عشت مرارة لا يمكنني وصفها عام 1998..ظروف قاهرة أدت بي إلى نكوص نفسي كاد أن يقضي على حياتي ..عاما قبل هذه السنة ..حرمني رئيس بلدية من سكني ..ربي يحرمه من الجنة ..كنت أنوي الكتابة في كل الصحف أكشف بالدليل ما قام به هذا " المير" من العصابة ..لكن والدتي المجاهدة حمدي فطيمة زهرة وبحكمتها قالت لي : " نعطيك دعوة الشر تزيد تكتب في الجرنان" ..قلت لها : لكنه حرمني من السكن ..قالت لي : " لا تحزن فسكنك في الجنة " ..طائعا لوالدتي ولا زلت.. هي نعمتي الحياتية لولاها لما رسمت لغة ضمن مسار تراتيل الحياة .. ما عشته من نكوص و خيبات جعلني أبحث عن أنجع الطرق للخروج من تلك الهزات التي كنت أعانيها، خاصة وأنني كنت قبل عام من هذا ..بطالا وليس لي مورد مالي يذكر .. وزاد التدهور الأمني في البلاد في أن نعيش كلنا ويلات تلك الحقبة السوداء التي قضت على كل بذرة أمل في أن نعيش حكاية الزمن الذي ينسينا الهموم ..فكرت في طريقة للهروب من ذلك الضغط الزائد الذي كنت أغانيه ..فبعد سنة أولى من العمل حينما أنعم الله علينا ..وفي مكتب بلدي بصفة مستشار تقني ، منصب لو حلل مضامينه واحدا من مشاهير اللغة و التعابير لنصبني في مرتبة الخليفة على وجه الإدارة ..المنصب لم يكن سوى صنف من أصناف المناصب الإدارية برتبة متصرف إقليمي بلدي والتي اخترعها النظام زمن الوزير الأول آنذاك "مقداد سيفي" إيجاد بدائل تجعل من مكتب الانتخابات في البلدية ، يقوم بتحيين القوائم الإنتخابية من منطلق الفهرس الانتخابي الذي يُراد له ضبط القوائم الانتخابية نهائيا تفاديا لتكرار الأسماء .. عمل كما نرى كان لا يرقى للحلم وجمالية المعنى ، ولا ينحى أيضا لرسم خريطة إبداع تعيد لك حراك المعنى وحراك الحياة ..فكرت في الهروب بكل الطرق من جحيم المكتب وتذكرت وقتها أن في العلمة ملتقاها الأدبي الذي عايشنا في بداية التسعينيات لغته ومؤشره التصالحي الذي يعيد لنا الأمل، كي نعيش هوسا ومحطات إبداعية ..تذكرت زميلي هناك " علاوة شواطي " الذي اشتغل معي في مجلة الوحدة كان عضوا بارزا في جمعية بلا حدود بالعلمة ..قلت له ابعث لي دعوه ..قال لي في الهاتف: " بركا ما تتمسخر سي مهدي ..أنت تجي بلا دعوة " ..فرحت ..قلت الحمد لله ...كنت أعيش شكا داخليا جعلني لا أثق في نفسي وقدراتي ..حرماني من السكن ...ومن العمل ومن كل محطات الحياة الطبيعية هو الذي ولد في داخلي " فوبيا خوف" مزمن يسكن باتولوجيتي، ولذلك عشت النكد بشكل فاضح ..تواجدت في العلمة وكنت أقيم في نزل" براو" ..كان يتقاسم معي الغرفة الراحل ..الممثل الفكاهي الراحل " أحمد بن بوزيد" المعروف باسم " عطاء الله " ..كان في بدايات بداياته سُعد بي وأعطاني صورته كي أكتب فيه ليكون مشهورا وهو لا يعي رحمه الله أنني كنت خزانا من العقد والخيبات ..كان يزورني الإعلامي " جمال نصر الله" الذي قال يوما في الصحافة : " المهدي ضربان هو من اكتشفني وأدين له بكل الحب" ..، كان يقرأ في صحيفة في الصفحة الثقافية ليومية " صوت الأحرار " حينما كتبت.. أنه سيعقد ملتقى الإتحاف الأدبي في ولاية بسكرة ..اتجهت لحظتها مثل مهووس إلى صديقي المغني " فؤاد ومان " قلت له : " " سي فؤاد دبر راسك توسط لي كي يبعثون لي بدعوة للإتحاف الأدبي ..اتصل بالقاص " زين الدين بومرزوق" الذي كان يشتغل في بلدية بسكرة والذي بعث لي دعوتين مع أخي وصديقي الشاعر الشعبي " همال عبد الباسط " لزيارة بسكرة .. بسكرة في داخلي تعني لي الكثير في حياتي فأول تحقيق صحفي قمت به في حياتي الإعلامية.. لما كنت في مجلة الوحدة... كان عام 1984 في ولاية بسكرة.. زرت بلديات " شتمنة" و«أوماش"، وكتبت عنهما وكتبت عن الانتخابات الرئاسية العهدة الثانية للراحل الرئيس الشاذلي بن جديد ..ومن بسكرة الولاية الكبرى التي كانت الوادي ضمن دوائرها سمعت عضو المكتب السياسي وقتها " بوسنان بومنجل" يعلن لسكان الوادي : " ستصبحون يا أهلنا في وادي سوف ولاية في المستقبل .." .. كانت أياما للفرح ..وكنت سعيدا أنني أزور المدينة التي رسمت فيها تفاصيلي الإعلامية وأكتب التحقيقات هناك محاولا رسم لغة إعلامية احترافية تعيد لي الروح كيف لا وقد كتبت أول تحقيق عن " نادي الطيران في بسكرة" ..كنت أعيش نشوة انتصار قصوى على كل ما أصابني يوما من سكون ونكوص ...نعم هناك في بسكرة عادت لي صورة ما كنت عشته داخلي من هزائم يسببها لك البشر ناكري المعروف والذين في قلوبهم مرض ...كان الإتحاف الأدبي الذي عايشنا فصوله بين" دار المعلم " التي كانت النزل الذي كنت أقيم فيه وقاعة دار الثقافة أحمد رضا حوحو ..نوعا من التنفيس عن الذات في أن أعود لجو الملتقيات وأشعر أنني إنسان من بني البشر ..كان الزمن جميلا وشاعريا ..شعراء جاؤوا يلازمون القصيد والحكايات الجميلة عشت لحظات جميلة هناك في مدينة الزيبان .. عشت رحيق شعراء كثيرين : عثمان لوصيف ...قذيفة عبد الكريم ..ميلود خيزار وبهلول عامر.. هؤلاء ذكرتهم لأنني كنت ألازمهم في كل مكان وكان لنا أن نعيش إضافات رصدها القاص زين الدين بومرزوق مع أساتذة ودكاترة يتقدمهم الدكتور السعيد بوطاجين الذي كنت أسمع باسمه فقط ..كنت هناك وكنت أحيانا أكتب عبر محطات صفحات" أصوات أدبية " في يومية صوت الأحرار لصاحبها بن الزيبان الدكتور عمر عاشور.. محطات هي من شعر ونصوص أكتبها ..كنت أريد نصوصا نثرية خالصة ..كنت أكتبها وأنا كلي خوف من أن يقال عني أنني أريد أن أكون شاعرا بالقوة ...كنت أخاف ..لكن سرعان ما أنتشي عندما أسمع أن الشاعر السوري الكبير " محمد الماغوط" يكتب قصيدة النثر وبامتياز بل يؤشر لها في مسار القصيدة الحداثية .. محمد الماغوط يذهب عني الخوف فأرسم حكايتي مع الذات فيذهب عني الخوف تماما وأنا أعيش لغة تصالحية تعطيني جرعة من أكسجين كي أعيش فرحا ولمسات حالمة تلون مشهدي المضطرب .... هي ظروف زاحمت نفسي والذات التي كانت مبعثرة عادة من ظروف لونت حياتي تعاسة لا توصف حيث سرعان ما ترتسم في مخيلتي تلك اللحظة المأساوية حينما شطب رئيس البلدية اسمي من قائمة السكن.. في دار الثقافة " أحمد رضا حوحو" في بسكرة بدأ الإتحاف الأدبي في الثانية زوالا ..وكنت لحظتها مسكونا بهاجس أن أسمع شعرا وأغ وص في تجارب شعرية كنت أطالعها عادة في الملحق الذي كان يعده الدكتور عمر عاشور الذي يسمى في لغة المبدعين ابن الزيبان ..هناك كان لي أن أنعم بتفاصيل وقراءات شعرية كان يقدمها لنا ذلك الكبير الذي اسمه الدكتور السعيد بوطاجين ..كنت مولعا به وبما يكتب ويرسم هنا وهناك في المنابر والصفحات والقصاصات ..كان بارعا في تقديم هذا وتلك.. ورسم توليفة لنا كي نعيش جديد الشعر والنقد واللمسات التي يُهندسها كل مولع بالإبداع ..كيف لا ؟، والملتقى كان يناقش الراهن الأدبي في الجزائر ، نعيش لمسة من محاضرات ومن شعر لهؤلاء الذين نقرأ عنهم في الصفحات الأدبية .. كان الدكتور السعيد بوطاجين الذي رأيته لأول مرة ينادي على الشعراء ..، وكنت لحظتها مع الشاعر الشعبي" همال عبد الباسط " الذي كان يرافقني في تلك السنوات التعيسة التي كنت أعايشها من نكوص واقع لا يرحم ..كنت وقتها أكتب نصوصا نثرية كثيرة كانت عنوانا يرسم لي الخروج من بوابة التعاسة التي كنت أعايشها ..فكتبت يوما نصا بعنوانة " تراتيل المكان " ..نصا يحيل على الوجع ..لكنني لم أقرأ تفاصيله على عامة الناس ..كنت أخاف من أن أواجه الناس ..حتى وإن كنت وقتها معروفا على أساس ذلك الإعلامي الذي يكتب في الثقافي.. ففي مجلة الوحدة يوم كان الإعلامي " عمار بورويس" رئيسا للركن الثقافي ..نشرت في مجلة الوحدة حوارا قرأته كل الجزائر مع الكبير في البوح والشعر الشاعر الأخضر فلوس ..حوارا زاد من سمعتي ورسم لي خلاصا في أن أكتب في الثقافي تماما عندما أصبحت واحدا من أعضاء هيئة تحرير الشروق الثقافي حيث حاولت أن أرسم هذا المعنى عبر تبويب الملحق . قلت للشاعر همال عبد الباسط ..ما رأيك أن أقرأ قصيدتي " تراتيل المكان" ..، قال لي متعجبا : " وبعدين مالك يا مهدي ..الكل أصبح الآن يقرأ الشعر ..والكل أصبح شاعرا ..علاش أنت بالذات راك خايف .."، ..فرحت بكلامه لحظتها وصول اسمي في ورقة صغيرة إلى الدكتور السعيد بوطاجين ..قلبي يدق وعيوني شاخصة في الدكتور بوطاجين ماذا سيقول ..وفي لحظة جاءت من السماء ..ترك الدكتور السعيد بوطاجين نصي جانبا ..والورقة الصغيرة وراح يقول كلاما عجيبا في شخصي : قال : " أين هو ضربان ..؟؟" ..، رفعت يدي.. كأنني في جلسة برلمان ..حياني من بعيد وضحك و راح يحكي يسرد ويلامس حقيقتي ويحكي عني ، مُذكرا الحاضرين بهذا المهدي ضربان.. راح يسرد مساري وكتاباتي وفواصلي وكل جديد ارتسم له ..طيلة مسار الزمن الذي حاول تلوينه و بروحه الكبيرة ..جاعلا مني كاتبا صحفيا كبيرا.. وناقدا ...رسم لي كلاما لم أسمعه طيلة حياتي أحسست لحظتها أنني أنا بكل قوة... بعيدا على أن أكون ذلك الذي نساه وتناساه وحاول تهميشه أولئك الذين في قلوبهم مرض .. ربع ساعة من الزمن.. وهو والدكتور السع بوطاجين يحاضر في شأني.. رفع أسهمي جيدا في سندات التداول عبر بورصتي الخاصة .. عشت حكاية جميلة كانت سببا مباشرا كي أعيش فيما بعد حراكا واعيا وواعدا برؤى يهندسها عادة الكبار من صنف الكبير السعيد بوطاجين..