رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني تستقبل ممثلي عدد من الجمعيات    الرابطة الثانية هواة: نجم بن عكنون لترسيم الصعود, اتحاد الحراش للحفاظ على الصدارة    انتفاضة ريغة: صفحة منسية من سجل المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي    عبد الحميد بورايو, مسيرة في خدمة التراث الأمازيغي    رئيس الجمهورية يجدد التزامه بتحسين معيشة المواطنين عبر كافة ربوع الوطن    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة: فتيات الخضر من اجل التدارك ورد الاعتبار    جمباز (كأس العالم): الجزائر حاضرة في موعد القاهرة بخمسة رياضيين    نشطاء أوروبيون يتظاهرون في بروكسل تنديدا بالإبادة الصهيونية في غزة    النرويج تنتقد صمت الدول الغربية تجاه جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة    عرض الفيلم الوثائقي "الساورة, كنز طبيعي وثقافي" بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية ينهي زيارته إلى بشار: مشاريع استراتيجية تعكس إرادة الدولة في تحقيق تنمية متكاملة بالجنوب    وزير الاتصال يشرف السبت المقبل بورقلة على اللقاء الجهوي الثالث للصحفيين والإعلاميين    رئيس الجمهورية يلتقي بممثلي المجتمع المدني لولاية بشار    اليوم العالمي للملكية الفكرية: التأكيد على مواصلة تطوير المنظومة التشريعية والتنظيمية لتشجيع الابداع والابتكار    معسكر : إبراز أهمية الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في الحفاظ على التراث الثقافي وتثمينه    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    عُنف الكرة على طاولة الحكومة    توقيف 38 تاجر مخدرات خلال أسبوع    ندوة تاريخية مخلدة للذكرى ال70 لمشاركة وفد جبهة التحرير الوطني في مؤتمر "باندونغ"    غزّة تغرق في الدماء    صندوق النقد يخفض توقعاته    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    بلمهدي يحثّ على التجنّد    تيميمون : لقاء تفاعلي بين الفائزين في برنامج ''جيل سياحة''    معالجة النفايات: توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للنفايات و شركة "سيال"    البليدة: تنظيم الطبعة الرابعة لجولة الأطلس البليدي الراجلة الخميس القادم    السيد عطاف يستقبل بهلسنكي من قبل الرئيس الفنلندي    معرض أوساكا 2025 : تخصيص مسار بالجناح الوطني لإبراز التراث المادي واللامادي للجزائر    أمطار رعدية ورياح على العديد من ولايات الوطن    المسيلة : حجز أزيد من 17 ألف قرص من المؤثرات العقلية    مناقشة تشغيل مصنع إنتاج السيارات    تعليمات لإنجاح العملية وضمان المراقبة الصحية    3آلاف مليار لتهيئة وادي الرغاية    جهود مستعجلة لإنقاذ خط "ترامواي" قسنطينة    145 مؤسسة فندقية تدخل الخدمة في 2025    إشراك المرأة أكثر في الدفاع عن المواقف المبدئية للجزائر    جريمة التعذيب في المغرب تتغذّى على الإفلات من العقاب    شركة عالمية تعترف بنقل قطع حربية نحو الكيان الصهيوني عبر المغرب    23 قتيلا في قصف لقوات "الدعم السريع" بالفاشر    محرز يواصل التألق مع الأهلي ويؤكد جاهزيته لودية السويد    بن زية قد يبقى مع كاراباخ الأذربيجاني لهذا السبب    قمة في العاصمة وتحدي البقاء بوهران والشلف    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    "شباب موسكو" يحتفلون بموسيقاهم في عرض مبهر بأوبرا الجزائر    الكسكسي الجزائري.. ثراء أبهر لجان التحكيم    تجارب محترفة في خدمة المواهب الشابة    حين تتكلم الموسيقى بلغتي العاطفة والانتماء    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة إحياء يوم العلم

بعث رئيس الجمهورية, عبد العزيز بوتفليقة يوم السبت برسالة بمناسبة إحياء يوم العلم المصادف ل16 أفريل من كل سنة. هذا نصها الكامل:
"بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه إلى يوم الدين
أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل,
لقد سبق لي أن قلت في مثل هذا المقام: "إن لهذه المدينة جاذبية لا تقاوم, فما يزال زائرها حين يفارقها في شوق وحنين إليها حتى يعود". وقد عدت إليها, كما تعرفون, مرات عديدة. لكأني بالعلم قد تحصن بمدينتكم هذه واستحصن بها, فما يبرحها إلا ليعود إليها, وما أظن أحدا فينا يتخيل أن العلم وقسنطينة سيفترقان في يوم من الأيام.
ولا ريب في أنكم سعدتم أيما سعادة, وأخذتكم العزة بتظاهرة "سنة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" التي احتضنتها مدينتكم, وجعلت منها عاصمة للبلدان العربية قاطبة. وحق لكم ذلك, فقد كانت, على مدى عام كامل, فضاء تعارف وتفاعل, التقت فيه صفوة من النخب العربية, من المشرق والمغرب, لتتبادل فنونا من المعرفة والثقافة, تجلى ما فيها من سعة وتنوع وثراء, وعمقت الصلة والإنتماء الطبيعي بين الإنسان الجزائري وأشقائه, في الفضاء الأوسع الممتد في كلتا القارتين إفريقيا وآسيا.
ولئن كانت السنة حافلة بالعطاء الثقافي فإن الفضل في ذلك يعود إلى جميع من ساهم في إنجاحها من رجال ونساء, ونشطوا وأثروا بأعمالهم وعطاءاتهم فعالياتها, فكانوا بذلك أهلا للإكبار والتقدير.
أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل,
لقد سجل تاريخ الجزائر أن التعليم كان مزدهرا, ودور العلم والكتاتيب منتشرة, قبل أن تغزو فرنسا الجزائر سنة 1830. وشهد على ذلك المؤرخون الغربيون النزهاء من الذين رصدوا أحوال الجزائر, خاصة خلال الفترة الي سبقت الإحتلال الفرنسى المقيت.
لكن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب, فما كاد القرن التاسع عشر ينتهي حتى كانت الأمية التي تعمدها الإستعمار قد تفشت بين معظم الجزائريين. ولا أدل على ذلك من أن نسبة الأمية ارتفعت إرتفاعا مذهلا بين أبناء الجزائر لتبلغ 60 بالمائة غداة افتكاك الجزائر سيادتها سنة 1962.
ولكم, أيتها الجزائريات, أيها الجزائريون, أن تتمعنوا في هذه المفارقة العجيبة التي كان الإستعمار الفرنسي وراءها: مجتمع آمن, قارئ, متمكن من وسائل المعرفة والعلم يتحول, في عهد ظلام الإحتلال إلى مجتمع بدائي متخلف مقطوع الصلة بأنوار المعرفة.
لقد رأى الإستعمار الغاشم أن عدوه الأول والأخير إنما هو العلم الذي تقوم عليه كل حركة مجدية في البناء الإجتماعي والحضاري, فعمل طيلة قرن وربع قرن من الزمن على تجهيل أبناء هذا الشعب, ولم يتورع عن هدم المدارس والزوايا والكتاتيب والمساجد وحرق المكتبات في جميع أنحاء الوطن. ولنا أبلغ مثال على ذلك في الطريقة التي ختم بها هذا الإستعمار احتلاله البغيض عندما أحرق مكتبة جامعة الجزائر في شهر أفريل من عام 1962, أي في الشهر الذي نحتفل فيه بيوم العلم. وفي نطاق هذه السياسة الجهنمية, أزهقت أرواح العلماء الجزائريين والأساتذة والتلاميذ وطلاب الثانويات والجامعات, وما كان أقلهم.
لم يكتف الإستعمار بذلك, بل عمد إلى التضليل والإستخفاف بالعقول, وترويج الخرافات والأباطيل والأساطير. وظن أنه قد بلغ الأرب, وأقام جسورا وطيدة بين عالمه هو وعالم الجزائريين وهم يواجهون طغيان الإستعمار والإحتلال.
ودامت تلك الحال الوخيمة إلى أن تحركت همم الجزائريين, نهاية القرن التاسع عشر, بقيادة نخبة من الشباب الجريء المقدام, وشرعت في إذكاء شعلة المعرفة والدعوة لضرورة الأخذ بأسبابها ونشرها بين الناس. وقيض الله للجزائر فتى من مدينتكم هذه وكان ذا تطلع إلى أفق أوسع يرى فيه الإنسان الجزائري واقفا من جديد على قدميه كغيره في هذا العالم. ما كان ذلكم الفتى سوى عبد الحميد بن باديس الصنهاجي, نسبا ومحتدا.
فلقد أدرك أن حاجة الجزائري للعلم كحاجته إلى الهواء النقي الصافي الذي ينبغي أن يعب منه في كل لحظة من لحظات الحياة. وعرف, حق المعرفة, أن الحرية ليست كلمة يتلفظ بها هذا أو ذاك, وإنما هي غنيمة كفاح مرير طويل يرتكز على العلم والمعرفة قبل أن يعتمد على السلاح. وهكذا, سبق صليل القلم أزيز الرصاص. وها أنتم تنعمون اليوم بهذه النتيجة الباهرة.
أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل,
قسنطينة, على غرار المدن الجزائرية الأخرى, تحتفي اليوم بالذكرى السادسة والسبعين لرحيل رائد الحركة الإصلاحية الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس. والشعب الجزائري برمته يستعيد صورة ذلكم العلم الفذ في تاريخنا الحديث. ومن ثم, يحتفل بيوم العلم الذي صار موعدا سنويا نقف فيه على ما قطعناه من أشواط على نهج إمامنا عبد الحميد بن باديس (رحمه الله).
والغاية من هذا الإحتفال بيوم العلم, كل سنة, لا تتوقف عند استذكار هذا الرائد القدوة ورفاقه الأجلاء الذين نذروا حياتهم لخدمة وطنهم الجزائر حين جعلوا من نشر العلم والمعرفة, النافعة في الدنيا والآخرة, وسيلة للتحرر الفكري الذي بدونه ما كان في استطاعة الإنسان الجزائري أن يقوى على التخلص من نير الإستعمار.
وفي هذا المقام, يملي علينا الواجب أن نقف وقفة إجلال وتقديرلهذا الرمز الوطني ونتمعن في مسيرته النضالية ونستمد الدروس والعبر منها, ونحكم الصلة الوطيدة بين حاضرنا وماضينا بغاية الإنطلاق بخطى ثابتة, وعزيمة راسخة نحو آفاق المستقبل, متساوقين مع عصرنا هذا, حريصين على كسب رهان الحداثة دون التفريط في تراثنا وأصالتنا.
لقد انصبت جهود الشيخ عبد الحميد بن باديس وصحبه في جمعية العلماء المسلمين على مواجهة مخططات الإستعمار الساعية إلى مسخ الشخصية الوطنية ومحو مقومات هوية الشعب الجزائري التي مكنته من المحافظة على قيمه الأصيلة وإعادة بناء كيانه الوطني وترسيخه حتى وقف شامخ الهامة بين شعوب العالم.
من هذه الأرضية الصلبة, عرف عبد الحميد بن باديس كيف يدافع عن اللغة العربية والثقافة الجزائرية, مدركا في الوقت نفسه وبرؤية ثاقبة, التزاوج الطبيعي القائم بين البعد الأمازيغي للشعب الجزائري وبعده العربي الإسلامي. ومن إيماءاته التي كان يشير بها إلى الجانب الأمازيغي من حيث هو عنصر أساسي في هويتنا الوطنية, كان يوقع مقالاته الصادرة في مجلة الشهاب "ابن باديس الصنهاجي".
ونحن حين نستذكر, في يوم العلم, مناقب الإمام عبد الحميد بن باديس وسيرته وحياته التي نذرها لخدمة العلم والتنوير ونشرها والنضال من أجل القضية الوطنية, لا يسعنا إلا أن نعمل الفكر في جميع ما أنجزه, مع رفاقه, في مضمار التربية والتعليم, وفي تخليص الممارسة الدينية من شوائب الدجل والبدع والشعوذة, وفي السياسة الإجتماع وفي الصحافة والإعلام على الرغم من سطوة المستعمر الفرنسي ومحاولاته اليائسة لإخماد كل صوت حر.
لقد شمر عن ساعد الجد مع صحبه لمواجهة المشروع الفرنسي التغريبي بأن حرص على تعليم الكبار والصغار, البنين والبنات, وفتح عيونهم بخطاب قد يتلخص كله في القولة البليغة التي خاطب بها الإنسان الجزائري: "لا حياة لك إلا بحياة شعبك وبلدك ودينك ولغتك, وكل ما هو جميل رائق من عادات وتقاليد, وإذا أردت أن تضمن الدوام والإستمرار لكل ذلك, فكن ابن عصرك مسايرا للزمن الذي تحيا فيه منسجما مع أسباب الحياة وسبل التعايش والسلوك المثالي في المجتمع".
ويأبى على الواجب في هذا السياق, إلا أن أغتنم هذه السانحة وأعرب عن عرفان الشعب الجزائري قاطبة, وعن عظيم امتنانه وإكباره, لكل الرجال والنساء, على اختلاف أجيالهم, الذين ساهموا, قبل تحرير بلادنا وبعده, في استعادة حق الإنسان الجزائري في نور العلم, ونعمة المعرفة من خلال مساهمتهم القيمة الجليلة في بناء صرح المنظومة التعليمية الوطنية بمختلف قطاعاتها وبنائها, وعن حرص الدولة الثابت على الإعتناء الدائم بتحسين ظروف جميع الذين يضطلعون بالوظيفة التعليمية النبيلة بكافة أسلاكها واختصاصاتها, وعلى تمكينهم جميعا من كل الوسائل اللازمة لمواصلة جهودهم في أداء رسالتهم الشريفة التي لا غنى عنها لتنمية بلادنا وتطويرها.
-أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل,
إن هذا اليوم هو يوم عزيز على الجزائريات والجزائريين الفخورين بما لهم من مشاركات فعالة في الفكر والعلم منذ عهد أبوليوس ابن مداوروش إلى الأمير عبد القادر وابن باديس, ولا شك في أن قائمة العلماء المجاهدين طويلة, وهي تضم قوافل ممن أفنوا أعمارهم في بذل الجهد الجهيد من أجل رقي مجتمعهم عبر العصور والحفاظ على منعته.
لقد كان التعلم نضالا وجهادا أكبر لدى الشعب الجزائري طوال سنوات الإحتلال التي تعرض فيها لأفظع وأعنف سياسات التجهيل, بل وإلى حد إبادة علمائه ومثقفيه.
لذلك كله, ما فتئت الدولة الجزائرية, منذ أن عادت إلى الوجود, تولي عنايتها لتربية النشء وتمكينه من نور العلم والمعرفة, إيمانا منها بأن الإستثمار في الإنسان هو الإستثمار الأضمن فائدة والأبقى من حيث هو الذي يتيح تكوين الجزائري القادر على التعرف على ذاته في مرآة أصالته أولا بأول, وعلى اتخاذ وجهة الإنتماء الصحيح حتى يتبوأ مكانته اللائقة به في العالم الذي يحيا فيه, ومن ثم, تمكين بلادنا من مغالبة التحديات الناجمة عن التحولات التي تعيشها على الصعيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي, ومن التصدي للتقلبات التي تشهدها المعمورة قاطبة.
أجل, هناك رهانات جديدة مرتبطة بالعولمة, وظهور مجتمع المعلومات والإتصال, وتسارع وتيرة الثورة العلمية والتكنولوجية, وهي في مجملها, توجب على الجزائر المساهمة في شبكات المعرفة والإستجابة للطلب الإجتماعي والإقتصادي الذي يتطلب مستويات أعلى من التأهيل والأداء علما بأن نوعية الموارد البشرية, وتكوين النخب الوطنية, واعتناق سلوكيات جديدة في العمل وإنتاج المعرفة, أصبحت أمورا لابد منها من حيث هي عوامل مؤثرة في تحديد التوازنات الجيوسياسية العالمية الجديدة.
ولئن كان للعلم دور هام لا يعوض في مسار التقدم والرقي وأثر واضح على تطبيقاته التكنولوجية المتسارعة, والتي شملت شتى المجالات وبخاصة تكنولوجيا المعلومات, فلا ينبغي أن يبهرنا بالقدر الذي يجعلنا نغفل عن الجوانب السلبية الكامنة فيه ويسلخنا من إنسانيتنا وتميزنا الثقافي. فلا أوخم من المعرفة عندما تفتقر إلى الخلق وتخلو من الضمير والتبصر. إننا في حاجة إلى علم ينفع, إلى علم لا يضر, إلى علم يحقق إنسانيتنا في هذه الحياة!
أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل,
المدرسة هي التي تخلق في الإنسان روح التحدي بحيث لا يسلم نفسه لإغراءات الكسل والخمول والتواكل, كما أنها تنمي فيه القيم الروحية والوطنية والإنسانية بعيدا عن الغرور والتطرف والتعصب, فيصبح مواطنا سويا صالحا ونافعا لنفسه ولغيره.
يتعين على القائمين بالمدرسة, والقيمين عليها, أن يدركوا الدور الهام الذي يقع على عاتقهم في تكوين البنية الصلبة للمواطن الصالح حسا ومعنى, وفي توفير الأمن العلمي والثقافي لمجتمعنا.
والجزائر, وعيا منها بهذا, أولت أهمية قصوى للتربية والتعليم والبحث العلمي, ولا أدل على ذلك من بعض الأرقام التي تعكس هذه الجهود وتترجم مساعي السلطات العمومية لرفع التحدي من أجل ضمان التربية السليمة القويمة للناشئة الجزائرية كافة, بنات وبنين.
فنسبة تمدرس البالغين 6 سنوات من الأطفال في الجزائر بلغت 5ر98 %, وبلغ معدل التمدرس في التعليم الإبتدائي 9ر97 %, وتجاوز مجموع التلاميذ المتمدرسين 8 ملايين ونصف مليون تلميذ, وهو يفوق خمس (1/5) ساكنة الجزائر دون احتساب طلبة الجامعات ومعاهد التعليم العالي.
ولا ينبغي أبدا أن تنسينا هذه الخطوات العملاقة التي قطعتها منظوماتنا التربوية وجوب مواصلة تحسينها ببذل المزيد من الجهود للإرتقاء بمستوى آداء المدرسين الذين هم الركيزة الأساس في كل عمل تربوي, مع توفير إمكانيات ولوج عالم تكنولوجيات الإعلام والإتصال بقدر أوفى وأنجع في التعليم والتكوين والتسيير.
أيها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل,
لابد لي, في يوم العلم هذا, أن أقول إن اللغة الأمازيغية التي كرست لغة وطنية عام 2002, صارت بمقتضى التعديل الدستوري الأخير, لغة وطنية رسمية وبصفتها عنصرا جوهريا من عناصر هويتنا الوطنية, فإنها ستتبوأ مكانتها الطبيعية إلى جانب الإسلام والعروبة من حيث هي رافد من روافد التراث الذي يتقاسمه الشعب الجزائري.
وما الإرتقاء بالأمازيغية إلى مصف اللغة الوطنية الرسمية إلا تعزيز للوحدة الوطنية وتمتين للحمة المجتمع. ومن شأن الأكادمية, التي نص الدستور على إنشائها, العناية بالأمازيغية لغة وثقافة وتراثا, وذلك باعتماد المناهج العلمية الكفيلة بتطويرها وتفعليها في الإبداء العلمي والفكري والأدبي والإعلامي وضمان تعميم استعمالها وتداولها بين الجزائريين قاطبة.
ولا مندوحة لنا من أن نجعل من طلب العلم غاية لكل مجتمعنا, وأن نحرص على تكوين قاعدة علمية قادرة على إبداع طرق لصوغ مستقبل يحقق ما نطمح إليه من تنمية ورقي وإزدهار. ومن ثم, فإن على جامعاتنا أن تضطلع بهذه المهمة, وأن تسعى لكي توفر للبلاد نخبة متميزة من العلماء والباحثين في شتى حقول المعرفة والإختصاص لا تكون قادرة على مسايرة عصرها فحسب, بل وعلى المشاركة في إنجازاته, وتكون, في الوقت نفسه, واعية للمصالح العليا لوطنها ومشاركة حقا في حل المشاكل المطروحة بإلحاح على الشعب.
ولا يعني ذلك أن على الجامعة الجزائرية أن تتخلى عن البحث النظري وعن رسالتها الأكاديمية وتحصر رسالتها في الإستجابة لمتطلبات ظرفية. كلا عليها أن تجد الترتيب الأمثل للأولويات, الترتيب الذي يمكنها من إيجاد الموازنة السلمية, في كل المسائل التربوية, بين ضرورة أخد المتطلبات العاجلة للنهوض بالمجتمع في الحسبان وضرورة تطوير البحث الأساسي الذي لا غنى عنه.
وفي نفس الوقت إن حاجتنا إلى منظومة رقمية في الجامعات والمؤسسات التربوية والثقافية يمليها علينا حرصنا على استجماع أسباب الوصول إلى المعلومة حيثما كانت.
فمجتمع المعرفة الذي نبتغي ولوجه حري بنا أن نضع لبناته الأولى عقول شبابنا المفكر, المتنور, العاقل, الواعي, المنتج.
أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل,
ليس هناك شك في أن الثقافة سلوك اجتماعي إنساني دائم التجدد, وينطلق أساسا من الفرد ليصبح منتجا اجتماعيا مشتركا بين كل الأفراد, يتعارفون من خلال هذا المصطلح على القيم والمبادئ التي ترتقي بالمجتمع, باعتماد الفن والأدب والفكر والعلم بغية بناء منظومة ثقافية قائمة على الهوية الوطنية الواحدة بمختلف ابعادها.
إن الثقافة المجدية هي الدرع الذي يقي شبابنا من التطرف, هاته الآفة المقيتة التي تنتقل, من بلد إلى آخر, ومن زمن إلى زمن. وإننا لن نتوانى في محاربة هذا التطرف باستخدام سلاح المعرفة والتنوير للقضاء على أسبابه ومكوناته.
إنه من حق الجزائريات والجزائريين, بل, ومن واجبهم, أن يعتزوا بكون دستور بلادهم قد كرس الحق في التحصيل المعرفي بأن جعله حقا مضمونا يتساوى فيه ابناء الشعب كلهم. فعلينا أن نعمل, الآن أكثر من أي وقت مضى, على الخروج بالمعرفة والثقافة من طور الإستهلاك إلى طور الإبداع والإنتاج لكي تسهما في التنمية الإقتصادية.
من شأن تجسيد حق المواطن والمواطنة في التحصيل المعرفي أن يدفعنا دفعا قويا في أتجاه الإضطلاع بمسؤوليتنا المتمثلة في وقاية المجتمع الجزائري من إنتاج ثقافة كراهية الغير, وثقافة زرع الرعب وثقافة التزمت, وثقافة الموت, وتحصينه من أخطارها.
إن الثقافة ليست منتجا رسميا ولا صناعة مؤسسة بعينها, إنما هي نتاج دينامية اجتماعية جماعية تبدأ بالتعليم في المؤسسات التربوية, عبر مختلف الأطوار, لتبلغ مؤسسات البحث العلمي والإبتكار المتجدد, مع ضرورة أن يتساوق معها الشارع والمؤسسات الدينية, ودور الشباب, ودور الثقافة والمسارح, والسينما, والتلفزيون, ووسائل الإعلام, وغيرها من المرافق الثقافية والإجتماعية الحيوية.
أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الإفاضل
لذا, وفي هذا اليوم البهيج, وفي هذه المدينة التي تذكرنا بعمق تاريخنا وبمجد حضارتنا, وفي هذا الفصل الذي نقف في كل أسابيعه ترحما على أمجاد ثورة نوفمبر المجيدة, أهيب بكل الجزائريين والجزائريات أن يهتموا دائما أكثر بتعليم أبنائنا ووقوف عائلتنا بجنب المدرسة الجزائرية, لكي نحضر اليوم جيل الغد الذي سيكمل, بعون الله, مسيرة جيل الكفاح التحرري وجهد جيل بناة الجزائر المستقلة, جيل الغد الذي يسهر بالعلم والثقافة على تعزيز استقلالنا الإقتصادي, والمساهمة في رفع مشعل حضارتنا العربية الإسلامية في العالم, وضمان عقدا بعد عقد, مكانة أرقى للجزائر وطنهم أرض العلم والحضارة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.