الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء: منصوري تحل ببريتوريا لترؤس أشغال اجتماع اللجنة التوجيهية لنقاط الاتصال    السيد شرفة يستقبل مسؤولا عن مجمع باكستاني لصناعة الأسمدة    حشيشي : العنصر البشري المؤهل يشكل حلقة هامة في إنجاح مشاريع مجمع سوناطراك    رسالة الرئيس الفرنسي: حركة "موداف" تستنكر "الانزلاق المشين والاحادي الجانب"    انطلاق الطبعة الثانية للمعرض الوطني لكتاب الطفل بمنتزه الصابلات بالعاصمة    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة    تنس/ كأس بيلي جين كينغ /فيد كاب سابقا/ مباريات ترتيبية : فوز الجزائر على أوغندا (3-0)    توقيف 3 أشخاص وحجز 3000 كبسولة من نوع بريغابالين بالأغواط    الدخول الجامعي 2026/2025: بداري يترأس اجتماعا يخص تحسين خدمة النقل الجامعي    التأكيد على ضرورة توجه الخواص في المجال الصيدلاني نحو انتاج المواد الاولية بالشراكة مع مجمع "صيدال"    التأكيد على تعزيز الإنتاج الصيدلاني بالأدوية المبتكرة والتوجه نحو التصدير    تجسيد طموح قاري تلتزم به الجزائر    بطولة العالم للكرة الطائرة لأقل من 21 اناث /المجموعة 3-الجولةالاولى /: المنتخب الجزائري ينهزم أمام تركيا (3-0)    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 61258 شهيدا و152045 مصابا    كرة القدم/ "شان-2024" (المؤجلة إلى 2025) /المجموعة3-الجولة 2: المنتخب الوطني في صلب التحضيرات لمواجهة جنوب إفريقيا    تكريم خاصّ للرئيس تبّون    لا تنتهكوا حرمة الأراضي الصحراوية    اليونيسف تشيد بتمديد عطلة الأمومة بالجزائر    الرئيس يُعزّي عائلات ضحايا تحطم طائرة    حرب مستمرة على الإرهاب والإجرام    بوجمعة يشرف على حفل تكريم    موجة حر مرتقبة اليوم وغدا    قسنطينة : تسديد الفواتير عن طرق بريدي موب    ميلة: حجز 83 جهازا للكشف عن المعادن    ضرورة الانخراط في سياسة تطوير المحاصيل الإستراتيجية    ترشيح الكفاءات الجزائرية لإنشاء مجلس للخبرات الوطنية    غزة بحاجة إلى مئات الشاحنات الإنسانية والتجارية يوميا    شركات فرنسية أمام محكمة العدل الأوروبية قريبا    الجزائر ملتزمة بالقضاء الكامل على جميع أسلحة الدمار الشامل    تدريس "الإنجليزية الطبية" في 8 مواد الدخول الجامعي المقبل    تثبيت الأسعار وضمان وفرة دائمة للمواد الأساسية    إعادة دراسة تنقلات الخطوط الجوية الداخلية قريبا    فرصة ثانية لتوجيه النّاجحين الجدد في البكالوريا    كتيبة علي خوجة قتلت 600 جندي فرنسي في معركة جبل بوزقزة    محصول الحبوب تحت الرقابة بعنابة    معرض خاص بطباعة المصحف الشريف في الجزائر    مدرب سانت جيلواز يشيد باللاعب زرقان    رامول يقدّم "المشاريع النهضوية العربية المعاصرة"    نداء ثقافي من عنابة لحماية كنوز الذاكرة    آيت نوري يرفع راية التحدي مع "السيتي"    نحو بقاء عبد الرحمن رباش في ألافيس الإسباني    رئيس جديد لأمن الولاية    الطبعة السابعة تحت شعار "القفطان الجزائري، تراث على مقاس الهوية" الاعلان عن مسابقة قفطان التحدي 2025 : بالمهرجان الوطني للزي التقليدي الجزائري    ملتقى الأدب الشعبي في عصر الذكاء الاصطناعي : رؤى جديدة حول كيفية دمج التقنيات الحديثة في صون الذاكرة الثقافية الوطنية    بومرداس : جماليات التراث ووحدة الثقافة    1111 خرجة تحسيسية لمصالح الأمن    995 جريمة خلال شهر    الديوان الوطني للحج والعمرة:مواصلة عملية مرافقة المعتمرين ومتابعة وكالات السياحة والأسفار    دعوة للمؤسسات الجزائرية للمشاركة في الدورة ال62 لمعرض دمشق الدولي    فتاوى : تكفير المصائب للسيئات يشمل الطائع والعاصي    "أنس بن مالك" .. خادم رسول الله وصاحبه    الديوان الوطني للحج والعمرة : مواصلة عملية مرافقة المعتمرين ومتابعة وكالات السياحة والأسفار    اعتراف إفريقي بنجاح دورة الجزائر    هكذا اجتمعت هذه الصفات في شخص النبي الكريم    "الكتاب رفيقي وصديقي"بالصابلات    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعمة للجزائر ونقمة على السكيكديين
القاعدة البتروكيميائية بسكيكدة
نشر في الخبر يوم 25 - 10 - 2013

إذا كانت الجزائر والجزائريون يتباهون بالقاعدة البترولية والغازية الكبرى الواقعة بسكيكدة، فإن سكان هذه الولاية المعروفة ب”لؤلؤة المتوسط” يقولون إنهم لم يستفيدوا من هذا المركب إلا الخوف والرعب والأمراض، الجسدية والاجتماعية، ممثلة في الأورام السرطانية والحساسية والربو، وأيضا.. البطالة.
السكان في هذه الولاية ما زالوا يتذكرون ومرعوبين أيضا من حوادث الانفجارات التي تحدث بالقاعدة البترولية، ولعل أكبرها تلك التي حدثت في جانفي 2004، حيث لا تزال آثارها إلى اليوم، زادتها حالات مماثلة، وإن كانت أقل حدة.
ما يزال سكان مدينة سكيكدة يعيشون على وقع فاجعة يوم الإثنين 19 جانفي 2004 التي هزت مركب تمييع الغاز الطبيعي في حدود الساعة السادسة مساء وبضع دقائق، التي حولت المدينة إلى بكاء وعويل، اختلطت بمنبهات سيارات الإسعاف، التي لم تتوقف عن نقل القتلى والجرحى إلى المستشفى من القاعدة البترولية التي خيم عليها حزن كبير، وخاصة بملحقات مركب الغاز الذي تحول محيطه إلى مقبرة لحطام السيارات، وإلى أشلاء القتلى من العمال الذين تقطعت أجسادهم من شدة الانفجار الذي كان متبوعا بحريق مهول.
يوم الحادث قال السكيكديون إن مركبات المنطقة الصناعية كلها انفجرت، ومرد ذلك قوة الانفجار وارتفاع ألسنة النيران التي ولد عنها دخان كثيف غطى سماء كل المدينة، وهرع العشرات من بيوتهم التي تحطم زجاجها، ولم يعد الكثير منهم إلا بعد ما انتشر في أروقة المستشفى، خبر انفجار الوحدة 10 فقط لمركب تمييع الغاز، والإعلان عن التحكم في الحريق وتبريد باقي الوحدات القريبة من الوحدة 10 من قبل الحماية المدنية وأعوان التدخل السريع، وهي العملية التي دامت إلى غاية الساعة الثانية من فجر اليوم الموالي، حيث قضى أغلب سكان المدينة ليلتهم في العراء خوفا من جحيم الحادث الذي خلف 27 قتيلا و74 جريحا في صفوف عمال المركب الذين كتبت أسماؤهم، فيما بعد، على نصب تذكاري وضع داخل المركب.

10 سنوات وأسباب الانفجار تبقى مجهولة
رغم التحقيق الذي فتحته آنذاك شركة سوناطراك في الحادث، إلا أن أسبابه الرئيسية لا تزال غامضة ومجهولة لحد الآن، أمام تضارب الأقاويل، حيث لا يزال البعض يتداول حكاية المهندس وأحد مساعديه الذي أمر بتشغيل هذه الوحدة التي كانت متوقفة لمدة طويلة، وقد تزامنت برمجة تشغيلها مع الزيارة التي كانت مقررة لوزير الطاقة والمناجم آنذاك، والذي طالب برفع قدرة الإنتاج. وحسب مصادر من القاعدة البترولية، فإن أحد المهندسين بالموقع اعترض على تشغيل الوحدة لكونها ما تزال غير مؤهلة للعمل، غير أن القرار ”الفوقي” ضرب كلامه عرض الحائط، وصدرت قرارات تشغيلها لإرضاء المسؤول الأول عن القطاع، والمقصود هنا وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل، الذي كان يتردد ياستمرار على القاعدة الصناعية، متجاهلا بعض الوحدات المعطلة، ومنها الوحدة 10 التي كانت تخيف العمال عندما يدور الحديث عن تشغيلها، وهذا راجع إلى قدمها، حيث تعد من بين الوحدات التي انطلق بها مركب الغاز المميع لكن في كل مرة يؤجل تشغيلها إلى غاية الأسبوع الذي انفجرت فيه، حسب ما يتحدث به البعض ممن عاشوا الواقعة، حيث يتداول أن أحد المهندسين أشعر مسؤوليه بعدم تشغيل هذه الوحدة لكونها تحتاج إلى مراقبة دقيقة، الأمر الذي لم يحدث استنادا إلى نفس المصادر.

سكان المدينة: ”حصدنا الرعب والعمل لغيرنا”
في هذا الروبورتاج اقتربنا من عدد كبير من مواطني مدينة سكيكدة، ورصدنا آراءهم بشأن تواجد القاعدة الصناعية التي يقولون بأنها قنبلة موقوتة على رؤوسهم، حيث صبّت أغلب آراء المواطنين الذين تحدثنا إليهم في التشاؤم وعدم الاقتناع والقبول بوجود قاعدة بترولية، وهم مقابل كل ذلك يعانون البطالة، حيث تحدث شباب في الاختصاص عن منح فرص العمل إلى شباب من خارج الولاية، وهذا بحسبهم سببه المسؤولون بهذه القاعدة، الذين يفضلون جلب أقاربهم وحاشيتهم على أبناء الولاية التي نسبة ضئيلة من شبابها تعمل بمركبات القاعدة الصناعية والبقية من الولايات المجاورة، مبررين كلامهم بالعدد الهائل من شباب ولايات الغرب الجزائري الذين من حقهم العمل في كل شبر من تراب الجزائر، لكن يقول العشرات من أبناء الولاية الذين اقتربنا منهم، إن الأفضلية لأبناء الولاية الذين يعانون البطالة، بالرغم من أن هؤلاء الشباب متخرج من المعاهد والجامعات في اختصاصات البتروكيمياء، وما يتعلق بقطاع المحروقات ”لكن العمل غير متوفر لنا”، يقول الشباب الذين اضطر العديد منهم العمل خارج تخصصه، ويقول آخرون إن الظفر بمنصب عمل في القاعدة البترولية يتطلب جهدا كبيرا من الجري والبحث عمن يقدم لك يد المساعدة، من أجل الحصول على منصب عمل بالتعاقد فقط، و«في الكثير من الأحيان تمنح المناصب البسيطة لأبناء هذه المدينة من أجل تغطية الشمس بالغربال حتى لا يقول الشباب بأنه مهمش من قبل المسيرين لمختلف المركبات الصناعية المنتشرة على هكتارات من الأراضي التي كان يسترزق منها أهل المدينة، من كرومها وفواكه أخرى كلها أقلعت في السبعينات بسبب هذا المشروع الضخم”.

الرئيس يؤخر زيارته إلى قسنطينة ويعرج على مستشفى سكيكدة
بعد يومين من وقوع الكارثة التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام وتلفزيونات العالم، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يؤخر زيارته إلى عاصمة الشرق قسنطينة، ويحط بالمستشفى القديم لمدينة سكيكدة.. العديد من المواطنين لم يعلموا بهذه الزيارة التي كانت فجائية، تفقد من خلالها الجرحى رفقة وزير الطاقة والمناجم السابق، كما ترحّم بوتفليقة على أرواح القتلى في غرفة حفظ الجثث، وهناك تقرر إنجاز مستشفى للحروق الكبر الذي لا يزال لم يظهر للوجود بعد، وقد أعلن عن هذا نتيجة الإصابات بالحروق التي وقف عليها رئيس الجمهورية، الذي أمر بالتكفل التام بالجرحى الذين تم نقل بعضهم إلى مستشفى الحروق بشلغوم العيد، والبعض نقل إلى خارج الوطن، والبعض الآخر بقي يحتج على إقصائه من التكفل الصحي، وبلغ به الأمر إلى توجيه أصابع الاتهام إلى سوناطراك بحجة أنها تخلت عنه، وظهرت في تلك المحنة الكثير من الاحتجاجات من قبل العمال المصابين ومن البعض من المؤسسات المجاورة، التي عوّض البعض منها على الأضرار التي لحقت بها بسبب قوة الانفجار.
أثناء هذه الزيارة الخاطفة لرئيس الجمهورية، حاول العشرات من سكان المدينة آنذاك التقرب من الرئيس من أجل الحديث إليه عن هذه القنبلة الموقوتة، والمطالبة بمنحة خاصة لسكان المدينة، غير أنهم فشلوا في ذلك لكون الزيارة كانت جد قصيرة، وحاول البعض من التشكيلات السياسية ”النائمة” أن تستثمر في هذا الحادث، وكذا الشأن لعدد من نواب المجلس الشعبي الوطني الذين هجروا الولاية، مباشرة بعد فوزهم بمقاعد في قبة البرلمان.. المجلس الولائي لتلك العهدة بدوره سارع إلى تنظيم يوم إعلامي حول مخاطر القاعدة الصناعية، لكنها كانت بدون جدوى، حيث غاب فيها الاهتمام من قبل العديد من المسؤولين آنذاك، إذ خرج المشاركون عن لب الموضوع، فراح مدير الحماية المدنية لتلك الفترة يقدم عرضا في تقنيات لا تتماشي وموضوع الانفجار الذي لا يزال في ذاكرة سكان سكيكدة، الذين لم يتخلصوا بعد من هول مخاطر القاعدة الصناعية التي لم تحوّل ”المدينة إلى جنة”.

الرئيس يضرب موعدا لتدشين المركب بعد إعادة تركيبه
مباشرة بعد خروجه من مصلحة حفظ الجثث للمستشفى القديم، ضرب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة موعدا لأبناء ومسؤولي سكيكدة، بإعادة بناء المركب وتدشينه من طرفه، كما كان هذا الموعد متبوعا بإقرار استفادة الولاية من جهاز سكانير، متحدثا عن إسناد مشروع المركب إلى شركة دولية كبيرة لإنجازه في ظرف زمني قياسي. وأسند المشروع إلى الشركة الأمريكية ”كابيار” التي رفعت منه أطنانا من الحديد، وهو حاليا قيد الشروع في الإنتاج ولم يدشن من طرف الرئيس بوتفليقة، والملاحظ على هذا المشروع هو أن الشركة الأمريكية قد وسعت من حجم المركب الذي بلغ إلى ضفة وادي الصفصاف عكس المركب المنفجر، وهذا في نظر المواطنين، قد أصبح، يشكل خطرا كبيرا في حالة وقوع نفس الكارثة، مستقبلا.

المواطن ضحية أمراض إفرازات المركبات الصناعية
في غياب جمعيات ومنتخبين، يدافعون على حقوق المواطن، يدور الحديث في الوسط الشعبي عن المطالبة بمنحة شهرية خاصة لسكان المدينة الذين يعانون من بعض الأمراض الخطيرة، التي تفرزها مركبات القاعدة الصناعية، حيث يتحدث المواطن السكيكدي عن ظهور داء السرطان وضغط الدم والنوبات القلبية والربو بشكل لافت للانتباه، والتي مصدرها المواد الكيميائية التي تفرزها المركبات الصناعية.
وتكشف بعض الإحصائيات أن الوفاة عن طريق النوبة القلبية قد أصبحت لافتة للانتباه بسكيكدة، وكذلك الأورام السرطانية، وهذه الأمراض يقول بعض كبار المدينة لم تسجل من قبل وظهرت تدريجيا مع مباشرة المركبات الصناعية الإنتاج أواخر السبعينات، من القرن الماضي، وقد سبق أن تسببت في الثمانينات في حالات اختناق نتيجة تسرب لمادة كيمياوية، لكن سرعان ما تم التحكم فيها، لكن قد تكون أعراضها السبب في بعض الأمراض المنتشرة حاليا، بالإضافة إلى التلوث الصادر عن الدخان المتطاير يوميا من المصفاة ”طروش”، والتي هي نفايات يفرزها يوميا مركب تكرير البترول، بالإضافة إلى التلوث الناجم عن مركب البتروكيمياء الذي تقرر غلقه مؤخرا من قبل المديرية العامة لمؤسسة سوناطراك والذي كان ينتج بعض المواد البلاستيكية ومواد التنظيف، وكلها كانت تشكل خطرا على صحة المواطن، وخاصة بالنسبة للسكان المتواجدين بالقرب من القاعدة البترولية، ونقصد سكان كل من قرية حمروش حمودي والخروبة وطريق المصانع، وهم السكان الأكثر تضررا من الانفجار الذي هز مركب الغاز، حيث تصدعت بيوتهم القصديرية والأكواخ، كما أن البعض من السكان سبق لهم أن اشتكوا من بعض الاضطرابات النفسية الناجمة عن الانفجار الذي هز مركب الغاز الطبيعي المميع، والذي لا تزال آثاره في أذهان العشرات من العمال الذين نجوا بأعجوبة من الموت، وهم الذين عملوا في الفترة الصباحية، لأن القاعدة البترولية تعمل بنظام المناوبة، كما هو الحال بالنسبة لعمال الإدارة الذين وقع الانفجار بعد ساعتين من مغادرتهم مكاتبهم فيما بقي البعض من المسؤولين الذين أصيبوا بجروح وصفت آنذاك بالخطيرة. إن النتيجة النهائية التي حصدها أهالي الضحايا هي مبالغ مالية وترسيم الأجرة الشهرية للزوجات وتشغيل البعض من أبناء الضحايا من قبل سوناطراك التي يصفها سكان روسيكادا ب«مؤسسة الموت”.

فاجعة ثانية في أقل من سنة عن الأولى
في الوقت الذي لم يمسح فيه سكان مدينة سكيكدة دموع وآثار فاجعة الانفجار، أصيبوا بفاجعة ثانية، وكان ذلك في 4 أكتوبر 2005، حيث شب حريق مهول في خزانين للبترول الخام، كان مصدره شرارة انطلقت من سيارة من نوع ”تويوتا” كانت مارة بالقرب من أحدهما الذي كان يتسرب منه البترول دون التفطن له من قبل الساهرين على مراقبة الخزانات المنتشرة بسهل ”بارو”. هذا الحادث خلف قتيلا وعددا من الجرحى، واحتراق عدد من السيارات والشاحنات التي كانت بمكان الحريق، ومن بينها شاحنة للإطفاء.. البداية كانت بحريق غير أن مصالح الإطفاء لم تتمكن من التحكم في ألسنة النيران، التي تصاعد منها دخان كثيف غطى سماء المنطقة الصناعية والمناطق المجاورة لها.
وقد توسعت ألسنة اللهب نتيجة تعطل قنوات الماء المتواجدة بالخزان، حسب ما تحدث به عارفون بخبايا هذه الخزانات التي تحتاج للصيانة اليومية. الحريق الذي لم تتمكن مصالح الإطفاء من التحكم فيه، انتقل إلى الخزان المجاور وقد كانت الفاجعة أكبر ليلا، حيث انفجر وحوّل الليل إلى نهار، ألهب كل ما كان بمحيطه، ومن حسن الحظ أن البترول المشتعل المتسرب لم يصل إلى باقي خزانات شركة الغاز.

هروب سكان منطقة بارو القريب منها الخزان المشتعل
في حدود الساعة الثانية فجرا من اليوم الموالي استيقظ سكان منطقة ”بارو” على ”شعاع” غير متعودين على رؤيته، حوّل الليل إلى نهار، وهذا نتيجة انفجار الخزان المشتعل.. حالة الذعر هذه أفقدت المواطنين صوابهم، فهناك من قطع أكثر من 20 كلم مشيا على الأقدام، والبعض خرج بلباسه الداخلي هروبا بجلدهم من خطر الحريق وخوفا من انفجار الخزانات المجاورة، بالإضافة إلى عدم تمكنهم من التنفس بسبب الدخان الكثيف المنبعث من الخزان المحترق، فيما بقي البعض من الشيوخ العاجزين عن التحرك، من بينهم شيخ طاعن في السن توفي في بيته لعدم قدرته على الفرار كباقي السكان، الذين تعرضت بيوتهم إلى النهب والسرقة من قبل أشخاص غرباء عن المنطقة استغلوا الفرصة وتوغلوا داخل البيوت التي انتشر بمحيطها الدخان، وكذلك فرصة انعدام الحركة، حيث هجر السكان بيوتهم إلى المناطق البعيدة عن القاعدة الصناعية، وهناك من توجه إلى الحروش أو عزابة ولم يعد إلا بعدما طمأنتهم السلطات المحلية بأن لا خطر على صحتهم.

مواطنون تائهون ومنتخبون غائبون
سكان المناطق المجاورة للمركب الكيمائي منها ”بارو”، الخروبة وحمروش حمودي، خرجوا في حركة احتجاجية عقب وفاة شيخ طاعن في السن بمنطقة ”بارو” نتيجة الهلع والدخان، وتجمعوا أمام مدخل القاعدة الصناعية التي حطم زجاجها، وتبادلوا التراشق بالحجارة مع رجال الأمن الذين طوقوا المكان خوفا من توغل المحتجين إلى داخل القاعدة الصناعية، بعد قطعهم للطريق الوطني رقم 44 الرابط بين عاصمة الولاية والمدن المجاورة، ودام هذا لساعات من الزمن، الأمر الذي دفع بمصالح الأمن إلى استعمال القوة وتوقيف عدد من الشباب المحتجين في غياب تدخل المنتخبين في البلدية والولاية والبرلمان، وحتى حضورهم في هذه الأزمة غاب ولم يسجل لا مع المواطنين المتضررين ولا بالوقوف إلى جانب السلطات المحلية من أجل البحث عن المخرج من هذه الفاجعة التي هزت سكان المناطق القريبة من خزانات مؤسسة النقل عن طريق الأنابيب، التي تكبدت خسائر معتبرة جراء هذا الحريق الذي لم يتوقعه أحد.
حالة الغضب التي عبر عنها الشباب المحتج، كانت سببا في توقيف العديد من الشباب، وهو الأمر الذي صب الزيت على النار وامتدت الحركة الاحتجاجية إلى المناطق المجاورة، وكان قطع الطريق فرصة لبعض الشباب من أجل الاعتداء على أصحاب المركبات خاصة منهم الذين يرفضون التوقف، وحدث هذا في المناطق التي لم تكن مصالح الأمن حاضرة بها، حيث ركزت وجودها أمام مدخل القاعدة الصناعية، خوفا من تسرب البعض من الشباب الغاضب من الفاجعة الثانية التي ظهرت بالقرب من سكناتهم التي هجروها بسبب الدخان الذي صعب عليهم التنفس والذي دام انبعاثه لأكثر من 48 ساعة كاملة، أي إلى غاية احتراق كل المادة الخام من البترول التي كانت داخل الخزان، والتي قيمتها المالية لم تحدد لكنها تعد بمليارات الدولارات في غياب أرقام من قبل المؤسسة المتضررة.

رغم كل ما حدث الدرس لم يحفظ بعد
رغم الفاجعتين المتتاليتين، الدرس لم يحظ من قبل الساهرين على المركبات الحساسة بالقاعدة الصناعية التي أصبحت بمثابة القنبلة الموقوتة، كما يسميها سكان سكيكدة، الذين لم ولن يتخلصوا من مخاطر هذه القاعدة الصناعية، وما تفرزه مركباتها من مخاطر، حيث توسعت في المدة الأخيرة بمركب التكرير ظاهرة الانفجارات، وتوسعت بعد إسناد مشروع المصفاة 11 للشركة الكورية ”سامسونغ” التي كشفت عن ضعف مهندسيها والدليل عن ذلك التفجيرات التي حدثت على مستوى بعض أفران المصفاة التي أسبابها بعض الأشغال الكهربائية غير الموصولة بطريقة ناجعة بشهادة مختصين في المجال، وقد أدت هذه الانفجارات إلى توقيف مؤقت لبعض الوحدات عن الإنتاج، من بينها المصفاة الثانية التي لا تزال لم تدخل في الإنتاج بعد، ما دفع بإدارة المركب إلى رفع احترازات على الشركة الجنوب كورية.
هذه الانفجارات سبق لممثلين عن شركة ”سوناطراك” في العديد من زيارتهم لمركب التكرير أن صرحوا أمام وسائل الإعلام بأن مثل هذه الانفجارات كثيرا ما تقع في مختلف مركبات التكرير في العالم، مؤكدين أن ما وقع بمركب سكيكدة لا يبعث على القلق دون التفكير فيما يعانيه المواطن الذي لا يزال يتذكر فاجعة الانفجار الذي هز مصنع الغاز المميع مساء الإثنين 19 جانفي 2004 والذي أدخل سكان المدينة في رعب وذعر كبيرين، وتلاه الحريق المهول الذي شب في خزاني البترول لمؤسسة النقل عن طريق الأنابيب.

التخلص من مركب البتروكيمياء، حلم السكيكديين.. هل يتحقق يوما؟
استقبل مواطنو مدينة سكيكدة قرار توقيف مركب البتروكيمياء بصدر رحب لتخلصهم من المواد الكيماوية التي يفرزها هذا المركب الذي قد يحول إلى سهل قرباز، ويعتبر سكان المدينة أن قرار تحويل المركب قد يفتح الطريق أمام المركبات الأخرى خاصة وأن سهل قرباز بإمكانه احتواء قاعدة بترولية تفوق الحالية، دون المساس بالمنطقة الرطبة المتواجدة بالضواحي حسب البعض من المختصين، كما يدور الحديث عن مساحات غير مستغلة بغابات عزابة البعيدة عن المحيط العمراني، عكس عاصمة الولاية التي برمجت بها في السبعينات القاعدة الحالية، يوم كان عدد سكانها لا يتعدى ال200 ألف نسمة.
ومن خلال إنجازنا لهذا الملف حول مخاطر القاعدة الصناعية اقتربنا من العشرات من المواطنين ورصدنا رأيهم حول هذه القاعد البترولية التي أصبحت تشكل خطرا دائما على حياتهم، وهذا من خلال الفاجعتين السابقتين، حيث أجمع العديد على أن المنطقة الصناعية لم تعد عليهم بالفائدة عكس ما عادت على غيرهم، حيث برروا ذلك بفرص العمل غير المتاحة لهم ومن يعمل من أبناء المدينة بصفة خاصة والولاية بصفة عامة سوى نسبة يعتبرونها ضئيلة جدا، قائلين أنهم لم يستفيدوا من هذه القاعدة إلا المرض والخوف، فمتى يجنون ثمار صبرهم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.