اصطفوا بالعشرات أمام الباب الرئيسي لمحكمة سيدي أمحمد، حاملين قارورات وعلب الياغورت.. مرددين بصوت عال “الشعب يريد تتحاسبو قاع”.. “كليتو لبلاد يا سراقين”، “يا قضاة يا قضاة فتحوا قاع الملفات”، يلتفتون يمينا وشمالا.. حتى لا تفوتهم اللحظة التاريخية لوصول الوزير الأول السابق أحمد أويحيى أو “الحوت الكبير” كما أطلق عليه المتظاهرون إلى ميزان المحاسبة، فيما صدحت حناجر الشباب بهتافات “الشعب يريد إعدام السعيد وأويحيى”، فيما رجّح محامون ل”الشروق” أن أويحيي، قد يمتثل أمام القطب الجزائي المتخصص كشاهد وليس كمتهم. عرف محيط محكمة سيدي أمحمد أجواء غير عادية صبيحة الأحد، حيث شهدت منذ الساعة الثامنة صباحا إجراءات أمنية مشددة من خلال نشر العشرات من قوات مكافحة الشغب ومدرعات الشرطة، فيما توافد العشرات من الجزائريين الذين حاصروا الباب الرئيسي للمحكمة وجميع منافذه ومحيطه، ينتظرون قدوم الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، ومحمد لوكال محافظ بنك الجزائر السابق ووزير المالية الحالي للاستماع لأقوالهما في قضايا تبديد المال العام ومنح مزايا غير مستحقة. وقد حمل بعض المحتجين علب وقارورت “الياغورت” في أيديهم، كرمز احتجاجي ضد أويحيى الذي صرح في إحدى المرات أنه ليس على كل الجزائريين أكل الياغورت، مما فهمه الجزائريون على أنه ضد الشعب. شارع عبان.. قاعة محاكمة على الهواء الطلق بالمقابل، وعلى مرمى حجر من الباب الرئيسي لمحكمة سيدي أمحمد تحول شارع عبان رمضان إلى قاعة كبيرة للجدل بين المتظاهرين بخصوص كيفية محاكمة “الحوت الكبير” وكيف يمكن أن تطبق على زمر النظام المتابعين في ملفات فساد ونهب المال العام، فيما كشف آخرون ل”الشروق” عن أمنيتهم في رؤية أويحيى وراء قضبان السجن، حتى يكتمل أجر شهر رمضان 2019 على حد تعبير أحدهم الذي كان يحمل “قفة” في إشارة إلى تلك التي يأخذها أقارب المسجونين في أيام زيارتهم. وفي حدود الساعة الحادية عشرة، ازداد عدد المتظاهرين الذين التحقوا بمحكمة عبان رمضان رافعين لافتات وقطع كرتونية من مختلف الأحجام، لكنها تجتمع كلها في مطلب واحد وهو المطلب الرئيسي للحراك الشعبي منذ 22 فيفري الماضي على شاكلة “العصابة العصابة.. جاء وقت المحاسبة”، “شمعوا العقارات واسترجعوا المليارات”، “خرجوا الملفات وافتحوا التحقيقات وأوقفوا العصابات”، “صامدون صامدون للعصابة رافضون”، “انتهى وقت المناورة”، فيما رفع عدد من المحتجين شعارات جديدة لم يسبق أن تم تداولها في مسيرات الجمعة وهو “حكومة الكوكايين.. حكومة الشياتين ارحلوا ارحلوا” وكذا “الشعب من أمامكم والسجن من ورائكم”. كما كان لدعوات محاسبة الوزراء والمسؤولين ومديري المؤسسات العمومية وأصحاب الشركات المشتبه في تورطهم في نهب المال العام جزء كبير من الهتافات والشعارات المكتوبة المرفوعة، مثل: “أيها القضاة اسجنوا الطغاة، أين القضاة الشرفاء الأحرار؟ الشعب يريد العدالة”، وكذا “يا قضاة يا قضاة افتحوا قاع الملفات”، كما دعا المتظاهرون إلى إزالة الغموض عن الاجتماع الذي أحدث جدلا واسعا ودعوا إلى محاسبة من تخابر مع فرنسا، ودعوا إلى منح أكثر حرية للعدالة حتى تتمكن من محاكمة جميع أفراد العصابة، مؤكدين تضامنهم مع الجيش لمحاربة ومحاسبة المفسدين. أويحيى يعود أدراجه ولوكال يحتفل! رغم استدعاء قاضي التحقيق لدى محكمة سيدي أمحمد، وزير المالية ومحافظ بنك الجزائر السابق محمد لوكال للمثول في قضايا تبديد المال العام ومنح مزايا غير مستحقة، مثلما بثه التلفزيون العمومي، وفي الوقت الذي كان ينتظره الآلاف من المواطنين بشارع عبان رمضان، تفاجأ المواطنون بإشراف هذا الأخير على مراسيم تنصيب المدير الجديد للجمارك الجزائرية محمد وارث. وكشفت مصادر ل”الشروق” أن أحمد أويحيى غادر مقر الأرندي في حدود الساعة العاشرة والنصف وكان متجها نحو محكمة عبان رمضان، إلا أنه قرر العودة عند وصوله لمحور تافوره باتجاه البريد المركزي، فيما كشفت مصادر قضائية أن القطب الجزائي المتخصص وجه له استدعاء استعجاليا لامتثاله في مدة لا تتعدى 3 أيام فقط. حقوقيون: الاستدعاء غير قانوني تخوف عدد من النشطاء الحقوقيين ومحامين من تكرار سيناريو شكيب خليل بعد اللغط الذي وقع حول صحة الإجراءات المتخدة لاستدعاء محكمة أولية لإطارين في الدولة. وفي هذه النقطة صرح المحامي ميلود براهيمي خلال رده على أسئلة الصحافة أمس أمام مقر محكمة عبان رمضان، ان الاستدعاء الذي تلقاه اويحيى حسب الأخبار المتداولة عن طريق نيابة المحكمة هو إجراء غير قانوني، مشيرا إلى أن الوزير الأول السابق يستفيد قانونيا من إجراءات الامتياز القضائي، ومن المفروض أن يتم سماعه من طرف المحكمة العليا وهي المخولة بسماعه واتخاذ باقي الإجراءات في حقه. في ذات السياق، قال الأستاذ والناشط الحقوقي طارق مراح ل”الشروق” إنه من الأجدر أن تقوم نيابة الجمهورية بنص بيان وتصريح توضح فيه سبب استدعاء كل من اويحيى ولوكال لمحكمة عبان رمضان، وأشار المحامي إلى المادة 177 من الدستور التي تنص صراحة على ضرورة تشكيل محكمة عليا للدولة، تعنى بمحاسبة رئيس الجمهورية والوزير الأول. كما اعتبر المتحدث إجراءات المتابعة في حقهما جاءت بطريقة غريبة خارج الإطار، لأن الوزير الأول حسبه، يفترض أن يمثل أمام المحكمة العليا للدولة، واستفادته من الامتياز القضائي، كون الوقائع المتابع لأجلها حدثت في فترة توليه منصب الوزير الأول، وفقا للمادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية، أما بخصوص محمد لوكال يعفى الأخير من تلك الامتيازات بحكم تواجده بمنصب محافظ البنك المركزي آنذاك ولا تطبق في حقهما نفس الإجراءات القانونية. المطلوب بيان رسمي يوضح ملابسات الاستدعاء ولمح المحامي مراح إلى أن الوضع الحالي استثنائي ويتعين على النيابة أن تخرج إلى الشعب وتوافيه ببيان واضح، تكشف فيه عن سبب استدعاء هؤلاء من قبل المحكمة الجزائية، وتوضيح أمور كثيرة من بينها، هل هما متهمان أم شاهدان، وهو الإشكال الحاصل حاليا، وأدخل الجميع في دوامة من الاستغراب. ويضيف المحامي انه في حالة لم يتمتثل اويحيى امام المحكمة، ستتصرف النيابة ولها الصلاحيات بتأجيل الاستدعاء، والتي تتحرك فقط إذا كانت هناك شكوى مصحوبة بادعاء مدني استنادا للمادة 6 المتعلقة بمكافحة الفساد. بالمقابل، كشف الأستاذ بوطويلي علال محامي لدى المجلس ل”الشروق”، أن أويحيى بمثابة العلبة السوداء للدولة الجزائرية ويعرف الكثير من الخبايا تخص الاستثمارات وعمليات تحويل الأموال، ووصفه بالذكي الذي قد ينال البراءة في حالة توجيه الاتهام له، لأنه يعرف جيدا كيف يدافع عن نفسه، ولا يحتاج حتى إلى محام على حد قوله، وقال بخصوص استدعائه للمحكمة، فإن رئيس الحكومة السابق سيمثل كشاهد فقط بالملف حاليا لغياب أدلة ووثائق تدينه، بعد قيامه خلال فترة توليه منصبه منح أوامر شفهية لمحافظي ومديري البنوك ووزير المالية لصرف القروض، وبالتالي قد تنعدم أي أدلة لإدانته، إضافة إلى أن القوانين الحالية كان للسلطة يد في وضعها وعمدت إلى إيجاد مخارج وثغرات. كواليس وأصداء تعرض المحامي المفصول والمترشح للانتخابات الرئاسية المؤجلة محسن عمارة، للرشق بقارورات الماء وعلب الياغورت فور وصوله الاحد لمحكمة عبان رمضان بالعاصمة، وبمجرد ركن سيارته أمام مقر المحكمة وجهت له حشود المواطنين المتواجدين هناك عبارات “ارحل يا الشيات” وتقدموا نحوه في محاولة منهم الاعتداء عليه بواسطة مكنسة، كما لقي المحامي المثير للجدل محسن عمارة صعوبة كبيرة في اختراق الجموع الغفيرة والدخول للمحكمة بعد أن حوصر من طرفهم، وهو في حالة شديدة من الغضب. تطويق أمني كبير شهدته محكمة سيدي امحمد، منذ الساعات الأولى لصباح أمس، وتدعمت بعد فترة الظهيرة بقوات مكافحة الشغب. تدفق عدد من المواطنين في حدود الساعة الثامنة صباحا ليزداد عددهم مع مرور الوقت إلى غاية فترة العصر، رغبة منهم في معرفة مستجدات حول تحرك العدالة بخصوص ملف رئيس الحكومة السابق والمطالبة بتطبيق فوري للعدالة.