الجزائر ظلت صوتا مدافعا عن قضايا التحرّر    هذا ما دار بين الرئيسيْن تبّون والسيسي    الحكومة تدرس عروضاً هامّة    مدير جديد لاتصالات الجزائر    رزيق يستمع لانشغالات كونفدراليتي أرباب عمل    معرض الإنتاج الجزائري ينظّم في ديسمبر    غزّة تغرق في الأشلاء    159 شخصاً يُمنعون من مغادرة الجزائر    المونديال يُنادي..    شهر لمكافحة سرطان الثدي    لكل منتوج سعر..    الجزائر غير معنية بتسقيف عدد الحجّاج    سعيود، يشرف على اجتماع تنسيقي مع ولاة تبسة والوادي وخنشلة    استشهاد 12 فلسطينيا على قطاع غزة    العالم ينتفض في الذكرى الثانية للحرب على غزة    مشتقات التمور… تجارة في أوّج الازدهار    من الحيوي مواكبة مراكز التكوين والجامعات للتحولات الرقمية    طاقة : تواصل ارتفاع أسعار النفط    خلطات مجهولة تروَّج للتلاميذ عبر الوسائط الاجتماعية    وجهة الجزائريين للاستطباب والتجميل    هلاك 4 أشخاص وإصابة 182 آخرين    إستعادة الفضاءات التقليدية كانت من أولويات رئيس الجمهورية    العناية بالحجاج تبقى في صدارة اهتمامات رئيس الجمهورية    فتاوى : كيفية تقسيم الميراث المشتمل على عقار، وذهب، وغنم    خديجة بنت خويلد رضي الله عنها    اللجنة الجزائرية- السلوفينية استكمال لبناء علاقات ثنائية قوية    الجزائر بأكبر ميزانية في تاريخها السنة القادمة    تخفيضات تصل 50% على الاشتراكات الجديدة ل"ايتوزا"    دعم قوي للقضية الصحراوية في نقاشات اللجنة الأممية الرابعة    التغيير الحقيقي لن يكون إلا بإسقاط نظام المخزن    جمع 25 ألف طن من النفايات عبر 26 بلدية    درك فلفلة يطيح بعصابة من 6 منحرفين    "نفطال" تحذّر من محاولات الاحتيال باسمها    رئيس مجلس الأمة يستقبل السفيرة المنسقة المقيمة للأمم المتحدة بالجزائر: تأكيد على تعزيز التنسيق والحوار البناء    منصب جديد لصادي    الخضر يُحضّرون    فلسطين : مستوطنون صهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    تقاسم البلدان نفس التطلعات لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة    الشباب عماد بناء الوطن وترسيخ قيم المواطنة    انطلاق حملة التلقيح ضد الانفلونزا في 21 أكتوبر    مليانة العنقاء تحيا من جديد    عمورة يحدد أهدافه مع "فولفسبورغ" الألماني    "الخضر" اليوم في وهران لترسيم رحلة العودة للمونديال    المنتخب المحلي يدخل تربصه بعنابة    8عروض في الدورة ال56    الإعلان عن "نجوم القراءة" و"الكتاب المسافر" مع تثمين للقوافل العابرة للولايات    رئيس المجلس الإسلامي الأعلى يبحث مع رئيس مهرجان لحويطات سبل تعزيز التعاون الديني والثقافي    مهرجان الجزائر الدولي للفيلم يفتح باب التسجيل للمشاركة في أول دورة من "سوق AIFF" المخصص للسينمائيين    الأدب ليس وسيلة للمتعة فحسب بل أداة للتربية والإصلاح    نعمل على توفير جميع الإمكانيات لهيئة التفتيش    فتاوى : إنشاء صور لذوات الأرواح بالذكاء الاصطناعي    إبراز أهمية إدارة وثائق البنوك والمؤسسات المالية    تحسبا لمباراتي الصومال وأوغندا.. مفاجآت وأسماء جديدة في قائمة "الخضر"    قائمة المنتخب الوطني للاعبين المحليين : غياب مبولحي ومحيوص وعودة سعيود وبولبينة    عرض تجربة "كناص" في الابتكار بمنتدى كوالالمبور    هذه مخاطر داء الغيبة..    إلتزام الجزائر بترسيخ البعد الإفريقي في سياستها الصحية    الحكمة بين اللين والشدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يسيل لعاب التاجر: ترامب يعود إلى أفغانستان
نشر في الاتحاد يوم 26 - 08 - 2017


صبحي حديدي
نقلت الصحافة الأمريكية («نيويورك تايمز» أوّلاً، ثمّ «فورين بوليسي» لاحقاً) أنّ لعاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سال إزاء ما نُقل إليه عن ثروات المعادن الهائلة، الدفينة في أرض أفغانستان: هنالك أكثر من ترليون دولار نحاس وفولاذ ومعادن دفينة، كان مايكل سلفر، مدير واحدة من كبريات شركات أمريكا المتخصصة في المعادن والكيميائيات، قد همس في أذن الرئيس؛ وكذلك: نحن نرقد على أكثر من ترليون في الثروة المعدنية، فلماذا لا تطمع بها الشركات الأمريكية بدلاً من الصينية؟ طرح الرئيس الأفغاني أشرف غني سؤاله على ترامب، أثناء قمّة الرياض في أيار (مايو) الماضي. وبالطبع، لم يكذّب ترامب خبراً في هذا الصدد، هو الرئيس/ رجل الأعمال والمال والاستثمار؛ الذي نهض بعض برنامجه الانتخابي على فرض ما يشبه الضريبة الارتجاعية على «حلفاء» أمريكا، لقاء ما أنفقته واشنطن في حروبها هنا وهناك في المنطقة. فاتورة الحرب الأفغانية، مثلاً، ترقى إلى ما يزيد على ترليون دولار، هنا أيضاً؛ كي لا يتذكر المرء (ما لا يكترث ترامب باستذكاره كثيراً ربما) 2400 قتيل في صفوف القوات الأمريكية. وهكذا، قبل أيام، اختار ترامب قاعدة «فورت ماير»، القريبة من مقبرة أرلنغتون حيث يرقد أكثر من 2.200 جندي أمريكي من القتلى في أفغانستان، ليلقي خطاباً أعلن فيه عزمه على زيادة أعداد القوات الأمريكية هناك، التي تعدّ حالياً 8400 جندي. الذريعة المعلَنة لم تكن المعادن النفيسة الدفينة في أرض أفغانستان، بالطبع، بل «الحيلولة دون تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للمتشددين الإسلاميين المصممين على مهاجمة الولايات المتحدة»؛ في عزف مكرور على الأسطوانة العتيقة التي أدارها الرؤساء اسلافه مراراً، منذ جيمي كارتر وحتى باراك أوباما. ففي نهاية المطاف، على صعيد أغراضها العسكرية المعلَنة أوّلاً، هذه الخطة «مجرّد تعديل متواضع في ستراتيجية مركزية يجري العمل بها منذ سنوات، وظلت نتائجها مختلطة النتائج»، كما تستخلص كيللي ماغزمين، المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأمريكية والعضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي. الأسئلة التي تكتنفها كثيرة ومتشابكة، بينها مثلاً: ما الذي تودّ إدارة ترامب إنجازه، حقاً، بعد 16 سنة من التدخل المباشر؟ هل «القاعدة» ما تزال عدوّ أمريكا الأكبر هناك، وإلا مَن سواها، وما التهديد الفعلي؟ وهل الزيادة المحدودة في عدد القوات (قرابة 4000 جندي) ستشكل فارقاً ذا معنى، أم أنّ أمريكا تعود إلى نقطة البدء في التورط؟ كيف تبدو نهاية النزاع، وبالتالي: ما الموقف من طالبان، بعد جولات التفاوض السرية مع إدارات سابقة؟ ثمّ ما موقف حلفاء واشنطن، بصفة عامة، وأولئك الذين يواصلون نشر قوات في أفغانستان بصفة محددة؟ وأخيراً، وليس آخراً بالطبع، ما الثمن العالمي لهذه الخطوة في إطار السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى ضوء ما يجري في سوريا والعراق تحديداً؟ لكن البعد العسكري للمسألة برمتها، ومثله الدافع المعلَن حول تمكين الجيش الأفغاني ومنع الجهاديين من العودة إلى الانتشار في أفغانستان؛ لم يكن هو الذي رجّح كفّة التحوّل الأخير في موقف ترامب، بدليل أنه قاوم رغبة جنرالات البنتاغون في الذهاب إلى قمّة الأطلسي حاملاً خطة أمريكية متكاملة بصدد تطوير الموقف العسكري للتحالف هناك. البُعد الاستثماري، من وجهة نظر رجل الأعمال قبل الرئيس، أسال لعاب ترامب حين بادر ستيف بانون (مستشاره الستراتيجي الأبرز، يومذاك، والذي عُزل مؤخراً) إلى وضعه في صورة تقرير نشره إريك برنس على صفحات «وول ستريت جورنال»، يدعو فيه إلى تأسيس «شركة هند شرقية» معاصرة في أفغانستان. وبالفعل، حسب تقرير «فورين بوليسي» المفصل، دُعي برنس إلى البيت الأبيض لكي يشرح تفاصيل خطته؛ بصفته، أيضاً، رجل الأعمال المتخصص في الشركات العابرة للقارات، خاصة في آسيا، ومؤسس «بلاكووتر» وشركات أخرى أقلّ شهرة ولكن ليست أقلّ سطوة ونفوذاً. الشركة الجديدة التي يقترحها سوف تستخدم 5,500 متعاقد ثانوي أمريكي، يعملون مباشرة مع القوات الأفغانية، ضمن خيارات تدريبية مستحدثة، تضمن قيامهم على نحو أفضل بتنفيذ المهام الموكلة إليهم؛ على نقيض من جنود البنتاغون الذين مكثوا هناك منذ 16 سنة، دون إنجاز الكثير، أو حتى استكمال الحدّ الأدنى، كما قال صراحة. وبهذا فإنّ رائحة المال، لدى ترامب التاجر، في طليعة المنصتين إلى برنس، فاحت بقوّة وطفحت على عقيدة راسخة في البنتاغون؛ مفادها أنّ محاربة منظمات مثل «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» وشبكة «حقاني»، لا تتمّ عبر وحدات مكافحة الإرهاب وحدها، ولا مفرّ من توظيف الأفواج العسكرية التقليدية أيضاً. وأياً تكن أقدار «شركة الهند الشرقية» المعاصرة، إذا رأت النور قريباً، فإنها أغلب الظنّ ستقف الموقف ذاته الذي كانت فيه جيوش الولايات المتحدة قبل 16 سنة؛ أسوة، أيضاً، بموقف الجيش الأحمر السوفييتي، أواخر كانون الأول (ديسمبر) 1979: ورطة المستنقع الأفغاني، وحروب الطوائف والقبائل، وأمراء هذه الحروب. ذلك لأنّ أفغانستان الراهنة، أو ربما أفغانستان ما بعد حكم الطالبان، لا تبدو مختلفة كثيراً عن أفغانستان ما بعد انسحاب السوفييت في عام 1989؛ فهي، بصرف النظر عن استيهامات «السلطة المركزية»، ما تزال إمارات مبعثرة قائمة على الولاءات الإثنية والقبائلية أكثر من الخطوط الإيديولوجية والتيّارات الحزبية، ولا يضاهي الاضطراب السياسي الشامل سوى الفوضى العسكرية المنطوية على كلّ المخاطر. وسوى الأسئلة المستجدة، من زاوية توقيتاتها فقط في الواقع، فإنّ الأسئلة القديمة لا تكفّ عن إعادة إنتاج نفسها تباعاً، وكأنّ البلد يعيش مرحلة ما بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي وإسقاط نظام نجيب الله: أيّ أفغانستان يريد العالم، بعد نظام الطالبان؟ وما دامت معظم المجموعات القبائلية والإثنية قد فشلت في الارتقاء إلى مستوى الحدث ومسؤولياته، فكيف للبلد أن يدرأ مخاطر انقسام الأمر الواقع، وفق خطوط إثنية ومذهبية وقبائلية تُجهز على ما تبقّى من وحدة اجتماعية سياسية في طول البلاد وعرضها؟ وهل ستبادر أية قوّة إقليمية (الباكستان؟ إيران؟ روسيا؟) إلى «لَبنَنة» أفغانستان؟ أو ربما تكريس «عرقَنة» من طراز ممائل؟ وكيف يمكن للانشطار السنّي الشيعي أن يؤثّر على العلاقات الإيرانية الباكستانية خصوصاً؟ وأين ستقف الولايات المتحدة والقوى الغربية عموماً من مسألة تقسيم واقتسام النفوذ الإقليمي، بين روسيا والصين والباكستان وإيران والهند والجمهوريات الإسلامية المجاورة؟ وفي مقابل اللعاب الاستثماري الذي يسيل من فم رئيس القوّة الكونية الأعظم، حيث الاعتبارات العسكرية محض ذرائع تغطّي الواجهة؛ ثمة على الأرض ما يرشق بارود المعادلة العسكرية على الواجهة إياها، على نحو لا يهشّم الزجاج وحده، بل يقوّض الحسابات في الجوهر. هكذا، قبل أقلّ من سنتين، كان سقوط قندوز بمثابة اختتام دراماتيكي لستراتيجية عسكرية طالبانية مضادة؛ اعتمدت على قضم بطء، ولكنه ظلّ منهجياً مضطرداً، لعشرات القرى والتلال والسهوب، على الدروب المفضية إلى شمال البلاد. وكان الأمريكي جيسون ليال، الأخصائي في الشؤون الأفغانية، قد أحال سقوط قندوز إلى اعتبارات ثلاثة: 1) الفساد المحلي، في مستوى الميليشيات القَبَلية، وكذلك عناصر أجهزة الشرطة الذين درّبتهم الولايات المتحدة؛ 2) ضعف الدولة وارتخاء السلطة المركزية، بحيث آل الحكم الفعلي إلى أمراء الحرب؛ و3) الصراعات بين زعماء القبائل والمجموعات الإثنية المختلفة، خاصة بين البشتون/ الطاجيك، والأوزبيك. وبذلك فإنّ من حقّ المرء أن يقيس مشروع «الهند الشرقية»، الذي يراود ترامب، على مثال سقوط قندوز؛ وما بُدّل الجوهر، هناك أو هنا، تبديلاً كبيراً!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.