الكتابة عن التاريخ، وبالخصوص عن ثورة التحرير الوطنية، بمثابة تخليد لأرواح وأعمال، شخصيات جاهدت وثابرت، من أجل تحقيق النصر، هذا الأخير الذي تحتفل به الأجيال اللاحقة، ومازالت تحتفل به، وهذا ما تقوم به مجلة أول نوفمبر حاليا، فهي تعمل على التوثيق التاريخي للأحداث. وصدر، العدد ال190، للمجلة، في فيفري 2021، الموسوم بعنوان "جرائم تأبى النسيان"، حيث تضمن من خلال 124 صفحة و9 فصول، مجموعة من الدروس والبحوث، قدّمها العديد من الباحثين، أولها، بقلم الدكتور جلّة سماعين، عنون دراسته ب"نوفمبر الحدث وفلسفة التغيير"، الذي استعمل مصطلحات لها وقعة تاريخية جميلة، كما تحدث في دراسته عن نوفمبر الحدث، الذي وصفه بأنه عقيدة وثقافة وسلوك، وقيم ومبادئ للعمل والالتزام الوطني، وأن نداء نوفمبر وعي ذاتي وجماعي لبناء الدولة، التغيير النوفمبري، ليس مجرد ذكرى، بل هو ذاكرة تعطي للتاريخية الثورية أبديتها، وللفعل الاستقلالي قداسته، وللماضي راهنيته، إنها ذاكرة زمن يفضي إلى مستقبل مرسوم معالمه ومعروف محتواه. أما الدراسة الثانية، فكانت، بقلم البروفيسور بشير فايد، تحت عنوان "جرائم فرنسابالجزائر وجهاد المرأة الريفية"، وهي قراءة لكتاب لمؤلفته عائشة ليتيم، تحدثت فيه عن دور المرأة الريفية في حرب التحرير، وعن لمحة تاريخية عن نشأة مخيمات التعذيب السرية في الجزائر، كما تطرقت لموضوع وسائل التعذيب الجسدي المستعملة في تلك المراكز، وأشارت أيضا إلى ما أطلقت عليه التعذيب النفسي واللاأخلاقي، الذي اعتبرته الأخطر على المعذبين، لأنه يمسّ كرامتهم الإنسانية، بعدها قدمت وصفا مفصلا لبعض مراكز التعذيب المشهورة بقسوتها وجرائمها الوحشية وشهادات بعض الناجين من تلك المراكز، وتحدثت أيضا، عن شهادات وقصص مرعبة ورهيبة، عن ممارسات وجرائم ارتكبها الاحتلال بمساعدة الخونة والحركى، في حق الجزائريين، بشكل عام والمرأة الريفية بشكل خاص. واحتوت المجلة أيضا، على دراسة البروفيسور محمد بليل، عالج فيها، أبرز هيئة في المجتمع المدني النشيط خلال الفترة الاستعمارية المتمثلة في الحركة الكشفية الإسلامية الجزائرية، التي برزت مباشرة بعد احتفال فرنسا الاستعمارية سنة 1930، فوج الفلاح بمستغانم 1937-1962 أنموذجا. بعدها قدّم الأستاذ بلقاسم صحراوي، دراسة تتحدث عن منطقة بوطالب -ولاية سطيف-ودورها خلال الثورة التحريرية، أما عادل جفّال فركز في دراسته، على مراكز التعذيب الفرنسية سكيكدة الجزء 1، مركز الطبانة بالقل، أما رياض بن مهدي، فكانت دراسته بعنوان "الفرق الإدارية المتخصصة، 1955-1962، sas"، فبعدما رأى جاك سوستيل وأتباعه، أن من أسباب الثورة والتمرد وبعد الإدارة الفرنسية عن الأهالي في الأرياف، وجد أن تأسيس فرق إدارية متخصصة تحمل على عاتقها انشغالات المواطنين الاجتماعية أمر ضروري، وتم إسناد مهمة إدارتها إلى ضباط مؤهلين، أطلق عليهم لاصاص، وهي عبارة عن مكاتب يسيرها عسكريون مختصون في الشؤون المدنية تم استقداهم منذ سنة 1955، معظمهم تدربوا في مدرسة المارشال ليوتي بالمغرب، وكان من أبرز الأهداف والوسائل تثبيط العزائم وزرع الشكوك، وكسر اتحاد الجيش بشعبه ودفع الناس إلى الكسل والملل، وتكريس الدعاية والتخويف والاعتداء والتعذيب والتقتيل الجماعي، وأيقن الثوار أن ما تروج له الفرق الإدارية ليس إلا دعاية، تتطلب استراتيجية محكمة لمواجهتها بأعمال ذات صدى ضد مقراتها والازعاج المنتظم والمتكرر والكمائن، كما جرى العمل على محاولة استهداف كل المنخرطين في هذه الوحدة وتصفيتهم، ومنع الأهالي من التعامل مع هذه الوحدة، وإتلاف مختلف الوثائق والبطاقات التي تسلمتها الوحدة، وكذا تأسيس لجان شعبية تهتم بأمر السكان من الناحية المادية والمعنوية، إضافة إلى الدكتور فتح الدين أزواو، من الباحثين الذين حظوا بزيارة مراكز الأرشيف الفرنسي المنتشرة في عدد من المدن الفرنسية، ومن بين العلب التي لقيت اهتمام الباحث، علبة أرشيف لاصاص بمنطقة زمورة، شمال برج بوعريريج، تقارير عن الوضعية الثقافية والحالة الدينية وعدد المساجد وعدد معلمي القرآن الكريم، وتقارير اقتصادية وفلاحية، لكن تلك العلب تخلو من التقارير العسكرية عن المعارك التي وقعت بمنطقة زمورة، والزيارة التاريخية للجنرال ديغول نهاية 1959، والتحضيرات الرسمية لهذه الزيارة وهدفها. كما تخلو -حسب شهادة الدكتور بن أزواو- من تقارير حول الحركى وملفات التعذيب وغيرها من التقارير، التي تم إخفاؤها عن أعين الباحثين والدارسين والمهتمين بتاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية. وجاءت الدراسة التالية، بعنوان "السلوك القيادي خلال الثورة التحريرية الجزائرية وضرورة الاستفادة منه كنموذج للاستثمار في رأس المال البشري الجزء الثاني"، للأستاذة، بواشري آمنة بنت بن ميرة، وأهم ما جاء في هذه المباحثة، أن جبهة التحرير الوطني التي ظهرت للوجود سنة 1954، هي الأرضية المشتركة والمنظمة التي وحدت واستقطبت جميع الاتجاهات والفئات، ومن نماذج هذا التلاحم بطولات 1 نوفمبر 1954، 20 أوت 1955، 5 جويلية 1956، وأن الثورة فجرتها عبقرية أناس بسطاء والعلاقات العميقة التي كانت تربط القائد مع الشعب، فقادة الثورة وأولئك الذين مارسوا السلوك القيادي، كانت لهم القدرة على اتخاذ القرار الفعال، بعد تشخيصهم الواعي لمشكلة الاتصالات وتقديرهم السليم للواقع، واسترشادهم بالقاعدة الشعبية التي كانت المحفز والسند، كذلك الفاعلية في الاتصالات وتوضيح الأفكار حتى تكون مؤثرة ومقنعة، بالإضافة إلى القدرة على إدارة الوقت وتوزيع المسؤوليات، ووضع الأسس لأولويات الأعمال وإشراك الآخرين في وضع الأهداف القريبة والفرعية. أما الأستاذ الهاشمي هاشمي، فتناول "تنظيم فرع التموين بالقسمة 74، الناحية الثانية، المنطقة الرابعة بالولاية السادسة"، وبالتحديد مسيف، كقاعدة استراتيجية في مجال التموين، حيث لعبت منطقة مسيف، دورا فعالا في مجال فرع التموين والتخزين، كان منظما تنظيما محكما وله هيكل قائم بذاته مؤلف من إطارات يمتازون بالإخلاص ويخضعون لنظام خاص من السرية، ثم تلت هذه الدراسة، قراءة في كتاب "إرادة الرجال وصبر الجمال في معارك الصحراء"، للأستاذ عبد القادر عزام، وأهم ما كان يحتويه الكتاب، العمل السياسي والمسلح لمنطقة الصحراء، وأهم ما لفت انتباه عزام، هو أن الكاتب عبد القادر عوادي، في كون المادة المصدرية للكتاب، هي شهادات المجاهدين الذين عايشوا المعارك والأحداث التي وقعت في المنطقة خلال فترة ثورة التحرير. الفصل الثاني: أصدقاء الثورة التحريرية ننتقل إلى الفصل الثاني، الذي تطرقت إليه المجلة، وهو بعنوان من أصدقاء الثورة التحريرية، أولهم أحمد الشقيري، الذي تابع باستمرار المرافعة عن القضية الجزائرية، في جميع دورات الأممالمتحدة منذ عام 1956، وإلى غاية استقلال الجزائر عام 1962، وكان له دور فاعل في التعريف بهذه القضية وإسماع صوت الجزائر، والدفاع عن وجهة نظر جبهة التحرير الجزائرية في هذا المحفل الدولي. بعدها يليه، موريس أودان، من أبرز الشخصيات الفرنسية الحرة التي كانت تعيش في الجزائر، وتتعاطف مع القضية الجزائرية وكفاح الشعب الجزائري من أجل نيل حريته واستقلاله. الفصل الثالث: من معارك ثورتنا أما الفصل الثالث، من معارك ثورتنا، قام بإعداده المكتب الولائي لمنظمة المجاهدين بورقلة، تحدث فيه عن معركة لبرق 25 ماي 1958، وكذا معركة حنة ميمونة بمنطقة سيدي رابح، بقلم نوال قوراري بوحجار. الفصل الرابع: من شهداء ثورتنا أما الفصل الرابع، من شهداء ثورتنا، الدكتور بن عريب مصطفى، تحدث في دراسته عن المسيرة الثورية للشهيد اسعيد بن عريب، والشهيد محند أكلي بوقير، بقلم عبد العزيز وعلي، والشهيد خوالد علي المدعو بوجمعة، بقلم مسعود خوالد. الفصل الخامس: نظرة عن العدد السابق اكتفى الفصل الخامس، تعقيب وتوضيح، حول ما جاء في العدد السابق. الفصل السادس: من مجاهدي ثورتنا والفصل السادس، كان عنوانه من مجاهدي ثورتا، المجاهد عبد الهادي النوي المدعو شناورة، بقلم المجاهد الصالح حابة بن الصادق، والمجاهد احميمي أوفاضل، بقلم عبد العزيز وعلي. الفصل السابع: مجاهدون في ذمة الله بالنسبة للفصل السابع، معنون بمجاهدون في ذمة الله، المجاهد الرائد سي لخضر بورقعة، والمجاهد الراحل جنّاد أعمر المدعو أعمر الحافظي، اضافة إلى مجموعة من التعازي لمجاهدين في ذمة الله. والفصل الثامن، تمحور على نشاطات المنظمة الوطنية للمجاهدين، وهي عن لائحة شجب وإدانة موجهة إلى وزير المجاهدين، ووزيرة الثقافة، إضافة إلى بيان 29 نوفمبر 2020، وبيان 09 فيفيري 2021.أما الفصل التاسع، فهو ملحق باللغة الفرنسية. تكريم بعض الإعلاميين والباحثين أما في ختام المجلة، تكريم لبعض الإعلاميين والباحثين الذين ساهموا في إثراء المجلة بمواضيعهم وكتاباتهم لتخليد التاريخ الثوري. نبذة عن المجلة تعد مجلة أول نوفمبر، مجلة تاريخية، تأسست في 12 أكتوبر 1972، تروي أحداث 1830-1962، تعتبر المجلة اللسان المركزي للمنظمة الوطنية للمجاهدين، تصدر في كل 6 أشهر، أول ما جاء فيها، أنها حظي هذا العدد بتكريم من قبل جمعية شامة للثقافة والتراث والسياحة –بلدية زمورة- برج بوعريريج، تحت عنوان دور المحافظ السياسي في مواجهة أساليب الفرق الإدارية المتخصصة لقمع الثورة التحريرية.