وإن كنّا لا نخشى من هذه الردة التي تنتاب الوطن العربي، والتي دبرت ونسجت خيوطها وأحكمت بليل وفي كواليس الغرب، بالتعاون مع أبناء البلد نفسه، إلا أن الأمر لا يمكن تجاهله أو غضّ الطرف عنه، فالمصيبة، وإن يقال إذا عمّت خفت، فإنها في هذه الحالة تشكل الاستثناء، وتشذ عن القاعدة الشعبية المعروفة، فمصيبة الأوطان وفقدانها لا يمكن أن تلملم جراحها أو تندمل، وما نراه من البعض وقد عدّ ذلك بطولة وتحريراً لوطنه عن طريق الاستنجاد بالغرب الذي لا خير فيه أبدا، فهذا في حد ذاته يعتبر تردي وطني، يجب التصدي له من قبل جميع الشرفاء والوطنيين الأحرار، وإلا عدّ ذلك سبة وخنوعا ومذلة سوف يكون مصيرها ونهاية مشوارها احتلال ونهب لخيرات الوطن· ناهيك عن الأمور الشخصية التي قد يتعرض لها شرف أفراد عائلة كل فرد من أبناء الوطن المحتل، لا قدّر الله، والذي فرّط فيه أبناؤه ولم يهبوا للدفاع عنه كهبة رجل واحد وقت الشدة والمحنة، وقد يرضون بذلك نكاية في فلان أو علاّن من رجال الحكم والسياسة· وهذا ما لا ينبغي أن يكون، ولا يمكن أن يفكر فيه أحد، لأن الوطن يجب أن يبقى بعيدا عن المساومات والغدر والتخاذل، وهذا عهدي بأبناء وطني وما نأمله فيهم··؟ أبناء الجزائر وقد ذاقوا الأمرّين، ومرّت عليهم سنوات القهر والجمر، حتى تمنوا لو أن ينعم اللّه عليهم بنعمة الأمن، حتى ولو أكلوا التراب، فهم اليوم ليسوا في حاجة إلى هذه الردة الوطنية التي يطلق عليها (ثورة)، وهذا لأن الإصلاحات التي وعد بها فخامة رئيس الجمهورية وباشرها مؤخرا سوف تغني عن كل الترهات التي قد يفكر فيها البعض، إرضاء للغرب أو حسداً من عند أنفسهم لأن الجزائر تعيش في نعمة من الخيرات، وتسابق الزمن لكي تنهض أكثر بكل اللقطات وعلى أكثر من مستوى· وهذا في حد ذاته يعتبر الجدار الفاصل والمناعة المكتسبة التي تقينا شرور كل حاقد على الجزائر، وأبناء الجزائر الذين خصهم اللّه بأنعم كثيرة من خيرات باطنية وظاهرية، لا يمكن أن تحصى··؟ إن الإصلاحات ضرورية وهامة، تلك التي يعتزم رئيس الجمهورية عرضها على البرلمان في دورته الخريفية لمناقشتها، وإعطاءها البعد القانوني، يجب أن تنبع من أفكار الجميع ويشارك في بلورتها كل صاحب رأي سديد، ويحاصر كل مخالف لذلك· وهذا حتى لا ينفرد بها شخص أو منظمة أو حزب، وبالتالي حتى لا تتاح له الفرصة لكي يفرض على الأغلبية ما لا تؤمن به، ولكي لا نلدغ من الجحر مرتين، ويهرب بالفأس من يحسب نفسه وصيا على الشعب··؟