"معركة الجزائر" تشحذ همم الطلبة الأمريكيين للتنديد بالعدوان الصهيوني على غزة    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: ميدالية برونزية للمصارعة الجزائرية أمينة بلقاضي    وهران: 50 مشاركا في الطبعة الأولى لصالون التجارة الإلكترونية    القمة ال15 لمنظمة التعاون الاسلامي ببانجول : الوزير الأول يلتقي برئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي    العدوان الصهيوني على غزة: حماس حريصة على التوصل إلى اتفاق شامل ومترابط المراحل ينهي العدوان ويحقق صفقة تبادل جدية للأسرى    توقيع 7 مذكرات تفاهم بين متعاملين اقتصاديين جزائريين وموريتانيين في نواكشوط    بعد إعلان إصابتها بالسرطان: رئيس الجمهورية يعلن تكفل الدولة بعلاج الفنانة بهية راشدي في الخارج    بلمهدي يشرف على يوم تكويني لفائدة المرشدين الدينيين المعنيين ببعثة حج 2024    المرافقة النفسية لعدم العودة إلى الإجرام    المتحف الوطني للمجاهد: ندوة تاريخية إحياء لرموز الكفاح الوطني ضد الاستعمار الغاشم    التوعية بمخاطر الأنترنت تتطلب إدراك أبعادها    السيد بلمهدي يشرف على يوم تكويني لفائدة المرشدين الدينيين المعنيين ببعثة حج 2024    صدور مرسوم تنفيذي يتضمن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمازونة بولاية غليزان وتعيين حدوده    يوم برلماني غدا الاثنين حول "واقع سياسة التشغيل في الجزائر"    النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية خلال أشغال القمة الإسلامية (15) لمنظمة التعاون الإسلامي    مظاهرات حاشدة في عواصم عالمية تنديدا بالعدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة    الأيام السينمائية الدولية بسطيف : تقديم العرض الشرفي للفيلم الثوري "الطيارة الصفراء"    اليوم العالمي لحرية الصحافة: عميد جامع الجزائر يدعو للتصدي للتضليل الإعلامي الغربي    الصحة العالمية: هجوم الكيان الصهيوني على رفح قد يؤدي إلى "حمام دم"    حماية الطفولة: السيدة مريم شرفي تستقبل من قبل وزير المصالح الاجتماعية بكيبك    مركز عربي إفريقي يُكرّم تبّون    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري ينوه بنتائج الإصلاحات الاقتصادية التي تمت مباشرتها    الجزائر تستنفر العالم حول المقابر الجماعية بغزّة    البكالوريا.. العدّ التنازلي    بلمهدي: توفير قرابة 2000 سكن وظيفي للائمة قريبا    بطولة إفريقيا للسباحة المفتوحة أنغولا-2024: الجزائر تحصد 6 ميداليات من بينها 3 ذهبيات    هذه توجيهات وزير المالية للبنوك..    ميلة: قافلة طبية لعلاج المرضى بسيدي مروان    إعادة فتح جسر كيسير أمام حركة المرور    إجراءات للوقاية من الحرائق بعنابة: تزويد محافظات الغابات في الشرق بطائرات "الدرون"    البطولة الإفريقية للسباحة: 3 ذهبيات وبرونزية حصاد الجزائر في اليوم الرابع من المنافسات    رئيس الجمهورية يهنئ نادي فتيات أقبو    الجزائر في طريق تحقيق التكامل الإفريقي    رؤساء الأندية يطالبون بتعديل متوازن    حقيقةX دقيقة: بعد سنوات الظل..    تحضير المراسيم الجديدة الخاصة ب"عدل 3"    الإعلام والمساجد لمواجهة خطر الوسائط الاجتماعية    وكيل أعمال محرز يؤكد بقاءه في الدوري السعودي    دعوة إلى توحيد الجهود لحماية الحقوق الأساسية    النزاع المسلح في السودان.. 6.7 مليون نازح    قلعة لإعداد الرجال وبناء الوطن    4 شعب تتصدر النشاط وهذه هي "وصفة" تطوير الإنتاج    المعالم الأثرية محور اهتمام المنتخبين    أول وفد لرياضيينا سيتنقل يوم 20 جويلية إلى باريس    عزلة تنموية تحاصر سكان مشتة واد القصب بتبسة    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    البروفيسور الزين يتوقف عند "التأويلية القانونية"    الالتقاء بأرباب الخزائن ضمانا للحماية    أبواب مفتوحة على التوجيه المدرسيّ والإرشاد المهني    حجز سيارات، مهلوسات ومحركات مستعملة    توقيف 15 شخصا أضرموا حريقا عمدا بحي رأس العين    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجع ثقافي جزائري آخر !!
ثورة كبيرة وثقافة صغيرة
نشر في الشروق اليومي يوم 05 - 08 - 2009

وأنا أتابع كل هذا اللغط والشطط والقذف والتقاذف والتخوين والتخويف والاعتراض والمعارضة التي عرفها فيلم "بن بولعيد" ومخرجه أحمد راشدي الذي أعتقد شخصيا أن الجزائر الثقافية ظلمته كثيرا في الوقت الذي احتفلت بمن هم أقل منه درجة ووعيا وحرفيه سينمائية.
*
*
كنت أعتقد أن الجميع سيفرح وسيحتفل ويكرم أحمد راشدي لأنه أخرج فيلما عن شخصية مركزية ورمزية في الثورة الجزائرية الكبرى وأعني بها "الشهيد مصطفى بن بولعيد"، لكن ما حصل هو العكس تماما. إننا في الجزائر الثقافية نتلذذ كثيرا بأكل لحم بعضنا بعضا حيا. حتى ليبدو لي المثقف الجزائري وكأنه ينتمي إلى فصيلة آكلي اللحوم البشرية النيئة، فالساحة الثقافية عندنا تعيش حالة "صيد" مستمرة، في كل مرة تصنع لها فريسة لعشاء، يشبه العشاء الأخير في المخيلة الدينية. والفريسة الثقافية لهذا الموسم هو المخرج أحمد راشدي.
*
لا زلنا حتى الآن، حين الحديث عن رموز الثورة الجزائرية والسينما، نتحدث عن فيلم يوسف شاهين الذي أخرجه عن المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد التي هي الأخرى لم يتركوها في سلام بل رمتها الألسن بشهاب من نار التشكيك في أسطوريتها النضالية.
*
الله يرحمك يا يوسف شاهين، وحدك ما زلت بفيلمك "جميلة" تحمل الثورة الجزائرية في السينما، على الرغم من أن فيلم شاهين عن المناضلة جميلة بوحيرد قد أثار ضجة كبيرة، ربما لتعاطف الجماهير العربية مع الثورة الجزائرية، إلا أنه فيلم بسيط وتربوي.
*
يجب أن يكون الاختلاف مع أحمد راشدي في فيلمه عن الشهيد البطل ابن بولعيد ضمن اختلاف زوايا الرؤية ومنطلقات القراءة لرمز تاريخي ما، والحقيقة التاريخية لها أوجه متعددة. انطلاقا من ذلك علينا أن ندافع عن هذا الاختلاف وأن نرفض بالمقابل ثقافة التخوين أو التشكيك التي يحاول أن يزرعها البعض من أشباه المثقفين في الوسط الإبداعي بشكل عام وذلك لتكريس سياسة التهميش والتهجير والعزل.
*
كان من المفروض الاحتفاء بفيلم عن ابن بولعيد حتى وإن كانت فيه نقائص، ومهما اختلفت وجهات نظرنا في قراءته، وكان من المفروض أيضا الدعوة إلى إنتاج أفلام أخرى في هذا الاتجاه لحماية ذاكرة التاريخ ورموزه.
*
ها نحن على بعد خطوتين من خمسينية الاستقلال الوطني، فلنتساءل وبكل صراحة ودون اتهام أحد أو طرف من الأطراف: كم من فيلم أنتج حتى الآن عن رموز الثورة الجزائرية وهم الذين ملأوا العالم بوجودهم وبأشكال تضحياتهم؟ لا شيء.
*
كم من الكتب نشرناها عن الثورة خلال نصف قرن من الاستقلال؟ قليل وضعيف وهي الثورة التي كتب عنها غيرنا في اللغات الأجنبية المتعددة أزيد من الأربعة آلاف كتاب.
*
ونحن على بعد خطوتين من نصف قرن من الاستقلال، أما كان من المفروض علينا التفكير في تأسيس مكتبة تاريخية كبيرة، سمعية-بصرية وورقية ورقمية حول الثورة الجزائرية.
*
وهذه دعوة للعمل في هذا الاتجاه، اتجاه إنشاء مؤسسة أرشيفية مفتوحة حول الثورة الجزائرية، حتى لا تثار نقاشات هامشية مفسدة ومغرضة كما هي حال النقاشات حول فيلم "البطل مصطفى بن بولعيد" لأحمد راشدي، وأعتقد أن مناسبة الاحتفال بمرور نصف قرن على الاستقلال تدفعنا لتكريس هذه الدعوة من أجل تحقيق هذا المشروع النبيل وربما سيكون تدشينا ثقافيا يفتح البلاد على فترة ثقافية جديدة.
*
تصوروا معي مؤسسة كبيرة بكبر الثورة الجزائرية وذاكرتها العريضة في شكل مكتبة جامعة واحترافية تجمع فيها جميع ما كتب عن الثورة الجزائرية وما صور أو سجل عنها بكل اللغات، وتكون أيضا فضاء حقيقيا للباحثين وللدبلوماسيين والطلبة من أجل الاطلاع على الصور والقراءات المختلفة عن الثورة الجزائرية. لقد حان الوقت، وبعد نصف قرن من الاستقلال، للخروج بالثورة الجزائرية العظيمة من تلك الاحتفالات الفلكلوروية أو النوسطالجية إلى باب الثقافة العميقة والبحث والدرس الذي يجب أن تعرفه الأجيال القائمة والقادمة والتي لا تزال مهددة بالحروب وبالعبودية وبالنسيان أيضا.
*
يحزنني كثيرا أمر إبداعنا ومبدعينا ومؤسساتنا حين يتعلق الأمر بالثورة الجزائرية ورموزها، محزن أمرنا، فلكم من لغط دار وكلام قيل يشبه رغوة الصابون عن مشروع إنجاز فيلم عن الأمير عبد القادر، منذ ربع قرن على الأقل والحديث الوهمي والموهوم لا ينتهي إلا ليبدأ عن فيلم "الأمير عبد القادر"؟؟ وفي كل مرة لا نصل إلى أي شيء سوى إلى حسابات حقيرة تشبه حسابات أصحاب الدكاكين الصغيرة.
*
أعتقد أننا في انتمائنا إلى بلد يحترم ثقافته ويحترم تاريخه كان الأجدر بنا لو أننا أنجزنا ليس فيلما واحدا عن الأمير إنما أفلاما ومسلسلات عديدة، وشخصية الأمير بكل ثرائها وتنوعها وتوهجها الفكري والمقاومي والشعري والروحي قادرة على أن تتجلى بشكل متنوع وغير مكرر ولا متكرر. إننا سنعود إلى مثل هذا النقاش بعد أن ينتهي السوريون من الفيلم الذي هم بصدد إنجازه عن الأمير عبد القادر في دمشق وسنتأسف مرة أخرى على تقاعسنا وسنرمي بعضنا البعض بالتهم والتقصير.
*
لماذا يستطيع المغاربة ويستطيع السوريون إنتاج فيلم عن الأمير عبد القادر ولا نستطيع نحن القيام بذلك في الجزائر؟
*
الجواب هو أن سؤال الثقافة يطرح خطأ في بلادنا.
*
علمت أيضا بأن المصريين يحضرون لفيلم سينمائي عن الرئيس هواري بومدين، هذه مفخرة للجزائر دون شك، وشكرا للسينمائيين والمثقفين المصريين على ذلك، ولكن لماذا نعجز نحن عن مثل هذا العمل؟ ألا يستحق الراحل هواري بومدين مثل هذا العمل؟ ولكني متأكد أن أي مخرج أو كاتب جزائري ينجز شيئا عن هواري بومدين سيقوم فقهاء الأيديولوجيات بكل ألوانها للصراخ في الشوارع وعلى أعمدة الصحافة بخطابات مليئة بالتكفير والتخوين والجهوية وما إلى ذلك من أمراض. ألم ينجز المصريون أفلاما عن عبد الناصر والسادات (وهو الذي وقع معاهدة كامب ديفيد وزار إسرائيل) وأنتجوا مسلسلا ناجحا عن الملك فاروق وغيرها من أفلام سجلت تاريخهم بكل تناقضاته وفي ظل ما تعرفه الساحة الثقافية والسياسية المصرية من صراعات. ويستعد السوريون هذه الأيام إلى إنتاج فيلم هوليودي عن الرئيس حافظ الأسد وهو الشخصية التي لها من الأعداء بمثل ما لها من الأصدقاء والحلفاء، والفيلم إنجاز عالمي ضخم يريد أن يضع هذه الشخصية السياسية على الرغم من المختلفين حولها، يضعها في مرتبة الرموزية.
*
واسمحوا لي أن أواصل فتح الجرح الثقافي. أما يحق لنا أن نكرم الرئيس أحمد بن بلة بفيلم أو مسلسل عربي كبير وهو الذي ظل في ذاكرة أربعة أجيال عربية وإفريقية وأمريكية لاتينية أسطورة تشبه في دراميتها أساطير اليونان. وأنا متأكد أن مشروعا مثل هذا ستتحرك له ومعه كثير من الجهات العربية للاشتراك فيه وسيكون دون شك شبيها بمسلسل الملك فاروق. فحياة بن بلة الشخصية والسياسية والنضالية بكل غناها الممتدة على مدى قرن من الزمن قادرة على الإدهاش السينمائي.
*
دون شك فإن السينما ليست صناعة وفقط، السينما هي ثقافة يومية. وحتى تكون أفلامنا عن الرموز التاريخية الوطنية أو عن غيرها ذات مردودية ثقافية وجمالية علينا أن نحول السينما ومشاهدة الفيلم إلى حياة ثقافية يومية وهذا لن يتأتى إلا إذا أعدنا التفكير في سياسة توزيع الأفلام ووضع سياسة جديدة لقاعات العرض وبالتالي الخروج من نفق الإلحاح على استعادة قاعات العرض التي ورثناها من العهد الاستعماري.
*
اسمحوا لي أن أقول رأيي وبكل وضوح في مسألة استعادة قاعات العرض السينمائية الكولونيالية: أعتقد شخصيا واستنادا على واقع الحال الجديد للتوزع الديمغرافي المديني في جزائر اليوم والمتمثل أيضا في نشوء مدن جديدة، فإن كثيرا من قاعات العرض الكولونيالية التي كانت موجهة لساكنة أوروبية، لها تموقع جغرافي خاص بها يختلف تماما عن التموقع الجغرافي الجزائري الجديد. لذا فما هو مطلوب اليوم هو إنشاء قاعات عروض سينمائية صغيرة في الأحياء والمدن الجزائرية الجديدة إلى جانب مكتبات ومسارح صغيرة أيضا غير مكلِّفة ولكنها فاعلة وفعالة. وإنشاء مثل هذه القاعات يكلف أقل مما تكلفه عملية ترميم كثير من القاعات التي لن يكون لها مردود ثقافي في ضوء التوزع السكاني الحالي.
*
إن الطبقة المتوسطة من الإطارات والأساتذة الجامعيين والطبقة السياسية تعيش جميعها على أطراف المدينة الكولونيالية، لذا فإن إنشاء قاعات عروض صغيرة إلى جانب مكتبات ومسارح يجعل هذه الطبقة التي من المفترض أن تكون أول المتورطين في الثقافة، محاصرة بالمؤسسات الثقافية.
*
إن أمة لا تذهب فيها طبقتها الوسطى وطبقتها السياسية إلى السينما والمسرح والمكتبة هي أمة بدون خيال، وبالتالي أمة معرضة لثقافة العنف وأمراض التطرف. وكل طبقة سياسية لا تقرأ ولا تشاهد أفلاما ولا مسرحا، طبقة سياسية غير قادرة على الإبداع السياسي والتجدد والانفتاح والتعاطي مع أحاسيس الشعب التي تقدمها الأعمال السينمائية والأدبية والمسرحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.