عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير خارجية سلطنة عمان    محمد لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي في كافة وسائل الإعلام    سعيدة: تشجيع ومرافقة أصحاب المستثمرات الفلاحية للانخراط ضمن مسعى تربية المائيات    المغرب: المخزن يستمر في الاعتقالات السياسية في خرق سافر لحقوق الانسان    منتدى الدوحة: إشادة واسعة بجهود الجزائر لنصرة القضية الفلسطينية    إبراز جهود الدولة في تسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    عطاف يدعو لتوجيه الجهود المشتركة نحو نصرة القضية الفلسطينية    قوجيل: مواقف الجزائر تجاه فلسطين "ثابتة" ومقارباتها تجاه قضايا الاستعمار "قطعية وشاملة"    وزير الداخلية يستقبل المدير العام للديوان الوطني للحماية التونسية    بورصة الجزائر: النظام الإلكتروني للتداول دخل مرحلة التجارب    كريكو تؤكد أن المرأة العاملة أثبتت جدارتها في قطاع السكك الحديدية    تيسمسيلت: إلتزام بدعم وتشجيع كل مبادرة شبانية ورياضية تهدف "لتعزيز قيم المواطنة والتضامن"    اتصالات الجزائر تضمن استمرارية خدماتها غدا تزامنا واليوم العالمي للعمال    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: الجزائر تشارك بثلاثة مصارعين    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    حوادث المرور: وفاة 38 شخصا وإصابة 1690 آخرين خلال أسبوع    نجم المانيا السابق ماتيوس يؤكد أن بايرن ميونخ هو الأقرب للصعود إلى نهائي دوري الأبطال على حساب الريال    تندوف: شركات أجنبية تعاين موقع إنجاز محطة إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط    عقب شبهات بعدم احترام الأخلاق الرياضية :غلق ملف مباراة اتحاد الكرمة - مديوني وهران    تاقجوت يدعو إلى تأسيس جبهة عمالية قوية    نظام إلكتروني جديد لتشفير بيانات طلبات الاستيراد    نحو إنشاء بنك إسلامي عمومي في الجزائر    هل تُنصف المحكمة الرياضية ممثل الكرة الجزائرية؟    طاقة ومناجم: عرقاب يستقبل المستشار الدبلوماسي لرئيسة الوزراء الإيطالية المكلف بخطة ماتي    مشعل الشهيد تحيي ذكرى وفاة المجاهد رابح بطاط    رئيس الجمهورية يُبرز الدور الريادي للجزائر    الجزائر معرضة ل18 نوعا من الأخطار الطبيعية    درك بئر مراد رايس يفكّك شبكة إجرامية دولية    ملتقى وطني عن القضية الفلسطينية    أوسرد تحتضن تظاهرات تضامنية مع الشعب الصحراوي بحضور وفود أجنبية    منح 152 رخصة بحث أثري في الجزائر    المغرب: مركز حقوقي يطالب بوقف سياسية "تكميم الأفواه" و قمع الحريات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي/منافسة الأفلام القصيرة: أفكار الأفلام "جميلة وجديدة"    المجلس الأعلى للشباب/ يوم دراسي حول "ثقافة المناصرة" : الخروج بعدة توصيات لمحاربة ظاهرة العنف في الملاعب    حلف دول شمال إفريقيا..العمل يهزم الشعارات    منتجات البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    سياسة الاحتلال الصهيوني الأخطر في تاريخ الحركة الأسيرة    بهدف القيام بحفريات معمقة لاستكشاف التراث الثقافي للجزائر: مولوجي:منحنا 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الاحتلال يفشل في تشويه "الأونروا"    "حماس" ترد على مقترح إسرائيل بوقف إطلاق النار 40 يوما    محرز يقود ثورة للإطاحة بمدربه في الأهلي السعودي    اتفاق على ضرورة تغيير طريقة سرد المقاومة    إبراز أهمية إعادة تنظيم المخازن بالمتاحف الوطنية    بلومي يُشعل الصراع بين أندية الدوري البرتغالي    شباب بلوزداد يستنكر أحداث مباراة مولودية وهران    الشرطة تواصل مكافحة الإجرام    لا أملك سرا للإبداع    مصادرة 100 قنطار من أغذية تسمين الدجاج    إخماد حريق شب في منزل    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    استئناف حجز التذاكر للحجاج عبر مطار بأدرار    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدروس الخصوصية بين الموضة و الضرورة في بومرداس
"السلام اليوم" تدخل بيوت المدرسين وأولياء التلاميذ تقصيا للظاهرة
نشر في السلام اليوم يوم 12 - 12 - 2012

بالرغم من أنها ممنوعة قانونا، إلا أنها أصبحت الدواء الشافي لكل من يريد النجاح والانتقال إلى صف أعلى مع نهاية كل سنة. إنها الدروس الخصوصية التي تنخر المنظومة التربوية في الجزائر بصفة عامة و بومرداس بصفة خاصة وأصبحت مفروضة على الأسر كغيرها من الضروريات الحتمية التي تفرضها مستلزمات الحياة.
الأولياء يشمئزون لسماعها، التلاميذ يركضون وراءها والأساتذة يتنافسون من أجلها إنها الدروس الخصوصية التي أخلطت الحابل بالنابل وأدخلت قطاع التعليم في دوامة لم يعد يسبح فيها الثانويون فقط بل امتدت إلى كل أصناف التعليم من الابتدائي إلى النهائي في انتظار الطور الجامعي.
هي ظاهرة أربكت ميزانية العائلات البومرداسية وعرّضت العملية التربوية برمتها إلى خطر محذق على اعتبار أن النجاح أصبح مرتبطا بها أصبحت الدروس الخصوصية ظاهرة مفروضة على الأسر الجزائرية بصفة عامة، وبالرغم من لجوء الحكومة إلى إقرار برنامج للدعم على مستوى المؤسسات التربوية، إلا أن هذه الموضة أخذت منحى تصاعدي خطير في السنوات الأخيرة، وتحوّلت وسط التلاميذ من وسيلة دعم إلى سلاح غش في الامتحانات وبين الأساتذة إلى سبيل لتحصيل المصروف بل وتحقيق الربح السريع، لأن العلم أصبح تجارة، وفيه كل شيء أصبح يباع ويشترى حتى ولو أن السلعة ''أي العلم'' يعرض في منازل آيلة للسقوط ومرائب للسيارات تنعدم بها أدنى معايير التدريس المطلوبة .. و لقد بحثنا في القضية واتصلنا بمختلف الأطراف الفاعلة فيها و عدنا بهذا التحقيق..
من دروس دعم وتقوية إلى وسيلة غش في الامتحانات
أخذت الدروس الخصوصية منحى خطير في السنوات الأخيرة، حيث أنها تحوّلت إلى وسيلة غش في الامتحانات فرضت حتى على التلاميذ النجباء الجلوس على مقاعد الدروس التدعيمية الموازية بسبب منافسة أصحاب المستوى التعليمي الضعيف لهم وانتزاعهم لعلامات لا يستحقونها بفضل ما يدفعونه من أموال في هذه الأقسام الخاصة لمدرس نفس المادة .
وبعد أن كان الهدف من تلقي الدروس الخصوصية تمكين التلميذ من فهم ما عجز عن استيعابه داخل القسم وتقويته في المواد التي يعاني من ضعف فيها خاصة العلمية منها، امتدت العملية إلى الاستعانة بالدروس التدعيمية حتى في المواد الأدبية كالتاريخ والجغرافيا وغيرها من مواد الحفظ بغرض الحصول على أسئلة الامتحانات من أستاذ المادة في المتوسط والثانوي، ومن معلم العربية أو الفرنسية في الابتدائي .
والقضية لا تنتهي هنا بل أن تلاميذ الأقسام النهائية أيضا في اللعبة وبقوة، وأصبحوا يلجأون إلى هذه الدروس من أجل الحصول على نماذج لأسئلة الامتحانات الرسمية من مفتشين وأساتذة تعتمد عليهم وزارة التربية في إعداد أسئلة امتحانات نهاية السنة .
" محمد " من حمادي جنوب شرق بومرداس تلميذ بقسم نهائي في الطور الثانوي قال ''أنا آخذ الدروس الخصوصية مضطرا لأن النجاح والحصول على علامات جيدة في الاختبار صار مقرونا بها، لأن بعض الأساتذة صاروا يتعمدون تقديم حلول مباشرة لأسئلة الامتحانات أو تقديم نماذج قريبة منها لتمكين التلاميذ الذين يأخذون دروسا خصوصية عندهم من الحصول على علامات جيدة تزيد من ثقة الأولياء في نجاعة هذا الدعم وفي إقبال تلاميذ آخرين على هذه المقاعد الدراسية غير الرسمية'' .
وفي ذات السياق، اعترفت لنا أم تدرس ابنتها في السنة الرابعة متوسط، فقالت ''ابنتي تلميذة نجيبة وكانت في غنى تام عن مثل هذه الدروس، لكن جارتي أخبرتني بأن أستاذة الفرنسية تقدم نماذج لأسئلة الامتحانات الرسمية، وأن نفس الموضوع الذي قدمته لمن كانوا يتلقون عندها دروسا خصوصية طرح في الامتحان، لذلك سارعت لحجز مكان لابنتي عندها'' واستعمال الدروس الخصوصية كوسيلة للغش في الامتحانات دفعت بأولياء التلاميذ إلى تسجيل أبنائهم في مواد سهلة لا تتطلب دفع أموال مقابل فهمها، وهذا أمر خاطئ ويضر أكثر مما ينفع، وهو ما حصل مع بنت السيدة " سميرة" من بلدية دلس شرق بومرداس التي قالت: ''نظرا لضيق الوقت وانشغالي في العمل طيلة النهار، قررت تسجيل ابنتي عند معلمتها في الابتدائي، التي تقوم بمراجعة جميع دروسها بما فيها مواد الحفظ، هذا الأمر استمر لأربع سنوات، وحينها كانت ابنتي تحصد أعلى المعدلات، لكن أثناء امتحان ''السيزيام'' نالت علامات ضعيفة لم تؤهلها للنجاح، وحينها اكتشفت غش المعلمة، ومنذ ذلك الحين حرصت على عدم تسجيل ابنتي في مثل هذه الدروس، لأني كنت أدفع أموالا من جيبي مقابل تحطيم مستقبل ابنتي الدراسي'' .
دروس خصوصية في مرائب للسيارات ومنازل آيلة للسقوط
لأن الحاجة أم الاختراع، والغاية تبرر الوسيلة، لم يعد بعض الأساتذة أو المعلمين -إن صحت تسميتهم كذلك- يجدون حرجا في اعتماد كل الطرق من أجل تحصيل المصروف الزائد والتحايل على أبناء، كان من المفترض أن نعلمهم ونحسن تربيتهم، لا أن نستغلهم ونزج بهم في مرائب للسيارات وغرف ومنازل آيلة للسقوط، لا تتوفر على أدنى الشروط الضرورية من أجل إعادة تقديم ما عرض عليهم داخل الأقسام من دروس، وكل هذا ليس بالمجان أو لوجه الله بل بمقابل وفير نظير جهد يسير .
هذه هي الوضعية التي يعيشها يوميا عشرات الآلاف من تلاميذ الولاية بصفة خاصة و الجزائر بصفة عامة..ممن يحصلون على الدروس الخصوصية في مقرات تنعدم بها أدنى المعايير المطلوبة في عملية التدريس.
حيث انه نجد أن معظم مقرات تقديم هذه الدروس تتواجد بالأحياء القديمة وتقع داخل بنايات متصدعة ومهددة بالسقوط في أية لحظة، يضاف لذلك تواجدها بمحاذاة أسواق وطرقات عامة تعج بالضوضاء والفوضى، ومن أمثلة ذلك المتواجدة ببودواو و شعبة العامر و حتى عاصمة الولاية.
و حمادي هذه الأخيرة بالرغم من أن المنطقة ذات طابع تجاري ولا تتوقف بها الحركة منذ طلوع الفجر حتى غروب الشمس على مدار أيام الأسبوع صاحب إحدى المستودعات بذات المنطقة لم يتوان في استغلاله كمدرسة صغيرة يزاول بها عشرات التلاميذ دروسهم المسائية يوميا ويقدمها لهم أساتذة في عدة اختصاصات يتلقون 12 ألف دينار كأجرة شهرية من صاحب المستودع، في حين يدفع كل تلميذ 1500 دينار لجميع الدروس و400 دينار لمن يختار مادة فقط
تقول إحدى السيدات التيقيناها بمدينة خميس الخشنة ''أعلم جيدا أن الظروف غير مناسبة داخل هذا المحل، ولكن ما باليد حيلة، فابنتي ستجتاز امتحان الطور المتوسط ولابد لها من دروس تقوية كي تحقق النجاح وتحصل على معدل جيد'' مثل هذه الأحاديث وجدناها عند الكثير من الآباء، وكل واحد منهم كان يحاول إيجاد تبرير وبينما كانت كل الحجج واهية واشتركت في أن النظام الدراسي الجديد صعب، ويتطلب دروس تقوية، ..
" عمر " وهو أب لطفل و طفلة قال لنا: ''أعلم أن الدروس الخصوصية لا تقدم شيئا ولا تغني ولا تسمن من جوع، لكن في حقيقة الأمر هذه الدروس أصبحت موضة والتلاميذ وجدوا فيها الملاذ للتخلص من ضغط الأولياء والسبيل لكسب تعاطف الأستاذ ورضاه، فمن دون شك المعلم في القسم لن يبخل على تلميذ يمنحه شهريا 1500 دينار، وبالتالي الدروس الخصوصية أصبحت وسيلة بيد التلاميذ لانتزاع علامات لا يستحقونها، هذه هي حقيقة الأمر شئنا أم أبينا'' هذا، وتفتقر معظم المقرات المخصصة لتقديم الدروس للتلاميذ إلى الإضاءة الجيدة، حيث تقول التلميذة فريال''إن مصباح الإضاءة ضعيف جدا وعندما تم تغييره بواحد أقوى أصبحنا لا نرى اللوح الأبيض، لأن الضوء ينعكس عليه، كما أن كبر وشساعة المرآب وغياب التدفئة يجعلني أنا وزملائي معرضون دائما للإصابة بالبرد، كما أننا لا نركز أثناء تقديم المعلم للدرس في بعض الأحيان بسبب البرودة الشديدة'' وتعتبر قضية التأثيث آخر ما يطرح للنقاش، حيث أن مثل هذه المقرات تقتصر على مجموعة من الطاولات والكراسي غير المريحة والقريبة جدا من بعضها البعض، حيث لا تعطي حيزا فرديا منفصلا عن الآخر في ظل هذه الظروف يدرس أبناؤنا، وحتى وإن كانت العملية اختيارية وليست إجبارية، إلا أن هذا الوضعية أصبح لها باع طويل لإنهاء بشكل من الأشكال مجانية التعليم في الجزائر وخلق مدارس موازية للمؤسسات التعليمية النظامية .
الطالبات الجامعيات يستثمن في الظاهرة
مع زيادة الطلب على الدروس الخصوصية، أصبحت الأخيرة مهنة من لا مهنة له، ومن أكثر الفئات التي أضحت تسير القطاع الطالبات الجامعيات اللائي أصبحن يقدمن الدروس في ساعات فراغهن لسد متطلبات الدراسة وتخطي شبح المنحة الجامعية، وتوفير مصروف الجيب بشكل منتظم على امتداد السنة الجامعية .
فتيحة "طالبة سنة رابعة اداب عربي بجامعة بودواو قالت: ''أنا أزاول هذا النشاط منذ سنتين وقد ولجته بسبب حاجتي الماسة للمال من أجل شراء بعض الكتب ودفع مصاريف الدراسة، هي مهنة شريفة والحمد لله أني أحصل على المال بعرق جبيني مقابل ما أقدمه من خدمات للتلاميذ، وهذه المهنة لا تتعبني كثيرا لأني أستقبل التلاميذ في المنزل مرتين في الأسبوع فقط، وبالتالي هي لا تؤثر على دراستي'' هذا، ويختلف مدخول كل طالبة حسب عدد الأطفال الذين تدرسهم، ولأن المثل يقول ''لي داق البنة ما يتهنى'' الكثيرات سال لعابهن وبدل استقبالهن لست أو سبع تلاميذ، بعض الطالبات يستقبلن أزيد من 20 تلميذا كما هو الحال ببومرداس حيث أن إحدى خريجات كلية الحقوق حوّلت إحدى غرف منزل والدها إلى شبه قاعة للتدريس، وبها تقدم الدروس يوميا لتلاميذ الطور الابتدائي مقابل 500 دينار يدفعها كل واحد منهم شهريا كما يختلف مدخول كل واحدة حسب المواد المدرسة من رياضيات، لغة عربية، لغات وغيرها من المواد الرئيسية في مختلف الأطوار في حين تبقى الطالبات الأوفر حظا هن من تقدمن الدروس الخصوصية في بيت التلميذ، لأنه في مثل هذه الحالة يكون الأجر مرتفعا ويصل حتى 10 آلاف دينار في الشهر.
الأولياء ضحية حاجة أبنائهم وضغوطات ومساومات الأساتذة
''هم يعلمون أن الظاهرة خطيرة ولها انعكاسات كثيرة، إلا أنهم ينساقون وراء حاجة أبنائهم وضغوطات ومساومات بعض الأساتذة، إنهم الأولياء الذين يدفعون مصاريف تحطيم مستقبل أبنائهم الدراسي''، هكذا حدثنا " سعيد " أب لأربعة أطفال ثلاثة منهم يتلقون الدروس الخصوصية ويكلفونه شهريا ما يزيد عن 4000 آلاف دينار ذات المتحدث، حدثنا بحسرة، لكنه قال إن الأمر صار مفروضا عليه وأصبح وسيلة لتحقيق أبنائه النجاح في ظل الضغوطات والمساومات التي يمارسها بعض الأساتذة على التلاميذ مؤكدا في السياق ذاته بأن ظاهرة الدروس الخصوصية التي تقدم بشكل فوضوي لا يمكن أن تتقمص الفدرالية دور الشرطي لمراقبتها ومنع الأساتذة أو التلاميذ من الحصول عليها بالرغم من الشكاوى العديدة التي وصلتها، وذلك لسبب وحيد هو أن الأولياء هم من يدفعون أبناءهم لمثل هذه الدروس، ولا يمكن للفدرالية أن تقف في طريقهم، موضحا ذات المتحدث أن الدروس الخصوصية، المحظورة رسميا من طرف الوصاية، تجعل التلاميذ يشعرون بإرهاق نفسي وذهني خاصة كونهم في خضم مرحلة الطفولة أو المراهقة، ومثل هذه الأمور تؤثر على نموهم الصحيح وتعرقل تغيرات أجسادهم النفسية والعضوية، لذا صار من الواجب التمعن في القضية ودراستها من مختلف الجوانب للقضاء عليها، لأن استمرارها يعني الموت البطيء لمنظومتنا التربوية وكذلك الحال بالنسبة للمشوار الدراسي لتلامذتنا ذلك هو ملف الدروس"الخصوصية"الذي صار يُفزع كل العائلات تقريبا في الوقت الذي ظل فيه الصمت يلف هذا الملف الذي لا نعرف بدايته كما لا نُدرك نهايته.
اختلفت الآراء والمواقف بشأنه بالرغم من وجود قوانين منظمة له وبالرغم من الكثير من التراتيب التي تخصه والتي للأسف ظلت حبرا على ورق وظلت تراتيب تبرز فقط وتُذكر في المناسبات التي يتم التطرّق فيها لهذه الظاهرة، ظاهرة الدروس الخصوصية التي صارت بمثابة المدرسة الموازية للتلاميذ والاولياء والمدرسين.
انه الملف الذي أرهق جيوب الأولياء وأفزع البيوت وصار محل جدل بين الكثير من الإطراف وكشفت مواقف كل من والأولياء والمدرّسين واضعة النقاط على الحروف وكاشفة زوايا وجوانب ملف آن الأوان لفتحه بكل جدية والوقوف على أسبابه الحقيقية وعلى أثاره وانعكاساته...يجهل الكثير من الأولياء والكثير من المعنيين بظاهرة الدروس الخصوصية أن وزارة التربية والتكوين تولت إصدار منشور يتضمّن كافة التراتيب الخاصة بتنظيم وإلقاء الدروس الخصوصية بكل دقة مما يمنع حدوث وبروز الكثير من التجاوزات.
ومن بين الشروط و التراتيب التي أصدرتها في ما يخصّ الدروس الخصوصية أنه يمكن أن يتعرّض كل مدرّس يخالف هذه التراتيب والشروط للتتبعات الجزائية اضافة الى تعرّض المعني بالأمر للعقوبات الإدارية الواردة بالقوانين الجاري بها العمل.
ومن بين هذه التراتيب أنه يمكن للمدرس الواحد القيام بدروس خصوصية لفائدة مجموعات من التلاميذ لا يتجاوز عددها بأي حال من الاحوال الثلاث مجموعات ولا يمكن ان يتجاوز عدد التلاميذ بالمجموعة الواحدة الاربعة تلاميذ.
ويجب ان تلقى الدروس في قاعات معدة للغرض تتوفر فيها الشروط الضرورية خاصة في ما يتعلق منها بقواعد حفظ الصحة والاتساع والتهوئة والانارة والتجهيزات ويتعيّن على كل مدرّس يرغب في تنظيم دروس خصوصية تقديم طلب استرخاص مسبق عن طريق الادارة وذلك قبل 15 يوما من انطلاق الدروس.
وتخضع دروس التدارك او الدعم والدروس الخصوصية للمراقبة البداغوجية والادارية من قبل المتفقدين.وتؤكد مصادر وزارة التربية ان موقف الوزارة من ظاهرة الدروس الخصوصية واضح وانها بالمرصاد لكل التجاوزات التي قد تصدر حال اكتشافها للامر.
واعتبر احدهم ان الدروس الخصوصية هي وليدة حاجة لدى بعض التلاميذ وهناك دفع للاولياء نحوها الى جانب وجود نوع من المجاراة من جانب الاولياء والتلاميذ لبعضهم الى جانب البحث عن التميز. .
ويذكر ان الكثير من المعلمين يتمسكون تمسكا تاما برفض ومقاطعة الدروس الخاصة ويعتبرون أن الانسياق واللهث وراءها يخلّ بقيمة المدرس.
وتعتبر هذه الفئة من المعلمين وهي الفئة التي تقاطع الدروس الخصوصية بالرغم من مردودها المالي الجيد أن المدرسة تبقى المكان الوحيد للدراسة والتحصيل العلمي وأن المعلم مطالب ببذل كل جهده داخل القسم وبالتالي يتساوى كل التلاميذ في التحصيل العلمي.
رافضة رفضا تاما لظاهرة الدروس الخصوصية التي تلقى خارج فضاء المدرسة مطالبة بحلول جذرية وحاسمة لأسباب تفشي هذه الظاهرة التي للأسف طالت كل المستويات.
الأولياء : لم نفهم حقيقة هذه " السوق "
يبقى الوليّ هو الحلقة الهامة والمحورية على ما يبدو في ظاهرة الدروس الخصوصية.فقد أشارت الى حجم الأموال المتداولة نتيجة لظاهرة الدروس الخصوصية والذي يبلغ سنويا أكثر من 20 مليارا من المليمات وهو مبلغ ضخم وطائل وميزانية مفزعة مموّلها الأساسي والوحيد الأولياء والميزانية العائلية "المسكينة" التي عليها ان تُجابه مصاريف السكن والنقل والصحة والترفيه ونفقات الأكل والشرب والملبس وتضاف اليها نفقات الدروس الخصوصية.
هل الولي هو ا لطرف المسؤول في هذه المعادلة الغامضة والمعقدة بالرغم من وضوح خيوطها وملابساتها؟ذلك هو السؤال المحوري في ظاهرة تكاد ان تتحوّل الى «غول» يفزع كل العائلات تقريبا." رابح " من وسط مدينة بومرداس له ثلاثة أبناء يدرسون بالتعليم الثانوي من بينهم اثنان في مستوى البكالوريا يقول انه يُنفق حوالي 200 دينار من مرتبه من أجل الدروس الخصوصية.
ويُضيف انه لا يمكن الاستغناء حسب رأيه عن الدروس الخصوصية لكنه لم يفهم لماذا يعجز التلاميذ عن فهم الدروس فهما جيدا في قاعات المدرسة والمعهد.
يعرف هذا الولي ان مدرّس الرياضيات الخصوصي يسخر احدى غرف منزله لتقديم الدروس حيث تتوافد الأفواج من التلاميذ على تلك الغرفة الصغيرة دون ان يعمل اي كان على تطبيق منشور وزارة التربية الخاص بشروط تنظيم المدارس الخصوصية.
ويضطرّ الأولياء للأسف الى حمل أطفالهم التلاميذ الى مستودعات تُفتح هنا وهناك لاستقبال التلاميذ وإلقاء الدروس الخصوصية.
بل إن الامر طال الطلبة أيضا خاصة في الأقسام النهائية حيث يتولون تقديم دروس خصوصية للتلاميذ عبر تسوّغ محلات توفر لهم مداخيل كبيرة خاصة اذا كانت تلك المحلات تُوجد في مناطق وأحياء راقية يكون فيها دخل الأولياء مرتفعا ويأتي إليها التلاميذ لتلقي الدروس الخصوصية.
ورغم دخله المحدود يضطر الى توفير المال اللازم للدروس الخصوصية فابنتها التي ستجتاز هذا العام امتحان البكالوريا لابد لها من دروس إضافية وخصوصية خاصة في مادتي الفيزياء والرياضيات.الكثير من المدرسين الذين يتولون تقديم الدروس «الخصوصية» رفضوا الحديث معنا عن هذه الظاهرة وعن حقيقة مداخيلهم التي لا شك أنها تفوق مداخيلهم الاصلية (مرتباتهم).
لا نعرف كما لا يعرف الأولياء هل أن الوزارة غافلة عن التجاوزات التي تتم في حق منشورها وهل أن الأمر يحتاج إلى تكوين «فرق تفتيش» لاكتشاف الشقق والمستودعات والغرف التي تلقى فيها الدروس الخاصة أحيانا بمبالغ ضخمة بحثا عن التميّز والنجاح.
لكن هذا السؤال لا يُطرح بمعزل عن سؤال محوري وجوهري وهو هل ان ساعات التدريس الرسمية عاجزة ولا تفي بالحاجة لجعل التلميذ يفهم درسه وهل أن البرامج الدراسية مكثفة بشكل يجعل التلميذ بحاجة الى مدرسة موازية والى ساعات تدريس إضافية.أسئلة تحتاج إلى إجابة صريحة وواقعية تضع الإصبع على الداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.