وفق منظور جديد التأكيد على توثيق جرائم الاستعمار أجمع خبراء أمس الاثنين بالجزائر العاصمة خلال ملتقى حول الآثار البيئية لجرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر وافريقيا على أهمية توثيق كل أشكال العنف البيئي الذي مارسه الاستعمار وآثاره الممتدة إلى الحاضر وهذا في إطار مفهوم الذاكرة البيئية كمدخل جديد لدراسة الآثار البيئية التي خلفها الاستعمار. وخلال الملتقى الذي نظمته وزارة البيئة وجودة الحياة بالتنسيق مع وزارة المجاهدين وذوي الحقوق بالنادي الوطني للجيش شدد مدير مخبر التاريخ المحلي والذاكرة الاجتماعية والمقاربات الجديدة بجامعة البويرة مصطفى سعداوي على أهمية الذاكرة البيئية كمفهوم شامل تشكل صندوقا للذكريات يحمل المواقف والعواطف والسرديات التي تعكس تفاعل الإنسان مع المكان لتصبح البيئة طرفا فاعلا وضحية في آن واحد خلال الحقبة الاستعمارية . وأوضح أن الاستعمار الفرنسي شكل منظومة عنف بيئي آثاره لا تزال ماثلة إلى اليوم حيث تعد الذاكرة البيئية أرشيفا حيويا يروي أشكال الهيمنة الاستعمارية على الطبيعة والشعب وسياسات مصادرة الأراضي واقتلاع السكان من أراضيهم مشيرا إلى أن ما يقارب 50 بالمائة من سكان الأرياف جرى تهجيرهم قسرا من بيئاتهم الأصلية خلال فترة الاستعمار الفرنسي وهو ما يعد جريمة مكتملة الأركان. من جانبه اعتبر الخبير الكامروني في العلاقات الدولية والجيوسياسية وولسون موفوما إيلا أن اختيار موضوع اللقاء الذي يجمع بين البعد البيئي والذاكرة الوطنية يعكس رؤية استراتيجية للجزائر تقوم على إبراز الترابط بين التاريخ والسيادة البيئية . وأضاف أن استعادة الجزائر سيادتها الوطنية يرتبط أيضا ب السياسة الإيكولوجية وبالجيوسياسة مضيفا أن البعد البيئي لا يفهم في جانبه الطبيعي فحسب باعتباره امتدادا للذاكرة الوطنية وركيزة من ركائز الاستقلال الفعلي. وأوضح المتحدث أن الاستعمار خلف آثارا بيئية خطيرة في إفريقيا من خلال تقسيم الأراضي واستغلال الموارد الطبيعية وتدمير النظم الإيكولوجية خصوصا في منطقة وسط افريقيا ما أدى إلى نتائج عميقة لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم. من جهته أشار العقيد مصطفى مراح من مديرية الاتصال والاعلام لأركان الجيش الوطني الشعبي إلى أهمية التفكير الجاد في ترسيخ هذه الحقبة المظلمة من التاريخ الوطني لدى الأجيال الجديدة مشيدا بالتأسيس لمفهوم الذاكرة البيئية كخطوة محورية لحماية التاريخ الوطني من محاولات طمس البطولات والملاحم التي صنعها الشعب الجزائري . وتأسف المتحدث لغياب الأرشيف الاستعماري الذي حال دون الكشف عن كثير من الحقائق المرتبطة بالجرائم البيئية التي خلفها الاستعمار الفرنسي لا سيما التفجيرات النووية مبرزا أن الجيش الوطني الشعبي التزم منذ سنة 1963 بمهمة إزالة الألغام ما يعكس الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة لتقليل الآثار الوحشية والهمجية الاستعمارية. وأوضح أن الاستعمار الفرنسي لم يتحمل مسؤولياته في إصلاح الأضرار البيئية التي تسبب فيها خلافا لما قامت به دول أخرى في حوادث مثل تشرنوبيل وفوكوشيما مشددا على ضرورة مواصلة العمل لتوثيق هذا الإرث البيئي الكارثي ضمن الذاكرة الوطنية.