الرئيس إبراهيم غالي يشيد بالتطور المضطرد للتضامن العربي مع القضية الصحراوية    الناخب الوطني فلاديمير بيتكوفيتش يحضر جانبا من تدريبات النادي الرياضي القسنطيني    إحالة 14 ملف متعلق بقضايا فساد للعدالة منذ أكتوبر الماضي    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    كاس الجزائر أكابر (الدور نصف النهائي): مولودية الجزائر - شباب قسنطينة بدون حضور الجمهور    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 33 ألفا و 970 شهيدا    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار وتوقيف 10 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    زيتوني يشدد على ضرورة إستكمال التحول الرقمي للقطاع في الآجال المحددة    فايد يشارك في أشغال الإجتماعات الربيعية بواشنطن    مسار إستحداث الشركة الوطنية للطباعة جاري    إنطلاق فعاليات الملتقى الوطني الأول حول المحاكم التجارية المتخصصة    العدوان الصهيوني: إصابة ثلاثة فلسطينيين جراء قصف الاحتلال لمنازل وسط قطاع غزة    وزير الاتصال و مديرية الاعلام بالرئاسة يعزيان: الصحفي محمد مرزوقي في ذمة الله    رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي يؤكد: تشجيع الإشراف التشاركي في العملية الانتخابية المقبلة    الجهوي الأول لرابطة باتنة: شباب بوجلبانة يعمق الفارق    سدراتة و«الأهراس» بنفس الإيقاع    سطيف: ربط 660 مستثمرة فلاحية بالكهرباء    أرسلت مساعدات إلى ولايات الجنوب المتضررة من الفيضانات: جمعية البركة الجزائرية أدخلت 9 شاحنات محمّلة بالخيّم و التمور إلى غزة    سترة أحد المشتبه بهم أوصلت لباقي أفرادها: الإطاحة بشبكة سرقة الكوابل النحاسية بمعافة في باتنة    من خلال إتمام ما تبقى من مشاريع سكنية: إجراءات استباقية لطي ملف «عدل 2»    أكاديميون وباحثون خلال ملتقى وطني بقسنطينة: الخطاب التعليمي لجمعية العلماء المسلمين كان تجديديا    انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة : تأجيل التصويت على مشروع قرار الجزائر إلى غد الجمعة    مشروع محيط السقي بالإعتماد على المياه المستعملة بتبسة "خطوة عملية لتجسيد الإستراتيجية الوطنية في القطاع"    كرة اليد/كأس إفريقيا للأندية (وهران-2024): الأندية الجزائرية تعول على مشوار مشرف أمام أقوى فرق القارة    الحكومة تدرس مشاريع قوانين وعروضا    مجمع سونلغاز: توقيع اتفاق مع جنرال إلكتريك    68 رحلة جوية داخلية هذا الصيف    عون يؤكد أهمية خلق شبكة للمناولة    تظاهرات عديدة في يوم العلم عبر ربوع الوطن    لم لا تؤلّف الكتب أيها الشيخ؟    توزيع الجوائز على الفائزين    عطّاف يؤكّد ضرورة اعتماد مقاربة جماعية    من يحرر فلسطين غير الشعوب..؟!    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    دعوة لضرورة استئناف عملية السلام دون تأخير    الصّهاينة يرتكبون 6 مجازر في يوم واحد    منصة رقمية للتوقيع الإلكتروني على الشهادات    هذا موعد عيد الأضحى    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    بطاقة اشتراك موحدة بين القطار والحافلة    البعثة الإعلامية البرلمانية تختتم زيارتها إلى بشار    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    نحضر لعقد الجمعية الانتخابية والموسم ينتهي بداية جوان    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    نسب متقدمة في الربط بالكهرباء    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلمسان.. آثار نفيسة وحضارة تثير الفضول
''صوت الأحرار'' تزور عاصمة الزيانيين

رحلتنا بدأت من محطّة الخروبة- العاصمة لنقل المسافرين أستقلينا سيارة الاجرة المتّجهة إلى ولاية تلمسان، و رغم مشقة السفر و الحرارة التي كانت تطبع ذلك النهار إلّا أنّ المناظر الخلابة لا تترك لك منفذًا للتذمر و تجعلك تنسى تعبك، فبين القرى المترامية الأطراف و الجبال الشاهقة غابات كثيفة و هواء عليل لم يكدره دخان السّيارات و التلوّث الخانق الذي نعيشه بالعاصمة، بعد رحلة دامت ساعات وصلنا أخيرًا إلى مقصدنا ولاية تلمسان ، و رغم الإعياء الذي أخذ منّا نصيبًا إلّا أنّنا توجّهنا الى اقرب معلم صادفنا لنمتع ناظرنا بسحر المدينة الفتان. سنفونية لن يستطيع أي إنسان أن يتصوّرها إن لم يكن هناك? سبحان الخالق المبدع المصور... التاريخ في اختصار... إنه أول ما يمكن أن تنطق به النفس في نجواها واللسان حين يكشف سره عندما تقع العين على الجمال الساحر الذي تخبئه تلمسان.
❍ مدينة متوسطية بروح أندلسية، تجدها حاضرة بغاباتها وينابيعها، شامخة بمحاسنها ومفاتنها التي وهبها البارئ، محتفظة دومًا بحيويتها ونشاطها وتوهجها عبر القرون والدهور، فلم تقهرها كثير من الكوارث والأهوال التي طمست غالبية المدن المجاورة لها بتأثير الدمار والحروب. إنها «تلمسان» درة المدن الجزائرية ولؤلؤة المغرب العربي، التي تزهو بكثرة ما فيها من مبانٍ فنية رائعة خالدة، وبماض فكري وثقافي وسياسي تليد، مزجت- بطبيعتها السخية الحسناء وجهود الإنسان المبدع- الفن بالتاريخ، فتفوقت في شتى الميادين حتى صارت «غرناطة» إفريقيا، محط اهتمام المؤرخين والكتاب المغاربة والأجانب، للانغماس في أعماقها بحثا عن روحها الدفينة وهويتها الحقيقية.
مدينة يحب الناس العيش بها منذ القدم، لموقعها ولتوفر ظروف الحياة الهنية بها، لها موقع جذاب وبها جمال يوقع القلوب، بين منعرجات الجبال وأمواج البحر تنحني على ميناء للصيد وتعانق شواطئ في شرقها وأخرى في غربها، شواطئ رملية وأخرى صخرية تتسم كلها بالعذرية الطبيعية، لتكون الرحلة إلى تلمسان رحلة تأمل في التاريخ والطبيعة.
الحضارة تتكلم
❍ عندما تزور تلمسان للمرة الأولى لا يمكنك إلا أن تصاب بما يمكن وصفه بالإبهار، فعاصمة الزيانيين تملك كل ما يمكنها ان تبهر وتشد عقلك وقلبك حتى ولو كنت قد زرت قبلها أشهر العواصم العالمية، وحينما تغادر هذه المدينة الاستثنائية إثر زيارتك الأولى لها تدور في خلدك عدة أفكار وتتملكك رغبة واحدة ملخصها أنك ترغب في العودة لزيارتها للمرة الثانية والثالثة والألف.
لم نكن نتصور، في زيارتنا هذه وهي الأولى، ونحن ندخل تلمسان أن الصحراء القاحلة التي تحيط بها ليست أكثر من لوحة طبيعية طارئة على عاصمة بني زيان وأن الأصل في تلمسان أنها روضة من رياض الجزائر، فما أن سارت بنا السيارة بضع كيلومترات حتى جعلتنا أشجار الزيتون المصطفة على حافتي الطريق نعيد النظر في الفكرة السابقة التي ارتسمت في أذهاننا.استقبلنا أهالي تلمسان بلهجتهم المميّزة وكرمهم المعهود، الذي يعكس طباع المؤسسين الأوائل المجبولين على كرم الضيافة وقيم النبل والترحاب ويعيدك إلى الحضارة والأبّهة الأندلسية العريقة التي فرّت إلى هذه السواحل هروبا من محاكم التفتيش، ففي الوقت الذي كانت فيه امبراطورية غرناطة تتهاوى على الضفة الأخرى، كان تاريخ ما ينسج هنا.
تلمسان أو الجدار كما سماها المسلمون الذين أبهرتهم حصونها عندما فتحوها مازالت تحتفظ بالكثير من عبق الماضي، حتى أن زائرها وهو يتجول ببعض أحيائها يشعر كما لو أنه في رحلة عبر الزمن، اختلط فيها الماضي بالحاضر. التلمسانيون إجمالا لا يمكن إلا أن تحترمهم، وعندما تتحدث إليهم تشعر بانك تتحدث إلى أناس يدركون جيدا أنهم أبناء منطقة ينطق كل شبر فيها بالتاريخ والحضارة، وليس من قبيل المبالغة القول بأن أهل تلمسان لا يحتاجون إلى الحديث عن تاريخ مدينتهم وإنما حضارتها هي من تتحدث، وليس صدفة أن يقترن اسم مدينة تلمسان بالزيانيين، فالفضل الكبير يعود لهم فيما هي عليه اليوم مدينة معالم، تستقطب السياح من الداخل ومن كل أنحاء المعمورة.
قلعة المشور.. رحلة إلى زمن الأندلس
❍ المشور، أحد أكبر قلاع التاريخ، يشبه إلى حد بعيد قصور الأندلس بزليجه ونافورته، يروي القصر فصولا من التاريخ، فالداخل إلى هذه القلعة يصاب بالدهشة بمجرد النظر إلى الأعلى، أين يجد حائطا بني بالطين والتراب ومرمم بالحجارة على ارتفاع هائل وبوابة ضخمة من الحديد تحمل شكل القوس، عليها نقوش وأشكال هندسية دائرية وأخرى مائلة تتوسط المدخل الرائع.هنا يشدك الانتباه والفضول لمعرفة تفاصيل بنائه ,فتشييده يشبه قصر الحمراء ملهم الشعراء والمؤرخين بإسبانيا، كما ان خيالك يذهب بعيدا وتستحضر مدينة ألميريا الإسبانية التي ترك فيها المسلمون بعض تاريخهم وحنينهم وهو يهربون إلى هذه الشواطئ. تحيط بجوانب القصر الأربعة أروقة يقوم سقفها على عدد كبير من الأعمدة الطولية، تؤدي بك إلى أربعة أجنحة واسعة بها نفورات مائية صغيرة كانت قديما تزين جلسات الشعراء ولقاءات السلاطين العرب، إلى جانب كتابة آيات قرآنيه وأحاديث نبوية على الجدران الملونة بالفسيفساء والرخام، مبرزة عراقة حضارة الدولة الزيانية في الجزائر، التي استلهمت أصول الفن المعماري من فن بلاد الأندلس بواسطة الرحالة والمهجرين الذين استقروا بالجوهرة تلمسان منذ ما يقارب العشرة قرون أو أكثر..
المنصورة قلعة صامدة
أمام تحدي العصور
❍ يصادفك التاريخ أينما وليت وجهك في هذه المدينة، فمن قصر المشور، تلك التحفة المعمارية الشاهدة على جمالية وأبهة العمارة الإسلامية، إلى صومعة المنصورة التي لم يبق من جامعها إلا الجدار الخارجي المشيد من الطوب والمئذنة التي ظلت شامخة قائمة تقاوم الزمن والإهمال، وهي تشبه المآذن الموحدية التي بنيت في الأندلس، وتظهر بوضوح تأثر العمارة المرينية بالموحدية. هذه المئذنة تمثل نموذجا فريدا في بلاد المغرب العربي.
وإذا كانت أسباب اندثار المنصورة وجامعها العظيم معروفة وترتبط بهدمها من طرف سكان تلمسان بعد انسحاب الجيوش المرينية من مدينتهم، فإن الروايات والأساطير تحكي لنا قصصا كثيرة، منها تلك التي تروي أن السلطان حين أمر ببناء المنارة قسم العمل بين العمال المسلمين والمسيحيين، وحين انتهي من بناء المئذنة تهدم الجزء الذي بناه المسيحيون وبقي بناء المسلمين قائما اعترافا بإيمانهم؛ وهو الجزء الذي ظل قائما إلى اليوم.
أسطورة لالة ستي وتبركات سيدي بومدين
❍ تهر تلمسان بالأضرحة التي كانت في زمن ما كتاتيب لتحفيظ القران الكريم والتفسير وهي موزعة في المدينة كحبات جوهر براقة، أضفت رونقا يعكس صورة المدينة العربية العتيقة التي تفوح بالأصالة. فهضبة لالا ستي التي حولت إلى منتجع سياحي ساحر يطل على تلمسان، تضاربت بشأنها الروايات التاريخية، حيث يقال إنها إحدى بنات الوليّ الصالح القطب سيدي عبد الرحمان الجيلالي، مرضت وماتت في طريقها إلى الحج، لتخلدها المدينة بمنحها أكبر وأعظم مكان في المدينة فيها. يقول البعض أن لالة ستي هي شقيقة لالة مغنية التي كانت هي الأخرى ولية صالحة، وتقول الأسطورة أن لالة مغنية كانت تنتظر شقيقتها للسفر معا إلى الحج إلا أن طارئا حدث منع التحاق لالة ستي بشقيقتها، وبعد طول انتظار ماتت لالة مغنية فأقيم لها هي الأخرى ضريح بمدينة مغنية، فأصبح بين المدينتين ارتباط عضوي يعطيه السكان بعدا روحيا، لاسيما وأن المزارات لازالت تحتفظ بطقوسها القديمة تعبيرا عن احترام الأولياء الصالحين ومكانتهم وسط المجتمع.
استقلينا ز المصعد الهوائيس حتى نستمتع بجمال الطبيعة التي تتميز بها تلمسان ولو أن الطريق المؤدي إلى الهضبة هو الأخر لا يقل جمالا، لأنه يشق الغابة حتى أعلى قمة جبال تراراس، ويعد التيليفريك وسيلة نقل جديدة يسر لسكان المدينة والزوار مهمة الصعود إلى غابة بتي بيردرو زالحجل الصغيرس الذي، تحول إلى فضاء سياحي يخضع لتسيير متطور بمعايير دولية.
يوجد الضريح على بعد أمتار قليلة من البرج وهو أحد المعالم التي تحتويها الهضبة، فإلى جانب فندق رونيسونس الجميل ومجمع التسلية، أقيم ضريح لالة ستي الذي تحول إلى مزار يؤمه الناس من كل حدب وصوب لسمعة هذه المرأة الصالحة التي دفنت في الهضبة التي كانت تتعبد فيها وبني بجانبها مسجد صغير وبيت للزوار وأصبحت تشكل كلها معلما تاريخيا.
ليس هناك موقع أفضل من هضبة لالة ستي لرؤية تلمسان والتمتع بجمالها، حيث يوفر برج المنظار صورا بديعة للمدينة المترامية الأطراف ويصطف الناس في أعلى البرج للظفر بلحظات ممتعة، يتدفق الزوار بالمئات على البرج ولا تتوقف الحركة عبر طوابقه الثلاثة طيلة اليوم، حيث يعرف حركة دؤوبة بين الصعود والنزول وقد تساءلنا عما إذا كان هذا الإقبال مرتبطا باحتضان تلمسان لتظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية، فقيل لنا إن المدينة تعرف منذ سنوات ازدهارا في كل المجالات، وهذا ما ساهم في انتعاش السياحة في هذه المدينة لما تملكه من مؤهلات سياحية تجذب الناس من كل أنحاء الوطن وحتى من خارجه، وأصبحت هضبة لالة ستي أكثر المواقع استقطابا للناس، لأنها ببساطة تجمع عدة مرافق وسط ديكور طبيعي جذاب.
ضريح سيدي بومدين، معلم ديني آخر تزخر به مدينة تلمسان، فهذا الشيخ الجليل يعتبر مؤسس واحدة من أهم مدارس التصوف في بلاد المغرب العربي والاندلس، ولقب ابن عربي أبو مدين ''معلم المعلمين''. ويحتفظ الناس لسيدي بومدين بتقدير خاص ويقولون إن الله كرم المدينة بأن جعل فيها مقام سيدي بومدين الذي توفي و دفن بها. وقد اعتاد سكان المدينة وفي مقدمتهم جمع من رجال العلم والثقافة والباحثين في التراث القيام بجولة في الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر من كل سنة من أجل ز اقتفاء خطى سيدي بومدينس وبعين المكان يتلو الحضور آيات من الذكر الحكيم ويستمعون إلى أذكار وابتهالات ودروس حول أعمال ومآثر سيدي بومدين لتنتهي الزيارة بأداء صلاة الجمعة ثم التجمع حول طبق الكسكسي اللذيذ. وحسب المصادر التاريخية فإن هذا الرجل الصالح يعود منشأه إلى مدينة زكانتياناس قرب إشبيليا بالأندلس، حيث رأى النور في القرن الثاني عشر ميلادي وأخذ المبادئ الأولى من تعليمه بمدينة فاس. بمقابل الضريح يمكنك أن تجد المدرسة الخلدونية التي درس بها عبد الرحمان بن خلدون، في هذه القاعة دارت مكائد السلاطين وانتقلت الأقاويل وحسمت مصائر أيضا. ويتسنى لزائر مقام سيدي بومدين، أن يشاهد إعجاب قطع الجص المنقوش والسقف المصنوع من الخشب المنقوش والقبة المزدانة من البلور الملون والتي يمر من تحتها الزائر ليصل إلى صحن الضريح.
يمكنك أن تجد المدرسة الخلدونية التي درس بها عبد الرحمان بن خلدون، Åفي هذه القاعة دارت مكائد السلاطين وانتقلت الأقاويل وحسمت مصائر أيضا. ويتسنى لزائر مقام سيدي بومدين، أن يشاهد إعجاب قطع الجص المنقوش والسقف المصنوع من الخشب المنقوش والقبة المزدانة من البلور الملون والتي يمر من تحتها الزائر ليصل إلى صحن الضريح.
ويشكل الضريح جزء من أربعة هياكل، يضمّها مجمع سيدي أبي مدين وهي: الجامع والمدرسة والضريح ودار السلطان. ويوجد باب الضريح مقابل باب المسجد، وفي أسفل الدرج توجد مقبرة على اليمين تضم رفات علماء من أهل تلمسان، ثم يتم الدخول إلى صحن مربع الشكل تحيط به أروقة على شكل حدوة فرس في غاية الإتقان. أما أرضية الصحن وجدرانه فهي مغطاة بالفسيفساء الملونة، تتخللها شواهد من الرخام لقبور بعض أعلام المدينة، وصار هذا الضريح مقصدا للزوار من أهل تلمسان ومن خارجها للعبادة بالجامع والتعلم بالمدرسة والتبرك.
مغارات بني عاد. سحر الطبيعة الباهر
❍ بال تعانق عنان السّماء في منظر يقطع الأنفا، تخاله بطاقة مُعايَدة أرسلت لك من مكان بعيد لم تطله أيادي الإنسان، هي حال مغارات بني عاد التي يتواجد بها بحر الكهوف العجيبة التي اكتشفها الأمازيغ منذ القرن الأول أو الثاني للميلاد بحسب اختلاف الروايات، واتخذوها مقرّا لهم ولملوكهم وقد عدها علماء الجيولوجيا ثاني أجمل مغارة في العالم بعد مغارات المكسيك، Åتحفة ربانية زادها اخضرار الطبيعة جمالًا و بهاء، أبدعها الله تحمل الكثير من الأسرار، تختزل التاريخ وتبرز الحضارة، وتدعو إلى وحدة الخالق. ببساطة وأنت في الداخل تسافر دون أن تشعر إلى عالم روحاني وجو ديني يستحضر التأمل في آيات الله ومعجزاته الجلية.
تنقسم المغارة إلى قسمين، المغارة الكبرى والصغرى، التي تنقسم هي الأخرى إلى مجموعة من الغرف لها تسميات مختلفة ومدلولات متنوعة. وحسبما أوضحه المرشد فإن الجزء الأول يبلغ طوله حوالي 541 كلم، ويمتد إلى غاية تراب المملكة المغربية مرورا بمغارة بومعزة بسبدو، الواقعة جنوب تلمسان إلى مغارة الحوريات بسيدي يحيى بمدينة وجدة المغربية، غير أن الاستعمار الفرنسي عمل على غلق الممر المؤدي إلى المغرب بنسبة 06 متر مكعب من الإسمنت المسلح، بهدف قطع تنقل المجاهدين ووقف الإمدادات إليهم. أما القسم الثاني من المغارة فيضم ثلة من الغرف العجيبة التي تختزل موجودات تاريخية طبيعية وإنجازات عظيمة صنعها الإنسان.
تحف فنية تصنعها الصواعد والنوازل
❍ ثالث قاعة في أسفل مغارة بني عاد هي قاعة السيوف، وسميت كذلك للعدد الكبير من الصخور النوازل التي تشبه السيوف الموجهة للعدو في ساحة الوغى، والمقدر عددها بعشرات الآلاف من مختلف الأحجام. فيما تأتي بجانبها قاعة فسيحة الأرجاء تسمى قاعة المجاهدين، وسميت بهذا الاسم لأن مجاهدي الثورة الجزائرية كانوا يتخذون منها ملجأ ومكانا للراحة عبر ممر عبارة عن فتحة صغيرة يؤدي إلى وجهتين مخرج الجبل والمغرب، لكن سرعان ما تم اكتشاف الأمر من طرف الفرنسيين سنة 7591 والذين دمروا ذلك الثقب بواسطة عبوات الديناميت، ما أدى إلى ردمه وسده.
للإشارة فإن آثار التفجير لا تزال بادية إلى يومنا هذا، حيث استطاعت قوة التفجير أن تمحو بعض الأجزاء والأشكال من تلك المنطقة وتقوم بإسقاط مجموعة من النوازل والصواعد. ورابع قاعة، وهي قاعة الرخام الواسعة والشاسعة ذات الجدار الأبيض الملَون كصفائح الرخام نتيجة الترسبات الكلسية البيضاء التي تتركب بواسطة القطرات المائية المتناثرة على رؤوس الصخور الحادة، والتي يعود تشكيلها إلى آلاف السنين، وبالتالي باستطاعة المرء أن ينقر بيده أو بعمود خشبي على الجدار الصخري، ليحدث بذلك نغمات موسيقية تتزاوج مع رجع الصدى القوي داخل الغرفة مشكلا ألحانا عذبة وموسيقى رنانة.
تتوزع بالممرات والزوايا أشكال مختلفة محيطة بها من كل جانب تعبر عن حضارات عربية وفينيقية ورومانية قديمة، إذ لا تكاد تفارق عينك ولو للحظة واحدة وأنت تعبر من غرفة إلى أخرى ، ناهيك عما يزخر به هذا الكهف العجيب من تراث طبيعي ورموز وتعبيرات عديدة تفهم حسب إدراك ومفهوم كل شخص، ولا يشترك غالبية الناس في تفسيرها لأنها من صنع الخالق عز وجل. وهذه هي السمة الجميلة فيها، فكل إنسان يتصورها كما تترجمها له مخيلته، وهو ما أطلق العنان لمخيلات مؤرخين مشاهير على رأسهم ابن خلدون، للكتابة عنها وتخليدها في كتبهم.
ورغم روعة مغارة بني عاد والإقبال الكبير من الزوار والسواح عليها، إلا أنها تبقى مكانا سياحيا غير مستغل من طرف السلطات القائمة على شؤون السياحة بولاية تلمسان لغياب بعض المرافق السياحية الهامة، لاسيما أن المنطقة المحيطة بالمغارة ذات تضاريس جبلية تصلح لأن تكون منتجعا سياحيا ضخما.
''الشدة'' والكعك التلمساني..
علامات مميزة
❍ وبعيدا عن رائحة التاريخ والحضارة، التي تتأكد من خلال المدينة العتيقة والأسوار التي تم ترميمها بإتقان، ومن خلال العدد الكبير من المساجد الأضرحة وغيرها من المعالم، تتميز تلمسان إلى جانب ذلك بأنها موطن حرف وصناعات تقليدية، حذقها السكان جيدا وحافظوا على طابعها المميز، بما فيه من طرافة وأصالة. وأول العلامات المميزة لهذه المدينة، زالشدةس التلمسانية الذي تعدت شهرته أرجاء العالم، حيث يعتبر من أكثر الأزياء التصاقا بالفن والنقش الإسلامي. وتنتشر محلات الشدة في مختلف أنحاء تلمسان، ويرجع أصل تسمية الزي التقليدي التلمسانيس الشدةس إلى اختبار شدة العروس وقدرتها على تحمل ذلك اللباس الجميل والثقيل جدا منذ خروجها من بيت والديها إلى وصولها إلى بيت الزوجية، فالعروس التلمسانية وعلى غرار العرائس بمنطقة غرب البلاد لا تزال متمسكة بارتداء هذا الفستان الفاخر الذي ز تتصدرس به العروس يوم زفافها، أي تخرج به من بيت أهلها إلى بيت زوجها، على الرغم من غلاء سعره الذي يتجاوز سبعون ألف دينار. ويتكون هذا اللباس التقليدي الذي تتفنن أنامل الحرفيات في تصميمه من زالبلوزة ز وهي فستان حريري مطرز بالفتلة وهي خيط مغلف بالذهب أو الفضة، يوضع فوقه ثوب آخر مطرز بخيوط من الذهب يسمى زالسترة ز مصنوع بالفتلة ومرصع بالمجوهرات والحلي التي تغطي منطقة الصدر ويلبس فوقه معطف طويل مطرز يدعى القفطان.
ولا يكتمل بهاء هذا الزي التقليدي إلا بالمنديل المعروف محليا ب زالمثقلةس وسالشاشيةس التي هي عبارة عن تاج مخروطي مرصع بالأحجار الكريمة، اللذين يوضعان على رأس العروس التي تستكمل زينتها يوم تزف إلى بيت زوجها بوضع مختلف أنواع وأحجام القلائد المرصعة بالجوهر التي تعرف باسم زالتعويقة ز الكبيرة والأقراط المخرزة التي تسمى زبالقرصةس.
ويشكل هذا الزي التقليدي أحد رموز تراث منطقة تلمسان والذي يعود تاريخه إلى ما قبل سقوط الأندلس حيث كانت ترتديه الأميرات التلمسانيات قبل أن يتحول إلى لباس خاص بالعروس التلمسانية. وقد تم تصنيف ز الشدة التلمسانية ز من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة زاليونسكوس ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، كونها نتاج حضارات متعاقبة مرت على مدينة تلمسان، فالقفطان من الحضارة العثمانية والبلوزة من الحضارة العربية في حين أن الشاشية من الحضارة الأندلسية.
ومما اشتهرت به المدينة أيضا نوع من الحلويات، لا يفهم سر نكهته و حلاوته المميزة إلا أهالي تلمسان، هذا النوع من الحلويات هو الكعك وليس لأي زائر للمدينة أن يصرف نظرا عن الكعك وإلا بقي في نفسه شيء من الإحساس بالحرمان. تتميز هذه الحلوى بشكلها وذوقها المميز بنكهة التوابل، لكن ما قد يجهله الكثيرون هو شصقدسيتهاصص لدى العائلات التلمسانية التي، لا يمكن أن تتصور فطور صباحها بدون هذه الحلوى الدائرية المعطرة. ومن خلال جولتنا وسط محلات بيع الكعك التقليدي في السوق الشعبي المعروف بالقيصرية، لفت نظرنا توافد كبير لرجال ونساء للتزود بهذه الحلوى. وقفنا جانبا لنتفرج على ذلك المنظر وطلبنا من شصالبائعس أن يمهلنا دقائق ويهتم بزبائنه الآخرين الذين توالى إقبالهم دون توقف، رجالا ونساء، كلهم جاءوا لاقتناء الكعك خصوصا وباقي الحلويات من باب التنويع. وأكّدت لنا سيدة مغتربة بفرنسا أنها تأتي هنا خصيصا كل صيف من أجل اقتناء أكثر من عشرة كيلوغرامات من الكعك الذي تأخذه معها لديار الغربة حتى تخفف قليلا من وطأة حنينها لوطنها.
جزائريون، وفود إفريقية وسياح أوربيون وصينيون في تلمسان
❍ أثناء زيارتنا لاحظنا توافدا كبيرا على تلمسان من طرف الأسر من شتى الولايات وخصوصا أيام نهاية الأسبوع، وعلى حد تعبير أحدهم فإنه يفضل زيارة المدينة من إحدى الولايات الداخلية ليقضي نهاية أسبوع جميلة رفقة عائلته بعد أسبوع مليء بالعمل المرهق. ومن جهة أخرى، فقد شاءت الصدفة أن نلتقي بالعديد من السياح القادمين في إطار رحلات منظمة لاكتشاف كنوز الجزائر، منهم من اختارها محطة البداية ومنهم من كانت جوهرة المغرب العربي نهاية محطته الاستكشافية، وقد أبدت إعجابها بتراث المدينة الثقافي والحضاري وخاصة بالآثار والقصور الزيانية، وحسب مسؤولة بمكتب السياحة بتلمسان فإن السياح وخصوصا الصينيين واليابانيين والفرنسيين تستهويهم المعالم الأثرية أكثر من غيرها، حيث يجدون فيها المناظر الجميلة للالتقاط الصور التذكارية، فهم يحنون لتلك الحضارة ويجدون في كل زاوية من زوايا المكان حكاية من الحكايات.
كما أنهم أصبحوا زبونا سياحيا رئيسيا يزور مناطق الجزائر المختلفة. وعلاوة على الفرجة التي يريد هؤلاء الاستمتاع بها وتخليدها في ذكريات، فقد انتهز بعض الشباب الفرصة ليسترزقوا من المكان الأثري، سواء بامتهان التصوير الآني من طرف بعض هواة فن التصوير أو بعرض بعض المبيعات التقليدية كالفخار والألبسة التقليدية الجزائرية والورود.
بعد جولتنا الطويلة تركنا المدينة الصغيرة الهادئة، أخذنا المنحدر الذي يمر على زالقلعةس لنستقل الطاكسي وكان الوقت قد تقدم، و نحن نجوب شوارعها الهادئة والواسعة كان سائق الأجرة يتحدث إلينا ويجيب عن اسئلتنا. وما لفت أنتباهنا أن الناس يدخلون بيوتهم مبكرا حيث تغلق أغلب المحلات والمقاهي، وحتى وتيرة المرور تنخفض، وفي سؤال للسائق قال لنا أن هذا من العادات التي تميز عاصمة الزيانيين فالزائر الذي يتجول عبر شوارع المدينة ليلا يلاحظ قلة الحركة ونقص المواصلات، ويضيف ان تلمسان كانت قبل العشرية الماضية جوهرة حقيقية ولكن الأعوام الصعبة التي مرت فرضت نمط جديدا على السكان ، وطرحت على المجتمع التلمساني المحافظ واقعا أجبر على التأقلم معه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.