو التوترات النفسية والذهنية، وبصريح العبارة تفكيك وتليين عقدهم التي يواجهونها يوميا خصوصا إن كانت الدورة تتعلق ب”العلاقات الإنسانية” وبخاصة العلاقات الزوجية، فضلا عن إيجاد علاج أو طرق لتنمية القدرات الإنتاجية في الإدارات والمؤسسات·
عشرية كاملة، برامج تجلب الاهتمام
في البداية لفتت انتباه واهتمام الكثيرين ذلك قبل 10 سنوات أي في سنة 2001 تاريخ انطلاق هذه المراكز المعتمدة لتقديم دورات ”التنمية البشرية”، خصوصا أن كل جديد يجلب الاهتمام، ففي بداية نشاطها استطاعت أن تجذب آلاف المهتمين ببرامج خاصة للشباب والمتزوجين والإطارات، ولكن في المقابل هناك من يراها ”تجارة بيع الكلام”، هي نظرة مغايرة لأسباب وجودها ولكنها نظرة مختلفة تلقفتها ”البلاد” من أفواه الكثيرين·
لا يمكن إلغاء أهمية مراكز ”التنمية البشرية” خصوصا وأنها تهتم بالفرد وتحفيزه باستغلال قدراته الشخصية من أجل نقله نحو النجاح· وبأبسط عبارة هي مراكز تستلهم أفكارها من ركيزة أساسية هي محاولة استلهام قدرات البشر وتحويل نقاط فشلهم وضعفهم إلى نقاط قوة عن طريق برامج تتكيف مع إرادتهم وقوة استيعابهم·
هذا التفسير المبسط الذي ذكره الدكتور سليمان ضراوي المتخصص في تدريب وتطوير الأفراد والمؤسسات على مستوى عدة مراكز للتنمية البشرية عبر العاصمة والبليدة وعين الدفلى ووهران·
وأكد ضراوي في تصريح ل”البلاد” أن الكثيرين اهتموا ببرامج مراكز التنمية البشرية التي تعتمد على طرق البرمجة العصبية وتنمية الذكاء وكيف يكون الفرد فاعلا ومتفاعلا وغيرها من البرامج التي تجذب المهتمين من كل الشرائح، ولكنه طرح فكرة أخرى وهي أن الكثيرين ليست لديهم تجربة ”أخذ دورة تدريبية في التنمية البشرية” وهي ثقافة لاتزال غائبة عندنا، يضيف المتحدث·
وذكر المتخصص في تدريب وتطوير الأفراد أن هناك تخصصات في التنمية البشرية التي تهتم بتطوير الذات البشرية وتحفيزها على تخطي نقاط الضعف ومراحل الفشل تحت عنوان واحد هو ”النجاح”، فضلا عن التدريب في مهارات التفوق الدراسي والتفكير الإيجابي والإبداعي وكيف يضع الفرد إستراتيجية ومراحل تنفيذ الإستراتيجيات لتحقيق الأهداف المرجوة، وكلها عبارة عن دورات أو دروس تقدم لمجموعات تتشكل بناء على رغبتها في الحصول على مثل هذا التدريب·
ومن بين الدروس التي تقدمها مراكز التنمية البشرية، يقول الدكتور سعيد شويتم وهو مختص في التنمية البشرية ولديه شهادة معتمدة في ممارسة البرمجة اللغوية العصبية في تصريح ل”البلاد”، إن مثل هذه البرامج تجلب الكوادر وخصوصا أولئك الذين يطمحون إلى التدرج في مجالات تخصصهم من أساتذة ودكاترة وصحافيين بالنظر إلى صعوبات الحياة اليومية ومحاولة الكثيرين للبحث عن طرق للنجاح والبحث عن كيفية أو سبل أن يكون فعالا في يومياته خصوصا أمام تعقيدات الحياة اليومية·
ومن جهة أخرى يرى المتحدث أن هناك دورات تجذب الكثيرين تختص في أسرار الحياة الزوجية وكيفية علاج المشاكل الأسرية والعلاقة بين الطرفين فضلا عن طرق تربية الأنباء وحل مشاكلهم اليومية التي تستعصي كثيرا على الآباء وعلى الأمهات على حد سواء·
وفي سياق آخر هناك دورات مثل التسويق والإدارة تجلب اهتمام مسؤولي المؤسسات الكبرى والمستثمرين والموظفين·
تجاهل كبير
طالملاحظة الهامة التي وقفنا عليها هي تجاهل الكثيرين للدور الذي تلعبه مراكز التنمية البشرية وهناك من لا يعرفها· والمذهل في هذا أن شريحة الطلبة الجامعيين مثلا لا تعرف هذه المراكز فيما يصفها آخرون بأنها تجارة ”الكلام” أو تحمل تسمية ”التنمية البشرية”·
ويؤيد المختص في علم الاجتماع الإعلامي الأستاذ عمار بن عايشة في تصريحه ل”البلاد” الموقف القائل إن أغلب الجزائريين لا يعرفون معنى ”التنمية البشرية” والمراكز التي تشتغل على الأشخاص وتفعيل قدراتهم اليومية بناء على برامج خاصة خصوصا أنها مراكز دخلت الجزائر سنة ,2001 يضيف الأستاذ بن عايشة· وأوضح المتحدث أن هذه المراكز انتشرت بقوة في دول المشرق العربي ولكنها في الجزائر تبقى تجربة في مسار التطور، مشيرا إلى أنه لا يكفي الترويج لها بالإعلانات فقط بل بطرق الإقناع الذي تفتقر إليها خصوصا أن المجتمع الجزائري عرف مثل هذه المراكز في فترة بدأ المواطن يخرج من حقبة عصيبة بسبب سنوات اللااستقرار، وبالتالي فاهتمام المواطن كان الحصول على وظيفة وسكن والشعور بالأمن فقط·
وحول سؤال يتعلق بتلك المراكز ووظيفتها يرى الأستاذ بن عايشة أن تلك المراكز تعتبر من البدائل المهمة التي تفرض نفسها بقوة وهي نتيجة التجارب الأوروبية في بدايات القرن العشرين وبالخصوص تجارب الدول الآسيوية مثل ماليزيا وأندونيسيا·
وتهدف هذه المراكز حسب المتحدث إلى نشر نموذج جديد للتنمية يضع الإنسان محورا أساسيا لدفع هذه العجلة ويعتبر الإنسان نواة هذه التنمية·
ورجع محدثنا إلى أن ”التنمية البشرية” عرفتها الكثير من الدول كمفهوم وحظي باستقطاب الشباب الذين يرون أن أساس التنمية هو ”الإنسان وبالفرد وللفرد” فيما لا يمكن القيام بتنمية اقتصادية واجتماعية دون تنمية الفرد، حيث يرى الكثيرون أن التنمية البشرية تعتبر طريقا آخر للنجاح· من جهتها ترى الدكتورة سلامي سعيدة التي شاركت في عدة دورات تدريبية في مصر والأردن، أن ظهور التنمية البشرية بعد بروز الوعي بقيمة الفرد كغاية ووسيلة في نفس الوقت، ولكن تؤكد المتحدثة في تصريح ل”البلاد ” أنه لا يمكن إلغاء الفترة الدموية التي عاشتها الجزائر والتي أثرت كثيرا على نفسية الجزائري عميقة ويتذكرونها بمرارة وهو ما دفع إلى علاجها بشتى الطرق·
وتعالج المتحدثة هذه المشكلة بدورات التدريب النفسي خصوصا أن الواقع الجزائري خلق أناس منعزلين ومنطويين على أنفسهم خصوصا أولئك الذين كانوا ضحايا لعمليات إرهابية أو فقدوا أهاليهم وذويهم وأقاربهم، وهو الجانب الذي تهتم به بعض الدورات تعتمد على الاتصال المباشر وعلاج تلك الجراح لتندمل، تواصل المتحدثة·
وتشدد المتحدثة على أن رأسمال البشري هو الأساس لأن المدرب في البداية والنهاية يملك التأثير بطرق معينة وتقنيات مستمدة من علم النفس وعلم الاجتماع بمختلف التخصصات كعلم الاجتماع التربوي والنفسي ك”البرمجة العصبية” والعلوم الطبية واللسانيات أيضا لإحداث التغيير مع مرور الوقت وليس وصفات ناجحة مائة بالمائة·
”بيع للكلام”؟
اتهم الكثيرون أن برامج الدورات التدريبية المتعلقة بالتنمية البشرية أنها دورات ”تبيع الكلام وفقط”، وهو ما جعلها في الصف الثالث أو الرابع من اهتمامات الجزائريين، وخصوصا أن اهتمامات الجزائري اليومية تطغى عليها توفير الحاجيات المعيشية، فيما يرى البعض أنها ”مضيعة للوقت وللمال”·
في استطلاع، كشف الكثيرون ل”البلاد” جهلهم معنى التنمية البشرية، حيث كشف نبيل بوعبيبسة وهو طالب بمعهد علم الاجتماع ببوزريعة أن مثل تلك المراكز مازالت مجهولة لدى الكثيرين، رغم أنه يسعى لأن يسجل في مركز متخصص في تنمية قدرات الطالب في العطلة الربيعية المقبلة، مشيرا إلى أن مثل هذه البرامج على حد علمه ”تهدف إلى مساعدة الفرد على استغلال قدراته التي يجهلها شخصيا” مضيفا أن مثل تلك البرامج ”بإمكانها أن أن تساعده على التخلص من العوائق النفسية والفكرية ومنحه الطرق الصحيحة للاستفادة من تجارب الآخرين والتأقلم مع الواقع بخصوصياته (المجتمع والنظام السياسي والاقتصادي)”·
بالرغم من أن العديد من المراكز في الجزائر أًصبحت منذ أزيد من عشر سنوات تتعامل مع هذه العبارة، أو بالأحرى مراكز تطوير الذات البشرية وتحفيز القدرات والملكات العقلية، ولكن الكثيرين يرون أنها عبارة عن مراكز ل”بيع الكلام” أو تجارة تحت تسمية ”التنمية البشرية”، فيما يختلف البعض الآخر من المستجوبين عن هذا الرأي ويجدونها قد مكنت الكثيرين من التفوق خصوصا أولئك الذين عرفوا الفشل في حياتهم في الكثير من المناحي·
وعلى خلاف الرأيين الأول والثاني فهناك من يرى أن مستوى إيمان الشخص بقدراته ضعيف لأن سياسيات التعليم لم تلقنه كيف يكون قائدا وليس منقادا وبالتالي فهو يرى أن سبل النجاح لا يصنعها بنفسه بل يجدها عند الآخر، خصوصا أن الفرد الجزائري عرف لغة ”لغة البيروقراطية والمحسوبية والمحاباة من أجل الوصول إلى مراتب عليا أو حتى الحصول على وظيفة وليس نجاحا ذاتيا كامنا يحتاج فقط لمن يوجهه خصوصا أمام المشاكل التي يشهدها المجتمع الجزائري وتوسع الظواهر الاجتماعية التي أصبحت تستحق العلاج عن طريق دورات كظاهرة تعاطي المخدرات وارتفاع حالات الطلاق وظاهرة الانفصال النفسي بين الزوجين، الذي يبقى من الطابوهات التي تحاول تلك الدورات رفع الغطاء عنها وتعرية هذا الواقع الذي يظل من مسكوتا عليه لدى الأسر الجزائرية·