لم تعط الإحصائيات الأخيرة والخاصة باستغلال الأطفال القصر فى جرائم السرقة والتسول، أرقاما حقيقية، خاصة وأن الواقع يعكس شدة تنامي هذه الظاهرة التى لم تبق حكرا على منطقة دون أخرى، بل توسعت وانتشرت عبر القطر الجزائري، مشكِّلةً منحنى تصاعديا خطيرا، مما جعل المصالح الأمنية تتخذ الإجراءات اللازمة لمتابعة بارونات هذه العصابات التى تنتعش على حساب أجساد أطفال لا حول لهم ولا قوة. العشرات من القضايا المعروضة على المحاكم، كان أبطالها أطفال صغار لم يتجاوز كبيرهم 16 سنة. أطفال اتهموا بعدة قضايا تتعلق بالسطو والسرقة ومحاولة التعدي على الأملاك العمومية. التحقيقات التي أجريت أسفرت عن انتماء هؤلاء الأطفال إلى طبقة الفقراء والمعوزين، وكان أغلبهم ضحية للتفكك الأسري، مما أجبرهم على العمل لحساب أشخاص مجهولين يدفعونهم لمثل هذه الجرائم مقابل بعض الدنانير، مما يدل صراحة على وجود عصابات تستغل براءة هؤلاء القصّر في عمليات السطو والسرقة. من جهتها، كشفت العديد من المصادر القضائية أن أكثر من 35 بالمئة من هؤلاء الأطفال المدانين يقفون أمام الهيئات القضائية دون مساندة من ذويهم، وهو ما يؤكد على وجود شرخ أسري كبير وسط العديد من العائلات الجزائرية. هذا الشرخ الذي يعتبر السبب الرئيسي الذي يقف وراء تأجج ظاهرة استغلال الأطفال. التسول وجه آخر لاستغلال البراءة وجه آخر يستغل فيه الأطفال بكثرة التسول والذي أصبح أسهل طريقة لجمع الأموال، فأكثر المحاضر التى تم تحريريها كانت بعد إلقاء القبض على أطفال متسولين، خاصة النسوة منهم واللواتي يمارسن نشاطهن بمعية رضع لا يتجاوز سنهم فى الكثير من الأحيان سنة واحدة، والكثير من هؤلاء الأطفال يتم كراؤهم من عائلاتهم المعوزة لاستعمالهم كطعم لاصطياد مشاعر المارة من الناس، مما يدر عليهم عائدات كبيرة. من جهة آخرى، نجد وجها آخر مألوفا لاستغلال الأطفال، وهو استعمالهم لجمع وسرقة الأسلاك النحاسية والخردوات من طرف التجار الذي يعتبرون من بارونات تشغيل الأطفال، مما خلّف العديد من الأطفال القتلى الذين حاولوا الوصول إلى الأسلاك الكهربائية، إضافة إلى حوادث السير وركوب الشاحنات المحملة بالنفايات الحديدية. جولة قصيرة قادتنا إلى مختلف المفرغات الخاصة بالفضلات الصلبة، خاصة النحاسية منها، تجعل الملاحظ يدرك حجم التطور الرهيب فى استغلال الأطفال، حيث تجدهم ينتشرون فرادى وجماعات، معرضين أنفسهم لمخاطر كثيرة، بغية تحصيل القليل من النقود التي قد تساعدهم على إعانة عائلاتهم أو التحضير للدخول المدرسي، لكن المتاجرين بهؤلاء الأطفال يحصلون على أموال طائلة من خلال بيع هذه المواد فى السوق السوداء.