يقترب الحديث عن الرهان الرياضي الجزائري من الحديث عن حلم الآلاف بالفوز بالملايين دون أدنى جهد، مجرد الصدفة في تحصيل مجموعة من الأرقام تتوافق مع ما ستختاره الآلة السحرية كل يوم أحد على التلفزيون· وقد نجح الرهان الرياضي من إدخال السعادة بإعلان فوز الكثيرين من المحظوظين، ليبعث الأمل في قلوب كل من يراهن على حفنة من الدنانير لا تتجاوز 30 دينارا لتتحول لعشرات ولِمَ لا مئات الملايين· غير أن الفترة الأخيرة بات الرهان الرياضي يتسبب في قلق أوفيائه، ليس فقط ممن لم يسعفهم الحظ بل أولئك الذين تمكنوا من ضم الحظ إلى صفهم والفوز بالتركيبة الرقمية الصحيحة، فقد بات الفائزون يضطرون لانتظار فترات تتجاوز الفترة القانونية للحصول على قيمة جائزتهم· السبب في ذلك، الأزمة المالية الخانقة التي بات يعاني منها الرهان، والتي قد تجبره على إعلان الإفلاس· لا يمكن لأي مارٍ عبر موقف الحافلات بساحة أول ماي التغاضي عن وكالة الرهان الرياضي الجزائري، التي تزدحم في عدد من الأيام بصفوف هواة ألعاب الحظ، حيث يصطف العشرات من الزبائن للحصول على وريقات الرهان الرياضي التي قد تصنع ثراء أحدهم· أولى الملاحظات التي تقفز للأعين هي كون الغالبية العظمى من الرجال من مختلف الأعمار· يوم زيارتنا للوكالة كان بوعلام، في عقده الرابع، ضمن المصطفين لشراء عدد من الوريقات· يعترف بوعلام بإدمانه على ألعاب الحظ منذ شبابه، مقرا بغياب الحظ عنه، حيث لم يصب الأرقام الصحيحة، إلا أنه بين الحين والآخر كان ينجح في تحقيق بعض الأرباح التي توهمه في كل مرة قرب موعد الفوز العظيم، يقول بوعلام بهذا الصدد: ''أخصص ما قيمته 400 دينار شهريا لشراء وريقات الرهان الرياضي، لا أسمح لنفسي بتجاوز هذا الرقم، لأنني في قرارة نفسي أدرك أن الربح صار بعيدا عني''· والحال أن العديدين من مرتادي وكالات الرهان الرياضي لا يؤمنون بقابليتهم على الفوز، إلا أن ذلك لا يمنعهم من مواصلة اللعب على أمل أن يشاهدوا الأرقام الصحيحة على شاشة التلفزيون، ذلك الظهور على التلفزيون الذي يبعث الأمل كل مرة، كلما ظهر أحد الفائزين· ما يزال حاضرا في الأذهان الحديث عن الفائز من منطقة ذراع بن خدة، والذي نجح في تخمين سبعة أرقام صحيحة والفوز بحوالي 4.7 مليار سنتيم· غير أنه قل ما يسعف الحظ اللاعبين بمثل هذه الفرص· هذه الفرص التي قد تتعدد بعدد عروض الرهان الرياضي الذي ينوع في النماذج التي يقدمها، حيث يتوافر على ثلاثة أنواع من ألعاب الحظ، بداية بالأربعة أرقام صحيحة، الخمسة صحيحة، وستة أرقام صحيحة التي تمثل القمة والفوز الأكبر· كما أن هناك اللوطو الرياضي، كورة بلوس، وغيرها من الألعاب التي تدر الربح على إدارة الرهان، الفائزين ووزارة الشباب والرياضة· والواقع أن الحديث عن المبالغ الضخمة التي كان يغري بها الرهان الرياضي اللاعبين لمحاولة تغيير مصيرهم من ''زوالية'' ليصبحوا من أصحاب الملايير لم يعد ذاته، فقد تقلصت تلك المبالغ الكبيرة التي كانت تصل للملايير لتظل تراوح رزما لا تتجاوز بضعة ملايين لا تتجاوز في كل الأحوال المائة· مع أن الحديث عن الرهان الرياضي يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن مبالغ مالية ضخمة، فقد كان الرهان الرياضي منذ تاريخ نشأته من أهم المصادر المالية التي يعتمد عليها قطاع الشباب والرياضة، حيث أنه تحت وصاية وزارة الشباب والرياضة، على اعتبار أنه من يقع ضمن المجالات الرياضية· والحال أن الرهان الرياضي كان إلى غاية فترة ليست ببعيدة من أهم ممولي الوزارة بالموارد المالية لتمويل النشاطات الرياضية، وفقا لما ينص عليه القانون، ذلك لأنه حسب النصوص الجزائرية المقننة لنشاط ألعاب الحظ، حيث تقر باحتكار الدولة لهذا النوع من النشاط، حسب ما ورد في المادة 162 من قانون العقوبات، أن كل من يقوم بتنظيم نشاطات لها علاقة بألعاب الحظ يتعرّض لعقوبة السجن وغرامة مالية· الجدير بالذكر أن هذا القانون بالرغم من استمرار فعاليته، إلا أنه لم يعد مطبقا، فقد أحدثت التكنولوجيات الجديدة عددا من النشاطات الخاصة بألعاب الحظ التي ينظمها الخواص في الجزائر دون أن يتفطن لها المشرع الجزائري، من قبيل ألعاب الهاتف، الطمبولا، الرهانات على صفحات الجرائد··· وغيرها· هذا الاهتمام الخاص بهذا النشاط، يأتي بالنظر للأموال الكبيرة التي يدرها، هذه الأموال التي كان يخصصها الرهان الرياضي طيلة عقود لتمويل النشاط الرياضي بمعية وزارة الرياضة والشباب التي تشرف على الرهان الرياضي· فقد جاء في القانون الخاص المنظم لهذا النشاط ضرورة منح ما نسبته 40 بالمائة من مداخيل الرهان الرياضي للصندوق الوطني لترقية ودعم النشاطات والتظاهرات الشبابية والرياضية التابع لوزارة الشباب والرياضة، في حين يتم تخصيص 40 بالمائة من المال المحصل لفائدة الفائزين· أما 20 بالمائة المتبقية، فتعود لإدارة الرهان الرياضي، مع العلم أنه من حق الرهان الاحتفاظ بنسبة الفائز في حال عدم الإعلان عن نفسه في غضون 36 ساعة التي تلي تاريخ إعلان أسماء الفائزين· وبالفعل، نجح في فترة من الفترات الرهان الرياضي أن يكون الشريك الفعلي للرياضة في الجزائر، تماما كما نجح في اكتساح الساحة الإعلامية بعدد معتبر من الومضات والملصقات الإشهارية، كان ذلك خلال مرحلة الذروة التي حقق فيها الرهان الرياضي أرقاما كادت تكون خيالية· ولما كان دوام الحال من المحال عرف الرهان الرياضي الجزائري تراجعا في الأداء بات يهدد وجوده، فقد راجت أخبار عن التأخير الكبير في تسليم الفائزين مستحقاتهم من الأموال بسبب عدم توفر السيولة· قائمة انتظار للفائزين عدم توفر السيولة، أمر يكاد لا يصدق بالنسبة للرهان الذي كان بمثابة الخزينة السرية لقطاع الشباب والرياضة· بات يحدث هذا في الوقت الذي يقر فيه القانون المنظم لهذا النشاط بآجال قانونية لتسليم الجائزة المالية لا يمكن تجاوزها، غير أن الرهان بات يتجاوزها لعدم توفر الأموال، ومن أمثلة ذلك أنه بات يطلب من الفائزين الانتظار لفترات قد تصل لحوالي ستة أشهر بالنسبة لبعضهم، مع العلم أن المبالغ لم تعد مرتفعة مثلما كانت عليه في وقت مضى· في محاولة لمعرفة أسباب تراجع أداء الرهان الرياضي الجزائري، كان لابد لنا من التوجه للمصدر، فكانت الوجهة لواحد من أرقى الأحياء العاصمية، إقامة صحراوي ببن عكنون· المثير أن مبنى إدارة الرهان على ضخامته وكبره لم يكن يتوافر على الحد الأدنى من موظفي الاستقبال، بالرغم من زيارتنا لمقر الرهان في أوقات العمل المحددة· والبداية كانت من خلال الحديث مع أحد الإطارات الذي كان متواجدا في المقر، بمجرد معرفته لانتمائنا لمهنة المتاعب، رفض ذكر اسمه وإلا هدد بعدم الحديث معنا، فما كان منا إلا القبول واحترام هذا الرفض في ذكر الاسم· بمجرد الحديث عن أسباب تراجع تواجد الرهان الرياضي، أكد المتحدث أن ذلك يعود للعديد من المسببات التي تراكمت لتخلص لنتيجة واحدة هي تراجع الرهان الرياضي· فهل تسببت هذه الوضعية المتدهورة على ميزانية الرهان لدرجة عدم وجود موظف استقبال يمنع أيا كان من التجوال بمكاتب المقر دون أن يجد من يخاطبه؟ الرهان الرياضي بدون مدير! حسب هذا الإطار الوضع لا يصل لهذه الدرجة، مشيرا أن سبب غياب العمال والموظفين في أوقات العمل يعود لعدم وجود عمل حقيقي يقومون به، ما خلق نوعا من حالة التسيب واللامبالاة التي تسمح للكل بالقيام بما يحلو له· عند هذه المرحلة كان لابد من الحديث عن مسؤول الرهان الرياضي والصلاحيات المخولة له لتسيير هذه الهيئة المهمة اقتصاديا· والجواب السريع المقدم من طرف الإطار: ''هذا واحد من أهم الأسباب التي جعلت الرهان الرياضي يتراجع في أدائه، ليس لدينا مدير، منذ فترة تم تعيين المدير في منصب مدير ديوان بوزارة الشباب والرياضة، منذ ذلك الحين ونحن في انتظار تعيين مدير جديد يستلم زمام الأمور ويعمل على بعث النشاط من جديد، غير أن المدة طالت ولا أحد يملك الصلاحيات التي تخول له القيام بمثل هذه الإصلاحات أو على الأقل يشرف على سير العمل''· استمرارا لسعينا في البحث عن شخص رسمي يمكنه الحديث باسم الرهان الرياضي الجزائري، كانت لنا محاولة مع المديرية التجارية لمعرفة الإحصائيات الخاصة بعدد اللاعبين لمجرد التعرف على نسبة إقبال الجزائريين على هذه اللعبة، غير أن طلبنا هذا تحوّل لطلب إعجازي، على اعتبار أن المديرية تحيلنا على أخرى، فمديرية التجارة تعتقد جازمة أن هذه الإحصائيات بحوزة خلية الاتصال بالشراقة، في حين أن هذه الأخيرة تؤكد عدم توفرها على الإحصائيات، وكأن الأمر يتعلق بأرقام سرية· مرة أخرى نصطدم بواقع عدم رغبة أيا من موظفي الرهان الإفصاح عن اسمه، الكل يتحدث عن تعطيل في العمل وتراجع، لكن لا أحد يملك الصلاحية للحديث بشكل رسمي، حتى وزارة الشباب والرياضة تعذر علينا الوصول إليها للحديث في الموضوع، بسبب تأكيد الوزارة على أن للرهان الرياضي الجزائري إدارة يمكنها تزويدنا بالأرقام التي تلزمنا، كان الأمر أشبه بحلقة مفرغة لم ينقذنا منها غير التصريحات غير الرسمية لعدد من العاملين بالرهان· منافسة الانترنيت·· الهاتف النقال والجرائد من هؤلاء الإطار الذي أكد على أن الوضعية المالية للرهان في حالة حرجة بسبب التراجع الكبير لعدد المهتمين بما يقدمه الرهان الرياضي، حيث يقول: ''الرهان يشهد تأخرا كل يوم يفاقم من الأزمة التي يعيشها، التكنولوجيات الحديثة ووسائل الإعلام باتت تنافسنا بشكل كبير بالرغم من منع القانون لمثل هذه النشاطات، ومع ذلك نشاهد على صفحات الجرائد رهانات رياضية تقدم للقراء مقابل الفوز بجوائز، كل الذين كانوا أوفياء للرهان من منطلق عشقهم للرياضة باتوا يفضلون صفحات الجرائد· من جهة أخرى، بتنا نجد أنفسنا في مأزق بسبب عدم احترام الفدرالية الوطنية لكرة القدم الرزنامة الخاصة بمواعيد إقامة المباريات، لا يمكننا أن ننظم الرهان على نتائج مباراة دون التأكد من تاريخ إقامتها، والحال ذاته مع كل المباريات، الأمر الذي اضطرنا للتراجع عن مثل هذه الألعاب، سيما وأننا لا نملك من الإمكانيات اللازمة لعمليات الجمع والفرز عبر كامل التراب الوطني مع احترام الآجال اللازمة، نحن نسجل تأخرا كبيرا في استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة مثلما هو معمول به عبر العالم، أساليب من شأنها رفع مستوى أداء الرهان ومضاعفة الربح''· مثل هذه الأسباب التقنية التي ذكرها الإطار بالرهان الرياضي، يشير إلى أنها معروفة لدى المسؤولين، غير أنها لم تلق الرد الكافي لمحاولة تغيير الوضع وبعث الرهان ليقوم بالدور المنوط به· هذا الحديث يقودنا للحديث عن تلك الأقاويل التي طالما ترددت بخصوص فتح رأسمال الرهان الرياضي الجزائري أمام الاستثمار الخاص سواء تعلق الأمر بالاستثمار الوطني أو الأجنبي، فقد سبق للإعلام الوطني الحديث عن اهتمام الرهان الرياضي الفرنسي بالشراكة في الرهان الجزائري، هذا السعي للبحث عن شريك محترف كان بغرض عصرنة وتطوير الرهان الرياضي الجزائري، غير أنه لم يتجاوز مرحلة الحديث، ليبقى الوضع على ما هو عليه· وعن سؤال حول عدم لجوء الرهان للاستثمار في التجهيزات خلال فترة الرخاء، كان الجواب أن الأولويات في تلك الفترة كانت مختلفة· فقد كان التركيز على ضرورة الانتشار وهو ما يفسر اللجوء الواسع للإشهار في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة· بهذا الخصوص، يؤكد عدد كبير من العاملين في الرهان الرياضي أنه تم تضخيم ميزانية الإشهار بشكل مبالغ فيه تحت مسمى الانتشار· على مثل هذه الخلفية بات الرهان الرياضي الجزائري يعاني اليوم من أزمة حقيقية تهدد مستقبله في الوقت الذي تتجاهل السلطات المعنية هذا الوضع، الذي بات يحرم قطاعا واسعا من الجمعيات الرياضية من الدعم الذي كانت تجده في الميزانيات المحصلة من طرف الرهان الرياضي· والحال اليوم أن الفائزين باتوا يضطرون للانتظار فترات لتحصيل أموالهم· فهل تقدم وزارة الشباب الرياضة على إعلان إفلاس الرهان أم أنها ستضخ الميزانية اللازمة لإعادة بعثه من جديد؟