تحدثنا من قبل عن شعار «دولة مدنية لا عسكرية», على أنه شعار أكثر منه مطلب, وهو شعار يرفعه مناضلو أحزاب استظلت بشعار آخر أعم وهو «البديل الديمقراطي», المتواجدة على وجه الخصوص ببعض الولايات . وهي أحزاب خذلتها جميع الانتخابات؛ رئاسية , تشريعية ومحلية , التي جرت في البلاد منذ عهد التعددية. لأنها كشفت للرأي العام محدودية شعبيتها, بحيث لم تصل نسبة هذه الشعبية في الاستحقاقات الرئاسية التي ترشح فيها ممثلوها إلى 5 % الضرورية في الديمقراطيات التقليدية للاستمرار في النشاط. ولعله السبب الذي جعلها تناصب العداء للعامل الجوهري في النظام الديمقراطي, ألا وهو العملية الانتخابية, وتفضل عليها المراحل الانتقالية, ومن ذلك البيان الصادر عن أحد أحزابها العتيدة «الذي لم نسمع من يطالب بإحالته على المتحف», يطالب «من يحكم الجزائر», بالاقتداء بالتجربة السودانية ؛ أي التخلي عن المسار الانتخابي, واستبداله بمجلس انتقالي مختلط بعضوية قادة الجيش وشخصيات مدنية؟ هل بهذه الصيغة , يختفي شعار «دولة مدنية لا عسكرية»؟ أم أنه يتأكد واقعيا بل و يجلب التدخلات الأجنبية التي تجنبتها البلاد إلى حد الآن, بحياد المؤسسة العسكرية و إصرارها على احترام الدستور وقوانين الجمهورية, والآليات الديمقراطية في تغيير النظام؟ ولعل هذا الموقف الثابت للمؤسسة العسكرية, هو الذي غذى هذه المعارضة الشرسة للتيار «الفرانكو لائكي», ضدها , وهي معارضة ليست وليدة الأزمة الراهنة , لأن «زعماء» هذا التيار اعتبروا دائما في خطاباتهم السياسوية, الجزائر مختطفة من طرف المؤسسة العسكرية (العسكر) بلهجتهم , وذلك منذ الاستقلال إلى اليوم ؟ و لذا فإن جميع من حكم البلاد طيلة 57 عاما الماضية , يفتقدون إلى الشرعية الشعبية حسبهم -, وبالتالي من العبث مناقشتهم حول وضع المؤسسات الدستورية, أصلية كانت أو مؤقتة , منتخبة أو انتقالية, فهي في نظرهم كلها مرتهنة من طرف المؤسسة العسكرية ؟ سابق للمنظرين لكن يبقى هذا على مستوى الخطاب فقط ,لأننا في الواقع نجد منظريهم يتسابقون لعرض خدماتهم على جنرالات الجيش, على مستوى المداومات عندما يترشحون للاستحقاقات الرئاسية , أو بترشيحم في قوائم أحزابهم , أو لكتابة مذكراتهم , أو الدفاع عنهم أمام القضاء... وهكذا فقد برع هؤلاء في رفع شعارات في المظاهرات , ويرمون بها عرض الحائط في ممارسة ما يعتبرونه «نشاطا سياسيا»؟ على مستوى الاصطلاحي البحت , فإن مفهوم الدولة العسكرية, يعني «حكما ذا طابع سلطوي, عسكري في الغالب ناجم عن انقلاب, ويقدم واضعو هذا المصطلح أمثلة عن أنظمة عسكرية في العالم , لم نجد من بينها الجزائر , ولو كانت كذلك لتصدرت قائمة هذه الأمثلة بحكم العداء التاريخي الذي يكنه لها واضعو هذه التصنيفات والتعريفات... ومن سوء حظ التيار «الفرانكو لائكي» , أن الجزائر مصنفة كدولة مدنية ذات نظام حكم شبه رئاسي من سماته وجود رئيس دولة منتخب شعبيا باقتراع عام مباشر , وحكومة مسؤولة أمام البرلمان ... وهو المطلب الراهن للشعب ومطلب المؤسسة العسكرية, لكني لن أغامر بالقول؛ أنه مطلب رافعي شعار «دولة مدنية لا عسكرية», أو الهاتفين به في المظاهرات الأسبوعية, لأن الذي يريد الدولة المدنية, يساهم في تكريسها ديمقراطيا عبر المسار الانتخابي, وهو أضعف الإيمان.