مراصد إعداد: جمال بوزيان الجزء الثاني تعزيزاً للإصلاح التربوي.. دعوةٌ إلى تنظيم حوار وطني شامل أسال تسقيف درجات امتحان شهادة البكالوريا كثيرا من الحبر لا سيما في مواد العلوم الإنسانية كنا نسمع أن سقراط نفسه لا يحصل على درجة 13 في مادة الفلسفة وأن الرافعي أو العقاد لا يحصلان على درجة 13 في مواد اللسان العربي.. كما أن فئة من أساتذة الدروس الخصوصية توجه التلاميذ إلى حفظ دروس الفلسفة للنجاح.. بداية نسأل الأساتذة: ما قراءتكم لنسبة النجاح؟ وما رأيكم في طرح بعض الأولياء إعادة ضبط معايير الطعون في نتائج امتحان البكالوريا؟ وألا يمكن تسقيف درجات امتحان شهادة البكالوريا في بعض المواد ولكل الشعب؟ وماذا تقترحون؟ وألا يمكن مراجعة بعض معايير توجيه التلاميذ لتخصصات تناسب درجاتهم ورغباتهم بدقة؟ وكيف يضبط عدد الناجحين سنويا بما يناسب سوق العمل دون فائض؟. ///// الامتحانات الإشهادية.. قراءة هادئة في التقييم والطعن والتوجيه البكالوريا نموذجا أ.حشاني زغيدي مقدمة: ما وراء الدرجات من الطبيعي في كل موسم من مواسم إعلان نتائج البكالوريا أن يتساءل الناس ويُطرح التساؤل مصحوبًا بالقلق والحيرة وربما الغضب المكتوم. كيف لطالب مجتهد أن يُصدم بدرجة لا تعكس تعبه وسهره؟ ولماذا يشعر أولياء التلاميذ وكأن أبناءهم تعرضوا لظلم في التصحيح؟ السؤال أعمق من ورقة إجابة ونتيجة مفاجئة إنه سؤال في صميم عدالة التقييم وشفافية التصحيح ومصداقية التوجيه. فهل نظام التقييم كما هو معمول به اليوم ينصف الطلبة؟ وهل آليات الطعن تُلبّي الحد الأدنى من التوقعات التربوية؟ أولًا: من داخل المهنة.. حين يتحدث المربي المرتبط بالمردود التربوي بعد أكثر من 32 سنة قضيتها بين حجرة الدرس والإدارة التربوية أجدني أعود اليوم بعد تقاعدي –كأستاذ في الأصل– إلى روح المهنة التي شكّلت وجداني التربوي. لقد كنت دائمًا قريبًا من ورشات تحليل النتائج على مستوى المدارس والمقاطعات التربوية ومتابعًا نشطًا لما يُنشر من أبحاث تربوية عبر المنصات الأكاديمية. ورغم أنني لا أدّعي امتلاك التخصص العميق في بيداغوجيا التقييم إلا أني أستند إلى تجربتي المهنية وقراءاتي وملاحظاتي الميدانية لأقترح بعض المداخل التوجيهية التوعوية علّها تسهم في إضاءة الطريق. ثانيًا: تشخيص الواقع.. حين تتحدث الأرقام ويحتجّ الطلبة تشير المعطيات المتداولة سواء الرسمية أو الميدانية إلى جملة من الملاحظات التربوية الدقيقة. هناك تفاوت لافت في نسب النجاح في المواد الأدبية حيث تُسجَّل نسب نجاح عامة مقبولة لكنها تُخفي حالات تسقيف للعلامات خصوصًا في مادتي الفلسفة واللغة العربية. تُسجل ندرة واضحة في العلامات المرتفعة حتى عند الطلبة المعروفين بجودة إجاباتهم وعمق أفكارهم. تتكرر الشكاوى من غياب التوحيد في منهجية التصحيح مما يفتح المجال لاجتهادات فردية غير منضبطة خصوصًا في مواد التعبير. كما تنتشر ثقافة تفضيل العلامة على الفهم مما يُغذي سوق الدروس الخصوصية ويُضعف القيمة التكوينية للمحتوى التعليمي. ثالثًا: أزمة الطعون.. صمت الورقة أمام صرخة التلميذ رغم أن الطعن في النتائج حق قانوني فإن آلية تطبيقه الحالية تثير الكثير من التساؤلات التربوية. فالطعن لا يشمل إعادة تصحيح بل يقتصر على التحقق من جمع النقاط ما يجعله إجراءً شكليًا لا يحقق المراجعة العادلة. كما أن غياب اطلاع الطالب على ورقته أو على سلم التصحيح المعتمد يضاعف من حالة انعدام الثقة. ونادرًا ما تتغير النتائج بعد الطعن مما يجعل الطلبة والأولياء يشعرون بانعدام الفعالية والمصداقية. في هذا السياق يُقترح نشر سلالم تصحيح معيارية لكل مادة مباشرة بعد الامتحانات كما كان معمولًا به من قبل عبر الصحافة الوطنية. كما أن تمكين المترشحين من الاطلاع على أوراقهم وتصحيحاتها في حال الطعن وتشكيل لجان طعن مستقلة تضم أساتذة ذوي خبرة لا علاقة لهم بالتصحيح الأول كلها إجراءات تعزز الشفافية. ويمكن كذلك إطلاق منصة إلكترونية ضمن بوابة الطعون تتيح للطلبة وأوليائهم تتبع مراحل التقييم والطعن بكل وضوح. رابعًا: كيف نتعامل مع النتيجة بحكمة إلى أبنائنا الطلبة النتيجة مهما كان وقعها لا تعكس بالضرورة قدراتكم الفكرية. لا تجعلوا رقمًا واحدًا يُضعف ثقتكم في أنفسكم. الطعن حقكم لكن مارِسوه بهدوء ومعرفة واستعينوا بأساتذتكم في تقييم ذاتي للورقة. البكالوريا ليست نهاية بل بداية طريق جديد يحتاج إلى عزيمة وتوجيه راشد. وإلى أوليائنا الكرام لا تجعلوا من هواجس التشكيك بوابة للطعن في كفاءة الأستاذ أو النتيجة ولا تجعلوها سببًا في الضغط النفسي على أبنائكم. بل اجعلوها فرصة للحوار والإنصات والتوجيه نحو تخصص يناسب قدراتهم. فالنجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالأرقام بل بمدى استثمار الطالب لمساره التربوي والعلمي. خامسًا: إصلاحات ممكنة.. حتى لا تتكرر الصدمة إذا أردنا أن نحول تجربة البكالوريا إلى لحظة وعي تربوي فإن الإصلاح يجب أن يشمل أربعة محاور أساسية. في مجال التقييم من الضروري مراجعة المعايير المعتمدة في المواد الأدبية. يعاني كثير من التلاميذ من غموض سلم التنقيط خاصة في المواد التي تعتمد على التفكير والتحليل. لذلك يجب تبني سلالم تقييم واضحة تراعي بناء الفكرة وسلامة التحليل وتفتح المجال أمام الطالب للتعبير النقدي بحرية. في ملف الطعون فإن اقتصار الإجراء على التحقق من جمع النقاط لا يحقق العدالة التربوية. يُقترح تمكين المترشحين من الاطلاع على أوراقهم ونشر سلالم التصحيح بعد الامتحان وتشكيل لجان طعن مستقلة. في التوجيه الدراسي الاعتماد الحصري على المعدل يُفقدنا البعد الشخصي في بناء مستقبل الطالب. إدماج اختبارات قدرات ومرافقة مهنية مبكرة منذ المرحلة الثانوية من شأنه أن يساعد على توجيه أكثر دقة وانسجامًا مع ميولات التلميذ. في المرافقة التربوية لا بد من تعزيز ثقافة الطعن القانوني وتيسير إجراءاته وتنظيم لقاءات تحسيسية مشتركة بين الأولياء والتلاميذ والأساتذة حتى لا تتعمق الفجوة بين المدرسة والأسرة وبين التقييم والعدالة. سادسًا: مقاربات مقارنة.. كيف فعلها غيرنا؟ في فنلندا لا تُبنى العملية التقييمية على امتحانات موحدة بل تُقيّم قدرات الطالب عبر مشاريع تحليلية وإنجازات بحثية على مدار السنة مما يُخفف الضغط ويُنمي التفكير المستقل. في سنغافورة يتم اعتماد أدوات تقييم مرنة تُحفز على الإبداع وتُكافئ التفكير النقدي وتفتح المجال للتميّز الفردي. في فرنسا تم إرساء مسار طعن شفاف يتيح للطالب الاطلاع على ورقته المصححة ومعرفة السلم المعتمد مما يعزز الثقة في نزاهة الامتحان. إننا لا ندعو إلى تقليد هذه التجارب بشكل أعمى بل إلى الاستفادة منها واستلهام ما يناسب خصوصيات بيئتنا التربوية مع وضع الطالب في قلب العملية والمعلم شريكًا حقيقيًا والتقييم أداة لا غاية. خاتمة تأملية: أنت أكبر من رقم إن البكالوريا ليست نهاية المطاف بل هي لحظة من لحظات النمو الدرجة لا تصنعك لكنها قد تفتح لك بابًا لتكتشف ذاتك وتراجع رؤيتك وتُصقل قدراتك إلى كل طالب أنت أكبر من رقم فلا تجعل العلامة تسجنك بل اجعلها دافعًا لاكتشاف آفاقك إلى كل مربي التقييم العادل هو ما يوقظ القدرة لا ما يُسقطها في الإحباط إلى صانع القرار الإصلاح يبدأ من ورقة الامتحان لأنها تعكس روح المدرسة التي نطمح إليها إن الامتحان أداة تمتحن العدل قبل أن تمتحن العلم العلامة محمد البشير الإبراهيمي. ///// تسقيف العلامات وإصلاح البكالوريا.. من الأزمة إلى الحل أ.د.الصالح شليحي كل عام ومع صدور نتائج امتحان شهادة البكالوريا يُثار الكثير من الجدل خاصة حول درجات بعض المواد كاللغة العربية والفلسفة والتاريخ فيشعر كثير من التلاميذ وأولياؤهم بل وأساتذتهم أحيانًا بعدم الرضا عن الطريقة التي وُزّعت بها العلامات. فتتردد مقولات ساخرة مفادها أن سقراط لن يحصل على أكثر من 13 في الفلسفة و العقاد لا يُنجّح في اللغة العربية . فهل هذه النكتة البيداغوجية تخفي مأزقًا حقيقيًا في التقييم والتوجيه؟ وهل أصبحت بعض المواد الإنسانية رهينة عقلية تسقيف لا ترى فيها إلا مادة عبور لا مادة تفكير؟ وهل نحتاج فعلًا إلى إعادة ضبط منظومة التقييم برمّتها؟ في هذا المقال سنحاول تقديم قراءة هادئة وعميقة لإشكالات التسقيف والطعون ومعايير التوجيه وعلاقتها بسوق العمل. أولًا: نسبة النجاح.. أرقام لا تعكس كل شيء تثير نسب النجاح الرسمية سنويًا موجة من التفاعل على منصات التواصل لكنها غالبًا لا تُقرأ قراءة تحليلية تُفرّق بين الكم والكيف بين جودة التحصيل ومجرد النجاح العددي. فنسبة النجاح المرتفعة لا تعني بالضرورة تحسنًا نوعيًا كما أن النسبة الضعيفة ليست مؤشرًا دائمًا على إخفاق جماعي بل ربما كانت نتيجة معايير صارمة في التصحيح أو مواضيع عالية التحدي. ولذا فإن نسبة النجاح يجب أن تُقرأ في ضوء نسب التوجيه الجامعي وحاجيات سوق العمل وقدرات الجامعات على استيعاب الأفواج. ولا يجوز أن نكتفي بالرقم المجرد دون فهم السياقات. ثانيًا: عن تسقيف العلامات في المواد الإنسانية لا يُخفى على المتابعين أن مواد كاللغة العربية والفلسفة وأحيانًا التاريخ تشهد في غالب الأحيان توزيعًا للعلامات يبدو وكأنه مسقوف تلقائيًا. فقلّما نجد من يتحصل على علامة 17 أو 18 فما فوق في الفلسفة حتى وإن كتب نصًا مميزًا. وهنا تبرز معضلة المعيار: - هل نقيّم نص التلميذ وفقًا لنموذج مثالي لا يُكتب إلا في مخيلة المصحح؟ - أم نقيم الجهد النقدي والتماسك المنطقي والتفاعل مع الإشكالية؟ في كثير من الحالات تتحول مواد الفكر إلى مواد للحفظ والتلقين. وتُقدَّم الدروس الخصوصية في الفلسفة كملخصات محفوظة تمامًا كما تُقدم دروس الأدب العربي فيُطلب من التلميذ أن يحفظ ليحصل على المعدّل لا أن يفكر ليُكافأ. وهنا يَبرز سؤال جوهري: أليست سياسة تسقيف العلامات إفراغًا لهذه المواد من جوهرها النقدي؟ وأليست إعادة النظر في طريقة التصحيح وتكوين المصححين وتدقيق شبكة التنقيط ضرورة مستعجلة؟ ثالثًا: الطعون.. مطلب شعبي أم ثغرة إدارية؟ مع تزايد الطعون التي يُقدمها الأولياء والتلاميذ يظهر خللٌ آخر: هل الطعن آلية فعلية للمراجعة؟ أم مجرد إجراء إداري للتهدئة؟ تُعدّ مطالب مراجعة معايير الطعن مشروعة خصوصًا إذا ثبت أن التصحيح غير مُراقب أو أن تصحيح المواد الإنسانية لا يتم دائمًا بمنهجية واضحة وموحدة. ولذا فإننا نُقترح: - اعتماد التصحيح الإلكتروني للمواد الكتابية حيث يُدرج التلميذ أجوبته ضمن نماذج مقنّنة إلكترونيًا. - مراجعة ورقة الإجابة من قبل مصححين اثنين على الأقل. - السماح للطعن بأن يُدرج ضمنه تعليل يقدمه التلميذ أو الولي يوضح فيه مواضع الاعتراض داخل الورقة. - توحيد معايير التصحيح وطنياً مع فسح هامش في التقييم النقدي والابتكار. رابعًا: هل نُقنّن تسقيف العلامات في بعض المواد؟ طرح فكرة التسقيف الرسمي للعلامات بحيث لا يتجاوز الطالب في بعض المواد عتبة معينة هو طرح خطير تربويًا وإن بدا واقعيًا لدى البعض. فمن جهة هو يُفرغ المادة من بعدها الإبداعي ويمنح رسالةً سلبية مفادها: لا تتعب كثيرًا لأنك لن تأخذ أكثر من كذا! ومن جهة ثانية يُخلق بذلك تفاوت اصطناعي بين الشعب إذ قد تُحتسب موادُ بعض الشعب بشكل يتيح لها التفوق السهل مقابل صعوبة مضاعفة في شعب أخرى. البديل الأسلم هو: - مراجعة طريقة طرح المواضيع بحيث تسمح بفهم مختلف مستويات التلميذ. - وضع شبكة تنقيط مرنة تقيّم كل جزء من الجواب بما يستحق دون أن تقصي المميزين خوفًا من علاماتهم العالية. - إعادة الاعتبار للفكر لا للحفظ. خامسًا: ماذا نقترح لإصلاح منظومة التقييم والتوجيه؟ 1. إصلاح البيداغوجيا قبل العلامة: لا يمكن أن نطلب من تلميذ أن يبدع في الفلسفة ونحن نعلّمه من خلال ملخصات جافة ولا نُعلّمه مهارات الجدل أو الحجاج أو الكتابة النقدية. 2. تكوين المصححين: على كل من يشارك في التصحيح أن يمر بدورات تأهيلية سنوية وأن يُعرض له نماذج متعددة من الأجوبة ليتم تدريبه على رصد الجودة لا اجترار النمط. 3. تقنين الطعون وتنظيمها: يمكن تنظيم عملية الطعن إلكترونيًا مع إمكانية تتبع مسار ورقة الأجوبة ومعرفة ملاحظات المصححين. 4. ضبط التوجيه الجامعي: يجب أن يرتبط التوجيه الجامعي بعدة مؤشرات: *المعدل العام. *علامة المواد الأساسية للتخصص. *الرغبة الشخصية للتلميذ. *قدرات المؤسسات الجامعية. *حاجيات سوق العمل المستقبلية. 5. مواءمة التعليم بسوق الشغل: لا يكفي أن نقول: نجح 60 أو 70 بل يجب أن نطرح: كم نسبة الذين سيوجَّهون إلى تخصصات يحتاجها البلد؟ وكم سيتكدسون في تخصصات لا مستقبل مهنيًا لها؟ 6. إلغاء الطابع الموسمي للجدل: يجب أن تكون هذه النقاشات جزءًا من الحوار الوطني التربوي الشامل لا مجرد رد فعل موسمي كل صيف. نحتاج إلى مراكز بحث وتقييم فعلي لمنظومة البكالوريا ومآلاتها. فليست مشكلة البكالوريا في تسقيف العلامات فقط بل في العقلية التي تدير التقييم والتوجيه والتكوين. وليست المشكلة في مادة الفلسفة أو الأدب بل في اغتيال روح الفكر لحساب نماذج ميتة. وإذا أردنا إصلاحًا حقيقيًا فلا بد من بناء جسر بين التقييم والعدالة بين الرغبة والواقعية بين العلم والضمير. إننا بحاجة إلى ثورة هادئة تعيد للعلم هيبته وللتفكير قيمته وللتلميذ مكانته.