صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 ماي بقسنطينة    إحياء ذكرى وفاة المجاهد محمد الصديق بن يحي في جيجل    القضاء على إرهابي و قبض عنصري دعم    لعقاب يقف وقفة ترحم على أرواح شهداء المهنة    في خطابه له أمام نقابيي الاتحاد العام للعمال وأحدث صدا،الرئيس تبون : نجدد تمسك الجزائر بالطابع الاجتماعي للدولة ولن نتخلى عنه    شهادة التعليم المتوسط و"البكالوريا": والي سكيكدة تنصب اللجنة الولائية المكلفة بالتحضير    اتّفاقية لتسويق الحليب بأحياء عدل    حراك الجامعات المؤيّد لفلسطين يتوسّع..    الوادي توقيف 3 مشتبه فيهم بقتل شخص    قوجيل: الجزائر تدرك تماما أهمية التنوع الثقافي    تغيّر في الأفق بمتحف المياه في توجة    بيت الحكمة.. كنز من كنوز الحضارة الإسلامية    تمثيلية جبهة البوليساريو بإيطاليا تنظم يوما تكوينيا لمرافقي الأطفال الصحراويين خلال الصيف    السيد العرباوي يحل ببانجول للمشاركة في أشغال قمة منظمة التعاون الإسلامي    حماية الطفولة: السيدة مريم شرفي تستقبل من قبل وزير المصالح الاجتماعية بكيبك    المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين يثمن الإنجازات المحققة في مجال الإعلام    معرض للمنتجات الجزائرية بنواكشوط    حفاوة رئاسية بالأسرة الإعلامية    الفنانة حسنة البشارية أيقونة موسيقى الديوان    تصفيات كأس العالم 2026 : ملعب "نيلسون مانديلا" سيحتضن مباراة الجزائر وغينيا    بن طالب ينافس أوباميانغ على جائزة أفضل لاعب أفريقي في فرنسا    الجائزة الكبرى لمدينة وهران للدراجات: فوز نهاري محمد أمين بالمرحلة الثانية    استقبال الجرحى في الجزائر: سفير دولة فلسطين يثمن موقف دولة الجزائر المساند للفلسطينيين    الولايات المتحدة: الاحتجاجات الطلابية تمس أكثر من 120 جامعة أمريكية و ما يفوق 2000 معتقل    الحماية المدنية: تمرين محاكاة لزلازل بالبويرة بمشاركة 4000 عون    خلال نهاية السنة الجارية : تسطير برامج فعالة لإعادة التنمية للمناطق المحرومة في عنابة    حجز أزيد من 6 كلغ من المخدرات بعنابة    قسنطينة: وفاة طفل غرقا في بركة مائية ببني حميدان    أم البواقي : تنظيم ملتقى وطني جامعة العربي بن مهيدي    مباريات مولودية الجزائر-شباب قسنطينة: رفع الحظر عن تنقل أنصار الفريقين    بطولة إفريقيا المفتوحة أنغولا-2024 للسباحة: الجزائر تفتك خمس ميداليات جديدة منها ذهبية واحدة    آدم وناس يرد على قرار نادي ليل الصادم    دراجات/ طواف البنين الدولي: الجزائري ياسين حمزة يفوز بالمرحلة الرابعة    الاهتمام بالتكوين ضروري لتحسين أداء الأفواج الكشفية    الاتحاد الأوروبي سيمول 7 مشاريع للطاقة عبر "بنك الهيدروجين"    الايطالي جيانلوكا كوستانتيني.. فلسطين في التظاهرات الطلّابية    مراسلون بلا حدود: إسرائيل قتلت أكثر من 100 صحافي فلسطيني    النفط يتأرجح بين توقعات أوبك+ ومخاوف بشأن بالاقتصاد الأميركي    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : الجائزة الكبرى "الغزالة الذهبية" من نصيب الفيلم الاسباني "ماتريا"    دعا لها مشاركون بندوة علمية بسطيف.. ضرورة بناء وتكوين قدرات فعالة في إدارة المخاطر محافظة على الموروث الثقافي    عطاف يواصل المشاركة في الندوة الوزارية إفريقيا-دول شمال أوروبا بكوبنهاغن    مشاركة قرابة 20 ولاية في المعرض الوطني للفنون والثقافات الشعبية    أولمبياد باريس 2024 : اللجنة الأولمبية تعين برباري رئيسا للوفد الجزائري في الأولمبياد بباريس    البرلمان العربي: الصحافة العربية لها دور ريادي في كشف جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال الصهيوني استهدف منزلا برفح    تيارت..هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين في حادث مرور    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي ويكشف: نحو تنظيم دورات تكوينية لصحفيي الأقسام الثقافية    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد الهدنة في غزة؟
نشر في الفجر يوم 10 - 08 - 2014

انتهت الحرب التي قررت إسرائيل بدايتها ونهايتها، وقتلت خلالها مئات الأطفال والنساء والشيوخ وقلة من المقاتلين، ودمرت المئات من الممتلكات الخاصة وقليلا من المباني العامة، وشردت الآلاف من منازلهم، وحرمتهم من القليل الذي كان لديهم لسد رمقهم، وأضافت أعدادا من الأطفال اليتامى سينضمون إلى قوائم منظمات غوث اللاجئين.. كل هذا كلام مكرر كُتب وسُمع من عشرات السنين، ولم يبقَ تعبير حزن وألم وشفقة ولعنة إلا واستُخدم حتى صار لا يعني أكثر من لحظة تمر على البال ثم يطويها النسيان، وينشغل العالم عموما، والعرب خصوصا، بقضايا دائما ما تزيح فلسطين من صدر قائمة الهموم والأحزان.
في مطلع شهر أغسطس (آب) 1990 لاح لصدام حسين غزو دولة الكويت، وحينها تحركت الآلة الإعلامية الموالية له لتبرير فعلته والدفاع عن جريمته، وصار تحرير فلسطين متصدرا تفسيراتها للهدف الخفي غير المعلن لعملية ضم الكويت إلى العراق، وكم حذر العقلاء من الآثار المدمرة التي ستلحق بالعراقيين خصوصا، والعرب عموما، ولكن تلك الأصوات ذهبت أدراج الرياح، وارتفع إلى مقدمة الصفوف نفاق الشعراء والإعلاميين والفنانين الذين صارت قصور صدام وجهتهم وأموال العراقيين مبتغاهم.. وحين انقشع الغبار، وحصد العراق الدمار، وتشبثت أميركا بهدفها الحقيقي، تحول العراق إلى ”أرض السواد”، كما وصفها الأديب الراحل الأستاذ عبد الرحمن منيف، ولم يكن رئيس العراق السابق إلا كحاطب ليل، يسير على غير هدى، ولا يحتاج أي إنسان سوي ليدرك ما حل بالعراق نتيجة غروره من جانب وإصرار واشنطن على تدمير هذا البلد العظيم.
اليوم، لا تتوقف الأصوات التي تتحدث عن الانتصار، وكيف سقطت إسرائيل ورضخت للانسحاب أمام ما واجهته من مقاومة، لا يمكن إنكارها، ولكن أحدا لا يجرؤ على المطالبة بجردة حساب عن حجم الخسائر المروعة والدمار الرهيب، ومن الذي سيدفع فاتورة ما جرى، والذين يصرخون بأن إسرائيل لم تحقق أهدافها، يبتسرون الواقع، ولا يقولون إن ما فعلته كفيل بالمزيد من المعاناة والضنك، ولعل الأرقام التي تتحدث عن قيمة تقديرية لما جرى تدميره بلغت ستة مليارات دولار تدل على هول الكارثة الإنسانية الإضافية، وحتما أن قادة حماس يعلمون أن أحدا لن يغطي هذا الرقم مهما كانت عواطفه نبيلة.
منذ أن استولت حماس على الحكم في غزة، أدمنت قياداتها التعامل مع القضايا من منظور لا يرتبط بالحكمة والتبصر، ولم يكن مقبولا أن تقحم نفسها ومعها الشعب الفلسطيني في مأزق القضايا الداخلية لأي دولة عربية، وخصوصا دولة بحجم وأهمية مصر، والانغماس في شؤونها، ولم يكن معقولا تصور أن وصول الإخوان المسلمين إلى حكمها هو انتصار لرفاقهم في غزة، وفي هذا العمل سذاجة سياسية يتحمل تبعاتها الفلسطينيون، ولا تؤثر على مصر وقيمتها وتأثيرها في شيء.. وليست مصر هي الدولة الوحيدة التي خسرت حماس تعاطفها وتأييدها!
الآن، وبعد أن قبلت حماس بالمقترح المصري لتثبيت هدنة مؤقتة، لا بد أن يكون المسعى الجاد منصبا على توافق فلسطيني حول إدارة الملف ومنح الشعب المنكوب فرصة لاستعادة قدرته على الحياة، وأن تترك قياداته العنتريات التي ”ما قتلت يوما ذبابة”.. لقد دفع أهل غزة خصوصا فاتورة باهظة إنسانيا وماديا، وآن لهم التفرغ لحياة يومية طبيعية يجب أن تكون بدايتها في رفع الحصار البشع عنهم، ثم البحث عن قيادات تعمل تحت شعار فقه الضرورات وفقه المصلحة، وأن لا تنجر وراء الشعارات الجوفاء، وأن تدرك أن بناء الإنسان يسبق الحديث عن استخدام السلاح وبناء الأنفاق وتهريب السلاح.
إن الموت اليومي والدمار المخيف والمقابر الجماعية التي ألحقتها إسرائيل بغزة، خلال شهر من القصف المستمر على مدار اليوم، ستجلب تعاطفا، وستؤجج مشاعر سلبية ضد الإسرائيليين، وستثير غضبا ضد الاحتلال، ولكن كل هذا لا يفيد الفلسطينيين في مستقبلهم، فلطالما خرجت المظاهرات في عواصم العالم، لكنها انشغلت بكارثة إنسانية أخرى، وما أكثرها هذه الأيام.
كان الأمين العام للأمم المتحدة صادقا، عندما ناشد العالم إعادة بناء ما دمره العدوان، لكنه أكد أنه من غير المعقول أن ذلك لا يمكن أن يكون عملية دائمة من دون توقف.. وفي هذه المناشدة رسالة واضحة على أهمية البحث عن السلام الذي يمنح الرئيس محمود عباس فرصة حكم بعيدا عن صراع المناصب الذي أنهك الفلسطينيين وقضيتهم، ومن المنطلق الوطني الفلسطيني، فلا بد لحماس من الاعتراف بعجزها على الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية والسياسية، وعدم تبرير فشلها بالحصار فقط، لأنها تصورت أن المنحة الانتخابية التي حصلت عليها مرة واحدة تعطيها الحق في الاستمرار إلى الأبد، بوصف ذلك (في نظرها) تفويضا مطلقا لن تتنازل عنه، وهو الخطأ المميت نفسه الذي وقعت فيه جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقذف بقياداتها إلى السجون وبتنظيمها السياسي إلى تحت الأرض، مرة أخرى.
لقد التبس الموقف الديني بالسياسي لدى حماس، وتصورت أنها صاحب الحق منفردة لتقرير مصير فلسطينيي غزة، ولم تكن قادرة تحت أوهام القوة التي مكّنتها من السيطرة على القطاع من أن تتعامل بروح الواقع تحت الاحتلال، وتناست أنها ما زالت حركة تحرير، وليست حكومة حقيقية ذات أهلية سياسية كاملة، ومارست التشديد على حريات الناس السياسية والاجتماعية، وأنهكت النسيج الفلسطيني بالعزل والإبعاد لكل من اختلف معها فكريا، وفي هذا تكرار لما تفعله حركات الإخوان المسلمين في كل قطر تمكنوا من احتكار السلطة فيه، أو استطاعوا الوصول إلى مفاصله المهمة.. قد يكون لحركة النهضة في تونس السبق في التميز عن شقيقاتها في دول المشرق، وذلك للتكوين المختلف في المجتمع التونسي، وارتفاع معدلات التعليم فيه، ومشاركة المرأة الحقيقية في حركته الاجتماعية، والدور الفاعل للنقابات، وأرباب العمل، وابتعاد الدولة عن استخدام الجيش داخليا.
ما شاهدناه في غزة يدمي كل قلب، ويجعل المرء في حيرة من أمره، ولا يمكن الصمت عن الأهوال التي تعرض لها كل بيت فلسطيني في غزة خصوصا، ومع ذلك فإن المنطق والعقل يتطلبان من قيادة حماس أن ترتفع فوق الخصومة السياسية، وأن تعيد حساباتها الوطنية، وليس في ذلك تشكيك في وطنية قادتها، ولكنهم فشلوا في التعامل مع المتغيرات، ولم يتنبهوا إلى أن الحكم ليس قضية يمكن تناولها بالخفة والدعاء والبقاء تحت وهم بيع الانتصارات، التي انتهت كلها إلى دمار وقتل وتشريد، وكم أتمنى أن تركز حماس في الفترة المقبلة على إعادة الهدوء إلى الجسد الفلسطيني، وأن ترتفع فوق جراح أهلنا في غزة، وأن تمد يدها بعيدا عن المزايدات والأوهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.