وسط تصاعد الإجرام.. وبشاعته الإعدام.. هل يُفعّل مجدّداً بالجزائر؟ قاضي سابق: تنامي الجريمة وتهديد أمن المجتمع يبرّران إعادة تفعيل الإعدام ن. أ علّقت الجزائر العمل بعقوبة الإعدام منذ عام 1993 ولم تلغها من منظومتها القانونية ووسط تصاعد المنحى الإجرامي وظهور جرائم بشعة جديدة تتصاعد الأصوات هنا وهناك لتطالب بالعودة إلى تنفيذ هذه العقوبة بينما يرى البعض ضرورة التحفظ في حال حصول ذلك تجنبا لإعدام أشخاص أبرياء عن طريق الخطأ. موقع قناة الجزيرة القطرية تفاعل مع الموضوع من خلال تقرير نشره قبل أيام قليلة ذكر فيه أن الجزائر تشهد حراكا متصاعدا حول مسألة إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في ظل تزايد المطالب الشعبية بتشديد الردع إزاء الجرائم الخطيرة التي تهزّ الرأي العام وتهدد السلم المجتمعي. وصعّدت مناقشة مشروع القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية بالمجلس الشعبي الوطني الأصوات البرلمانية المطالبة بالإسراع في رفع التجميد عن تنفيذ عقوبة الإعدام خاصة في قضايا الاتجار بالمخدرات وتوسيعها لتشمل قضايا الاختطاف واغتصاب الأطفال مؤكدين أن الردع الصارم بات ضرورة أمام تصاعد هذه الجرائم الخطيرة وأوضح وزير العدل لطفي بوجمعة خلال رده على انشغالات نواب الغرفة السفلى بالبرلمان بإدراج عقوبة الإعدام في مشروع القانون أن الجزائر كدولة تملك السيادة لاتخاذ أي قرار لمكافحة الجريمة وفق المنظور الذي تراه مناسبا . وبالنظر إلى خطورة الوضع فإنّ الدولة الجزائرية رأت أن الأمر يتطلب تفعيل هذه العقوبة . وقبل أيام خلّفت قضية اغتصاب قاصر بولاية وهران صدمة واسعة لدى الرأي العام ودفعت للمطالبة بإعادة النظر في السياسة العقابية تجاه هذا النوع من الجرائم بل وتوسيع نطاق الإعدام ليشمل الاعتداءات الجنسية على القُصّر باعتبارها جرائم تمس بالطفولة وتشكل خطرا مباشرا على البنية الاجتماعية. عقوبة مجمّدة يؤكد القاضي السابق وأستاذ القانون لخميسي عثامنية أن عقوبة الإعدام لا تزال قائمة في التشريعات الجزائرية مشيرا إلى أن النصوص القانونية تشملها ضمن العقوبات في عدد من الجرائم مثل الجرائم الماسّة بأمن الدولة وبعض الجرائم الخطيرة الأخرى. لكن التنفيذ بحسبه تم تعليقه منذ عام 1993 التزامًا باتفاقيات دولية وتجاوبًا مع مواقف ترى أن الإعدام عقوبة غير إنسانية . وأوضح عثامنية في تصريح لموقع قناة الجزيرة أن الحكم بالإعدام لا يُنفذ تلقائيا بل هو تقدير قضائي في إطار قانوني مضبوط مؤكدا أن تنامي الجريمة وتهديد الأمن المجتمعي يبرران إعادة تفعيله . وأشار إلى أن الجزائر ليست الدولة الوحيدة التي تطبق هذه العقوبة فالولايات المتحدة ما تزال تطبق الإعدام في ولايات عديدة حتى في قضايا تشمل قُصّر عندما تقتضي الضرورة ذلك . وبدوره يرى أستاذ القانون موسى بودهان أن قرار العودة إلى اعتماد عقوبة الإعدام قرار سيادي. وقال في حديث للموقع نفسه إنه ورغم أن الاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر قد تقيد اعتماد مثل هذه الأحكام لكونها تسمو على القوانين فإنها في المقابل لا يمكن أن تسمو على الدستور الجزائري ومادته التي تنص على أن الإسلام دين الدولة . وتوقع المتحدث أن تتحرك بعض المنظمات التي تستغل حقوق الإنسان للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان لكنه أردف أن الجزائر لن ترضخ لمثل هذه الضغوط فيما يتعلق برغبتها في تفعيل العقوبة. واعتبر بودهان أن الاتفاقيات بمثابة عقود و ليست مقدسة مما يجعلها قابلة للتعديل والمراجعة بما يتناسب مع الضرورة. التزامات دولية من جهته يقول المختص في حقوق الإنسان حسن إبراهيمي إن التجميد الرسمي لعقوبة الإعدام بدأ عام 1993 واستمر لأكثر من 3 عقود وهو ما يعكس سياسة جنائية تتجه نحو استبعاد الإعدام خاصة أن الدستور الجزائري في نسخته المعدّلة عام 2020 وتحديدا في مادته ال38 كرّس مبدأ حماية الحق في الحياة ونص صراحة على أن هذا الحق لا يُمس إلا في الحالات التي يحددها القانون بدقة. وأشار إبراهيمي في حديثه لموقع الجزيرة إلى أن البلد الذي عانى خلال الحقبة الاستعمارية من إعدامات طالت مناضلين ومجاهدين في محاكمات افتقرت لأدنى معايير العدالة تعامل بعد الاستقلال بحذر شديد مع هذه العقوبة. وبرأي إبراهيمي فإنّ الجرائم التي يمكن أن تُبرر العودة إلى تنفيذ الإعدام هي تلك البشعة والمتسلسلة والمرتبطة مثل اغتصاب قاصر ثم قتله ثم التنكيل بجثته. ففي هذه الحالات يرى أنه من المشروع تفعيل العقوبة لكنه يحذّر في المقابل من التوسع في تطبيق الإعدام خاصة في قضايا معقّدة إثباتيا لما تحمله من مخاطر الخطأ القضائي الذي لا يمكن تداركه لاحقا. ويؤكد المتحدّث أن منظومة العدالة الجنائية تستند إلى مبدأ القناعة وليس اليقين المطلق مما يجعل الحذر واجبًا عند إقرار عقوبة لا رجعة فيها. ويرى حسن إبراهيمي أن الإبقاء على الوضع الحالي أي تجميد تنفيذ الإعدام مع الإبقاء عليه في القانون كإجراء استثنائي يمثل الصيغة الأنسب للجزائر ويحفظ توازنها بين التزاماتها الدولية والوطنية.