تسهيلات تجارية لولوج الأسواق الأوروبية تُعد قمّة الجزائر فرصة هامّة لتعزيز التعاون العربي مع المنظّمات الدولية والإقليمية، وتحقيق التكامل الاقتصادي معها خاصة مع «البريكس»، الاتحاد الإفريقي والأوروبي الذي تعد الجزائر إحدى شركائه الإستراتيجيين في شمال إفريقيا، خاصة مع الأهمية الإستراتيجية التي تكتسيها الدول العربية في قضايا الطّاقة الأحفورية والمتجدّدة، وكونها أرضا خصبة للاستثمارات والتعاون الدولي في المجالات التجارية. يؤكّد الخبير الاقتصادي التونسي الدكتور رضا الشكندالي في تصريح ل «الشعب»، أنّ مسألة التكامل العربي الاقتصادي تبرز بشكل هام عند كل موعد انعقاد قمّة عربية، نظرا للعدد السكاني المعتبر لدول الجامعة العربية التي تضم سوقا واسعة يتجاوز 400 مليون نسمة، ولِكَمِّ المواثيق المُعتبر التي ما زال كثير منها بحاجة لأن تنزل على أرض الواقع وتجد طريقها للتنفيذ، خاصة في ضوء ضعف الاستثمارات العربية البينية. في ذات الشّأن، قالت الدكتور سمر الباجوري، أستاذ مساعد للاقتصاد، ومدير مركز دراسات حوض النيل بجامعة القاهرة، إنّ مسألة التكامل الاقتصادي العربي قد تكون لها العديد من المميزات أو بتعبير أكثر دقة إمكانات. فالتّكامل الاقتصادي العربي يتيح للدول العربية الاستفادة مما تتمتع به من موارد وهياكل اقتصادية متنوعة وموارد طبيعية وفيرة تجعل من المنطقة العربية واحدة من أهم المناطق الاقتصادية حول العالم. والمتأمّل حسبها للهياكل الاقتصادية والموارد المتنوعة التي تحظى بها الدول العربية، يرى إمكانية استغلالها بشكل متكامل، وبناء سلاسل إنتاج متكاملة في مجالات عديدة لا تقتصر على سلاسل الإنتاج الصناعي فقط في منطقة الشمال الإفريقي على سبيل المثال، وإنما تمتد إلى سلاسل إنتاج وتصنيع زراعية تمكّن الدول العربية ليس فقط تحقيق نمو اقتصادي في حجم إنتاجها، بل واستغلال هذه الموارد بشكل متكامل في تحقيق الأمن الغذائي العربي بالاستفادة من المناطق والأراضي الزراعية في دول مثل السودان على سبيل المثال، وإمكانات التصنيع الزراعي في دول أخرى وموانئ ولوجيستيات اقتصادية وإمكانات مالية واستثمارية وبشرية في دول أخرى، بحيث يتم إنشاء سلاسل إنتاج عربية في كافة المجالات تساعد على دمج الاقتصاد العربي في سلاسل الإمداد العالمية. خطوات لتحقيق تعاون اقتصادي عربي - إفريقي من ناحية أخرى، وعطفا على التكامل الاقتصادي العربي الداخلي، الذي يعد قاعدة صلبة لأي تكامل مع المنظمات الدولية والإقليمية، يشدّد الشكندالي على أنّ إفريقيا أضحت الآن تشهد حركية اقتصادية كبيرة وتنافسا ملحوظا بين القوى العظمى للاستثمار فيها، فإفريقيا تمثل المستقبل الاقتصادي للمستثمرين في العالم، وهي تحقّق نسب نمو جد عالية، بحيث لدينا 11 بلدا عربيا في إفريقيا يفوق 60 بالمائة من سكان جامعة الدول العربية، وهو ما يمثل 20 بالمائة من سكان عموم إفريقيا، وبالتالي نتساءل هنا يضيف - الشكندالي - كيف يمكن بناء التكامل الاقتصادي العربي مع إفريقيا؟ منوّها على ضرورة تمتين العلاقات العربية الإفريقية والتنسيق بين مخرجات القمة العربية والقمة العربية الإفريقية، خاصة وأنّ حجم الاستثمارات العربية في إفريقيا في تزايد مستمر لعلّ أهمها، من الإمارات العربية المتحدة. في ذات السياق، يشدّد الشكندالي على أولوية تمتين التقارب العربي مع إفريقيا من خلال استغلال موقع السودان الاستراتيجي القريب من البحيرات الكبرى وإفريقيا الوسطى، وهو ما يجعل التعاون العربي الإفريقي مفيدا للطرفين، من حيث تطوير التجارة الدولية والاستفادة منها. وأضاف ذات المتحدّث على أنّه على المستوى الجيو-سياسي فإن التقارب العربي الإفريقي يمكن أن يؤسّس لقوة اقتصادية كبيرة تسيطر على أهم الخطوط التجارية في العالم، نظرا لأنّ إفريقيا تتوسّط قارات العالم وهي متصلة بالبحر الأحمر والخليج العربي، وبمساحة شاسعة تزيد عن خمس مساحة الأرض، ومطلة على قارات ثلاث، والوطن العربي يمسك بأهم المضائق البحرية والممرات المائية في العالم، إذ يبلغ طول السواحل العربية أكثر من 12 ألف كلم. بالمقابل، يقول الشكندالي إنّه بالرغم من المخزون الزراعي الهام الذي تمتلكه الدول إفريقيا، إلا أنها غير قادرة على تحويله إلى إنتاج حقيقي يؤمن المنطقة من الوقوع في أزمات غذائية كالتي وقعت في السابق. وبالتالي فتطوير الإنتاج الزراعي يحتاج إلى الأسمدة وإلى الماء، لكن صناعة الأسمدة تحتاج إلى نفط، والدول العربية تنتج تقريبا 38 بالمائة ممّا ينتجه العالم من النفط، أما بالنسبة للمياه فتمتلك إفريقيا 4000 كلم مكعب من مصادر المياه العذبة، أي ما يعادل 10 بالمائة من مصادر المياه في العالم، فيما دول الجوار العربي تسيطر على منابع المياه، داخل الحدود العربية بنسبة 60 بالمائة. بالتالي يؤكّد الشكندالي أنّ التقارب العربي الإفريقي يُمكن من مواجهة الشح في مصادر المياه العربية، ومواجهة التصحر، وتضييق الفجوة بين الموارد المائية المتاحة والحاجات الراهنة والمستقبلية لإفريقيا والوطن العربي، ويمكن كذلك من توفير الأسمدة والمياه اللازمين لتنمية المحاصيل الزراعية ومن تحقيق الأمن الغذائي للطرفين، على حد سواء، فالعالم تغيّر بعد كوفيد-19 وكل دول العالم أعادت ترتيب أولوياتها نحو إعطاء الأمن الغذائي الأولوية القصوى. تعزيز التّكامل الاقتصادي مع «البريكس» قال عرفات الحراحشة، رجل الأعمال الأردني المقيم بالصين، والرئيس السابق لمنتدى رجال الأعمال العرب في الصين في تصريح ل «الشعب»، إنّ جوهر البريكس اقتصادي بحت، وتتزعمه الصين بحكم كونها ثاني أقوى اقتصاد في العالم، ودولة ذات حجم اقتصاد ضخم من ناحية الناتج القومي الإجمالي والقدرات التكنولوجية والصناعية الهائلة التي تتوفر عليه، وأشار إلى وجود خمسة قطاعات حيوية لتحقيق التكامل بين الدول العربية والبريكس، خاصة مع وجود أربع دول عربية مرشحة لدخول هذه المنظمة (الجزائر، السعودية، مصر والإمارات العربية المتحدة). ويأتي على رأس هذه القطاعات حسب الحراحشة مجال التحول التكنولوجي والاقتصاد الرقمي الذي تهيمن عليه الصين ولديها فيه باع طويل، ونجحت في تحقيق نجاحات واختراقات كبيرة فيه، لذلك فالاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي تستطيع الصين التكامل والتعاون فيه مع الوطن العربي في تحوله الاقتصادي، وهو مجال مهم جدا. القطاع الآخر الذي من شأنه أن يعزّز علاقة العرب والبريكس وفق - الحراحشة - هو قطاع الطاقات المتجددة، حيث أنّ الوطن العربي بعد أن حباه الله بالنفط والغاز فقد حباه الله كذلك بالطّاقات المتجدّدة، ومن ناحية أخرى تمتلك الصين سلسلة صناعية كاملة من الطاقة الشمسية والكهر وضوئية وتكنولوجيا تخزين الرياح، لذلك فأعتقد أنّ التكامل وإنشاء تعاون عربي- صيني (بريكس) ما من شأنه أن يدفع باستغلال قدرات الوطن العربي بشكل فعّال ومنتج، ودعا ذات المتحدّث إلى ضرورة عقد مؤتمر على شكل ندوات ودراسات معارض واستثمارات وطرح مشاريع في الوطن العربي والصين في مجال الطاقة المتجددة التي فعلا تتكامل فيها منظمة البريكس والوطن العربي لوفرة هذه المصادر في الدول العربية، وتواجد هذه التكنولوجيا والخبرة في الصين. في ذات الصدد، قال الحراحشة إنّ قطاع الزراعة يعد من بين أبرز مجالات التعاون بين «البريكس» والدول العربية، بحيث أنّه لا شك أن هذا القطاع هو هاجس كل الدول بعد أزمة كورونا وأوكرانيا، بحيث أصبحت كل الدول تركّز على الصّناعة الزراعية، بحيث أنّ منظمة «البريكس» وعلى رأسها البرازيلوالصين والهند تتوفّر بشكل كبير على خبرات وتكنولوجيات زراعية متطوّرة، بحيث تستطيع الدول العربية الاستفادة من هذه التكنولوجيا واستغلال الموارد الموجودة فيها لعمل صناعات زراعية تستطيع أن تغطّي حاجتها من المواد الزراعية والغذائية والتصدير، وباب الصين مفتوح لهذا المجال، وأعتقد أنّ هذا يحقق الهدف الاستراتيجي للعالم العربي لتحقيق الأمن الغذائي، بحيث أنّ هذا القطاع إستراتيجي ومهم للتكامل بين الدول العربية و»البريكس». من جانب آخر، أشار الحراحشة إلى أنّ القطاع الرابع الذي من شأن الدول العربية و»البريكس» التعاون فيه هو القطاع الصناعي، الذي شعرت فيه دول عربية مثل الجزائر، مصر والسعودية وغيرها من الدول العربية، بضرورة تطوير قدراتها الصناعية خاصة في مجالي الصحة والغذاء، وهو مجال كبير جدا للتعاون مع دول «البريكس» التي تتوفر على تقنيات وقدرات وتجارب متقدمة ومنافسة بشكل كبير جدا. الجانب الخامس حسب الحراحشة هو الجانب التجاري، داعيا العرب الكف عن النظر إلى دول «البريكس» وعلى رأسها الصين على أساس كونها مصنعا أو سوقا ضخما، بقدر ما هي سوق لفتح قنوات توزيع للبضائع وفائض إنتاج الدول العربية، خاصة مع التحول الصناعي والاستغلال الأمثل للموارد، مُعتبرا أنّ الصين حاليا هي أكبر سوق مستهلك في العالم، والقدرة الشرائية لا تزال قوية جدا، بحيث أنّ هذا الجانب يمكن أن يكون نقطة تعاون مهمة جدا، خاصة أن السوق الصينية لا تزال فتية ومُتعطّشة لكل المنتجات العالمية. الاتحاد الأوروبي شريك تجاري يكشف أستاذ الاقتصاد البروفيسور جودي نور الدين في تصريح ل «الشعب»، أنّ الاتحاد الأوروبي شريك تجاري مهم بالنسبة للدول العربية، فهو سوق لأكثر من 13 بالمائة من المنتجات العربية، كما أنّه يزوّد الدول العربية بأكثر من 23 بالمائة من وارداتها، وبالرغم من قدم، وتنوّع، وتشعّب تلك العلاقة يبقى اتفاق الشراكة الأورو-متوسطي أحد أهم الأطر القانونية الذي تنظمها منذ تسعينيات القرن الماضي لاسيما أنه يمس مباشرة 9 دول عربية، هي: الجزائر، مصر، الأردن، لبنان، ليبيا، المغرب، فلسطين، سوريا وتونس، ويلقي بضلاله على البقية منها بسبب التعاون العربي المشترك. بالمقابل يعتقد جودي أنّ قاعدة المنشأ التي تضمنها الاتفاق شكّلت ولا تزال أهم العقبات التي شوّهت اتفاق الشراكة الأورو-متوسطي، وأبقته خارج قاعدة رابح-رابح التي كان من المفروض أنه أبرم من أجلها فيما يمكن وصفه ب «فخ تجاري»، فنسبة 60 بالمائة للتّمتّع بحق المنشأ وإبرام الاتحاد الأوروبي للاتفاق مع الدول العربية المتوسطية بشكل فردي، أبقت كل منتجات الدول العربية المتوسطية خارج امتيازات الاتفاق، في الوقت الذي مكّنت مثيلتها الأوروبية من الولوج لأسواق تلكم الدول بسهولة ويسر. في ذات السياق، يقول ذات المتحدث إنّ القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر بداية الشهر القادم تشكّل فرصة تاريخية للخروج من «الفخ التجاري» عبر إعادة النظر في شروط المنشأ الواردة في الاتفاق جذريا، خاصة في خضم المستجدات والتحولات العميقة التي تشهدها الساحة الدولية، والتي جعلت من الدول العربية في موقع تفاوضي أكثر قوة، فيجب على الدول العربية وضع ذلك ضمن أولوية أولويات القمة، باعتبارها هي المنفذ الوحيد لإعادة الاتفاق إلى وضعه السليم كورقة طريق لتعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية، وتمكين الصناعات والمنتجات العربية من الاستفادة من التسهيلات التجارية لولوج الأسواق الأوروبية، ومن ثم التحسن كمّا ونوعا. وحسب جودي، فإنّه من اللازم إعادة النظر في قائمة السلع الخاضعة لقاعدة المنشأ وتوسيعها لتشمل المنتجات التي تمتلك فيها الدول العربية مزايا نسبية، إضافة إلى تعديل طبيعة التعاقد والاتفاق على إبرام العقد إقليميا بين الدول العربية ككيان اقتصادي واحد والاتحاد الأوروبي كطرف ثان، وهو ما سوف يسمح بتعزيز أثر وتحويل التجارة العربيين عبر تشجيع التجارة والاستثمارات البينية العربية بحثا عن حق النفاذ عبر قاعدة المنشأ، كما أنّ ذلك سوف يحمى الدول العربية ويحسن قوة تفاوضها في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية، الثقافية والأمنية التي تخدمها.