نسبه و أصله: هو فضيلة الشيخ الحاج أحمد مصطفى بن المصطفى بن بلقاسم بن سيدي محمد الزيغم، ولأمه السيراج عائشة بنت بلقاسم بن السيراح، من عائلة عريقة علما وفقها ومتون الدين، زهدا وتواضعا، رفعة ومكانة، عائلة سيدي الزيغم المعروفة بأولاد عمر بن موسى نسبة إلى إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن محمد التاتاي بن البسطاوي.، حيث كان جده من أبيه كاتب سري لبطل المقاومة الشعبية للشيخ بوعمامة وكان طبيب عربي مشهور . مولده ونشأته : ولد الشيخ أحمد مصطفى بحي الدخلة بقصر المرابطين بمدينة متليلي الشعانبة ولاية غرداية جوهرة الواحات حاليا، بالصحراء قلعة الثوار وحضيرة المشايخ و العلماء وقتهم . خلال سنة 1895م، حيث نشأ بين أهله بعرش قبيلته وترتع فيها بحي الدخلة متليلي الشعانبة. تعليمه القرآني والدراسي: تلقى الشيخ أحمد مصطفى تعليمه القرآني والديني على أيدي مشايخها في سن مبكرة منهم زوج أمه الشيخ مولاي عبد السلام و العلامة مولاي لخضر بن عبد الرحمان وغيرهم من مشايخ ادرار بتوات بالجنوب الكبير، منهم محمد عبد الله الألوسي الشنقيطي والطالب بابا، بحيث حفظ القران الكريم وهو إبن الرابعة 14 عشرة و أتم تفسيره وهو ابن السابعة 17 عشر وواصل البحث عن التحصيل العلمي من مكان إلى مكان طلبا للعلم و البحث و التكوين الديني، إلى أن وصل إلى تونس واستقر به المطاف بها وألتحق بجامع الزيتونة رفقة زميله ورفيقه في البحث العلمي الأستاذ محمد بن الحاج عيسى مسروق من مشايخ ورقلة، مجاهدا في سبيل طلب العلم والمعرفة في بحور الشريعة الإسلامية، متون الدين، الفقه وعلوم الفرائض و الحديث والتعمق في اللغة العربية والأصول وغيرها من شتى الميادين الواسعة حتى نال شهادة التحصيل العلمي بجامع الزيتونة بتونس بما يعرف بالإجازة يومها. لقد كان رحمه الله رافضا رفضا كليا التعلم على أيدي المستعمر الغاشم الفرنسي، مصرحا قائلا الفرنسية للفرنسيين وأنا لا أريد أن أصبح فرنسيا، فحارب بكل قوة وشراسة فكريا لأساليب التنصير وتصدى لها دينيا مقاوما بكل ما أوتي من فطنة وعقل وحكمة، داخل مناطق الجنوب الصحراوي إبان فترة الاحتلال الفرنسي بنشر تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وشريعتنا الإسلامية السمحاء بتوعية المواطنين بخطورة أعمال التبشير التي يقومون بها مع الأهالي و الساكنة الخ... بعد إتمام دراسته وتحصيله العلمي قدر المستطاع ونجاحه أصبح من أئمة الفقه والدين في منطقة الجنوب بصحرائنا الشاسعة وتوسعت مواهبه بحيث تفجرت ينابيعها وتدفق عطاؤها فأصبح شاعرا صوفيا وله من الحكم و المواعظ ما لا يعد ولا يحصى كما حدثني بشأنها نجله الفقيد سيدي عبد العزيز مصطفى لدى زيارته لي بمكتبتي وأبن أخته أستاذي السيراج الحاج السيراج حفظه الله ورعاه وقام بتأليف عدة قصائد مختلفة من أشعاره في موضوعات دينية وإجتماعية و حماسية، تعالج الأوضاع التي عاشها المجتمع الجزائري ومنها ما سمعه منه فضيلة الشيخ العلامة سيدي محمد بلكبير لدي زيارته له بزاويته بأدرار ومجالسته له والذي كان يتمايل عند سماعه لها كما شهد بذلك أحد طلبته من أبناء ورقلة في كتابه بعنوان سيدي محمد بلكبير كما عرفناه. حياته العائلية : تزوج فضيلة الشيخ الحاج أحمد مصطفى خلال سنة 1925 من السيدة باية بنت مولاي أحمد ولأمها رسمة بوشنة حفيدة مولاي مسعود الأكبر، وله ستة أولاد ثلاثة بنات و ثلاثة ذكور، توفيت البنات في سن مبكرة و بقي الأبناء الذكور وهم سيدي عبد العزيز – محمد و عمر تزوجوا قيد حياته وشهد خلفهم، توفي منهم محمد ودفن بمقبرة الدخلة بمتليلي الشعانبة و توفي سيدي عبد العزيز ودفن بمقبرة ورقلة رحمهم الله جميعا. تنقله و استقراره : بعدها تنقل الشيخ أحمد مصطفى من مسقط رأسه إلى المنيعة حيث جدته لأمه ومنها إلى أدرار و ورقلة محطة استقراره و عيشه بها. نشاطه الفكري والتربوي : شارك الشيخ إلى جانب نشاطه التعليمي التربوي في عدة أعمال لأجل تبليغ رسالة جمعية العلماء المسلمين بالجنوب الجزائري مثله مثل باقي إخوانه من العلماء والمشايخ والمصلحين منهم الأمين العمودي بمدينة وادي سوف ومنهم الطاهر بن عمر الخ.... وكان عضوا بارزا في صفوفها ممثلا لمنطقة صحرائنا بجنوبنا الكبير. وحفاظا منه على شخصيتنا العربية ومقوّماتها وحصانتها. مناصب ومهام: تقلد مناصب هامة وحساسة منها القضاء من سنة 1933 إلى سنة 1936 إلا أنه وللظروف المشحونة تخلى عنه ورفض وظيفة القضاء بسبب البلاء و تعسف الاستعمار البغيض، و استفزاز المبشرين له، جعله يفضل عدم المساس به لكون هذا الأخير لا يقبل أي إملاء لكونه من الحتميات. رفضه للتبشير وتصديه للتنصير: قام الشيخ أحمد مصطفى باستخدام منزله الواقع بحي القصبة بالشرفة بورقلة كمدرسة تربوية تعليمية يقصدها ويتردد عليها أبناء الجهة القاطنون عندما واجه الصراع المشتد الذين كان يدور بينه و بين واجبه كمعلم نحو أطفاله وبين التشويش عليه والمضايقة التي كان يتعرض لها من طرف الرهبان والمبشرين المهتمين بالتنصير، وذلك لمنعه من مزاولة نشاطه ورسالته التربوية الدينية بحيث قام القس ( بيار راكان) بتأسيس مدرسة تعليمية قرب منزل الشيخ سنة 1947 م الهدف منها عزل تعليم الدين الإسلامي عن المحيط والسماح لنشر التربية النصرانية إضافة إلى الإغراءات المادية للمواطنين مستغلين وضعية الشعب الاجتماعية، إلا أن الشيخ أحمد مصطفى تصدى لها وحاربها بقوة مستعملا كل الإمكانيات و الوسائل المتاحة لديه يومها. جهاده الفكري و التنويري: تجدر الإشارة و جوب الذكر بأن جهاد الشيخ أحمد مصطفى رحمه الله لم يكن جهادا فرديا بل كان بمساهمة جمع من المسلمين و المصلحين بالجهة جنبا إلى جنب في تبليغ مقاصد جمعية علماء المسلمين بالجنوب الصحراوي منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ الفقيه بلقاسم بن تربح من أدرار و الشيخين الطاهر بن عمر و الأمين العمودي من أعلام وادي سوف . تدريسه و تعليمه: زاول الشيخ احمد مهنة التعليم القرآني والديني منذ 1937 إلى غاية سنة 1984 تعلم علي يديه و تخرج مئات الطلبة و المشايخ و الأساتذة من ورقلة و غيرها، التعليم القرآني و الحديث الشريف طيلة السنوات التي قضاها في تربية النشء وتكوينه متحديا كل الصعاب رغم قلة الإمكانيات و مضايقة و محاصرة الاستعمار الفرنسي و التصدي له. اتصالاته ومراسلاته: كباقي المشايخ والأعلام كانت للشيخ الحاج أحمد مصطفى، اتصالات عديدة منها اتصاله بالعلامة أمين عبد الله الزواوي من اعلام منطقة القبائل وتبادل مراسلات من بينها مراسلة سنة 1933 مخاطبا إياه بحضر القاضي وهو يخبره بإرسال عدد ثلاثة 13 عشر كتابة لتعزيز حظيرة مكتبته وتنوير الأهالي و تعليم الطلبة بالجنوب، ورسالة الشيخ محمد عبد الله الخرسي العلوي الشنقيطًي من دكار بالسينغال، الذي بعث بها للشيخ يسأل عنه وعن أحوال صحته، ويشهد له فيها بالعلم و الورع و غيرهم من المراسلات. زياراته ولقاءاته بفضيلة الشيخ العلامة سيدي محمد بلكبير بزاويته بادرار و لمشايخ و أعلام توات. لقاءه بالأستاذ الهاشمي حقيقة أستاذ بثانوية حمو بوتليليس بوهران الجزائر . إنجازاته: كان الشيخ أحمد مصطفى من عمار بيوت الله ومشجعي ومؤسسي بنائها ووضع حجر أساسها، و من بين المساجد التي أسسها والأول بورقلة سنة 1954م التي كانت مهمته تكوينية تعليمية تثقيفية إجتماعية إنسانية والثاني بقرية سبسب يومها / بلدية متليلي الشعانبة الأم سنة 1955 م . إضافة إلى ما سلف ذكره فإن الشيخ رحمه الله، عاش معظما مهابا ومعروفا بخصاله الحميدة، زاهدا في الدنيا بالتواضع والتحذير منها ومن زخارفها مستعدا للأخرة وأهوالها . سفرياته وحجه: سافر الشيخ الحاج أحمد مصطفى إلى كل من تونس و مصر لطلب العلم و للعبور للحج، إذ أدى الشيخ فريضة الحج مرتين منها رحلة سنة 1937 م، وأثناء رحلته لم يفوت الفرصة فزار جمهورية مصر العربية وهو في طريقه للبقاع المقدسة وألتقى فيها بمشايخها وعلمائها الأجلاء بمساجدها بالقاهرة منها الأزهر الشريف، وبمجالستهم و محادثتهم تلقى منهم ما تيسّر من علوم الدين والفقه والمعرفة ....الخ ومن خلال هذه النبذة الوجيزة عن الشيخ الحاج أحمد مصطفى رحمه الله، إن المتتبع لهاته الشخصية وتاريخها يذكر بلا محال إن الوعي الفكري و التربوي والثقافي والحس القومي بالشخصية الوطنية العربية الإسلامية ومكوناتها كان متجدرا بكل أًصالة لا مفر ولا هروب منه، فرغم الجهل والفقر والصعاب والعقبات المتواجدة آنذاك لم تثن من عزيمة الشيخ ولا من كان مثله طالبا للعلم مدافعا عن الحق، من السعي وراء الظفر بالحصول على فريضة العلم و إجازته . خلاصة القول إنه لا شيء يمنع الإنسان من التعلم ولا تنفع أية حجة و لا مبرر مهما كان فلا الفقر ولا الجهل و لا الاستعمار ولا التشريد و لا ولا و لا ... فكن مجاهدا في سبيل الله طالبا للعلم و المعرفة متعلما للقرآن الكريم الذي هو شفاء للصدور ورحمة للعالمين فكن ممن قيل فيهم ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه). أعمال الشيخ ومؤلفاته: للشيخ الحاج أحمد مصطفى بعض المؤلفات لم تر النور و لم ينفض عليها الغبار منها على سبيل المثال لا الحصر "ديوان الحكم والمواعظ" ومؤلف واحد بعنوان "شخصيات لها تاريخ". وفاته و دفنه: توفي الشيخ ليلة الاثنين بتاريخ 30 جانفي 1984م الموافق شهر رمضان ودفن بمقبرة عين الموتى لالة ميمونة بورقلة وصلى عليه رفيق دربه الشيخ موسى بوقرة وألقى كلمة التأبين الأستاذ قريشي عبد القادر رحمه الله. ودفن بها في جو جنائزي مهيب تغمد الله الشيخ وجميع مشايخنا وعلمائنا الأجلاء ومعلمينا وأسٍتاذتنا وجميع من علمنا برحمته الواسعة وأسكنهم فسيح جنانه إنا لله و إنا إليه راجعون. (*) الأستاذ الحاج نورالدين بامون، باحث و مهتم بالتاريخ، ستراسبورغ فرنسا 08 جوان 2020 إحالات و مراجع: - ديوان شعري مطبوع اهداه لنا الفقيد كبير جلول بن محمد رحمه الله - فقرة مخطوطات مرقونة بالألة الراقنة بها حياته و أشعاره و شهادة بعض الأساتذة أهداها لنا نجله سي عبد العزيز مصطفى بمكتبنا - مقال منشور بجريدة الشعب اليومية العدد11 ليوم 13 أفريل 1986م. صفحة الملحق الثقافي - مداخلة لنا بعنوان الحاج أحمد مصطفى أنموذجا مصلحا إجتماعيا بالجامعة بالملتقى الوطني حركة التأليف في اللغة والأدب والحضارة بالجنوب الجزائري، سنة 2011 جامعة غرداية – الجزائر. - مداخلة لنا بعنوان أهمية المخطوط بالملتقى الوطني دور المتاحف وأهميتها سنة 2012. في المتحف الجهوي بالمنيعة الجزائر. - مداخلة لنا بعنوان الحاج أحمد مصطفى المربي المصلح المدافع بالملتقى الوطني الأول لإحياء اليوم العالمي للغة العربية (تحت شعار لغتي هويتي) المنعقد بجامعة عمار ثليجي بالأغواط يوم 2012/12/18 المنعقد من طرف جمعية شباب الأغواط و الإتحاد الوطني للطلبة الجزائريينبالأغواط - مداخلة - قراءة شعرية من ديوانه بالأمسية الأدبية لجمعية الكلمة بالمركز الثقافي بالجزائر العاصمة سنة 2013. - مداخلة - قراءة بأمسية شعرية بالملتقى الدولي جيوماتيكس بصحراء العقبة الآردن سنة 2015.