في نهاية 2020، تمّ التوقيع في الرباط على اتفاق يبعث ويؤسس لعلاقات كاملة بين المغرب والكيان الصهيوني.. مع جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية.. بالنسبة للكيان الصهيوني، يندرج الاتفاق ضمن سلسلة "اتفاقات "السلام" التي بدأ منذ منتصف سبتمبر 2020 في عقدها مع عدد من الدول تحت تسمية "اتفاقات أبراهام"، بينما يحاول المخزن من خلاله القفز على الشرعية الدولية، بمنح غطاء للكولونيالية، والإفادة منه!!. ترسيم "علاقات" قائمة أصلا وإذا كان الأمر يبدو وكأن "اتفاق السلام!!" بين المغرب والكيان الصهيوني قد أحدث تحوّلا نوعيا في العلاقات بينهما، إلا أنه - في الواقع - ليس سوى إعادة ترسيم لعلاقات سابقة؛ فالاتفاقية لم تنشئ علاقات دبلوماسية "جديدة" بعد عداء، وإنما هي فقط بعثت من جديد علاقات دبلوماسية سابقة"، ولقد كانت قنوات الاتصال بين المملكة المغربية و«الكيان الصهيوني" مفتوحة، وبشكل سري، منذ عقود، إلى أن تمّ الإعلان عنها عبر فتح مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط في 1993 لتبدأ منذئذ مرحلة من العلاقات الدبلوماسية العلنية إلى غاية قطعها من قبل المغرب بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. أكثر من ذلك، فإن الملك الحسن الثاني كان يتمتع بمكانة مهمة لدى صنّاع القرار الصهاينة، فهم يعتبرونه عراب اتفاقيات "السلام" التي أبرمها "الكيان" مع دول عربية؛ كونه لعب دورا مهما في الوساطة التي أدت لعقد اتفاقية كامب ديفيد في 1979؛ كما لعب دورا مهما في الاتصالات السياسية التي مهدت لاتفاقيات أوسلو في 1993 بين المسؤولين الصهاينة والفلسطينيين. لذلك، ينظر "الكيان" إلى الملك الحسن الثاني على أنه متسامح مع اليهود و«قائد للسلام"، ولذلك أصدرت إثر وفاته طابعا بريديا يحمل صورته في جويلية 1999، وأطلق اسمه في 2018، على شارع رئيسي في بلدة قريات عكرون" بالأراضي الفلسطينيةالمحتلة، كما شيّدت نصبا تذكاريا له في مدينة بيتاج تيكفا. إذن، فالعلاقة بين المغرب" و«الكيان الصهيوني" كانت دائما قائمة ولم تتوقف، وكانت "طبيعية بالفعل" حتى قبل الاتفاق الذي أعلنه دونالد ترامب، لذلك، لا يمكن الحديث عن "تطبيع"، بل عن استئناف للعلاقات كما كانت في السابق قبل تعليقها سنة 2000 إثر انتفاضة الأقصى وإغلاق مكتب الاتصال، ومن حينها، بقيت الاتصالات سرية إلى غاية قرار ترسيمها من جديد، والكشف عنها للعلن في ديسمبر 2020، وبالتالي، لا يمكن النظر إلى التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني بعين الدهشة، لأنه في الواقع ليس سوى ترسيم وتوسيع وتعميق لما هو قائم منذ زمن من علاقات وتعاون بين الطرفين، هو فقط تصريح علني لتلك الشراكة؛ وأكثر من ذلك، هو يندرج زمنيا ضمن السياق العام الذي أصبح يسوق فيه التطبيع وكأنه المسار الطبيعي الوحيد الذي ينبغي اتباعه من قبل الحكومات غير المطبعة في الشرق الأوسط وإفريقيا، لتحقيق مصالحها الوطنية". عقود وأسواق جديدة للكيان الصهيوني!! قلنا إنه على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والكيان الصهيوني في 2000، غير أن المبادلات التجارية بين المغرب و«الكيان" بقيت مستمرة، حيث بلغت الصفقات ما بين 2017 و2020 قيمة 86.8 مليون دولار. أكثر من ذلك، صنّف المغرب كرابع أكبر مصدر إفريقي للكيان الصهيوني في سنة 2020، كما اعتبر السوق الثامنة بالنسبة للكيان. وكانت الشركات الصهيونية، تستخدم لسنوات تسمية بلد آخر كغطاء (هولندا مثلا)، لتسويق منتجاتها، ولكن الآن بعد عملية التطبيع، سيصبح بمقدورها استخدام هويتها الحقيقية، وعن طريق الاتفاقات الثنائية الموقعة، أصبح بإمكان "الكيان" أن يقدّم رسميا "خبرته!!" في عدة قطاعات إلى المغرب، غير أن الأمر لا يسير كما يخطّط له المخزن، إذ تزايدت الأصوات المغربية المحذرة من تداعيات تطبيع النظام المخزني مع الكيان الصهيوني المحتل، والذي لن تصحبه "إلا الخسائر والكوارث"، منتقدة ما تروّج له السلطات المغربية من "مكاسب هامشية وانتصارات زائفة جلبها التطبيع"، وهو ما ذهبت إليه حركة "التوحيد والإصلاح" المغربية، التي جدّدت في بيان لها، بحر الأسبوع الجاري، رفضها للتطبيع مع الكيان المحتل، باعتباره مسارا قد يجعل المغرب "ساحة للصراعات الإقليمية والدولية والاختراق الصهيوني، بما يهدّد الأمن والاستقرار في المنطقة". وجدّدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إدانتها لاستمرار النظام المغربي في التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم، "عدو الشعوب والسلم والسلام، بعقد شراكات واتفاقيات معه تقوض السلام بالمنطقة العربية والمغاربية، وترهن السيادة الوطنية للحلف العسكري الصهيوني الإمبريالي، وتفتح الأبواب مشرعة للحركة الصهيونية لتدمير الوعي المقاوم للصهيونية والاحتلال لدى الشباب المغربي"، بينما يرى الكاتب المغربي طارق ليساوي، التطبيع "خذلانا للشعب المغربي الذي لا يعتبر القضية الفلسطينية قضية ثانية أو ثانوية يتضامن معها، وإنما هي قضية كل مغربي"، مستدلا في هذا الإطار بالمظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن المغربية طيلة العقدين الأخيرين، تنديدا بالانتهاكات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وضد المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، ويرى ليساوي أن الاتفاق المشؤوم - كما يصفه المغاربة - "أضر كثيرا بصورة المغرب في العالم العربي والإسلامي، خاصة وأن العاهل المغربي رئيس لجنة القدس"، وأن الكيان الصهيوني المحتل هو المستفيد من التطبيع اقتصاديا، وأن الميزان التجاري في صالحه، خاصة وأن مكاسب المقاولات المغربية هامشية جدا ولا يمكن أن تحقّق أي مكاسب ذات قيمة مستقبلا"، ودعا الكاتب المغربي إلى التراجع عن جميع الاتفاقيات التطبيعية وعن دعوة من يسمى رئيس الوزراء الصهيوني إلى زيارة الرباط، مجددا التأكيد على رفض غالبية الشعب المغربي للتطبيع مع الصهاينة، لأن "فلسطين أمانة والتطبيع خيانة". لعبة ساذجة.. استعمل المخزن عدة وسائل من أجل تحقيق عملية ضمّ الصحراء الغربية، بدءا من المسيرة الخضراء في 1975، إلى استعمال القوة العسكرية في المواجهة مع السكان الصحراويين المحلّيين الملتفين حول ممثلهم الشرعي، جبهة البوليساريو، إلى الالتفاف على القانون الدولي والالتزام الأممي بمساعدة الصحراويين على تقرير مصيرهم.. وافق المغرب على شرط وقف إطلاق النار بوساطة الأممالمتحدة في عام 1991 لإجراء الاستفتاء، وفي الوقت ذاته، غيّر من موقفه في الممارسة العملية ورفض أي استفتاء يتضمن الاستقلال الكامل كخيار. وبدلاً من ذلك، اقترح خطة حكم ذاتي للمنطقة موضوع النزاع، رغم أنها تقوّض بشكل مباشر وعد الأممالمتحدة بتقرير المصير للشعب الصحراوي منذ بداية النزاع. ماذا يريد المخزن؟! يواصل المخزن سياسة الهروب إلى الأمام، رغما عن الانتكاسات التي تلقاها في المحفل الدولي، أو الضربات الموجعة التي يصيبه بها الجيش الصحراوي، وكانت آخر نكسة رفض الاتحاد الأوروبي لتجديد اتفاقية الصيد بالمياه الإقليمية للصحراء الغربية، إضافة إلى ما يعتمل على الجبهة الداخلية، حيث أكدت نقابات مغربية أن الوضع في المغرب يعاني من خلل تاريخي وبنيوي، تنامى مع تغوّل الفساد والاستبداد وزواج السلطة بالمال، ما تسبب في تراجع نسبة التقدّم والتنمية. وتفاعلا مع التدهور المعيشي والاقتصادي بالمغرب الذي لازال يُسيل كثيرا من الحبر، جدّدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل استنكارها لتردي الخدمات العمومية واختلالات التعليم الهيكلية ومسخ مفهوم الدولة الاجتماعية، وقالت إن هذه الأخيرة "لا تستقيم مع الفساد والاستبداد و احتكار الثروة وتنامي البطالة والفقر والإقصاء الاجتماعي". وأكدت النقابة في بيان لها أن "الوضع في المغرب يشكو من عدة أعطاب تاريخية وبنيوية، تنامت مع تغوّل الفساد والاستبداد، وزواج السلطة بالمال، مما فوت على المغرب كل فرص التقدّم والتنمية". كما انتقدت النقابة الأكثر تمثيلية في المغرب، خنق الحياة السياسية والاجتماعية، والحظر العملي لأنشطة التنظيمات الديمقراطية، ومصادرة الحقوق والحريات، ومنع كل أشكال التعبير والتظاهر والاحتجاج. ودعت إلى ضرورة فتح أبواب الحوار الاجتماعي والالتزام بمضامين "اتفاق 30 أبريل"، خصوصا فيما يتعلّق باحترام الحريات النقابية وتحسين الدخل عبر الزيادة العامة في الأجور، ومراجعة أشطر الضريبة على الدخل، وإحداث درجة جديدة للترقي، ومواجهة تنزيل مشروع القانون التكبيلي للإضراب. كما أدانت "خنق كل أشكال الحريات ومصادرة الحقوق ومنع الاحتجاج والتظاهر"، مطالبة بإيقاف المتابعات القضائية في حق كافة الأساتذة وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين والصحفيين والمدونين ومعتقلي الرأي. وضمت النقابة المغربية للتعليم صوتها إلى المحتجين ضد انتشار الفساد والاحتكار في البلاد، منتقدة الوضع الاجتماعي المتدهور وتردي الخدمات العمومية، لا سيما الوضع التعليمي واختلالاته الهيكلية. وحذّرت النقابة من عواقب "الإجراءات والقرارات التخريبية التي تروم مأسسة الهشاشة في القطاع وخوصصة المدرسة العمومية التي لا تستقيم أية نهضة مأمولة بدونها". مع كل هذا، يواصل المخزن سياسته الخرقاء، ويرفض الاستماع إلى صوت الحكمة والعدل، فيمعن في انتهاك حقوق الإنسان، ولا يتورّع عن تنظيم عمليات اغتيال المعارضين الذين لا ذنب لهم سوى المطالبة بحقهم في الحرية..