وزير السكن والعمران والمدينة،طارق بلعريبي: سنطلق قريبا برنامج جديد للسكن الترقوي العمومي    تنظيم احتفالية الخميس المقبل لإحياء ذكرى تأميم المناجم وتأسيس شركة سونارام    لايمر: نريد الذهاب إلى ملعب ويمبلي    وفاة المدرب سيزار لويس مينوتي    الإطاحة بشبكة إجرامية وطنية من 3 أشخاص    هذه توجيهات بلمهدي..    المعركة ضد التّطبيع متواصلة بالمغرب    العدوان الصهيوني على غزة: الإحتلال يشن سلسلة غارات على مناطق متفرقة من رفح    إضرابات متزامنة في كليات الطب والمستشفيات بالمملكة    بلعابد يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للرياضة المدرسية : إنجازات الرياضة المدرسية في الجزائر "استراتيجية وقوية"    "الجزائر شريك استراتيجي في التعاون الإفريقي: الفرص وآفاق التعزيز" محور ملتقى بالجزائر العاصمة    50 مصمّمة تعرضن الأزياء الجزائرية.. هذا الخميس    توقيف صاحب فيديو المناورات الخطيرة بالقالة    "الطيارة الصفراء".. إحياء لذاكرة المرأة الجزائرية    توالي التحذيرات الدولية من مخاطر اقدام الاحتلال على شن عملية عسكرية في رفح    زيتوني يبحث مع رئيس مجلس إدارة غرفة قطر تعزيز التعاون الإقتصادي والتجاري    المرصد العربي لحقوق الإنسان: إجتياح جيش الإحتلال الصهيوني لرفح "جريمة بحق الإنسانية"    الأسرى بين جحيم المعتقلات وانبلاج الأمل    كريكو تبرز جهود القطاع في تعزيز المرافقة النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة خلال امتحانات نهاية السنة    عطاف يستقبل رئيس المجلس الوطني لجمهورية الكونغو    سيدي بلعباس.. رهان على إنجاح الإحصاء العام للفلاحة    الصناعات الصيدلانية : الإنتاج المحلي يلبي أزيد من 70 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    وزير الصحة يشرف على آخر لقاء لفائدة بعثة حج موسم 2024    دراجات/طواف الجزائر-2024/: عودة نادي مولودية الجزائر للمشاركة في المنافسة بعد غياب طويل    كرة القدم داخل القاعة-تصنيف الفيفا: البرازيل يحتل صدارة الترتيب عند الرجال والسيدات    الصحافة كانت مرافقة للثورة في المقاومة والنضال ضد الاستعمار الفرنسي    القشابية .. لباس عريق يقاوم رياح العصرنة    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: ميدالية برونزية للمصارعة الجزائرية أمينة بلقاضي    المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية    ندوة تاريخية إحياءً لرموز الكفاح الوطني    إشادة بلقاء قادة الجزائر وتونس وليبيا    المنتجات الجزائرية تعرف رواجا كبيرا في موريتانيا    500 موقع للترويج لدعاية المخزن    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    وزير الداخلية يبدأ زيارته إلى خنشلة بمعاينة فرع كوسيدار للفلاحة    بأوبرا الجزائر بوعلام بسايح..المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية من 16 إلى 22 ماي الجاري    في دورته التاسعة.. "الفن موروث ثقافي حافظ للذاكرة" شعار الرواق الوطني للفنون التشكيلية    قدمها الدكتور جليد قادة بالمكتبة الوطنية..ندوة "سؤال العقل والتاريخ" ضمن منتدى الكتاب    وزير الداخلية يشرف على مناورة دولية للحماية المدنية    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    ثبات وقوة موقف الرئيس تبون حيال القضية الفلسطينية    إشادة وعرفان بنصرة الرئيس تبون للقضية الفلسطينية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي    يقرّر التكفل بالوضع الصحي للفنانة بهية راشدي    50 مشاركا في صالون التجارة الإلكترونية بوهران    خبراء جزائريون يناقشون "الهندسة المدنية والتنمية المستدامة"    مهنيون في القطاع يطالبون بتوسيع المنشأة البحرية    انتشال جثة شاب من داخل بئر    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    "الكناري" من أجل مغادرة المنطقة الحمراء    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسة الإلهاء.. والعبث بالدستور
نشر في الخبر يوم 05 - 12 - 2014

لعلّ الجزائر هي البلد الوحيد الذي يتمّ فيه التطاول على الدستور والجرأة عليه بهذا الشكل البائس، مع أنه أقدس وأعلى وثيقة قانونية في البلاد، والأصل أنه يتميز بالشمول والثبات والاستمرارية، لكن الجزائر ضربت مثلَ السوء بأن يكون لكلّ رئيسٍ دستوره الخاص، ويكون الرئيس بوتفليقة أكثر الرؤساء عبثية به.
منذ مجيئه سنة 1999 هو يبدي امتعاضه ورفضه لدستور 1996 (وقد يكون السبب أنه منزعجٌ من تحديد العهدات الرئاسية)، فلا توجد رؤية دستورية متكاملة للذهاب إلى دستورٍ يصل عمره مثلا إلى 200 سنة مثلما هو موجود في أمريكا، أو تترسخ فينا التقاليد الديمقراطية والأعراف السياسية فلا نحتاج إليه أصلا مثلما هو معمول به في بريطانيا، ولا نعلّق مشجب إخفاقاتنا ومشاكلنا عليه دائما.
ما يميّز دساتير الجزائر أنها دساتير أزمات وأشخاص وليست دساتير دولة ومجتمع. فالتعديل الدستوري سنة 2002 بترسيم الأمازيغية كلغة وطنية (وللأسف لم ترتقِ إلى لغة رسمية كما هو معمول به داخل مؤسسات الدولة باستعمال اللغة الفرنسية) كان تحت ضغط الربيع الأمازيغي. والتعديل الدستوري سنة 2008 كان تحت ضغط انتهاء العهدات الرئاسية قبيل رئاسيات 2009، وخطاب بوتفليقة في 15 أفريل 2011 وتبشيره للعالم وليس الجزائريين فقط بأنه سيذهب إلى تعديلٍ دستوريٍّ شاملٍ جذري وعميق كان تحت ضغط رياح الربيع العربي واحتجاجات ما سُمّي بثورة “الزيت والسّكر” في جانفي 2011، ما يؤكد المنطق المقلوب في الإصلاحات السياسية واختزال الأزمة في الدستور البريء.
كان المنطق يقول بأننا سنبدأ الإصلاحات السياسية سنة 2011 بالتعديل الدستور لأنه أب القوانين، ثم تأتي حزمة القوانين الأخرى (قانون الإعلام، تمثيل المرأة، قانون البلدية والولاية، قانون الأحزاب، قانون الجمعيات..) وليس العكس كما وقع، حتى تنسجم معه وليس هو مَن يجب عليه الآن: إما أن ينسجم معها أو يُعاد تعديلها لتنسجم مع الدستور الجديد، وهذا ما يرسّخ عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي والتشريعي في البلاد، ولكن السلطة وبعد اطمئنانها أن رياح الربيع العربي لا تصل إليها، وقعت الرّدة على الإصلاحات السياسية بتقزيمها وتحزيبها وتفريغها من محتواها الحقيقي.
ليُطلّ علينا الرئيس الآن برسالةٍ تُعتبر “فتحا عظيما ونصرا مبينا” في التعديلات الدستورية، وكأنها المنقذ والمخلّص من الأزمة في البلاد، ومع ذلك يقول: إنه لا يريد الاستعجال والارتجال والمغامرة في ذلك؟
ولذلك نقول:
^ لا يوجد مَن يعبث بالدستور ولا يحترمه مثل هذه السلطة، فعندما تطالع القسم الدستوري لرئيس الجمهورية باحترام الدّين الإسلامي والدّفاع عن الدستور والسير العادي لمؤسسات الدولة وتدعيم المسار الديمقراطي وحماية الحرّيات والحقوق الأساسية للمواطن والعمل بلا هوادة لتطوّر الشعب وازدهاره وتجسيد مُثل الحرّية والعدالة والسّلم تشفق على مَن أقسم باللّه تعالى على ذلك ولم يحترمه ولم يجتهد في الوفاء به، وما هذه التعديلات والاستهتارات بالدستور إلا مثالٌ بسيطٌ على ذلك.
^ لقد أُعطِيت للرئيس فرصةٌ كاملة منذ مجيئه سنة 1999 كما أُعطيت له مدةٌ كافية منذ خطابه 2011، كما كانت له مدة أخرى منذ رئاسيات أفريل 2014 (أي حوالي أكثر من6 أشهر) ليقوم بذلك ولم يفعل، ومع ذلك يقول الآن إنه لا يريد الاستعجال والارتجال. ألا يعبّر ذلك عن الأزمة الحقيقية التي تعيشها السلطة، وعدم وجود الإرادة السياسية في ذلك؟
^ تطالب السّلطةُ المعارضة بالمشاركة في مشاورات تعديل الدستور وتتهمها بتعطيل ذلك، فأين هي مقترحات مشاورات “بن صالح” والتي شارك فيها حوالي 250 حزب ومنظمة وشخصية ولم يُؤخذ بها، بل ولم تر النّور أصلا، وأين هي المشاورات غير الرسمية ل«سلال” فيما بعد، وأين هي مقترحات وأعمال لجنة الخبراء (برئاسة كردون)؟ حتى يُطلب، ومجدّدا، من الأحزاب وغيرها للمشاركة في مشاورات عبثية جديدة يُراد منها الموافقة لا التوافق، لأن التوافق الحقيقي لا يكون إلا داخل أجنحة السلطة فقط.
^ أرضية مسودّة تعديل الدستور- والتي تكرّمت السلطة بإخراجها للجميع- لا تعبّر عن حجم المقترحات الجدّية للأحزاب مثل: استحداث منصب نائب الرئيس، وتبنّي النظام البرلماني أو شبه الرئاسي وضمان الاستقلالية الفعلية للقضاء ووجود مؤسساتٍ للرقابة الحقيقية وغيرها. بل خرجت إلينا هذه المسودّة باهتةٌ وهزيلةٌ وفيها تراجعٌ وردّةٌ عن حجم الوعود بالإصلاحات الحقيقية ومنها: الذهاب إلى تعديل جذري عميق وشامل، كما وعد الرئيس نفسه، بما يمس بالصلاحيات والتوازن بين المؤسسات وينظم الفصل بين السلطات، وهو ما يتطلب الاستفتاء الشعبي وليس مجرد العرض على البرلمان- المطعون في شرعيته والمجروح في مصداقية أدائه- كما يريده عرّابو السلطة.
^ بالرغم من الصلاحيات المطلقة والممركزة بيد الرئيس، وبالرّغم من حالته الصحيّة الحرجة التي لا تمكّنه من أداء مهامه الدستورية (إلا مجرد أنه: استقبل..)، ومع ذلك تقترح علينا السلطة أنه يمكن تعيين نواب للوزير الأول (وهو غير مريض ودون صلاحيات)، بينما تتمنّع عن استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، ناهيك أن يُنتخب مثله وتكون له صلاحيات حقيقية، أو حسن النيّة في تبنّي النظام البرلماني، أو شبه الرئاسي، والذي لو قبلت به السلطة سابقا لحلّ العديد من الإشكالات لما وصلنا إلى هذا الوضع المخزي؟
^ نعتقد بأن الإصلاح السياسي الحقيقي أكبر وأشمل من مجرد الإلهاء السياسي بتعديل الدستور والحكومات، فالمشكلة ليست في “النّصوص” بل في “اللصوص”، فلا يمكن الذهاب إلى التعديل الدستوري دون هيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، ودون قانون انتخابات جديد يضمن الشفافية والمصداقية ويعبّر عن الإرادة الحقيقية للشعب، ودون انتخابات رئاسية مسبقة تخرِج لنا سلطةً شرعيةً نابعة من الإرادة الشعبية غير المزوّرة (فالرئيس مثلا لم يتحصل إلا على 85% من أصل 50% فقط من الشعب الجزائري حسب الأرقام الرسمية للسلطة غير الموثوق فيها)، مع ما شاب هذه الانتخابات من التزوير والطعن والتشكيك فيها؟
^ لا يمكن تحقيق “الدستور التوافقي” دون تحقيق توافق سياسي بين السلطة والمعارضة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك في ظلّ الإقصاء والتخوين وشيطنة الآخر، وما هذا المستوى المنحط للخطاب السياسي للسلطة وأحزابها، إلا دليلٌ واضحٌ على عدم وجود الإرادة السياسية في ذلك.
^ اتفق “عرّابو السلطة” على انتخابات العهدة الرابعة ولكنهم لم يتفقوا على ما بعدها، وهم لا يملكون مشروعا سياسيا إلا التلويح بتعديل الدستور وإدخال الجميع في أجندتهم، وما الصراع بين أجنحة السلطة التي وصلت إلى معركة كسر العظام (احتجاجات الشرطة نموذجا) إلا دليلٌ على حجم الإفلاس والفراغ السياسي لها، وهو ما يفسّر عدم الوصول إلى التوافق داخلها، وهي تريد تصدير أزمتها وربح الوقت فيها إلى هذا الوقت وأكثر.
^ هناك إنجاز سياسي غير مسبوق في الجزائر وهو: توحّد أكبر عدد ممكن من مكوّنات المعارضة ببرنامجٍ ورؤيةٍ سياسية موحّدة، وهو ما تريد تكسيره وإجهاضه السلطة عن طريق الترويج لمبادرة الأفافاس، وهي الآن تعاني حالة الإرباك وردّة الفعل من سقف مطالب المعارضة بالذهاب إلى انتخابات رئاسية مسبقة، وأخذ زمام المبادرة تحت غطاء تخوين الآخر بلقاء بعثة الاتحاد الأوروبي التي التقتها أحزاب السلطة كذلك، ولذلك جاءت ردّة فعل الرئيس بتلك الرسالة التي كُتبت له وقُرِئت بالنيابة عنه، ليخاطب الشعب بالرسائل وفي مناسبة إفريقية؟؟
^ هناك تصدّع في الكتلة البرلمانية لحزب الأفالان، وهم غير مطمئنين لعرض الدستور، كما وعدوا، على البرلمان، وهو ما يفسّر هجوم سعداني على مَن يريد التشويش على الدستور داخله، ولكنهم يصدّرون أزمتهم الداخلية إلى غيرهم بهذه الخرجات البهلوانية لأشباه السياسيين في البلاد.
^ نحن نطالب بانتخابات رئاسية مسبقة قبل تعديل الدستور لأننا واعون ومقتنعون بأن هناك فراغا سياسيا ومؤسساتيا بسبب الصلاحيات الحصرية للرئيس، مع عجزه عن أداء مهامه الدستورية، وبسبب الغموض في مصدر القرار السياسي وتعدّده في البلاد، فهناك مَن يحكمنا بالوكالة ويسيّر مؤسسات الدولة بالنيابة، ولا يمكننا الثقة بتعديلٍ دستوري في ظلّ هذا الوضع من السلطة والآليات الانتخابية الحالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.