رئيس حركة مجتمع السلم يشدد على دور الشباب في النهضة الوطنية بوهران    لويزة حنون تستعرض نضالات المرأة الجزائرية وتدعو لتعزيز الوحدة الوطنية    تنصيب العميد عباس إبراهيم مديرًا مركزيًا لأمن الجيش    وزير العمل يدعو إلى اعتماد الرقمنة لجعل المعهد الوطني للعمل فضاءً مرجعيًا للتكوين المتخصص    احتلت المرتبة الأولى وطنيا..أم البواقي ولاية رائدة في إنتاج الشعير    خسائر ب4 ملايين دولار وتحذير صحي..وفاة 11 فلسطينيا جراء المنخفض الجوي الأخير    قبل انتهاء صلاحية مذكرة مصادرة..استيلاء أمريكا على ناقلة نفط قرب فنزويلا    إيران : اعتقال 18 من أفراد طاقم ناقلة أجنبية    بسبب مشاركة المنتخب الوطني في البطولة الافريقية للأمم-2026..تعليق بطولة القسم الممتاز لكرة إلى اليد    الدور ال16 لكأس الجزائر:اتحاد الحراش يطيح بشبيبة القبائل، جمعية الشلف ووفاق سطيف يحسمان تأهلهما    الرابطة المحترفة "موبيليس" : عقوبات ضد ثلاثة أندية    ميلة : إجراء 47 عملية جراحية بمبادرة لقافلة طبية تضامنية    معرض السفارات العالمي الشتوي بواشنطن : الجزائر تفوز بجائزة أفضل جناح في المجموعة العربية    المهرجان الدولي للكسكس بتيميمون.. فضاء للتعريف بالتراث وتبادل الخبرات    الجزائر تنتخب نائبا لرئيس الدورة الحكومية الدولية للجنة اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي لعام 2026    غرداية.. إطلاق وتدشين مشاريع تنموية جديدة    دعت إلى جعل "دار الإبداع" متحفا لتاريخها وفنونها..بن دودة تعلن عن عملية استثمارية كبرى لترميم المدينة القديمة بقسنطينة    جامعة البليدة 2 توقّع ثماني اتفاقيات تعاون    صالون دولي للأشغال العمومية والمنشآت الطاقوية بالجنوب    حصحاص يدشن مرافق تربوية وصحية جديدة ببوفاريك    استحداث علامة مؤسّسة متسارعة    بيتكوفيتش يكشف أسلحته اليوم    رفع العلم الوطني بساحة المقاومة    بوعمامة يشارك في اختتام ملتقى الإعلام الليبي    مسابقة لأحسن مُصدّر    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    ماضون في تعزيز التعاون والاستثمارات البينية    25 اتفاقا للارتقاء بالتعاون الجزائري - التونسي    استراتيجية شاملة لتعزيز الروابط مع الكفاءات الجزائرية بالخارج    مظاهرات 11 ديسمبر منعطف فاصل في تاريخ الثورة    مسابقة لتوظيف أكثر من 40 ألف أستاذ    7 اتفاقيات شراكة بين مؤسسات اقتصادية جزائرية - تونسية    إدانة سياسة التعتيم الإعلامي للاحتلال المغربي في الصحراء الغربية    تذبذب في تزويد سكان الرتبة بالماء    "محفظة التاريخ" لتخليد مظاهرات 11 ديسمبر    تتويج "رُقْية" بالجائزة الكبرى    تركة ضخمة في علوم اللغة تنتظر الاستثمار العلمي    حلول واقعية لتعزيز وجهة استثمارية واعدة    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    جهود لحماية التنوع البيئي بالشريعة    محرز ينافس بن زيمة ورونالدو    مازة يتألق وينقذ ليفركوزن    مدوار يكشف حقيقة العروض    توفير نظارات طبية للتلاميذ الأيتام والمعوزين    خُطوة تفصل الخضر عن المربّع الذهبي    الاستغفار.. كنز من السماء    توفير 500 منصب عمل جديد بتندوف    الوالي يأمر بمضاعفة المجهودات وتسليم المشاريع في آجالها    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    مظاهرات 11 ديسمبر1960 بفج مزالة سابقا فرجيوة حاليا    رئيس السلطة يعرض تصورا استباقيا    بوعمامة يشارك في "منتدى الحوار الإعلامي العربي الدولي" بطرابلس    فتاوى : اعتراض الأخ على خروج أخته المتزوجة دون إذنه غير معتبر    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    نحن بحاجة إلى الطب النبيل لا إلى الطب البديل..    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شظايا الطّفولة ....
نشر في الجمهورية يوم 04 - 11 - 2019

توقّف واجما مُحدّقا في هذا الاسم الذي ظهر على جداره الأزرق الافتراضيّ وهو يدغدغ ذاكرته، مكث مليّا وكان اضطرابه واضحا جليّا، راح يفتّش بين أروقة ذاكرته الهشّة المنهكة المثقلة بتراكمات الماضي مقداره أربعة عقود ونيف، تاه بسرعة في دهاليز الطفولة الملفوفة بغبار النسيان، الظلمة حالكة كأنّها اللّيلة الليلاء، طفق يتحسّس بعض المعالم لترشده إلى سبيل نوره، حاول جاهدا لكنّه لم يفلح .
قال لصاحبه وهو يجادله : ما أراك من المقرّبين، ولا من الخلّان غير المنسيين، لم يعلق اسمك في إحدى زوايا الذّاكرة، حيث تنسج العنكبوت بيتها الرّقيق المهلهل حتّى أضحى يحاكيها في الضّعف والوهن. فردّ أن لا تثريب عليك، يجعل الله لذلك مخرجا، واعلم يا رفيق المدرسة أنّي كنت من خاصّتك وحسبك أن أكون نسيّا منسيّا، وهذه صورتي ألق بها على حافّة الذّاكرة عسى أن ينتعش أمسُك فيهتدي إلى صراط المعرفة واليقين .
حملق في الصّورة مستحضرا ماضيه التّليد، غاص في غياهب المشهد وماهيته، كرُّ الأيام ودوالها فعل فعلته وطمس معالم الطفولة، وجهٌ نحيل أهلب، ورأس يكاد يشتعل شيبا، وثغر بسّامٌ لا زال يزرع الأمل في الحياة. هذا ما خلص إليه وما رسخ فلم يهتد، كان اضطرابه مفضوحا وهو يعتذر لعدم ظهور هلال الطّفولة التي جمعتهم في قسم واحد كما يزعم .
انسحب بلباقة وترك صورته ورقم هاتفه وفضح مكان عمله وأشار إلى بعض أمارات المكان والزمان آنذاك كالأصدقاء والأساتذة وبعض المواقف التي لا يمكن أن ينساها أحد قطّ وهو يزاحم الحياة المدرسيّة حينها. كان الردّ في مستوى النبل والشهامة، واُتفِق على موعد تزول فيه غشاوة الشّك وتُغسل الذاكرة لتُعرف الحقيقة التي لا شيّة فيها .
مرّت الأيّام بسرعة، رنّ الهاتف صباحا، والفنجان يداعب الشفاه، وضعه وهو يرتجف حين رأى الشاشة، ارتاب بعض الشّيء لكنّه استجاب بسرعة وملامح الغبطة بادية، نعم يمكن أن نلتقي هذا الصّباح، هذا يشرّفني سأحضر بعد قليل، مقهى ملتقى الطرق، تمتّع بقهوتك سيدي ريثما أصل واذكر أنّ القهوة لا تُشرب على عجل ... بسرعة البرق ركن سيارته ذات العلامة الفرنسيّة، اتصلّ على عجل وقد تسلّل إلى باحة المقهى، نعم وصلت، هل لك أن تلوّح بيدك .. شكرا رأيتك هذا يكفي . ثلاث خطوات كانت كافية للعودة إلى الزمن الجميل انطلاقا من تلك العينين وما يعلوها إلى الحاجبين ، أجل هذه المساحة كانت كافية لتحديد هوية صديق الطفولة الذي توارى عن الأنظار مذ ثلاثة عقود من الزمن .
اللقاء يتعدّى حدود الوصف والفرحة فاقت مساحة الزمان والمكان، ساعتان من الحنين إلى لوحة رسمناها وكمّ هائل من الأصحاب الذين تفرّقوا وافرنقعوا عنوة ليصارعوا ضراوة الحياة. فتّشنا الأماكن كلّها وذكرنا جلّ الأصحاب وتتبعنا مسيرتهم ورسمنا ملامحهم، كما ذكرنا محاسن موتانا ممّن خطفهم القدر وهم في ربيع حياتهم، تحدّثنا بإسهاب عن جيلنا وعن السالف والخالف من الأجيال المتسابقة، عن المحاسن والمساوئ، عن قدرنا ومستقبلنا، عن الوطن وواجبنا نحوه، عن وجعه ، عن ألمه وأماله، عن تعلقنا الحميميّ به، عن الأبوّة وعظمة المسؤولية اتجاه العائلة، عن الطموح، عن النجاح، عن الأفراح والمسرّات، عن الأقراح وما سلبتنا الأقدار ... عن كلّ مليحة وقبيحة، هكذا تُختصر المسيرة ويعرف الحديث الحشو والإفراط .
حريّ بنا أن نقف عند العاطفة والأخلاق، وحريّ أن نُبجّل هكذا محطّات في خضّم تسارع الأحداث وتزاحم الأيّام غاية الفناء، قطار الحياة لا ينتظر وعلى الإنسان أن يعتبر، بأن يشدّ حبل الوصال لا يتركه، وأن يكون اجتماعيا بامتياز، لا يجدر بأحد منّا أن يعيش عزوفا عيوفا مترفّعا عن النّاس فتذيق نفسه وترفعه بأنانيّة مغلوطة لينظر إلى غيره من أعلى الجبل فيراهم صغارا ولا يعلم أنّهم لا يرونه لبعده، وفي ذلك الفراغ ينتحر النبل والوفاء والتّواضع ، وتكبر الصغائر وتزكو النوازغ وتزول القيّم ويستحيل المجتمع إلى صورته البهيميّة. الحياة تواصل وعبرة وتذكر وصنيع ترسمه الطفولة وترعاه الكهولة وتتوِجه الشيخوخة تحت عنوان الأخلاق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.