شراكة بين الجمعية الجزائرية لصحة الفم والاسنان ومؤسسة "إنريكو ماتيي" الإيطالية لتحسين التكوين في هذا الاختصاص    الجزائر تندد ب الطابع "المخزي" للعريضة التي أودعتها مالي لدى محكمة العدل الدولية    المغرب: ردود أفعال منددة بتصعيد المخزن لمقاربته الأمنية عقب الحكم بالسجن على الناشطة الحقوقية سعيدة العلمي    المغرب يروي عطشه بطاقة مسروقة من الصحراء الغربية المحتلة    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى65174 شهيدا و166071 مصابا    ألعاب القوى/ بطولة العالم (الوثب الثلاثي): ياسر تريكي يحرز المركز الرابع في النهائي    عماد هلالي: مخرج أفلام قصيرة يحرص على تقديم محتوى توعوي هادف    الصالون الدولي للصناعات الغذائية بموسكو: جلسات ثنائية بين متعاملين اقتصاديين جزائريين ونظرائهم من مختلف الدول لبحث سبل التعاون و الشراكة    ولاية الجزائر: تكثيف جهود الصيانة والتطهير تحسبا لموسم الأمطار    فلاحة: تطور ملحوظ و آفاق واعدة لشعبة إنتاج التفاح بولايتي باتنة و خنشلة    وزارة التضامن الوطني: توحيد برامج التكفل بالأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد    شركة "ستيلانتيس الجزائر" توقع اتفاقية شراكة مع مؤسسة "ايدينات" لتجهيز سيارات الأجرة بحلول نظام تحديد المواقع و أجهزة العداد    وزير الأشغال العمومية يؤكد تسريع وتيرة إنجاز مشروع توسعة ميناء عنابة الفوسفاتي    إطلاق برنامج "الأسرة المنتجة" لدعم الأسر ذات الدخل المحدود    إطلاق خدمة "تصديق" لتسهيل إجراءات اعتماد الوثائق الموجهة للاستعمال بالخارج    وزير السكن: تقدم أشغال المركب الرياضي الجديد ببشار بنسبة 20 بالمائة    وزير الداخلية يشدد على تسريع إنجاز مشاريع المياه بولاية البليدة    فرنسا تشهد احتجاجات عارمة ضد السياسات الاقتصادية وتشديد أمني غير مسبوق    الجزائر تحتضن أولى جلسات التراث الثقافي في الوطن العربي بمشاركة الألكسو    جامعة التكوين المتواصل: انطلاق الدروس عبر الأرضيات التعليمية غدا السبت    المحاور ذات الأولوية للتكفل بانشغالات المواطن محور اجتماع سعيود بولاة الجمهورية    ألعاب القوى مونديال- 2025: الجزائري جمال سجاتي يتأهل إلى نهائي سباق ال800 متر    عبد اللطيف: نحو تجسيد رؤية عصرية    جلاوي يترأس اجتماع عمل لضبط البرنامج المقترح    غزّة تحترق    الجزائر تشارك في الدورة ال69 بفيينا    إرهابي يسلّم نفسه وتوقيف 4 عناصر دعم    ناصري يندّد بالعدوان الصهيوني    "مغامرات إفتراضية", مسرحية جديدة لتحسيس الأطفال حول مخاطر العالم الافتراضي    كرة القدم/ترتيب الفيفا: المنتخب الجزائري في المركز ال38 عالميا    سجّاتي ومولى يبلغان نصف نهائي ال800 متر    4000 أستاذ جديد في الجامعات    هذا جديد الأطلس اللساني الجزائري    البيض : هلاك 4 أشخاص وإصابة 4 آخرين    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    مهرجان عنابة يكرّم لخضر حمينة ويخاطب المستقبل    فرنسا على موعد جديد مع "رياح خريف" الغضب    آفاق أرحب للشراكة الجزائرية-الصينية في مجال الصحة    قانون الإجراءات الجزائية محور يوم دراسي    التناقض يضرب مشوار حسام عوار مع اتحاد جدة    بن سبعيني يتألق أوروبيا ويثير أزمة بسبب ضربة جزاء    براهيمي ينتظر تأشيرة العمل لبدء مشواره مع سانتوس    شاهد آخر على بشاعة وهمجية الاستعمار    دعوة لإعادة تكوين السواق وصيانة الطرقات للحد من حوادث المرور    "الألسكو" في الجزائر لبحث سُبل حماية تراث العرب    إحياء التراث بالحركة واللوحةُ رسالة قبل أن تكون تقنيات    بجاية: العثور على 120 قطعة نقدية من العصور القديمة    سفير زيمبابوي في زيارة لجامعة باجي مختار    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    حضور جزائري في سفينة النيل    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الباحث الشيخ علي نعاس: سلسلة "تنبيه الأحفاد" منبر للحديث عن الذاكرة العلمية... وعلى الباحث المتخصص استثمار هذه التجربة في بحوثه القادمة
نشر في الجلفة إنفو يوم 10 - 03 - 2012

على خطى البحث والتنقيب، ومن خصوصيات المدينة الثقافية، وعلى هامش رؤية أخرى في تجسيد المعالم الثقافية، استطاع الباحث الشيخ علي نعاس أن يرسم بريشة الاكتشاف معالم مهمة لشخصيات عبرت المدينة تاركة عبقها يجوب الدروب والتلال، ومن غمار غزو تيار النسيان للذاكرة التحريرية والعلمية والثقافية والدينية في الجزائر وفي منطقة الجلفة بالخصوص، نهضت هذه الهمة تحاول إجلاء ضباب التجاهل واللامبالاة عمن صنعوا لتاريخنا جذورا أضحى من خلالها هذا التاريخ عامرا بالهوية الوطنية والدينية لتكتشف الأجيال ماضيها العلمي والثقافي وتستطيع أن تكتسب معرفة دقيقة بمكسبها الحضاري والفكري وتنفذ إلى فهم مقاومة السلف لكل عداء يستهدف الدين والوطن، ولكي نقترب أكثر من هذه العوالم المتداخلة كان للجلفة أنفو هذا اللقاء مع الباحث الشيخ علي نعاس الذي أصدر مؤخرا تحقيقا في قصائد الشيخ "أحمد بن معطار"، جاء في سلسلة "تنبيه الأحفاد" التي كانت بدايتها مع كتابه "تنبيه الأحفاد بمناقب الأجداد" والذي كان مسترسلا في تجميع علماء التصوف وخص فيه الشيخ بحثه عن مناقب الأجداد أولئك الذين رسموا على ظلال المعرفة ما أيقظ العقول من سبات التخاذل والتشرد الفكري، فقادوا أجيالا مهمة إلى برّ الأمان، وكان مصدرا مهما يستقي منه الباحثون ما يشفي غليلهم من ترجمات.

قبل أن نتكلم عن إصداراتك التي اكتسبتها الذاكرة العربية والجزائرية أود أن تحدثنا عن "علي نعاس" المولد والنشأة؟
♦ في سنة 1951 كان مولدي بالجلفة في حي يقع وسط المدينة ويسمى قديما بحي "المدية". نشأت في جو مفعم بالتعلم والدين، كان والدي –رحمه الله- ممن أراهم يمارسون أعمالهم في انضباط حقيقي، فكان له نظام لا يختل أبدا، ينهض باكرا لصلاة الفجر، ثم يبدأ في تلاوة أوراده، وكنت كثيرا ما أشتغل معه على هذا النظام وأحذو حذوه، على أنني كذلك وبفضله لم أترك "الكتّاب" ولازلت أتذكر معلمي الشيخ خالدي وبعض الزملاء من بينهم المربي الفاضل والذي يقف دائما إلى جانبي ويمد لي يد العون الشيخ عبد القادر الزياني، حيث لا يزال متابعا لمهامه التربوية إلى الآن في مسجد ومقام "الشيخ النعاس" بوسط المدينة.
هل تعلمت في المدارس النظامية آنذاك؟
♦ فعلا دخلتُ وأنا مشبع بالروائح الدينية إلى المدرسة النظامية الفرنسية، وهي مدرسة تقع وسط المدينة، والتي كنا نتعلم في أجوائها كل ما يتصل بالمواد الفرنسية على خلفية الاستعمار، وبالموازاة كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تتابع في حذر تواجد حصصها العربية، فكنا ندرس اللغة العربية ساعة واحدة في المساء (مدرسة الإخلاص) حتى أنني أتذكر جيدا بعض أساتذتي من أمثال الشيخ ملاحي والشيخ مرزوقي من منطقة قسنطينة، وهم على حسب علمي كانوا باديسيين أي تابعين إلى مدرسة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس.. لقد نشأت في بيت متواضع رفقة إخوتي في عائلة مكونة من تسعة أفراد، علّمنا والدنا كل ما يتصل بالتعاون وحب الصبر والمؤاخاة، واجتهدت والدتنا في المحافظة على انتماءاتنا الدينية رغم معاول الهدم التي يلقيها الاستعمار على كل صغيرة وكبيرة في حياتنا فتفتك بكل ما هو رائع في هويتنا، ومن ثم تأثرت كثيرا بوالدي –رحمه الله- في سلوكه وعباداته وثقافته الدينية فكنت متصلا به أفتر، ولم أره يوما يغضب بشكل جنوني أو يضرب أو يعادي أحدا، بل كان محبا صادقا طيبا ودودا ويشاور ويحاور والدتي حتى في أمور الدين..
بما أنك تحدثت عن شخصية والدكَ، هل كان له اتصال أو عمل خاص مع جيش التحرير؟
♦ بخصوص اتصاله بالجيش فقد كان يساعد المناضلين والمجاهدين في اكتساب الوثائق الإدارية حيث كان يعمل في الإدارة ، وكان من الصعب الحصول على مثل هذه الوثائق بسهولة حتى أنه أُكتشف مرة من طرف المخابرات الفرنسية فاعتقل صباحا بعد عملية تفتيش مريعة في البيت ونقل إلى سجن بارباروس بالعاصمة ..
الأستاذ علي، نعود إلى دراستك، كيف كانت في تلك الأجواء وصفير التصفية الاستعمارية ينفث غضبه؟
♦ لم يكن لنا خيار إلا في متابعة دراستنا بالفرنسية، وكل الأجواء تحمل في ذراتها حقائق المحو، فكانت الهوية الإسلامية مهددة بخطر الزوال وخطط الاستعمار متتالية تتابع الأحداث حتى ولو كانت تافهة، ورغم ذلك فالآباء لم يبخلوا بمساعداتهم في ترسيخ هذه الهوية ومناهضة أعمال الاستعمار ومجابتها بقوة، فقد كان الاستعمار يصارع أي عمل يتصل بهويتنا الثقافية من حصار للمراجع والكتب ودور التربية العربية الدينية ، حتى أن كتب المغرب وتونس ومصر كانت محاصرة بطرائق جد دقيقة وحذرة، وكان أساتذة فرنسا مدربين جيدا ولديهم خبرة واسعة في ترسيخ اللغة والثقافة الفرنسية، وأحمد الله على أنني نشأت عربيا في بيت عربي وأب عربي .. وفعلا تابعت دارستي كما أسلفت، ودخلت إلى المرحلة المتوسطة مع بزوغ فجر الاستقلال سنة 1962، فحظينا بأستاذ مستقل في مادة اللغة العربية أما باقي المواد فكانت طبعا بالفرنسية، لأن للاستعمار بقاياه، وعملية التعريب كانت ستأخذ وقتا طويلا وكانت ستأتي تدريجيا على حسب توقعاتي، ورغم ذلك واصلنا الدراسة، وبعد المتوسط سافرت إلى مدينة "المدية" ودرست بثانوية "فخار"، ثم انتقلت إلى العاصمة ودرست بمعهد الأساتذة ب ( بوزريعة) تخصص أستاذ علوم طبيعية ..
من خلال إجابتك هذه يلح عليَّ هذا السؤال: لماذا ظلت بعض العقليات الجزائرية تناهض الكتاب والمقروئية كأنها نتيجة حتمية لتلك العقلية التي حدثتنا عنها، ولماذا لا يوجد أساتذة في الجزائر مثل أساتذة فرنسا المدربين تدريبا جيدا على حد تعبيرك؟ أجد حقيقة أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم فتح منافذ الحوار لكل الطبقة المثقفة والجامعية والباحثة، حتى أن الباحث اليوم أصبح مؤطرا وغير منتجا والدليل ما تنتجه الجامعة من تكرار ممل، ولربما وهذا أكيد أن هناك ممن يعمل بشكل جاد في التدريس وبلغ مراتب مهمة في إبداع طرائق خاصة به لكن عدم الحوار وسماع الآخر أدى إلى انزواء من يملك العقلية المبدعة. إننا نعيش في بلد حر وديمقراطي لكننا في الوقت نفسه لا نملك خيارات كثيرة لأن مساحاتنا ضيقة، وعلى الدولة أن تشرك المثقف في كل شيء حتى في مناهج التدريس فلا ينفرد بها التربويون فقط، لأن الباحث المثقف يستثمر كل وقته في البحث عن الجديد. وعلى العموم وخلافا لما تفضلتَ به فرغم حبك للغة العربية تابعت تخصصا علميا، ما هو هدفك من هذا التغيير؟
♦ لم يكن تغييرا .. فالعلم مطلوب في تلك الظروف، أمام التقدم العلمي والتكنولوجي، كنا في حاجة إلى دراسات علمية عميقة، والعلم كما تعلم مطية لفهم التوحيد، ولأن هناك أمور كثيرة تتطلب الدلائل العلمية ، وفهم بعض العلوم أمر مطلوب بعد الاستعمار، فقد كانت إلى حد تلك الساعة دراستنا لازالت باللغة الفرنسية ورغم ذلك كنا نحافظ على متابعة دراستنا باللغة العربية وقراءة ما نستطيع من كتب ومتون ومذكرات، كنا نتقن اللغة العربية جيدا إلى جانب الفرنسية وحينما اكتمل التعريب إلى حد ما لم نجد صعوبة في عملنا.. ودعني أشاركك الرأي فيما يخص الحوار وسماع الآخر، إن هذه النقطة مهمة جدا في إطار تطوير المجتمع والنهوض به بل ومحاربة التعسف بمختلف مجالاته والذي يجر المجتمع إلى الهاوية، أي إلى جهل وتيه يصعب الرجوع منه. فنود من أصحاب القرار سماع العقول واستثمارها.
أجل أتذكر من جهتي كلمة كتبها أبراهام لنكون في رسالة إلى مدير المدرسة التي يتعلم فيها ابنه الصغير، تتضمن مجموعة من النصائح لا تزال تحتفظ بأهميتها إلى اليوم، ومما قال فيها: "علموه أن يسمع وينصت إلى جميع البشر، ولكن عليه أن يفرز ويستخلص الحقيقة من كل ما يسمعه وأن يأخذ فقط الجيد منه..." فهل نقدر على ذلك نحن؟ أن نتعلم كيف نتحاور ونصل من خلال مبادئنا المؤسسة إلى فهم ضرورات الحوار، وأجد أن حوارك مع الأعلام قد أخذ منحنيات أخرى باعتبار هذه العملية من المهام الشاقة والمتعبة، أود أن تحدثني عن سلسلة كتبك التي أصدرتها ، كيف جاءت هذه الفكرة، وما هي الصعوبات التي تلقيتها ؟
♦ الدافع الحقيقي لإنجاز هذا الكتاب هو تفطني لأهمية هذا التاريخ، ولهؤلاء العلماء والمربين الذين حافظوا على عدم تلف أصالتنا وهويتنا، ولكي لا تمحى آثارهم فكرت أنا وزملاء لي بأن نبحث جاهدين عن مناقبهم، فأنبه بشكل ما أحفادنا إلى مناقب أجدادنا، فهم أهل الفضل وهم منارة ظلت قائمة حتى انتهى عصر الاستبداد الدامي، و قد بدأت السلسلة بكتاب "تنبيه الأحفاد إلى مناقب الأجداد" هذا الكتاب كان خطوة أولى في البحث والاهتمام به أمر ضروري، فالتاريخ جزء لا يتجزأ من ماضي الأمة الواحدة، هذا الكتاب مكون من 180 صفحة "الطبعة الأولى 2004 " وقد حاولتُ فيه رصد أهل العلم والزهد والعبادة وأعلام الزوايا بالجزائر خاصة ممن ذاع صيتهم أثناء الثورة التحريرية المباركة وممن تشرفت الذاكرة العربية بتلاوة أعمالهم، وقد اختص هذا البحث بذكر أوطانهم وأنسابهم ومؤلفاتهم وتتبع مراحل حياتهم ، وهو كتاب يحاول كسر حاجز الفقر في هذا الملف.
وربما ومن خلال قراءتي له أن من بين مزايا هذا الكتاب أيضا أنه يمكن المولعين بالتراث والمختصين بالتاريخ الثقافي إيجاد وصلات تدفعهم إلى تثبيت طريقهم للمزيد من البحث والاطلاع، وربما كان من الواجب أن يكون هدف مؤسساتنا العلمية التاريخية الثقافية الاهتمام بهذه الأشكال من البحوث وتكوين الأنماط انطلاقا من مبدأ صناعة المؤرخ الذي يكتسب القدرة على الإدراك والفهم دون أن تبقى وجهتها كما هي الآن تحرث الأرض البور مرارا و تكرارا.
♦ أجل نحن قدمنا المادة العلمية التي لا نقول فيها أنها أحاطت بكل شيء، ولكن كما قلت سابقا هي خطوة أولى في مجال البحث، وعلى الباحث المتخصص استثمار هذه التجربة في بحوثه القادمة. ولعلي أعتقد مجددا أن عملية الفهم الأكاديمي في تطور مستمر وأتمنى أن نواكب بشكل حاضر الأسلوبية الحديثة في البحث، وأن نخرج من آلية الدراسة الملقنة وهذا ما أتمناه أن يكون على أفق المستقبل الأكاديمي بالجزائر.. وقد سألتني في حوار لنا في جريدة الميثاق البحرينية عن دور الجامعة باعتبارها مركزا من مراكز البحث والتنقيب وكنت أتمنى في ذلك الوقت -أي قبل ست سنوات- أن تهتم الجامعة بهذا المنتوج وأن يكون محلّ دراسات نقدية وتفكيكية، لكن كما ترى بعد كل هذه السنين نعود للنقطة التي ابتدأنا منها وكأن شيئا لم يحدث..
في اعتقادي أن الحدث المهم هو الإنتاج في ظل هذا الركود الثقافي المقصود، ولعلي من بين من ناشدوا السلطة في تحريك المشهد الثقافي ولكن أصواتنا ليس لها صدى ولا أثر، وأجد أن الجامعة أضحت بعيدة كل البعد عن هذا الطرح لأنها فقدت مهمتها التثقيفية وارتكزت على مهمة تلقينية مؤطرة، فقد كنت أتمنى أن نخرج من إيديولوجيات دراسة المناهج نظريا إلى تطبيق المناهج عمليا وتوخي الحذر والتمنع باكتساب الموضوعية والفهم الدقيق والتزود بالوسائل والأدوات والآليات اللازمة لتجاوز عقبات الدوائر الفارغة التي تترصد أجيالنا من الباحثين. لكن أرى أننا لم نكتشف حتى ضرورة الجامعة كمركز بحث في حياتنا، وتحولت الجامعة إلى مرصد للشهادات أضحت هي الأمل وهي المبتغى. ولكن أؤكد لك سيدي الفاضل أننا تعلمنا من هذا الكتاب الكثير وتعرفنا على أكثر من 50 علما بين زاهد وعابد وعالم وفقيه ولغوي وولي صالح. وهذا ما يهمنا. ولأنك لم تشتغل برد الفعل أصدرت كتابا آخر يتمثل في تحقيقك لقصائد الشيخ "أحمد بن معطار"..
♦ أجل كان هدفي هو متابعة سلسلة "تنبيه الأحفاد"، لأني أرى الأحفاد قد ابتعدوا عن سيرة آبائهم، فأذكرهم بها لعل منهم من يستثمر سيرتهم في سيرته، ولذلك تتبعت قصائد الشيخ أحمد بن معطار وأخرجتها محققة في كتاب مستقل، وقد اشتهر الشيخ أحمد بن معطار المولود في بادية زاغز بلدية الزعفران بولاية الجلفة بقصائده المميزة في التوحيد ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض المشايخ منهم شيخه المختار والشيخ محمد بن أبي القاسم، وقد حصر قصائده ب 114 قصيدة تيمنا ببركة سور القرآن الكريم. وقد ذكره الشيخ محمد الصغير نجل الشيخ المختار في جملة من تتلمذوا على يد الشيخ المختار في كتابه "تعطير الأكوان"، كما حفظ اللقرآن الكريم ودرس مبادئ العلوم الإسلامية في زاوية علي بن عمر بطولقة ولاية بسكرة، وانتقل بعدها إلى زاوية الشيخ المختار بأولاد جلال ووسّع من معارفه في العلوم الإسلامية، وأخذ عن الشيخ المختار الطريقة الرحمانية وأجازه فيها رفقة الشيخ عبد الرحمان بن سليمان والشيخ الشريف بن الأحرش والشيخ محمد بن أبي القاسم، وقد شرع بعد تخرجه في التدريس، كما عينه (كرها) حاكم مدينة الجلفة بعد أن ذاع صيته قاضيا على المدينة إلا أنه لم يدم طويلا، حيث طلب إعفاءه من هذا المنصب، فتفرغ للعلم والعبادة، وأسس زاوية بعين حواس تقع بالقرب من المدينة، وشرع في التدريس ونشر العلم والمعرفة الإسلامية، إلى أن وافته المنية سنة 1873م. فمن المهم جدا أن نتعلم كيف نكتسب من أمثال هؤلاء صلاحهم لنوظفه في سيرتنا، ومن المهم أن نسلط الضوء على تاريخنا الذي يحمل الكثير ويدون بعيدا عن الأحاديث المتداولة هنا وهناك حتى ليصيبها الزيف أحيانا، فبالأمس القريب كنت في مدينة بسكرة إذ يناولني أحدهم كتابا مهما عن حياة وقصائد الشيخ "بن حرمة" فتأكدت بأن هناك من لا تفتر همته ولا ينقطع أمله في مواصلة البحث والتقصي، أما بالنسبة للصعوبات فقد كانت كثيرة، سواء بالنسبة للتحقيق أو فيما يخص كتاب الأعلام، فتجد مثلا اختلاط الأسماء بعض الأحيان يربك بشكل مباشر عملية التدقيق، وضياع بعض المؤلفات، واختزان أخرى قد يجعل الأمر أحيانا كالمستحيل، وبالرغم من هذه العراقيل استطعنا أن نكتب عن أكثر من 50 علما، ولدينا قائمة طويلة ..
في لقاء لي مع بعض مثقفي مدينة الجلفة، وفي إطار سبر بعض الآراء نتيجة الوضع الانتقالي الذي تشهده الجزائر، هذا الوضع الذي ستشارك فيه جميع القوى السياسية والمجتمع المدني، رسم بعض المثقفين الجلفاويين مشهدا كاريكاتوريا لحالة الثقافة بالمدينة، حيث أكدوا على أن مدينة الجلفة أكبر من هذا المشهد الثقافي البطيء الذي يجوب أجواء المدينة الثقافية والتي حققت فرديا منجزات مهمة سواء من ناحية طبع أعمال جديدة أو من ناحية الحصول على جوائز مهمة في الجزائر والعالم العربي وحتى منجزات عالمية، لكن في ظل الإقصاء والتهميش أصبح الأمر ثقيلا على من أصابه الخذلان المتتالي..
♦ لست أنكر أن الخذلان مفروض، لكن دائما أقول أن دوام الحال من المحال وعلى الكاتب أو المبدع العمل على تطوير نفسه حتى إذا ما واتته الفرصة يجد نفسه حاملا لأدواته متمكنا من تصورات جديدة، وإذا كانت مصالح الثقافة لا تسعى إلى المثقف اليوم فستسعى له غدا لأن خياراتها ستنعدم.
أشكرك سيدي الكريم على رحابة صدرك وعلى اهتمامك بالجوانب العلمية وتسخير وقتك للبحث والاطلاع في ظل تسييس العقلية الباحثة وركنها في صراعات هامشية ومصالح معطلة وتهميش متعمد، ولا شك أن لنا مستقبلا لقاء معك حول إصدارات قادمة على الطريق، حيث سمعت أنك تنوي طبع كتاب جديد
♦ لا شكر على واجب، وأنا فعلا أشكركم على هذا اللقاء وعلى حديثكم عن كتابي حول "الشيخ أحمد بن معطار" وقراءتكم المهمة له، كما أنني فعلا قد دفعت للطبع كتابا جديدا سيصدر قريبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.