استبشر الفلسطينيون خيرا أمس، وهم يرون وزراء حكومة التوافق الوطني يؤدون اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس، بمقر الرئاسة بمدينة رام الله في مراسيم بروتوكولية حملت دلالات عميقة على عودة اللحمة بين أبناء الشعب الواحد بعد سبع سنوات من القطيعة والفرقة. ووسط أجواء التفاؤل قال الرئيس الفلسطيني، ان تشكيل حكومة الوحدة يعد بمثابة نهاية الانقسام الفلسطيني الذي اضر كثيرا بالقضية الوطنية. ومن جهته قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أن إعلان حكومة التوافق الوطني يعد خطوة أولى ومهمة على طريق المصالحة ويوم تاريخي صنعناه معا من أجل شعبنا وقضيتنا، وشكل من أشكال الاستدراك الاستراتيجي". وتمكن فرقاء الأزمة الفلسطينية لأول مرة منذ أحداث قطاع غزة شهر جوان 2007، وبعد عدة محاولات انتهت الى الفشل الذريع من تشكيل حكومة تكنوقراطية تم اختيار أعضائها بالتراضي بين حركتي حماس وفتح. وينتظر ان يباشر رئيس الحكومة رامي الحمد لله، عمله بمجرد أداء اليمين الدستورية وعرض برنامجه الحكومي على المجلس التشريعي الفلسطيني لنيل الثقة خلال مدة شهر. وتشكلت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الانتقالية من 17 حقيبة وزارية خمسة منها منحدر أصحابها من قطاع غزة مهمتها الرئيسية التحضير لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل نهاية العام الجاري. ويعد هذا الانجاز تاريخي إذا سلمنا بحجم الخلافات التي طبعت مواقف حركتي حماس وفتح في كل مرة يتم فيها التوصل الى اتفاق لإنهاء الانقسام الفلسطيني، ولكنه لا يلبث أن ينهار قبل عودة المفاوضين من حيث جأوا بسبب خلافات آخر لحظة وصراع الزعامة الذي طبع مواقف الحركتين المتناحرتين. وساد الشك هذه المرة أيضا الى آخر لحظة حول حظوظ التوصل الى اتفاق قبل الإعلان عن حكومة الحمد لله، التي كانت منتظرة لنهار الخميس الماضي، ولكن خلافات نشبت بين الجانبين حول حقيبتي وزارتي الخارجية والأسرى كادت أن تنسف باتفاق 23 أفريل، وتعيد العلاقة بين حركتي حماس وفتح الى نقطة البداية. ويبدو أن الجانبين تمكنا من إيجاد حل توافقي لهاتين المسألتين، حيث احتفظ رياض المالكي، بحقيبة وزارة الخارجية بينما تراجعت حركة فتح عن فكرة إلغاء وزارة الأسرى التي أوكلت مهمة الإشراف عليها للوزير الأول نفسه. كما تعهد الرئيس محمود عباس، في رسالة طمأنة باتجاه المجموعة الدولية بأن الحكومة الفلسطينية الجديدة ترفض كل شكل من أشكال العنف، وأنها تعترف بإسرائيل وتحترم كل تعهداتها. وهي محاولة أيضا من الرئيس محمود عباس للطعن في موقف حكومة الاحتلال التي سارعت الى مطالبة مختلف الدول الى عدم التعامل مع الطاقم الحكومي الفلسطيني. ورغم أن هذه الاخيرة حملت صفة التكنوقراطية وحرصت السلطة الفلسطينية وحماس على جعلها دون لون حزبي، إلا أن إسرائيل حاولت تشويهها منذ إعلان الحركتين التوصل الى اتفاق 23 أفريل. وفي مقارنة غير منطقية راح الوزير الأول الإسرائيلي، يتساءل عن الإدانة الجماعية التي أبدتها العواصم الأوروبية تجاه عملية الهجوم على المتحف اليهودي في بلجيكا الأسبوع الماضي، وتقوم في نفس الوقت باتخاذ موقف مهادن تجاه حكومة تضم منظمة إرهابية في إشارة الى حركة حماس. وعقد مجلس الأمن القومي في الكيان الإسرائيلي المحتل اجتماعا طارئا ليلة الأحد الى الاثنين، أكد خلاله قرار تجميد كل مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية ما لم تلغ اتفاقها مع حركة حماس. في نفس الوقت الذي قررت فيه حكومة الاحتلال عدم تسليم عائدات الضرائب الى السلطة الفلسطينية في محاولة لخنقها ماليا، والدفع بالرئيس عباس الى قطع الصلة بحركة حماس.