بعيدا عن الشعر و غوصا في البوح الواعي ينسج الكاتب الجزائري يوسف الباز بلغيث رسائله « بازيات» بخيوط الأمنيات التي تتنفس في صدر كاتب جعل همه الأكبر نشر الثقافة والأدب الهادف . و يبدأ الكاتب رسائله بذكر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (حبيبي محمد ؛ رسالة عن رسول السلام صلى الله عليه وسلم) باثا محبته و أشواقه للنبي الأمي الذي أرسله ربه رحمة و هداية للخلق أجمعين ، و بهذا يكون الكاتب قد بدأ رسائله بالبحث عن صياغة نافذة، موحية صادقة تليق بمقام و جلال «محمد» صلى الله عليه وسلم، لقد تعمقت الرسائل البازية في الشأن الثقافي فكانت الثقافة هديرا قلقا و لكنه الهدير الذي يؤدي إلى انتباه العيون إلى ضمور في بنيان المسيرة السامية لا لجلد الذات، بل لشحذ الهمم فما الذي يرجوه الكاتب من الثقافة و انتشارها؟ . من قراءتنا للنصوص يتبين أن الكاتب يريد أن (يفتق سحر هذا الصنف الأدبي الذي بدأ يندثر) و بتعمق أكبر يتبين أن الكاتب في رسائله كان حارسا أمينا على الثقافة ينزعج من الأخطاء ثم لا يلبث أن يضع الحلول لها لنكتشف أن الثقافة وسيلة (لتغيير الدروب و الدهاليز بشمعة الفكر و بإدام اللغة) ثم ذكر كاتبنا المبدع مقولة للأديب الفلسطيني غسان كنفاني : (المثقف أول من يقاوم و آخر من ينكسر) كل هذا ذكره في رسالته لأخيه الشاعر الباشق محمد بلغيث و كاتب الرسائل من الجزائر الصامدة التي أثقل الوطء عليها استعمار ظالم معتديا على خيراتها طيلة عقود محاولا أن يعتدي على أغلى ما يمتلك الشعب ؛ ثقافته و لغته و لكن هيهات هيهات فاللغة العربية شامخة في وريد الشعب الجزائري الحر و الثقافة الأصيلة المتصلة بالتراث اتصال الشجرة بتربتها لها فرسانها يثبتون أركانها و يدافعون عنها و في رسالته إلى ضمير آيل للسقوط (الشارع ثقافة الشعوب) يبدع الكاتب في تشريح جثة الواقع المريض ليبرز انفصاما مؤلما بين تفوق الطالب في العلم و أخلاقيات العلم أما الحل فإن الكاتب يسرده بثقة بعد هذه الرسالة مباشرة و الحل هو :(أن نقدم الزهور لمن يحبها و يكرهها على حد سواء لنكسب الأجرين ؛ فان سلم المكلوم من الوعكة و استفاق من الغيبوبة فهذا أجر عظيم، و إن استعصى الشفاء على الجرح و مات فلنا في تلك اللحظات السعيدة التي سقناها إليه أجر أعظم) و الكاتب حريص على ( أن يرى العالم جمال لغتنا و روعة إبداع أبنائها بها) و بهذا يكون ساعيا في نشر ثقافة الهدى و الخير على جناح اللغة التي نعتز بها و نفخر ( لا يحزنك قبحهم: رسالة الى الصديق عبد القادر غويني)تتحدى هذه الرسالة من ينقص من قدر الثقافة و فرسانها فيقول الكاتب حفظه الله : ( أصبح الأدب و الشعر خاصة، بل الثقافة و الفنون عموما وصمة عار، يتصف بها الأباة و عاشقو المجد و الجمال) و في (أفق الشعراء: ألق ليلى) وهي رسالة إلى الشاعر التميمي جربوعة يصور فيها كاتبنا الأنثى (امرأة عربية عفيفة كريمة) الكتاب يهمس في أذن الأدباء لإحياء الإخاء والتسامح و الحلم و هو بهذا لا يخالف ما أسسناه من قبل و هو أن الكاتب جندي نذر نفسه و قلمه للدفاع عن ثقافة أمته فالكاتب يريد من هذه القيم (التي نتقرب بها إلى الله تعالى) ان تكون بابا مفتوحا أمام الرقي بالثقافة و الأدب و قد ازدان الكتاب بما تتميز به الرسائل الأدبية من عاطفة و تصوير فني وقوة في البناء اللغوي و يظهر ذلك في بلاغة الكاتب و إصراره على نهوض فن الرسائل بأجمل حلة أمام فن الشعر الذي برز على ألسنة مبدعيه و متذوقيه.