قبل أيام من موعد امتحان شهادة البكالوريا..سلطة ضبط السمعي البصري تحذر من المساس بحقوق الأطفال    تحضيرا لموسم الاصطياف.. مخطط خاص بالرقابة والتموين في 14 ولاية ساحلية    القرار يحض حاملي المشاريع غير الجاهزة.. الشروع في إلغاء مقررات الاستفادة من العقار    بريد الجزائر: تعديل مواقيت العمل بشمال وجنوب الوطن    في سابقة تاريخية..ترامب يرسل المارينز لاحتواء احتجاجات لوس أنجلوس    كرة القدم/ مباراة ودية: المنتخب الجزائري ينهزم أمام نظيره السويدي 4-3    الديوان الوطني للتطهير: قرابة 800 تدخل خلال أيام عيد الأضحى لضمان استمرارية الخدمة العمومية    مجلة "آفاق سينمائية" : إبراز دور السينما الجزائرية في فضح الاستعمار الفرنسي    نفذتها "منظمة الجيش السري" للاستعمار الفرنسي:حرق مكتبة الجامعة المركزية عام 1962 جريمة ضد الفكر والإنسانية    وزير الشؤون الدينية والأوقاف:التعاون المثمر بين مكونات البعثة وراء نجاح موسم الحج    مجلس الأمن:البوليساريو تدحض ادعاءات ممثل دولة الاحتلال المغربي    البطل سقط في ميدان الشرف يوم 6 جوان 1958..ولاية باتنة تحيي الذكرى ال 67 لاستشهاد علي النمر    مجلة الجيش:الجزائر سترفع كل التحديات داخليا وخارجيا    حيداوي يدعو الجمعيات الشبانية للانفتاح على شراكات محلية ووطنية    موانئ: اعتماد ميناءين كنموذج أولي لتجريب استراتيجية العصرنة الجديدة    حادثة محاولة الانتحار أمام مقر وزارة العدل: إيداع 4 متهمين الحبس المؤقت    طاقة ومناجم: بحث افاق التعاون بين المؤسسات الجزائرية و "ميتسوبيشي باور أيرو" اليابانية    في لقاء مع السفير الصيني.. بوغالي يشيد بالعلاقات الجزائرية-الصينية ويدعو لتوسيع الشراكة    العدوان الصهيوني: الهجوم على سفينة "مادلين" جزء من الإبادة الجماعية    جمع جلود الأضاحي, أداة لدفع عجلة تطوير الصناعة الوطنية للجلود    الفنانة التشكيلية نورة علي طلحة تعرض أعمالها بالجزائر العاصمة    اتفاقية تعاون علمي بين جامعة "بلحاج بوشعيب" لعين تموشنت وجامعة هيوستن الأمريكية    كرة القدم / بطولة افريقيا للاعبين المحليين 2025 : مجيد بوقرة يقر بصعوبة ضبط التشكيلة النهائية    العروض الوطنية للفيلم السينمائي "محطة عين لحجر" تتواصل عبر عدة ولايات    مجلس الأمة: السيد بوجمعة يبرز أهمية الرقمنة بقطاع العدالة    مؤشرات الاقتصاد الجزائري تتحسّن    البرتغال تُتوّج بدوري الأمم الأوروبية    حجز قرابة 1.5 مليون قرص مهلوس بباتنة    بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية    الجزائر تتحصّل على جائزة لبيتم    الحجّاج يؤدون طواف الوداع    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 54981 شهيدا و126920 مصابا    فلسطين : مستوطنون صهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    ورقلة : حجز أزيد من 62 ألف كبسولة من "بريقابالين"    تكريس لإرادة سياسية واضحة لحماية "ذاكرة وطن"    يختطف سفينة "كسر الحصار" على قطاع غزة    ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان    تكرس قيم الاحترافية والوطنية التي تحدو منتسبي القطاع    تنظيم عودة أول فوج للحجاج الجزائريين إلى أرض الوطن    آخر الروتوشات لانطلاق امتحان البكالوريا    640 ألف مليار لاقتصاد أقوى ومعيشة أحسن    اللجنة المنظمة تطلق اليوم الموقع الرسمي للحدث    المديرية العامة للحماية المدنية تطلق مسابقة توظيف    خطوة أخرى لتعزيز التنمية بقرى وادي الأبطال    "التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي    تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025    استشراف لمستقبل الفن والتكنولوجيا    رفع ألفي طن من النفايات    جمع 27 ألف "هيدورة"    مجلس الأمة يهنّئ بالجائزة الذهبية "لبيتم"    إجماع على استقدام جمال بن شاذلي    مبادرة حسنة من الحجّاج الجزائريين    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    الخضر يضعون اللمسات الأخيرة    توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين    ويلٌ لمن خذل غزّة..    هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة    عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة تطبيقية للمقاطع الصوتية من خلال نماذج من ديوان: أغاني الحياة-لأبي القاسم الشابي-

بدا لنا مناسبا التركيز على ظاهرة صوتية متفشية في طبيعة المقاطع المكونة للبناء الشعري في التجربة الشعرية الشابية، محاولين تقديم قراءة دلالية، إيقاعية لها، من خلال نماذج من ديوانه: أغاني الحياة، و هذا الاختيار هو هدف إجرائي، يمكن للدارس فيما بعد أن يعثر على نماذج أخرى مضاهية. أبو القاسم الشابي شاعر)متقد العاطفة يشتعل بها هما) و لاغرو في ذلك حيث( كانت العواطف عنده مرضا ناهشا) ، حيث يقول :
1سئمت الحياة و ما في الحياة *** و ما إن تجاوزت فجر الشباب
2سئمت الليالي ، و أوجاعها *** و ما شعشعت من رحيق بصاب
3فحطمت كأسي و ألقيتها *** بوادي الآسى و جحيم العذاب
4 فأنّت و قد غمرتها الدموع *** و قرّت و قد فاض منها الحباب
5و ألقى عليها الأسى ثوبه *** و أقبرها الصمت و الإكتئاب
عنوان القصيدة ( السآمة ) من بحر المتقارب ، الذي كان أبو القاسم الشابي مولعا بإيقاعه القائم على التكرار التفعيلي (فعولن ) ، و لا شك في أن أبا القاسم الشابي من الشعراء الذين يحبذون اختيار عناوين قصائدهم ن فتكون مفاتيح أولية للولوج لعوالم الأثر الأدبي و نعني القصيدة ، و قد يخالفنا- في هذا الأمر- كثير من الدارسين و الباحثين ، فيعتبرون عدم تقييد القصيدة بعنوان من المبدع ، يفتح فضاء من التأويلات التي تساعد على تفاعل المتلقي مع الأثر الأدبي- لا سيما إن كان شعرا-
و السآمة توحي بمعاني الضجر و الملل و الشعور بالفتور ، فكان الفعل(سئمت ) المكرر في مستهل البيت الأول و الثاني ، اللفظة الإرتكازية ، التي أنيطت بنقل ما يعتلج في أعماق الشاعر ، و ليزيدها الشاعر الشاعر عمقا و إيحاء أتبعها بجملة من المدود المتتابعة و التي من شأنها تبئير هذا الشعور المتنامي بالضياع و الضجر، و يمكن تمثيل ما ذهبنا إليه في :
سئمت + الحياة + ما + الحياة **** ما + تجاوزت + الشباب
سئمت + الليالي + أوجاعها **** بوادي + العذاب
غمرتها*** **** فاض + منها + الحباب
عليها**** **** أقبرها + الإكتئاب
ففي البيت الأول ، تضاف دلالة ( سئمت ) إلى ثلاثة مدود في صدر البيت ( يا +ما +يا ) ، و ثلاثة أخرى في العجز ( ما +جا +با ) ، و المدود تستغرق زمنا أطول في التلفظ و النطق و بالتالي مزيدا من المعاناة التي لا تزول بل تطول.
وما دامت المدود تؤدي - في الغالب- هذا الدور فإن الإيقاع في ظلها يكون متراخيا بطيئا- إلى حد ما- كتراخي و دوام المكابدة و المعاناة ، فزمن التعاسة طويل و زمن السرور وجيز كما يقرره علماء النفس.
و في البيت الثاني ، تظل لفظة ( سئمت) متصدرة النسق اللغوي ، محاولة إثبات ديمومة هذه الحال التعسة ، و يزيد الشاعر من شحنها و توتيرها بإضافة المدود ، ففي صدر البيت الثاني مدّان ( يا + جا ) ، و في العجر مدّان أيضا ( ما + صا ) ، و يمكن ملاحظة هذا التوازن في توظيف المدود، حيث كانت في البيت الأول ستة موزعة على الصدر و العجز و تناقصت في البيت الثاني إلى أربعة بنفس التوزيع ، و يبدو لنا الأمر طبيعيا ، فكأن الشاعر قال كل شيئ في البيت الأول.
و إعتبارا من البيت الثالث تختفي صيغة ( سئمت ) لتبقى المدود وحدها تؤدي وظيفتها الصوتية المقطعية ، فلا يكاد يخبو مد حتى يفاجئك آخر ، و تظل القصيدة على هذة الوتيرة الصوتية حتى النهاية.
إن توالي المدود و تقاربها يوحي - بلا ريب- بفداحة المعاناة التي كان الشاعر يرزح تحت وطأتها.
و إذْ نحن انتقلنا إلى كلمات القافية وجدناها ( الشباب ، بصاب ، العذاب ، الحباب ،الإكتئاب ) ، فهي الأخرى لا تخلو من مد ، و كأنها جاءت لتكوّن ضفيرة صوتية تكرس ظاهرة المدود في هذه التجربة الشعرية ، وزادها حرف الروي الساكن ( الباء الساكنة) تعميقا لتغلغل هذا الشعور باليأس في عمق نفسية الشاعر.
فلو نحن شرّحنا كلمة ( العذاب) ، لوجدناها مكونة من الأصوات التالية : العين( حرف مجهور)و من شأن العين (أن تحصر النفس )، حيث تتسم ب( النصاعة )، ثم الذال (حرف مجهور )،ثم الباء (حرف مجهور )،أيضا ، كل هذه الصفات ، و لا سيما الجهر الذي يستدعي إهتزاز الوترين الصوتيين، و بذل مجهود أكبر أثناء التلفظ أو النطق ، من شأنها أن تجعل من المعنى كلمة (العذاب) حارا حتى و هي خارج السياق ، و لما وقعت في تلك المواشجة الصوتية بين المدود المتلاحقة ازدادت حرارة.
و فضلا عن هذا ، لا بد ان نلاحظ تللك المسافة الزمنية بين نطق (الذال) و (الباء) ، في كلمة (العذاب) و هي في سياق البيت ، و سبب هذا الطول الزمني النطقي التلفظي هو المد ، و هذه الهوة النطقية هي نفسها الأنات المنقذفة من التجربة الشابية و هذه القصيدة - على الأقل.
من المفيد أن نذكر أن هذه الزفرات لم تعرف طريقها للفناء ، بل على العكس من ذلك تماما ، ظلت تراوح مكانها في أغوار نفس الشاعر بدليل توظيف قافية الباء الساكنة ( ليدل به على الأنين المكتوم).
و نحن لا نقصد بكلامنا هذا أنّ للأصوات دلالة ثابتة ، تتسم بالمعيارية ، بل نحن نعتبر ( الصوت مادة خام يمكن تطويعها لأغراض متنوعة حسبما تأتي به قريحة الشاعر و موهبته ).
و يمكن لنا الآن ان نجسد ما ذهبنا إليه ، في هذا الجدول الإحصائي التوضيحيبقراءة متأنية للجدول نستنتج :
1إكتساح ظاهرة المدود بنية الأبيات الشعرية على مستوى المقاطع الصوتية
2 إرتفاع نسبة المدود بالألف ، قياسا على ما ورد بالواو و الياء
3نتج عن ذلك طول مدة التلفظ و النطق خصوصا بين الحرفين الذين يفصلهما مد في بنية الكلمة الواحدة.
4تراخي و تيرة الإيقاع ، ناجم مد الصوت ، تماشيا مع ظاهرة المدود من الناحية الصوتية.
بقيَ لنا أن نتحدث - في الختام- عن واقع بحر المتقارب في ظل هذه المدود المتلاحقة المتعانقة ، فالمتقارب ( سماه الخليل متقاربا لتقارب أجزائه لأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا )، و هو بحر ( رتيب الإيقاع ، لأنه مبني على تفعيلة واحدة- فعولن- لكنه متدفق سريع نظرا إلى قصر هذه التفعيلات )، و هو من حيث ( سرعته الإفتراضية يحتل الترتيب الثالث بين الأوزان)،و يحتل في شعر أبي القاسم الشابي ( الدرجة الرابعة من التواتر )، إلا أنه طبع في الأبيات المحللة بالبطئ و التراخي و الإستغراق من الناحية الصوتية و الإيقاعية ، مما لا يترك مجالا للشك- على حد زعمنا- أن الصفات و الخصائص التي أنيطت بالبحور الشعرية لتنمطها ، يمكن للتجربة الشعرية أن تنفذ و تتملص منها ومن معياريتها في حدود ما تتيح بنية البحر أو الوزن أصلا ، أي أن هناك ثمة مرونة و طواعية في البحور الشعرية على وجه العموم و حنكة و فطنة الشاعر هي التي تستغل هذه الإمكانات المتاحة. **خطاطة في الإنتقال من العام إلى الخاص :
إرتأينا أن نزود التحليل السابق للأبيات الشعرية من قصيدة السآمة ، بخطاطة تبين وجهة نظرنا في تلاحق المقاطع الصوتية المستغرقة في الزمن و تناسل المعاني من العام إلى الخاص.
حيث نلاحظ أن هناك ثمة انسجاما بين المقاطع الصوتية و بين توليد المعاني ، التي يربط بينها جميعا بخيط فني الفعل ( سئمت) ، فتتناسل المعاني من هذا المحرك و الوقود ، الذي يضخ فيها الحياة و ينشط دورتها الدموية. ففي البداية يشمل ( سئمت) الحياة برمتها و هو أمر عام و شامل فيه المعنوي و المادي ، ثم يتخصص قليلا فيصير (' ما في الحياة )، ومن اللحظة هذه ، تتناسل المعاني متدفقة ، تمتد و تؤوب إلى محركها ( سئمت) حتى يلفها المصير.
إنّ الفعل ( سئمت) كان يزرع الحياة في تلك الألفاظ عن طريق تلاحق المدود ز امتداد الزمن و لا غروفي ذلك فإنّ ( اللغة العربية لغة كمية و ذلك للدور المهم الذي تلعبه حروف المد في تغيير المعنى و تنويع الإيقاع و إثرئه ).
قال أبو القاسم الشابي :من مجزوء الخفيف
أسكني يا جراح **** و اسكتي يا شجون
مات عهد النواح *** و زمان الجنون
و أطلّ الصباح **** من وراء القرونْ
كنّا من قبل قد حددنا دراسة ظاهرة المدود للبنية المقطعية الصوتية في شعر أبي القاسم الشابي كهدف يتوخى تحقيقه ، و هذه الأبيات الثلاثة الاولى من قصيدة ( الصباح الجديد ) ، من مجزوء الخفيف ، و يمكن حصر مدودها في هذا الجدول :
من خلال استنطاق هذا الجدول الإحصائي ، و الذي شرّحنا فيه ثلاثة أبيات شعرية متلاحقة من قصيدة ( الصباح الجديد )، يتبين- و بشكل لا يدع مجالا للشك- وفرة المقاطع الصوتية القائمة على أساس المدود ، بل تلاحقها في شبكة صوتية متضافرة العناصر ، فكل مد يمهد الأرضية الصوتية للمد الذي يليه ،و كأنها تستدعي بعضها البعض ، لتخريج البنية الصوتية و الإيقاعية و الدلالية للقصيدة و لم يمنعها استعمال الشاعر لمجزوء الخفيف ، أو المتدارك- على حد تعبير الطاهر الهمامي-، و الذي عدّ القصيدة من الشكل السابع للموشحات في استعمال الشابي لهذا الفن ، لم يمنعها كل هذا من البروز و المشاركة في ترجمة تلاطم الجراح و العذابات على كاهل أبي القاسم الشابي.
فانظر كيف تتواشجكلمات الصدور في الأبيات الثلاثة و كأنها من رحم صوتي واحد ( جراح ، النواح ، الصباح ) ، مختتمة بصوت الحاء و هو (حرف مهموس).
و قد سبق بحرف مد ، يعمق الهوة بينه و بين الحرف الذي قبله ، و كل الدلالة و معنى المعنى كامن في تللك المسافة الزمنية التلفيظية ، و انظر حرف النداء( يا ) كيف يزيد من توتر و تهييج كلمة ( جراح ) المتوترة أصلا ، فيأسرها مدان: المد الذي في حرف النداء (يا) و المدّ الذي فيها هي ( جراح ).
و لا يبرح الشاعر هذه الخصيصة العلائقية الصوتية في أعجاز الأبيات الثلاثة فانظر إلى تواشج (شجون ، الجنون ، القرون ) مختتما إياها بصوت النون و هو ( حرف مجهور أغن) ، وصفة الغنة ( التي في النون كاللين الذي في حروف اللين )، و يحتل الريادة بين سائر الأصوات في البيت الثاني ، متكررا ثلاث مرات متعاقبة في ( النواح ، زمان ، الجنون ) للتعبير( عن آلام )طالما تجرع أبو القاسم الشابي إحنها و محنها و استخدامه ( للمدّ الطويل قبل النون )يوحي بعمق تلك الآهات و الآنات التي طبعت حياة أبي القاسم الشابي ، خصوصا بعد وفاة والده.
قال أبو القاسم الشابي : من الخفيف
يا إله الوجود هذي جراح *** في فؤادي تشكو إليك الدواهي
هذه زفرة يصعدها الهم **** إلى مسمع الفضاء الساهي
هذه مهجة الشقاء تناجيك**** فهل أنت سامع يا إلاهي
قال الأستاذ أحمد حسن بسج، في معرض تقديمه لديوان أبي القاسم الشابي (أغاني الحياة) متحدثا عن قصيدة ( إلى الله) و التي كتبت بُعيد وفاة والده ( فلم يكن التجريح غاية و لا هدفا ، وقد ذهب في بعض قصائده أبعد من ذلك إلى مخاطبة الله غز وجل بطريقة غير لائقة ، فيها تهكم و استخفاف ، فألفت نظر القراء الأعزاء إلى توخي الحذر ).
إنها الصدمة التي غيرت كثيرا مما عرفه من استقرار ، فأضحى( تاعسا بعد موت أبه مهيض الجناح مثقلا بأعباء الحياة ) ، ماذا يمكنه القول( إن المصاب قوي جسيم ز إن قلبي الرازح بهموم البشر لأضعف من أن يضطلع بكل ما في هذه الدنيا من مصائب ، أين صبرك يا رب ؟ فقد ضاق عليّ الوجود و أين سلواك فقد مزقت صدري الزفرات).
نعتقد أن قصيدة ( إلى الله ) من أوضح الشواهد الشعرية في ديوان أبي القاسم الشابي ، تعبيرا و تكريسا لوجهة نظرنا ، في وفرة المدود و شدة إيحاءها بما لم تقله العبارات صراحة ، أو الذي سكتت عنه اللفظة وقاله المدّ.
ففي البيت الأول توالت المدود و تعانقت- بلا هوادة- متآزرة في تعطيل سرعة الإيقاع و تعميق هوة التزمين و حفر مسافة توتر.
و إليك بيان ذلك من خلال البيت الأول
يا + إله + الوجود + هذي+ جراح
ليس من العسير ملاحظة و تحسس تلك المواشجة الصوتية بين الأصوات و المدود ، فكل مد يستغرق زمنا من التلفظ ، و في ذلك الزمن تنعكس بؤر التوتر و الإستغاثة من نفس أرهقتها خطوب الدهر.
و يستمر الشطر الثاني على نفس الوتيرة
في + فؤادي+ تشكو+ إليك الدواهي
و تختتم تلك الشبكة الصوتية بهبوط رهيب في كلمة القافية ( الدواهي ) سببه تلاحق المدود ، ثم صوت الهاء ( حرف مهموس)ساعد على هبوطه كسرة الياء ، فينتابنا شعور بالسقوط في هاوية المصائب من علو....
خلاصة القول :
أتينا بعينات شعرية من ديوان (أغاني الحياة ) لأبي القاسم الشابي و درسنا فيها ظاهرة المدود كمؤثر فعال على الدلالات و الإيقاع ، و بينا أنها خصيصة لها علاقة وطيدة بالتجربة الشابية ، بل هي السمة التي لفتت انتباهنا فكرسنا لمها هذا الجزء من البحث.
ثم لاحظنا علاقة المدود بطبيعة البحور الشعرية حيث يستطيع الشاعر أن يطوعها لخدمة تجربته الشعرية و ذلك في حدود ما تسمح به مرونة كل وزن أو بحر شعري.
و يكمن القول :أغنّ المقاطع الصوتية ليست إلا ( الأسباب الخفيفة و الأوتاد المجموعة )و كان قد أطلق عليها ( الأرجل )،كانها الدعامة و الركيزة التي بها يستوي الوزن و يقوى و يرعوي.
/ أبو القاسم الشابي- أغاني الحياة- تحقيق - إميل أ كبا- مج 1- ط 1- دار الجيل- بيروت- لبنان- 1997- ص 8
/ نازك الملائكة- قضايا الشعر المعاصر- د ط - دار الآداب- بيروت- لبنان- د ت - ص 277
/أبو القاسم الشابي - أغاني الحياة- تحقيق - أحمد حسن بسج- قصيدة السآمة- البيت الأول ص 27- 27 مارس 1927
/ينظر الرازي - مختار الصحاح- ص 280
/ينظر حسن ناظم- البنى الأسلوبية- دراسة في أنشودة المطر- ط1- المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء- المغرب-2002- الفصل الأول من ص85-142
/ابن جني- سر صناعة الإعراب - ج 1- ص 229
/المصدر نفسه ص 241
/المصدر نفسه ص 242
/المصدر نفسه- ص 189
/نفسه ص 119
/محمد صالح الضالع- الأسلوبية الصوتية- ط1- دار غريب- القاهرة- 2002- ص 29
/المرجع نفسه ص 30
/ابن رشيق- العمدة في صناعة الشعر و نقده- ج 1- تحقيق النبوي عبد الواحد شعلان- ط1- مكتبة الخانجي- القاهرة- 2000- ص 221
/إميل بديع يعقوب- المعجم المفضل في علم العروض و القافية و فنون الشعر- ص 124
/سيد البحراوي- العروض و إيقاع الشعر العربي - ص 39
/الطاهر الهمامي- كيف نعتبر الشابي مجددا- ط 1- الدار التونسية للنشر- 1972-ص 50
/ محمود عسران- البنية الإيقاعية في شعر شوقي- ص 50
/ أبو القاسم الشابي- أغاني الحياة- قصيدة- الصباح الجديد- البيت الأول ص 150
/ينظر الطاهر الهمامي- كيف نعتبر الشابي مجددا- ص 88
/ ينظر حسن ناظم- البنى الأسلوبية- ص ص 92-93
/ابن جني- سر صناعة الإعراب- ج 1- ص 179
/المصدر نفسه- ص 438
/محمد صالح الضالع- الأسلوبية الصوتية- ص 29
/الرجع نفسه- ص 29
/ينظر أبو القاسم محمد كرو- الشابي حياته و آثاره- ط5-
دار مكتبة الحياة- بيروت- لبنان- 1971 ص 29 و كان ذلك في الثامن من سبتمبر 1929 و هو في الخمسين من عمره.
/أبو القاسم الشابي - أغاني الحياة- قصيدة- على الله- البيت الاول- ص 178
/المرجع نفسه ? ص 3
/المرجع نفسه- ص ص 178-179
/عمر فروخ- الشابي شاعر الحب و الحياة- ط3- دار العلم للملايين- بيروت- لبنان- 1980- ص 100
/أبو القاسم الشابي- الأعمال الكاملة-ج2- د ط- رسائله- الدار التونسية للنشر- 1984- الرسالة الخامسة- سبتمبر 1929 ص 43
/ابن جني- سر صناعة الإعراب- ج2- ص 551
/ينظر حازم القرطاجني- منهاج البلغاء و سراج الأدباء- تحقيق محمد الحبيب خزجة- ط3- دار الغرب الإسلامي- بيروت- لبنان- 1986- ص 273 /المصدر نفسه- ص 273


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.