أشاد الناقد والأكاديمي يوسف مجقان بمسرحية جي بي أس” للمخرج محمد شرشال، واعتبرها نموذج مسرحي جديد يحتاج للكثير من الدراسة والاهتمام، خاصة وانه عرض ابتعد عن سلطة المخرج وتوجه نحو قدرة الممثل في الأداء وتجسيد الدور، منوها إلى أن المخرج محمد شرشال استطاع أن يخرج المسرح الجزائري من قداسية النص إلى مواجهة عبقرية الممثل. حاول الأكاديمي يوسف مجقان خلال تنشيطه للعدد التاسع عشر من منتدى المسرح والذي ناقش من خلاله إشكالية “الإخراج بروتوكول للإبداع الجماعي”، أن يبرز التوجهات والتيارات الفنية والجمالية التي تتحدد رؤية المخرج، والذي يركز أساسا على التشخيص العرض في مقابل النص، في محاولة منه التطرق مواجهة النص أمام عبقرية أداء الممثل، مستدلا في حديثه بعرض “جي بي أس” التي ارتكزت على سلطة الممثل. وفي مقدمة طرحه أشار الأكاديمي يوسف مجقان إلى أن هناك عدة أشكال للمسرح منذ ظهورها، واعترف الغرب بالمسرح المشرقي بعد ما اكتشاف الأشكال المسرحية الموجودة بهذه الدول التي تعتمد في الأساس على حضور الممثل، وهكذا حسبه يخرج من معتقد بما يسمى “المركزية العرقية”. ومسرح الأداء يقول المتحدث حيث حيث يحتل فيه الممثل الدرجة الأهم يعد مفتاح نجاح العروض التي تم إنتاجها على المسرح، بحث لم يعد النص هو القاعدة الاساسية ، فهناك الآن حرية الممثل الذي يعتمد على ذاكرته الحسية والإدراكية، والتي تضمن البعد الحقيقي للمشهد الذي يتم تجسده. وفي مسرحية “جي بي أس” للمخرج محمد شرشال يقول الدكتور انها تجربة جديدة بهذا المعنى ، فهي تعتمد على المسرح الأدائي وهي بذلك تتطلب ممارسة المسرح بروتوكول عمل آخر ، في مجموعة لا يوجد فيها “إملاء المخرج” -السلطوي- وإنما تبنى على حركات يتبنها الممثل نفسه ويتم تطويرها تدريجيا وفقا ما يتطلبه العرض المسرحي، وهذا حسبه سبب نجاح هذا العرض الصامت التي تفوقت فيه إيماءات الممثل وحركته فوق الخشبة على مفردات النص المكتوب. الناقد علاوة وهبي يوافق ما جاء بها الأكاديمي يوسف مجقان في طرحه وأكد في مداخلته أن التجارب المسرحية لا تتوقف ولا يوجد مخرج يجرب أو لا يجرب،البحث والاهتمام بالظواهر المشرقية بدأت منذ ارتو واستمرت، وما قام به بيتر بروك جدير بإثارة والاهتمام إذ أن باربا حسب بعض الدراسات بدأ مع بيتر بروك في الماهارتا الهندية وكان المساعد له ولان البحث عن مفهوم جديد من اهتماماته فان بروك جاء حتى إلي الصحراء الجزائرية في إطار البحث عن مسرح جديد، وكان حسبه يعمل مع ممثلين من جنسيات مختلفة ولا يكتب النص إلا بعد عمليات الارتجال بين الممثلين انطلاقا من فكرة. والمشكل في الجزائر يضيف المتحدث أننا ننفر من كل تجربة جديدة تتم من لدن احد المخرجين عندنا ننكرها ولكننا نتقبلها من الأخر، مثلا علي ذكر علولة الذي نجد في أعماله الأخيرة مسرح سردي في إطار بحثه واستخدامه أسلوب القوال، حيث أصبح يعتمد علي الكلمة كقوة فعل أي الاعتماد علي متعة الأذن ولكنه لم يهمل متعة البصر من خلال بعض التشكيلات البصرية إخراجا إلي جانب الإضاءة وغيرها وهذا الأسلوب لم يتم قبوله في البداية في حين أعرب الكثيرين عن إعجابهم بما فعله مخرج لبناني باعتماد على المسرح السردي، أما فيما يتعلق بتجربة محمد شرشال الذي توجها من خلالها إلي إلغاء الكلمة وتعويضها بالحركة اعتمادا علي جسد الممثل وقدرته في تفجير طاقته الإبداعية ليقدم الصورة البصرية الممتعة مستفيدا من مسرح الصورة أكثر، وهذا التوجه يقول الناقد علاوة وهبي أنه ما يزال غريبا في المسرح الجزائري، لان الكثيرين يرون أن قوة الكلمة هي الأساس في العملية المسرحية ولا يدركون أهمية الصورة. من جانبه طرح الأكاديمي كريم غريبي في مداخلته إشكاليات تتعلق بتراجع المسرح الجزائري والمسرح العربي على وجه العموم وقال إن مسألة الفعل الكلامي النمطي الذي هيمن على المسرح العربي عموما والجزائري أساسا اسقط بدرجات متفاوتة الخطاب المسرحي الشامل على مستويات الطرح الجمالي للفرجة وحجم الفعل الأدائي الشامل في مرافقة الحوار أو السرد المنطوق، كما تحول في الجزائر إلى منطوق يعيد إنتاج خطاب السلطة بأشكالها المتعددة دينية سياسية واجتماعية أو إيديولوجية ،ومن ناحية أخرى غيب مثل هذا المسرح الثقافة المسرحية لدى المتلقي الذي انحصر تفاعله مع الأغراض والموضوع والأفكار لدى الجمهور العام والخاص أو الإعلامي حتى بلغ المجال البحثي الأكاديمي الذي وقع في هذا التلقي النمطي مما أصبح يكتفي بالتصنيفات الإيديولوجية الجزافية للمسرحيين ولم تتجاوز إلى الأبعاد الفنية المتعددة. وبخصوص مسرحية “جي بي أس” أكد الدكتور كريم غريبي أن المسرحية طرحت إشكالية “الحرفية المسرحية” كمشروع فني ينمو ويتطور في سياق بحثي تجريبي تتشكل من خلاله الأشكال والصيغ على كل المستويات يساهم في تكريس التراكم الفني المسرحي لكل الفاعلين المسرحيين. للإشارة، الدكتور يوسف مجقان خريج المعهد الوطني العالي للفنون الدرامية (سابقا) تخصص نقد مسرحي، تنقل إلى فرنسا أين أتم دراسته العليا بجامعة باريس 8، وتحصل على شهادة دكتوراه، وحاليا يشغل منصب أستاذ محاضر بالجامعة، له عدة مشاركات في ملتقيات دولية، كما في رصيده مساهمات علمية في المقررات البحثية والتدوينية، وقد نشط عديد الدورات التكوينية في مجال التأهيل المسرحي.