أجهزة بالملايين تعقم في ”باسينات”..وعاملات نظافة يقمن بالمهمة! كشف خبراء في الصحة العمومية، أن النظافة مطلب أساسي وملازم لسير العمل الصحي، مبينين أن النظافة بشكل عام، تعكس المستوى العام للمستشفيات والتي يجب أن تكون على مستوى عال وتعكس الوجه الحضاري والاقتصادي للدولة. خاصة وأن المستشفى يعدّ مكان تجمّع للمرضى والأصحاء ومن السهل جدا انتقال العدوى، علما أن معدل الإصابة بعدوى الأمراض الاستشفائية يتراوح ما بين 7و14%، حسب التحقيق الوطني المنجز في 2005 حول النظافة في المستشفيات. وتتطلب أساليب الرعاية الصحية الحديثة اهتماما بالغا بالجوانب الحساسة التي ترتبط بشكل مباشر بالمرضى سواء المراجعين أو الخاضعين للاستشفاء، وهنا يشكل العامل الوقائي الجانب الأهم في فرملة انتقال الأمراض المرتبطة بالوسط الاستشفائي إلى الأصحاء من جهة، والحفاظ على الوضع الصحي للمرضى من جهة أخرى، الأمر الذي يطرح التساؤل حول خدمات النظافة التي ينبغي توفرها في مستشفيات الوطن، وحتى بالعيادات الصحية العمومية أوالخاصة على حد سواء، وتساؤل آخر حول السبل الكفيلة بالارتقاء بهذه الخدمات. الواقع يثبت أن عاملة نظافة تنظف أجهزة طبية! حول هذه الإشكالية تحدثت ”المساء” إلى الدكتور نافع تيمسيلين، الخبير في التعقيم الاستشفائي ومدير مخبر ”نوزوكلين الجزائر”، الذي يعتبر أنّ ”التعقيم في المستشفيات ناقص كثيرا حتى لا نقول أنه منعدم، وقد لاحظنا في خرجاتنا الميدانية لكل المستشفيات الوطنية، أنّ الأجهزة والعتاد الطبي لا يتم تعقيمه بالطريقة الصحيحة، والسبب يرجع أساسا لنقص عامل تكوين الموارد البشرية في كيفية التعقيم بالطريقة الصحيحة لهذه الأجهزة، حيث تفتقر القاعات الجراحية لطاقم كفؤ، مهمته الأساسية التعقيم الصحيح لكل العتاد الطبي خاصة وأنّ هذا العتاد بهذه القاعات على وجه التحديد معقد للغاية، وطرق تعقيمه أيضا معقدة، وما لاحظناه في جولاتنا أن الذين يقومون بعملية التعقيم، هم إمّا مساعدي الطبيب من ممرضات أوحتى عاملات النظافة. نعم للأسف الشديد تكون تحت مسؤولية عاملة النظافة! التي لها مهام أخرى كتنظيف الأرضيات ودورات المياه، ومهمة تنظيف الأجهزة الطبية، غير مقبول تماما، وهذا لاحظناه في قاعات الولادة ومصالح أخرى، بطريقة عشوائية وغير صحيحة تماما، ما ينجر عنه مخاطر لا حصر لها على صحة المنظف نفسه الذي لا يعلم مسبقا الطرق الصحيحة للتعقيم، ولا يعلم أيضا أنه عليه ارتداء لباس خاص لذلك، ومنها القفازات لوقاية نفسه من خطر العدوى وفي مقدمتها عدوى الالتهابات الكبدية من نوعي ”ب” و”س”، لذلك أكرر وأقول أن موضوع التعقيم حساس جدا ويتطلب تكوينا قاعديا للموارد البشرية، إضافة إلى تسوية وضعية العتاد الطبي وتحيينه بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية العالمية”. ويسوق المتحدث مثالا هنا بمصلحة الجراحة العامة بمستشفى الرويبة التي يعلق عنها بقوله: إنها ”كارثية للغاية”، وأبدى تأسفه العميق لتنصل السلطات الصحية لهذا الأمر، ”لقد دعونا هذه السلطات لحضور الأيام الثانية للنظافة الاستشفائية، هذا ليكون نقاشا مثمرا، ونطلعهم على المقاييس الدولية المعمول بها عالميا في سياق التعقيم والنظافة الاستشفائية، ولكنها لم تحضر وكأن الأمر لا يعنيها”. وواصل الخبير تشريحه لواقع النظافة الاستشفائية فيقول: إنه ”ضبابي يُسبب فشلا للكفاءات الطبية عالية المستوى حقيقة، لأنه يسبب لهم من جهة أخرى ضغطا كبيرا من الناحية العملية، وتخوفا من الإصابة بالعدوى الاستشفائية، وهنا نذكر حالة وفاة جرّاح مختص، أصيب بعدوى الالتهاب الكبدي الفيروسي ”س” رحمه الله، بالشرق الجزائري، كما تم تسجيل حالات إصابة بالتعفن الاستشفائي بفيروس ”الاش أي في” وفيروس الكبد ”س” بولايتي قسنطينة وبرج بوعريريج”. من جهة أخرى، أظهرت الدراسات المتخصصة أن ما بين 5 إلى 10% من الجراثيم، أضحت مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية، ويصبح معها أنواع العلاج غير مجد. ومن تلك الجراثيم المقاومة، هناك ”البيوفيلم” وهي بكتيريا تتراكم على الجهاز الطبي غير المعقم بالطريقة الصحيحة، وتكون بالتالي سببا في توالد بكتيريا أخرى أو”الاندوتوكسين” التي تنتقل للمريض وتعقد حالته المرضية، بل وتتسبب له بالإصابة بأمراض أخرى تتعلق بالوسط الاستشفائي تصل به حد الإعاقة الحركية أو حتى الوفاة.
جهاز بأربعة ملايين دينار يعقم في ”بسينة”! ويرجع ذات الخبير تردي وضع النظافة الاستشفائية، إلى ”عدم تحمل المسؤوليات، فالرسول الكريم يقول (كل راع مسؤول عن رعيته)، إذن كل رئيس مصلحة عليه أن يقف على وضعية مصلحته الطبية ويراقب مدى احترام كل المعايير المعمول بها في كل الخطوات بما فيها التعقيم، خاصة وأن العتاد الطبي والأجهزة متوفرة، ولكن لها تاريخ انتهاء الصلاحية ولابد من أخذ هذا بعين الاعتبار، ونشير هنا أيضا إلى دور صيدلي المستشفى الذي لا بد له من أداء المهام الموكلة إليه، وهو أول من لا بد له الخضوع لتكوين في موضوع التعقيم عالي التقنية، فالخبراء عبر العالم يعملون وفق قاعدة (اجبارية الوسائل-اجبارية النتائج)، أي مع توفير العتاد الطبي اللازم وتوفير الطرق الصحيحة لتعقيمها، فالنتائج تكون مرضية حتما، ولكننا في الجزائر نعمل في جو ضبابي بحيث تعمل كل جهة لوحدها بمعزل عن الأخرى وهذا له أثار سلبية للغاية”. وفي سياق متصل، يتحدث الخبير عن أهمية إعادة دراسة خاصة حول قانون السوق الذي ”يعرقل الأمور في جميع المستشفيات التي تبدو معاقة بسبب هذا الجانب، إذ يشير الواقع أن المراقبة المالية تعيق منح ”الفيزا” حول بعض الصفقات لأسباب مالية، وهذا الكلام سمعته شخصيا في كل مستشفيات الوطن، والمراقب المالي هذا لابد له أن يفهم بأن المستشفى ليس كباقي المؤسسات، وإنما يستحق معاملة خاصة وسرعة تنفيذ الطلبيات، لأن المستشفى مثلا لا يمكنه العمل دون زجاجات الأوكسجين أوقارورات السيروم، ونقطة أخرى أكثر سوداوية تتلخص، في أنّ بعض الشركاء يلجأون مثلا لقطع الكهرباء أوالهاتف أو حتى قطع المياه عن المستشفيات لعدم تحصيلهم لمستحقاتهم، وهذا أيضا أمر غير مقبول، لأن المستشفى لا يمكنه العمل دون كهرباء أوماء، إذن هناك عدة عوامل تتداخل فيما بينها في مسألة التنظيم والتسيير والتعقيم، تصوروا أن فيه أجهزة طبية يصل ثمنها لأربعة ملايين دينار يتم تنظيفها في ”بسينة” ؟؟ يواصل الخبير ويتساءل مثلا في ذات السياق بقوله: ”هل هناك مستشفى عمومي يقوم على مراقبة نوعية المياه، سواء المياه المتعلقة بتعقيم الأجهزة الطبية أوحتى الموفرة للطاقم الطبي لغسل الأيدي بطريقة صحية، ونحن نؤكد أنه لم يتم التفكير في إسناد هذه المهمة لجهة متخصصة منذ إنشاء لجنة مراقبة العدوى الاستشفائية، التي من المفروض أن تضم إليها عدة فاعلين في الصحة من كل المستويات، وكل طرف تسند له مهمة مراقبة معينة عليه أداؤها، وهو غير متوفر حاليا للأسف”. حلول ممكنة وغير مكلفة.. من جهته، يرى رئيس مصلحة الجراحة العامة بمستشفى الرويبة البروفسور فرحات زبوج، أنه إلى جانب ما ذكره المختص تيمسيلسن حول عدوى المستشفيات، فإنه تضاف عوامل أخرى، يعلق عنها بكونها ”نقائص لعل أهمها نقص الاتصال بين المسيرين والأطباء وشبه الطبي حتى تكون الوقاية في أحسن الأحوال، كما أنني أعتقد أن التسيير الحسن لملف النفايات الاستشفائية تكون له انعكاسات ايجابية على النظافة الاستشفائية عموما، إذ لا يوجد مثلا على مستوى مستشفى الرويبة جهاز ”الكتاليزور” الخاص بحرق النفايات الاستشفائية، وإنما يتم حرقها عشوائيا، وهذا من جهته يسبب أخطارا على الصحة وعلى البيئة. وفي بعض الأحيان تبقى بعضا من تلك النفايات في أكياس بلاستيكية وترمى في المفارغ العمومية، وهذا أيضا له مساوئ خطيرة. وهنا أشير إلى أنه لا بد من أن تتكفل بهذا الملف جهات متخصصة خارجة عن إدارة المستشفيات، مثلا مؤسسات مناولة خاصة لتسيير النفايات الإستشفائية، لأن رئيس المصلحة أو الجراح أو الطبيب يتكفل بالمريض وليس بالنفايات، ونفس الشيء يقال بالنسبة لموضوع التعقيم والنظافة، فالواقع في البلدان الأوروبية يشير إلى اهتمام مؤسسات خاصة بمسألة التعقيم وهي مستقلة تماما عن إدارة المستشفيات وتتكفل فقط بجانب تعقيم العتاد الطبي وتوفير المعقمات لذلك، خاصة وأن الواقع يشير كذلك إلى وجود دبلومات عالمية في مجال التعقيم والشركات المتخصصة تتنافس لحيازتها، وبالتالي تقديم خدمات متقدمة وفق آخر المقاييس الدولية. وفي الجزائر نحن نقرّ بوجود خطوات جدية ولكنها تبقى محتشمة، ولكن الأهم تحقيق بعض التقدم للأمام في هذا المجال حتى نتفادى صرف ملايين الدينارات على معالجة عدوى المستشفيات، في الوقت الممكن تفاديها أصلا،”يقول البروفسور مضيفا بقوله: إنه ”يجب كذلك التفكير جديا في توفير كافة الوسائل اللازمة للأداء المهني للكوادر الطبية، بما فيها شبه الطبي مثلا المآزر والقفازات ومعقمات الأيدي والأكثر من ذلك الأمكنة لتغيير الملابس، وأيضا توفير على مستوى بعض المصالح أفرشة أحادية الاستعمال، وليس إعادة غسلها والتخوف من احتمال بقاء الجراثيم عليها أوعدم التنظيف الفعلي لها تفاديا لانتقال أي عدوى”.
