اليونيسف: 13 ألف طفل فلسطيني دخلوا دائرة سوء التغذية في غزة    تنس/ كأس ديفيس /المجموعة الثالثة - منطقة إفريقيا/ : فوز الجزائر على زيمبابوي (3-0)    فرنسا: باحثون وأكاديميون وناشطون يوجهون رسالة مفتوحة ضد التصريحات العنصرية لنويل لونوار    صناعة السيارات: تمديد التسجيل في حملة تجنيد الكفاءات إلى غاية 21 اغسطس    الباور ليفتينغ لذوي الاحتياجات الخاصة: أربعة جزائريين في كأس العالم 2025 بسانتياغو    المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء: السيدان بلمهدي وزيد الخير يزوران مقر مشيخة الأزهر    حج 2026: وكالات السياحة والأسفار مدعوة للتسجيل وسحب دفتر الشروط    المجاهد علي طلالة يوارى الثرى ببلدية "حمادية" بتيارت    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 61776 شهيدا و154906 مصابين    مكافحة حرائق الغابات: الحملة الوطنية تسير بوتيرة عالية    إدراج الصحافة الإلكترونية كآلية للإشهار: مهنيو ونقابات القطاع يعبرون عن ارتياحهم لقرار رئيس الجمهورية    الحملة التحسيسية للوقاية من حوادث المرور تتواصل عبر مختلف ولايات الوطن    المطالبة باعتقال مسؤولين عسكريين صهاينة    طبعة رابعة استثنائية للمعرض الإفريقي للتجارة البينية 2025    الشلف أمن الولاية : تضع حدا لنشاط اشخاص يحترفون السرقة    وفاة 3 أشخاص وجرح 287 آخرين    إسدال الستار على الطبعة ال13 من المهرجان الثقافي الوطني للموسيقى الحالية بقالمة    متى تكون أفريقيا للأفارقة..؟!    بولتون، أمن و استقرار إفريقيا وأوروبا على المحك    شان-2024 : المنتخب الوطني يجري الحصة ما قبل الاخيرة له قبل لقاء غينيا    بن شيخة مدربا جديدا للاتحاد    والي تيبازة يدعو إلى استكمال العمليات المسجلة    عرض مذهل لمبابي    هذا موعد الدخول الجامعي    وطّار يعود هذا الأسبوع    هل الرئيس ترامب صانع سلام؟!    جهود متواصلة لمكافحة الإرهاب والإجرام    زيد الخير يترأس بالقاهرة جلسة علمية    قبر القسّام يزعجهم..    ممتنّون للجزائر والرئيس تبون دعم القضايا العادلة    دعم الجزائر للقضية الصحراوية مبدأ ثابت    تمكين الشباب ليكون محرّك التنمية في إفريقيا    دعاوى قضائية لإحجام العنصرية ضد الجزائريين    معرض التجارة البينية الإفريقية, محطة استراتيجية لتحقيق التكامل العربي-الإفريقي    برنامج طبي هام في جراحة الحروق    مسجد "صالح باي".. حارس ذاكرة عنابة    حصيلة إيجابية لتجارة المقايضة بإيليزي    المغرب يواصل نهب ثروات الشعب الصحراوي    إقبال كبير على حديقة التسلية والترفيه    تحذير برتغالي لبنفيكا من التعاقد مع محمد عمورة    ثوانٍ تحسم قضايا.. "نقرة على منصة رقمية" تختصر المسافة بين المواطن والقضاء    استثمار في صحافة الطفل    تتويج 53 طفلًا حافظا لكتاب الله    بولبينة سعيد ببدايته القوية مع نادي الدحيل القطري    دورفال أمام مستقبل غامض قبل غلق الميركاتو    رحلة طفل يحوّل فقدان البصر إلى قوة وإلهام    المؤتمر العالمي ال10 لدار الإفتاء المصرية: السيد زيد الخير يترأس بالقاهرة جلسة علمية    منصة لتنمية الخيال وترسيخ القيم    التشكيلي هاني بن ساسي يعرض أعماله بالجزائر العاصمة    هذه البيوع محرمة نهى عنها الإسلام    موجة زكام حادّة تضرب الأسر في عزّ الصيف    يجب وضع ضوابط شرعية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي    تحسيس حول ترشيد استهلاك الطاقة    حملة توعوية حول الاستخدام السيئ للأنترنيت    القانون المنظم للنشاطات المنجمية يعزز سيادتنا الاقتصادية    قويدري يستقبل وفداً نقابياً    شبكة استعجالات طبية جديدة بقسنطينة    تطهير قائمة موزّعي الأدوية لضبط السوق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراح جمال مفجّر ملفات فساد يروي ل “الجزائر نيوز" قصصا عن التبليغ في الجزائر
نشر في الجزائر نيوز يوم 16 - 12 - 2012

حسب نتائج دراسة مدى انخراط الجزائريين في مكافحة الفساد التي أجرتها رابطة حقوق الإنسان، مؤخرا، فإن 88 بالمائة من الجزائريين يخشون التبليغ عن الفساد خوفا من الانتقام، أنت من بين 12 بالمائة التي لم تخش ذلك وفجّرت أضخم قضايا الفساد في سونلغاز، ما الذي شجعك على التبليغ عن الفساد بلا خوف من الانتقام؟
الفساد مستشري بين الشركات والمؤسسات العمومية، وكلنا على علم بذلك، لكن الفرق بيني وبين أي إطار آخر هو أنه حدثت معي لحظة فاصلة في يوم من الأيام عندما كنت مسؤولا على تنظيم نشاطات اجتماعية لعمال مجمع سونلغاز، حيث قدمت إلى المصلحة عاملة نظافة متقاعدة من المجمع تطلب إمكانية إدراجها ضمن وفد قدماء سونلغاز لأداء مناسك العمرة، إلا أن تعامل مدير عام الخدمات الاجتماعية معها آنذاك كان تعاملا فظا وغليظا ومهينا لها، إذ رفض طلبها، وحدث ذلك على مسمع ومرأى الجميع، مع العلم أنه كان هناك 10 أماكن شاغرة ومجانية تلقاها مجمع سونلغاز من وكالة سياحية مقابل إحدى الصفقات، وهي أماكن استفاد منها أولياء كبار المسؤولين في مجمع سونلغاز بدل عاملة النظافة العجوز الضعيفة التي كانت تتقاضى منحة تقاعد تقدر آنذاك ب 3 آلاف دينار.. عندها أيقنت أن مثل هؤلاء المسؤولين وجب عليّ محاربتهم وفضحهم.
وماذا فعلت إنصافا لتلك العجوز؟
شرعت في تصوير نسخ من صفقات مخالفة للتشريع التي كانت تتم بسرية وفواتير عطل مسؤولين مدفوعة من أموال الخزينة العمومية بالخارج منها عطل عائلية لمسؤولين بتايلاندا، وأرسلتها إلى الرئيس المدير العام نورالدين بوطرفة، لكن كانت المراسلة بلا نتيجة، فقررت مراسلة وزير الطاقة والمناجم آنذاك، شكيب خليل، لكن لا حياة لمن تنادي أيضا، فآثرت اللجوء إلى مصالح الأمن، فمذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا أنا مبلغ عن عدة قضايا فساد في الساحة الوطنية بما فيها مجمع سونلغاز منها ما هو قيد التحقيق ومنها ما اكتمل.
وهل خرجت سالما بعد إعلان المعركة ضد الفاسدين في المؤسسة التي عملت بها؟
أقصى ما يمكن أن يحدث لمبلغ عن فساد في بلد مثل الجزائر أن يطرد من منصبه بتلفيق ملف تأديبي، وحتى إذا ثبت الطرد التعسفي عن طريق القضاء وأصدرت المحكمة قرارا بإعادة الإدماج على ضوء الطرد التعسفي، فإن الرئيس المدير العام يشهر في وجهك سيف المادة 73/4 من قانون العمل التي تنص على أن رب العمل له الحق في رفض الإدماج مقابل تعويضك بأجر ستة أشهر، ما يعني أنه يكون قد اشترى سلاما وأمنا في المؤسسة من مبلّغ عن فساد، وعين مفتوحة لا تغادر حراسة، علما أن ذلك المال الذي يدفعه الرئيس المدير العام للمبلغ عن الفساد لإبعاده، هو من المال العام، وبالتالي النتيجة هي أن قانون العمل تجده أداة في أرباب العمل لردع المبلغين، وبالتالي من سيتشجع على التبليغ في نظرك، وهنا القضاء يكون وقع في حالة عدم فهم بأن المادة المذكورة أعلاه من قانون العمل تعتبر ضمنيا أداة للانتقام من مبلغ وليس مخرجا قانونيا، وبالتالي القاضي لم يأخذ بعين الاعتبار بأن هذا الإجراء في حالة المبلغ، هو انتقام. إذا لسنا بحاجة إلى قانون لحماية المبلغين بل بحاجة إلى حماية من مادة قانون العمل 73/4، وهذا ما حدث مع بعض المبلغين الذين أعرفهم شخصيا.
إذا صدق مختار لخضاري مدير الشؤون الجزائية وإجراءات العفو بوزارة العدل الذي قال، مؤخرا، أن القانون الجزائري لا يحمي المبلغين وهذا من نقاط ضعف التشريع الجزائري؟
سأتوقف عند نقطتين.. الأولى أن تصريح لخضاري الصادر قبل أيام في الصحافة سبق وأن صرح به في القناة الإذاعية الثالثة سنة 2011 بمناسبة يوم مكافحة الفساد، وقد قمت بمراسلته في هذا الشأن لإبلاغه بأنه مخطئ وأن قانون حماية المبلغين موجودة بصراحة في التشريع الجزائري، وهذا ما تنص عليه المادة 45 من قانون 06/01 المؤرخ في 23 فيفري 2006 بموجب معاهدة أممية وقعتها الجزائر في إطار مكافحة الفساد، إذ تقول المادة: “يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50 ألف دينار إلى 500 ألف دينار كل شخص يلجأ للانتقام أو الترهيب أو التهديد بأي طريقة كانت أو بأي شكل من الأشكال ضد الشهود أو الخبراء أو الضحايا أو المبلغين أو أفراد عائلاتهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم"، وقد أصدر الأستاذ بوصقيعة كتابا يعتبر مرجعا للقانونيين اسمه شرح قانون مكافحة الفساد، يقول في هذه المادة “من الوسائل الترهيبية استخدام القوة الجسدية أو التهديد أو الترهيب، ويقصد استخدام القوة الجسدية، الضرب والتعدي... ونحوه، والتهديد قد يكون باستعمال العنف كالتهديد بالقتل أو بأي عمل آخر من أعمال العنف أو قد يكون مثلا بالطرد من العمل أو بالنقل إلى مكان عمل آخر.. وليت لخضاري فتح الرسالة التي شرحت له فيها كل هذا الكلام مباشرة بعد خرجته في القناة الإذاعية الثالثة سنة 2011 لكي لا يعيد تصريح من هذا النوع على خطورته هذا العام، وحتى لا يقال إن مدير الشؤون الجزائية وإجراءات العفو بوزارة العدل لا يفقه القانون، فالرسالة بحوزتي ولم تصل لوزارة العدل بعد أن رجعت عبر البريد غير المطالب به من طرف هذه الوصاية بعد إشعارين متتاليين من مؤسسة بريد الجزائر، فأصبحت مقتنعا بأن القناة الوحيدة لتبليغ المسؤولين هي الصحافة الوطنية. أما بالنسبة للحماية التي يتحدث عنها لخضاري يُفترض أن توجه لرجال القضاء لكي يطبقوا القانون بلا خوف، معناه أننا لسنا بحاجة لقانون آخر لحماية المبلغ بل لرجال يطبقون القانون الموجود.
وماذا عن المكافآت التي يتم الحديث عنها لتحفيز المبلغين عن الفساد؟
قبل تحديد حوافز التبليغ يجب معرفة التركيبة النفسية للمبلغ، أنا مثلا منذ مارس 2008 لم أتقاض أجرتي بعد مسيرة مهنية دامت 22 سنة، وتم شطبي من صندوق الضمان الاجتماعي رغم إصابتي بالسكري وارتباطي بعلاج مستمر بالأنسولين، ولا أحد كان يبالي بوضعيتي وحالتي خلال أربع سنوات، ورغم أن الجميع خذلني مازلت مصرا على التبليغ عن كل قضية تقع بين يدي تخص تبديد المال العام والفساد، والحافز الوحيد لا ينبغي أن يكون مكافأة مالية بل الجدية في تطبيق القانون، لأن التهديد والانتقام ضد المبلغ يعتبر عرقلة للبحث عن الحقيقة في قضايا الفساد، إذ كيف يمكن أن يُسمح لفاسد بعرقلة البحث، بينما العدالة تضع أموال طائلة وإمكانيات بشرية هائلة في محاربة هذه الآفة، بالإضافة إلى تضييع المبلغ لمصيره المهني.
إذا كان القانون يحمي، فلماذا 88 بالمائة من المبلغين يخشون التبليغ؟
خلال وقوفنا أمام وكيل الجمهورية لمحكمة باب الوادي حول قضية فساد في 10 فيفري 2009 اتضح للجميع أنني مبلغ عن قضية الحال، قام مديري المباشر بتهديدي بالطرد أمام مسمع ومرأى وكيل الجمهورية، فانتفض هذا الأخير وفتح قضية أخرى تحت عنوان عرقلة البحث عن الحقيقة بالانتقام وتم سماع أقوالي في الغد من طرف الأمن المركزي لولاية الجزائر وإرسال محضر السماع لوكيل الجمهورية في 03/03 /2009 تحت رقم 19/سق 2009/61/س م/ف ب ت / 2009، لكن للأسف نفذ المدير تهديده، بينما بقي إجراء وكيل الجمهورية حبرا على ورق إلى يومنا هذا، رغم أن وكيل الجمهورية وعدني بالحماية، وقال لي تحدث ولا تخف، وبالتالي المدير مسؤول على التهديد ولكن وكيل الجمهورية مسؤول على الانتقام، فعدم اهتمام وكيل الجمهورية بقضية التهديد شجع المدير على الانتقام.
لكن في اعتقادك لماذا لم ينفذ وكيل الجمهورية وعده بتطبيق القانون؟
هذا يقودنا للحديث عن التركيبة البسيكولوجية للمجتمع الجزائري والتاريخ، فنحن لازلنا ننظر للمبلغ على أنه واشي خلافا للدول المتطورة التي تعتبره من صفات المواطنة، وكذا ديننا الحنيف الذي يعتبره تغييرا للمنكر وعدم كتمان شهادة الحق من باب الساكت عن الحق كالشيطان الأخرص، خاصة وأننا هنا بصدد الحديث عن نهب المال العام. أنا لا أتهم وكيل الجمهورية فعدم توعية المجتمع، من هذا الجانب في تقدير وكيل الجمهورية هو واحد من هذا المجتمع الذي يرى في المبلغ أنه يحمل صفة “البياع" التي تعتبر من الحساسيات الكبيرة التاريخية في مسار المجتمع الجزائري، خاصة خلال الفترة الاستعمارية، إذ لا يزال المجتمع يطلق عبثا صفة البياع على كل شخص يبلغ عن الفساد، وتحضرني هنا حادثة وقعت لي بمحكمة بئر مراد رايس خلال جلسة محاكمة في قضية فساد حينما نعتني محامي شهير جدا بالجزائر كان يرافع لصالح رئيس مدير عام متهم بالفساد، نعتني بالبياع أمام رئيسة المحكمة التي ابتسمت وكأنها تشاطر رأيه أي لم تعبر عن استيائها من هذا الشتم، وهذا ما يفسر أن هذه الثقافة مرسخة حتى في العدالة. وبما أن رجال العدالة موظفين كغيرهم من الموظفين الذين يكونوا قد صادفوا في مسيرتهم المهنية خروق مشابهة كتلك التي صادفتها ولم تكن لهم الجرأة ربما على الإبلاغ عنها، وبالتالي ينمو عندهم مركب نقص تجاه المبلغ عن الفساد الذي يكون خلال وقوفه أمام القاضي متحررا من كل القيود والوصاية، وهي قيود لم يتحرر منها أي موظف، ولا شعوريا يعتبر المصير السيء للمبلغ تبرير للضمائر، كأن يقول في نفسيته إن التبليغ له عواقب وخيمة على صاحبه.
لكن هل تنكر يا جمال أن مكافحة الفساد في الجزائر قطعت أشواطا كبيرة مقارنة بالماضي، حيث أعلنت إحصائيات الدرك الوطني أن ما بين 2011 و2012 تم معالجة 8 آلاف قضية فساد؟
أنا لا أشكك في الأرقام، لأنه خلال تبليغي عن قضايا الفساد لم أجد ما يعرقلني على مستوى مصالح الأمن باختلاف أجهزتها ولم أصادف يوما وكيلا للجمهورية رفض فتح تحقيق في القضايا التي تقدمت بها، وتفاجأت أحيانا حتى بالسرعة التي يتم بها فتح التحقيقات إزاء بعض القضايا التي لم تتجاوز 3 أيام.
إذا أين الخلل؟
لست في مستوى تقييم أداء العدالة بخصوص 8 آلاف قضية التي تم نشرها، ولكن سأدلي بشهادتي حول قضية كنت مبلغا فيها، وكانت فيها طبيعة الجرم إبرام صفقات مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير وتبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة للمتهمين وجمع تبرعات دون رخصة ارتكبها رئيس مدير عام ومدير عام ومدير ورئيس مجلس إدارة، وهي تُهم ثابتة بموجب حكم صدر في 19 جانفي 2011 في القضية رقم 10/12794 بمجلس قضاء الجزائر وُيعاقب عليها القانون بعامين إلى 10 سنوات حبسا، بينما تم الحكم على أصحاب هذه التهم بعام حبس غير نافذ، أي أقل من الحد الأدنى لما ينص عليه القانون، بالإضافة إلى ذلك منذ 2011 لا يزال هؤلاء في المناصب ذاتها التي ارتكبوا فيها هذه الجرائم، ما شجع أحدهم لإبرام صفقات أخرى مع قريبه بسبب الأحكام المخففة. بينما استفاد أحد المتهمين أيضا من استدعاء سياسي مرموق من طرف الرجل الثاني في الدولة عبد القادر بن صالح في 29 ماي 2011 أي خمسة أشهر بعد إصدار هذا الحكم، لاستشارته في مستقبل الجزائر من خلال المشاورات التي أمر بها رئيس الجمهورية في إطار الإصلاحات. هذا دون الحديث عما يكلف قطاع العدالة من أموال وموارد بشرية ووقت خلال التحقيق في مثل هذه القضايا الضخمة والخبرات الثلاثة، إذا ما نستنتجه أن الغرامة المالية التي قضت بها المحكمة ضد هذا الفريق لا تغطي حتى المصاريف التي استهلكت في دراسة الملف. أما من الجانب المعنوي، فحكم من هذا النوع تشجيع لمدراء فاسدين وردع للمبلغين. أقول هذا لأنه قد سبق للرئيس المدير العام وكذّب العدالة في ملفات أثيرت حول سونلغاز فاتحا النقاش حول الأحكام خلال حوار كنتم أجريتموه معه، فالعبرة في النتيجة التي وصلت إليها التحقيقات في 8 آلاف قضية وليس عدد القضايا التي يتم معالجتها، إذ لا أتمنى أن تكون نتيجتها 8 آلاف حكم مشابه لأحكام القضية سالفة الذكر، لأن الحكم في السبعينيات على من مسّ بالاقتصاد الوطني كان الإعدام، وفي بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية حكم قضاؤها ب 24 سنة على المتسببين في قضية “إنرون".
إذا تؤكد المقولة الشعبية التي تفيد “بأن الحوت الكبير لا يقع في الشبكة"؟
أنا لا أؤكد بل شاهد على مدير محكوم عليه في قضية فساد بالحبس الاحتياطي، لكنه لم يدخل السجن وبقي بمنصبه يمارس مهامه ولم يغير مكان إقامته ولم يتحرك أحد لتنفيذ الحكم، والطريف في القضية أن المتهمين يقفون أمام المحكمة وعندما يلاحظ القاضي عدم تنفيذ حكم الحبس الاحتياطي وبدل توقيفهم فورا يتم إخلاء سبيلهم بتأجيل المحاكمة. وشاهد أيضا على أن بعض المدراء العامين لم يتم استدعاؤهم رغم تورطهم في بعض القضايا التي بلّغت عنها برغم الأدلة أيضا. وقد بلّغت النائب العام في 6 جوان 2011 عن هذه الحالة التي لا يزال محكوم عليهم بالفساد يوقعون صفقات ويأمرون بصرف الميزانيات من المال العام بعلم الجميع، وفعلت ذلك لكي لا يقال إن الدولة عاجزة عن محاربة الفساد (مراسلة بالبريد الوارد لدى النائب العام رقم 11/12424).
هناك هيئات لمكافحة الفساد في الجزائر، هل اتصلت بها لمساعدتك على التبليغ؟
منحت ملفات فساد لكل من جيلالي حجاج رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، ومصطفى بوشاشي، لم يظهر عنها أي أثر وشعرت بتهربهما من إعلانها وبلاغ عن ملفات فساد أخرى للسيد إبراهيم بوزبوجن رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد لم تكلف هيئته نفسها حتى عناء استلامها من البريد، وكذا برلمانيين اصطدموا بإرادة تفوقهم في متابعة ما صرحوا به خلال جلسات البرلمان، مثلما حدث مع نائب في حركة النهضة حديبي أمحمد الذي طالب بفتح تحقيق في قطاع الطاقة بسبب قضية فساد ولم يجد مطلبه أي رد، ومحاربة الفساد أصبحت سجلا تجاريا ومادة إعلامية بدليل سلمت لمصطفى بوشاشي ملفات فساد وعدني بأنه لن يخذلني، لكنه نزل من منصب رئيس رابطة حقوق الإنسان ومبادر بإنشاء خلية مكافحة الفساد في الرابطة، إلى مجرد نائب بالبرلمان. وأنا أتعجب من رد فعل الدولة من الأرقام التي ينشرها الجيلالي حجاج عن طريق منظمة شفافية دولية، وهو الذي سلمت له ملفي فساد وتهرّب من الكشف عنهما إلى يومنا هذا. ما أوردته “شفافية دولية" ليس دراسة علمية عن الفساد بالجزائر بل ترجمة لشعور عام حول الفساد لكثرة الحديث عنه وقد أنصفني التاريخ عندما قرأت في الصحافة بأنه محكوم عليه بالتزوير، وكما يقول المثل الشعبي من كان بيته من زجاج فلا يضرب الناس بالحجر، إذ من سمات محاربة الفساد هو النزاهة أولا وقبل كل شيء، وأنا أتحدى أن يُلفق لي أي ملف فساد رغم 22 سنة مسيرة مهنية في شركة عمومية. وعلى المجتمع المدني المتمثل في رابطة حقوق الإنسان وجمعيات مكافحة الفساد ورئيس الهيئة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان والهيئات الوطنية للوقاية من الفساد... عليهم فتح مكاتبهم أمام الشهود والمبلّغين الذين يتلقون ضغوطات على مختلف المستويات لمرافقتهم عند إدلائهم بشهاداتهم وإجبار العدالة على حمايتهم عند الانتقام، وتصوّر لو نزل بوشاشي مصطفى مثلا إلى محكمة باب الوادي وسأل وكيل الجمهورية عن مصير قضية عرقلة البحث عن الحقيقة.. ماذا سيكون رد وكيل الجمهورية، وماذا سيكون مصيري؟؟
والحل؟
يجب قلب معادلة الخوف بحيث يصبح المدير هو الذي يهاب الإطار أو الموظف النزيه عن الفساد، وليس العكس، وذلك بإجراءات عملية مثل إلغاء المادة 73/4 من قانون العمل وتحصين كل إطار أو موظف قد بلّغ عن الفساد من أي تسريح إلا بعد إدانته قضائيا لكي لا يكون الفاسد طرفا وحاكما في الوقت ذاته، وهذه هي الحماية بذاتها، ومحاربة للفساد. وأعتقد أن إنشاء جمعية لتشجيع التبليغ وحماية المبلّغين سيكون مبعثا للأمل على أن تكون الجمعية طرفا مدنيا بعد التأسيس في القضايا التي تبلّغ عنها للقضاء وللمصالح المختصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.