لعل من يقرأ مقاطع من المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر عبد الكريم قادري يتصافح مع تجربة شعرية مثقلة بالنضج الفكري المتلاقح مع تجربة إنسانية عميقة تبدو جلية من خلال لغة الكاتب، انسياقاته في ضفاف المعاني، المسربلة كالحمام في سماء رقاه...وأحاسيسه ومشاعره وإن حاولنا في هذه الوقفة أن نقلب بعض من أوجاعه فسوف نتعثر بمجالاته بقلقه “لا تسل هل أنا حدثوا الناس عن لوعة الوطن” بفجيعته في البياض “ساعتان في زمن وأقول لكم تصبحون على كفني” بالغياب كأقصى حدود الشوق “الغياب الغياب لجة النورس وزوايا القبور...” نتعثر في طريقنا إلى روح الشاعر، كينونته التي تعرى في لحظة مكاشفة كأن به يمسح عنها غبن العتمة “أتوسد معناك فجرا ولا تسرق الظلمات خطاي وحده القمر يتعقبني كي أضيء”. يفصل في “فاصلة” التجمع عند وادي الكلمات لعبد الكريم قادري فهو شاعر في مدينتين بحريتين “الطارف وعنابة” لكن مداه اللغوي خارج أصداف الزرقة إنه في صحراء التيه، ورمل الغربة، ينظر بعين قلبه إلى غراب دنى، إلى سراب هنا وهناك يحنط العتمة من زوال السبب، الشاعر كائن ليلي في هذه المجموعة، عتمي لا يحتاج إلى منارات تزين سماءه لأن شمعة قلبه الربانية تضيء خلوته توحده مع خفقاته فهي “القمر” صحيح أنه رأى بدل الوردة قبرا، وبدل الشمس غرابا لكنه كشف حالات وجوده وفسرها لنا بعيدا عن زخرفة الكلمات، هاربا بها إلى فضاء أخر، فضله على الثرثرة “فاصلة” كافية كي يقول الشاعر أوجاعه، كي يمتد في الكلمات، جملة أو ومضة حرفا، معطف شتوي يحميه من سحابة روح فضل الكاتب لغة خاصة لأنه كاتب واقعي غير وهمي لا يزيد عن حدود ما يرى فالقبور والعظام، والصحاب القدامى والغربان، والسكون، والخراب، والموت، والرثاء، والشاهدة، والفراغ، الذهول، الذبول هي سباته اللغوي هي ما يمكن أن يقدم لواقع أكثر ازدراء مما نعتقد وفوضى رفضها وواجهها بكل ما يملك “اللغة” تغريدية الأبدية غناؤه النهائي مالذي يخفيه الشاعر لا شيء مادامت الحياة نفسها صارحتنا بهذا الواقع ولم تكذب علينا أحببت فضاءات عبد الكريم قادري اللغوية والشعرية تمسكت بها لأنها جديرة بالبقاء، ولو ترك لنا الشاعر فاصلة كهذه” ' “ في كراس كلماته الصامتة لكننا فهمناها لأنه ينتمي إلى قبيلتنا الشعرية وجيلنا الإبداعي حقا إنها مجموعة جديرة بالبقاء في القلب لا الاتكاء على رفوف القراءة دون الإشارة إليها شكرا كريم لقد أمتعتني وأرجو أن تفتح هذه القراءة لروح نصوصك نوافذ أخرى لأجيال ستأتي بعدك وتجيد قراءة ما لم يقله غيرك.