رئيس مجلس الأمة يستقبل سفير إيطاليا    هذه توجيهات وزير التربية..    انطلاق امتحان تقييم المكتسبات للسنة الخامسة ابتدائي    مليار دولار لاستيراد 180 ألف سيارة    مشاريع حيوية للدّفع بعجلة التنمية    تنظيم أول معرض للجودة بالجزائر    شعوب العالم تتضامن مع غزّة    زيتوني: قرار الأمم المتحدة خطوة تاريخية    رحلة ترفيهية تتحوّل إلى مأساة..    كريكو تستعرض التجربة الجزائرية    زيتوني يتباحث بالمنامة مع نظيره البحريني: اتفاق على تفعيل اللّجنة المشتركة للتعاون    لضمان السير الحسن للبكالوريا وشهادة التعليم المتوسط: تعليمات بالمتابعة اليومية لجاهزية مراكز الامتحانات    الأونروا تؤكد أنه لا مكان آمن في غزة    عون يؤكد استيراد 159 ألف سيارة في 2023 و يكشف: الإنتاج الصيدلاني الوطني سيبلغ 4 ملايير دولار نهاية العام    سطيف: 5.6 ملايير لصيانة طرقات بآيت نوال مزادة    قدموا من ولاية المدية رفقة إحدى الجمعيات الخيرية: رحلة تنتهي بوفاة 5 أطفال غرقا بشاطئ الصابلات    ذكرى تأسيس جبهة البوليساريو: الجالية الصحراوية ببلجيكا تطالب الاتحاد الأوروبي بالضغط على المغرب لإنهاء احتلاله للصحراء الغربية    قسنطينة: ضبط 5264 كبسولة "بريغابالين" وتوقيف شخصين    مهرجان إيمدغاسن السينمائي    الذكاء الاصطناعي للفصل بين عروض وطلبات التشغيل    تسليم أوّل برج اتصالات محلي الصنع    مؤشرات إيجابية ونسبة نمو في منحنى تصاعدي    جيش مهاب واقتصاد قويّ.. رسائل ودلالات    "حماس" تدين تصريحات الرئيس الأمريكي    سيدي بلعباس- مستغانم.. على مسلك مسطح اليوم    نعمل لكي تحافظ العربية على مركزيتها،صالح بلعيد: نؤكد على أهمية التدقيق اللغوي لأطروحات الدكتوراه    وضع تصوّر لسوق إفريقية في صناعة الأدوية    هذا موعد تنقل أول فوج من البعثة إلى البقاع المقدسة    إعادة تفعيل البحث في مجال الصيدلة وإدراجها ضمن الأولويات    دعم القضية الفلسطينية في الواقع لا في المواقع    مئات آلاف النازحين في مواجهة نيران الاحتلال بصدور عارية    جنح تزداد انتشارا في ظل التطور التكنولوجي    رؤية ميسي ومبابي مع الهلال واردة    رفع وتيرة التحسيس لفرملة مخاطر الأنترنت    الأرقام تنصف رياض محرز في الدوري السعودي    مدرب ولفرهامبتون يعترف بصعوبة الإبقاء على آيت نوري    إدراج وثيقة قانونية تنسب كل تراث لأصحابه    تقديم مسودة نص القانون الجديد أو المعدل في السداسي الثاني من 2024    وثيقة تاريخية نادرة تروي وقائع الظلم الاستعماري    المسار الإبداعي للتشكيلي لزهر حكار في معرض بالعاصمة    "زودها.. الدبلوماسي".. تشيخوف يتكلم جزائري..    أولمبي أقبو يحقق صعودا تاريخيا إلى الرابطة المحترفة الأولى    حققنا نتائج إيجابية خلال السنة الرياضية الحالية    إجماع على وضع استراتيجية فعالة لمجابهة الخبر المغلوط    انتاج صيدلاني: انتاج مرتقب يقدر ب4 مليار دولار في سنة 2024    الشاعر ابراهيم قارة علي يقدم "ألفية الجزائر" بالبليدة    130 مشروع مبتكر للحصول على وسم "لابل"    سكن: شركات إيطالية وصينية تعتزم إنجاز مصانع لإنتاج المصاعد بالجزائر    386 رخصة لحفر الآبار    القبض على 5 تجار مخدرات    ضرورة خلق سوق إفريقية لصناعة الأدوية    صحيفة "ليكيب" الفرنسية : أكليوش مرشح لتعويض مبابي في باريس سان جيرمان    العاب القوى(ذوي الهمم/مونديال 2024): الفوز بأكبر عدد من الميداليات والظفر بتأشيرات بارالمبية اضافية، هدف النخبة الوطنية بكوبي    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أزمات الجمهورية" بين الكذب والعنف والعصيان المدني في السياسة المعاصرة
كتاب مترجم للعربية للباحثة العالمية حنّه أرنت:
نشر في الشروق اليومي يوم 31 - 03 - 2020

صدر حديثا كتاب "أزمات الجمهوريّة" للباحثة العالمية حنّه أرنت، عن داري "ابن النديم للنشر والتوزيع" الجزائرية وشريكتها "روافد الثقافية ناشرون" بلبنان، فيما تولّى الترجمة إلى العربية الدكتورة نادرة السنوسي، وقام بالمراجعة اللغوية الدكتور فاروق العمراني.
وقالت المترجمة في مقدمة عملها المميز إن هنالك سؤال أزلي ما زال يُطرح لدى المفكرين، والمثقفين، والفلاسفة، وبالأخصّ السياسيين من كلّ المشارب: وهو هل أنّه ثمّة حقيقة أو بالأحرى نزاهة وصدق واستقامة في السياسة ؟ الكلّ ينفيها إلى درجة أنّ الكذب والزيف والبهتان جميعها أصبحت من ميزات السياسة ومميّزاتها، ومن الأسس التي قامت عليها الدّول والحكومات، حتى الشمولية منها.
هذا ما استخلصته حنّه أرنت في كتابها "أزمات الجمهورية، الكذب والعنف والعصيان المدني في السياسة المعاصرة"، الصادر إثر حرب فيتنام في بدايات السبعينات من القرن الماضي، وتحديدا سنة 1972. ولقد أكّدت ذلك سابقا عندما قالت في كتابها أزمة الثقافة (1961) بأنّه "ما من شكّ بالنسبة إلى أيّ كان بأنّ العلاقة بين الحقيقة والسياسة سيئة".
وأوضحت الدكتورة نادرة السنوسي أن انتشار التلاعب بالأحداث والمعلومات في التاريخ السياسي يدفع بالنّاس إلى عدم تصوّر ‘الحقائق البديلة" كنتيجة لانهيار الحضارة المعاصرة، وإنّما كنتيجة لطبيعة فينوميلوجيا الفضاء العام. فيتقدّم الفاعلون ظاهريّا في الحياة السياسية في فضاء عمومي مرتبط شديد الارتباط بهيمنة الرأي العام أكثر من هيمنة الحقيقة، مثلما أوضح ذلك أفلاطون.
ذلك لأنّ التناقض الأوّلي بين السياسة والحقيقة، تضيف المترجمة، ليس في الواقع تناقضًا بين الكذب والحقيقة، وإنّما تناقض بين الجهل والمعرفة. وإن كانت الحقيقة من صلب الحياة العامّة، فإنّ الكذب هي النزعة المتكرّرة لدى الفاعلين السياسيين، والوسيلة، بل الآلية الوحيدة التي يتميّز بها، باعتبار هذا الأخير يعرف، حسب أرنت، ما يطمح إليه الجمهور العريض والغوغاء بصفة عامة، وبالتالي يخاطب عواطفهم، التي لا يستطيعون التحكم فيها، ونوازعهم ودغدغة أحاسيسهم أكثر من التوجّه إلى عقولهم أو مواجهتهم بالحقيقة، مهما كانت مرارتها. وبالتالي فهو مجبول على تزييف الواقع وتنميقه للحفاظ على مكانته.
وتابعت السنوسي كلامها، لم يعتبر أفلاطون الكذب ظاهرة أقلّ أهميّة من الخطأ فحسب، بل قام بمدح الكذب المستنير، بالقول بأنّ "البشر يستعملون الزيف في شكل مُرهم. وإذن، يحقّ لحكّام الدّولة أكثر من غيرهم في العالم اللجوء إلى الزّيف والكذب، قصد مغالطة الأعداء أو مواطنيهم، لأجل مصلحة الدّولة. وهو بذلك شكل من أشكال التحايل، ووسيلة شرعيّة لحسن الإدارة، التي تتحكّم فيها ما نطلق عليه اعتبار المصلحة العاّمة، الذي يقضي أيضا بواجب التحفّظ. بل ويلجؤون أحيانا إلى تزييف التاريخ وصياغته حسب مصالحهم الآنية والمستقبلية. حتى ماكيافيلي، فقد اتبع نفس المنحى، متخلّيا، ولو وقتيّا، عن المسائل الأخلاقيّة، ويرى أنّه لا أخلاق في السياسة، معتبرا، في إطار الغاية تبرّر الوسيلة، بأنّ الكذب هو ترتيب متكامل.
كلّ هذه الاعتبارات، تطرّقت إليها حنّه أرنت عندما تناولت الكذب والخداع في السياسة فيما تعلق بحرب فيتنام، وذلك انطلاقا من وثائق البنتاغون، وتناقض التصريحات التي قام بها المسؤولون الأمريكيون بين الحين والآخر والتسريبات التي تمكنت الصحافة من التوصّل إليها استقصائيّا. فخلافا للعصور القديمة وحتى في عصر النهضة الأوروبية، حيث لم تكن هنالك صحافة ولا وسائل إعلام لإنارة الرأي العام، كان الحكام يصولون ويجولون بلا رقيب، على حد تعبير المترجمة.
أمّا في الفترة المعاصرة، فقد أصبحت الصحافة ووسائل الإعلام أكثر حرية، لكي يتمكن السياسيون من إخفاء الحقيقة، ولكن يظلّ الأمر دوما محلّ ريبة، إذ حتى الصحافة أمست الآن رهينة الأطراف السياسية التي تمولها، فتظلّ الجماهير دوما في حيرة من أمرها من التلاعب بالمعلومات وعدم تمكينها من الحقيقة سواء من السياسيين أو حتى من وسائل الإعلام المتواطئة لغاية في نفس يعقوب، كما يُقال. إذ يمكن أيضا، مثلما قال كنيدي، أن تتحوّل أكذوبة إلى حقيقة عندما يقع تكرارها بصفة متواترة. والأمثلة على ذلك في تاريخ البشريّة كثيرة لا مجال هنا لذكرها وتفصيلها، وفق ما أوردته السنوسي في مقدمتها.
ولم تقتصر حنّه أرنت على تحليل الكذب والخداع في السياسة، بل تطرقت أيضا إلى مفهوم العصيان المدني. وانطلقت في ذلك مما كتبه هنري دافيد ثورو سنة 1849، منظرا لهذه الظاهرة، رافضا دفع الضرائب اعتراضا على حرب الولايات المتحدة ضدّ المكسيك. وهو ما استلهمت منه العديد من حركات العصيان المدني، مثل تلك التي دعا إليها غاندي باسم "عدم العنف العملي" ضدّ الإمبراطورية البريطانية، أو ما أقرّه مارتن لوثر كينغ لشجب سياسة الميز العنصري الأمريكية، أو ما نادى به سنة 1960 العديد من المثقفين الفرنسيين احتجاجا على مواصلة حرب الجزائر. لقد تمكنت في حينها هذه الحركات من فرض نفسها، ولكن الدول تمكنت فيما بعد من مداراتها بالبحث عن موارد أخرى.
أمّا عن العنف، فهو، حسب حنه أرنت، ثوري لدى الحركات الطلابية في ستينات القرن العشرين لأنها أرادت القطع مع الماضي. ولكن العنف في الأساس، حسب جميع من تطرق إلى هذا الموضوع من مفكرين وفلاسفة، من شيم أيّ سلطة، حتى تفرض الأمن والاستقرار، حسب زعمها، في المجتمع، بالرغم من أنّها ترى أنّه من الواجب أن يكون العنف مضادًا للسياسة باسم حقوق الإنسان. ولكن هذا وهم، إذ أنّه عندما يشعر أصحاب السلطة بأنّ الأمور لم تعد تحت السيطرة، أي عندما تضعف السلطة ولم تعد قادرة على تسيير الحياة العامة، فربّما تفتتن باللجوء إلى العنف لفرض وجودها ولفرض ما تعتبره شرعيتها. ولكنها عندما تهزل هذه السلطة في دائرة إكراهات اقتصادية واجتماعية، قد تجد نفسها عرضة إلى عنف معارضيها، بأيّ شكل من الأشكال، بحسب المترجمة.
ويجد القارئ أيضا في هذا الكتاب، تحت عنوان "السياسة والثورة"، حديثا صحفيّا أجراه معها أدلبار رايف، سنة 1970، تناولت فيه عدّة جوانب من مسيرتها الفكرية، مشدّدة على الأخطار الممكن أن يعيشها العالم بسبب ربما إعادة تجربة الأنظمة الشمولية. ع.ع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.