يزور وزير خارجية روسيا، السيد سيرغي لافروف، الجزائر غدا، لإجراء محادثات مع المسؤولين الجزائريين، حسبما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش. وينتظر أن تتركز محادثات الطرفين على المسائل الدولية الراهنة، أبرزها الوضع في مالي والأزمة السورية التي تتمسك الجزائروموسكو بتسويتها سلميا. زيارة لافروف التي تندرج في إطار زيارة إفريقية تشمل أيضا دولا أخرى مثل موزمبيق وجنوب إفريقيا، سيتم خلالها التباحث حول العلاقات الثنائية وبصورة خاصة التعاون في مجال الطاقة وإنشاء مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيات الرفيعة، حيث أشار الناطق باسم الخارجية الروسية إلى ”أن مهمتنا تنحصر في الاستفادة القصوى من إمكانيات اللجنة الحكومية المشتركة الخاصة بالتعاون في مجال التجارة والاقتصاد والتعاون العلمي والتقني وعقد الاجتماع الدوري للجنة في الجزائر”. كما تلقي التطورات التي يشهدها مالي بظلالها على القضايا ذات الاهتمام المشترك، إذ قال الدبلوماسي الروسي في هذا الصدد ”نحن ننطلق من ضرورة اتخاذ خطوات مشتركة من قبل الدول المعنية والشركاء الدوليين، وذلك بهدف حل الأزمة التي يواجهها هذا البلد”. وقد وصفت موسكو الحرب في مالي بأنها نتيجة لحرب ‘'الناتو'' في ليبيا، وما انجر عنها من تهريب للسلاح وانفلات أمني. وتجدر الاشارة في هذا الصدد إلى أن روسيا رغم عدم معارضتها للائحة الاممية التي أعطت شرعية التدخل في ليبيا، إلا أنها أكدت فيما بعد امتعاضها من هذا القرار، بالنظر إلى التبعات التي أفرزتها الازمة الليبية على المنطقة ككل وما انجر عنها من تصعيد إرهابي خطير. علما أن موسكو تعد شريكا اساسيا لليبيا في عهد النظام السابق. ويبدو أن روسيا لا تريد تكرار سيناريو ليبيا في مالي في إطار الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة الافريقية التي تشهد تكالبا كبيرا في المصالح بين فرنسا والصين والولاياتالمتحدةالامريكية، علما أن موسكو كانت تعد في السابق من أكبر الشركاء التقليديين بهذه المنطقة. وبالرغم من تغير موازين القوى الاستراتيجية إلا أن موسكو وجدت نفسها مجبرة على إعادة حساباتها الاستراتيجية في سياق التكيف مع المعطيات الجديدة. هذه المعطيات جعلتها تبحث لنفسها عن دور يوازي مكانتها التقليدية وفق مفاهيم جديدة تمكنها من تفادي اكبر الاضرار التي قد تنعكس على سياسة المصالح على المدى الطويل، وهو ما تجلى من موقفها المتراجع لصالح دعم الحل الدبلوماسي في الازمة المالية والذي يتوافق أيضا مع موقف الجزائر التي نبهت منذ البداية إلى خطورة التدخل العسكري في ليبيا لما له من انعكاسات تجلت حاليا في الوضع في مالي. علما أن روسيا كانت قد أيدت اتخاذ القرار 2085، الذي يجيز التدخل العسكري في هذا البلد، شريطة أن يكون الدور الرئيسي للجيش المالي، بدعم من قوات المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وبخصوص الازمة السورية، حيث تؤيد الجزائروروسيا الحل السياسي في هذا البلد، فإن محادثات لافروف بالمسؤولين الجزائريين ستعزز أكثر رؤى التوافق بشأن هذا الموضوع، بل يذهب مراقبون إلى مراهنة موسكو على الجزائر للعب دور الوسيط بين الاطراف السورية المتنازعة التي لا تجد ما تؤاخذه على الجزائر بخصوص موقفها من هذه الأزمة، وهي التي صرحت في العديد من المناسبات بأنها ”لا تدعم أي طرف ضد طرف آخر في هذه المحنة الرهيبة”، محذرة من آثار وتداعيات تفاقم العنف الطائفي، وكذا خطر الكسر الذي يمثله ليس فقط على سوريا، ولكن على المنطقة بأسرها. وكثيرا ما أعربت الجزائر عن قلقها على مستقبل سوريا وسيادتها ووحدة شعبها، مشددة على أن ”هناك حاجة ملحة لوقف العنف مهما كان مصدره، لوضع حد لحرب أهلية يغذيها تدخل أجنبي”. كما أكدت انها ”تدعم بقوة جهود السيد الإبراهيمي، لإيجاد حل سياسي لمباشرة مرحلة انتقالية، حتى تلبى التطلعات المشروعة للشعب السوري من أجل الديمقراطية والحرية والتنمية”. كما تأتي زيارة لافروف للجزائر بعد لقاء جمع الأربعاء الماضي رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بالمبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، حيث تباحث خلاله الطرفان الأزمة السورية، وأكد الابراهيمي أن الوضع في سوريا ”سيئ ويزداد سوءا” وانه سيواصل مهمته ”رغم الصعوبات التي ويواجهها”. في حين أشار إلى أن ”الهم الوحيد والكبير للرئيس بوتفليقة هو أن الشعب السوري يستعيد عافيته”. وأن ”يحل هذا الأخير مشاكله بما يخدم مصلحته الوطنية ويحافظ على استقلاله ووحدة ترابه”. ويبدو أن منحى التوصل إلى حل دبلوماسي أصبح يفرض نفسه على الازمة السورية حتى لدى الولاياتالمتحدةالامريكية التي عرف موقفها بعض التغير عندما وعدت على لسان كاتب الدولة جون كيري يوم الجمعة الماضي، بالقيام ”بنشاط دبلوماسي” لمحاولة وقف الحرب في سوريا، وذلك بعد أن تبين أن الحل العسكري لم يعد يجدي نفعا. من جهة أخرى، ينتظر أن تتضمن أجندة المحادثات بين المسؤولين الجزائريين ووزير خارجية روسيا الذي زار الجزائر سنة 2011 مشكلة التحديات والتهديدات الجديدة٬ ومن بينها مكافحة الإرهاب والجرائم الدولية المنظمة. ويذكر أن الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والافريقية عبد القادر مساهل قد زار موسكو شهر نوفمبر الماضي، حيث أجرى محادثات مع السيد سيرغي لافروف، وسمح اللقاء بتبادل واسع لوجهات النظر حول التعاون الثنائي ذي العلاقة بالزيارة التي يعتزم لافروف القيام بها غدا إلى الجزائر وحول اجتماع اللجنة المختلطة المقررة في ربيع 2013.