ممثلا لرئيس الجمهورية العرباوي، يشارك بمنتدى افريقي رفيع المستوى بسيراليون    عقب إعطائه إشارة انطلاق هذه الامتحانات من مستغانم، زرب أزيد من 36 ألف محبوس يجتازون امتحانات إثبات المستوى    خلال محادثات مع "ماتيلاك" اللبنانية، عجال نشجع على توطين النشاط الصناعي بالجزائر وتوسيعه    بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من نظيره الباكستاني، عطاف " نسعى إلى الارتقاء بعلاقاتنا الثنائية إلى أسمى المراتب المتاحة "    عن الإمتيازات التي تتمتع بها فئة ذوي الهمم، مولوجي نتاج تنسيق قطاعي محكم بين مختلف الدوائر الوزارية    تجسيدا لمذكرة التفاهم الموقعة بالجزائر تأسيس شركة جزائرية- عمانية لتقديم خدمات حقول النفط المتكاملة    سعداوي يعطي إشارة انطلاق امتحانات إثبات المستوى    تأتي في سياق الانجازات التي تحققها اليوم الجزائر المنتصرة "    ما يحدث في غزة "إبادة تشن ضد الشعب الفلسطيني"    أطلقنا"برنامجا هاما" لتثمين وتطوير القدرات المنجمية الوطنية    19 جريحا ببلدية ولتام في ولاية المسيلة    على الحجاج شراء سندات الهدي من الجهات الرسمية    تحسبا لدوريات لجان التفتيش والرقابة    الاحتلال المغربي يواصل استهداف الحقوقيين الصحراويين    الجزائر-عمان: التأسيس لشراكة اقتصادية واعدة مربحة للطرفين    شايب يستقبل ممثلين عن حركات جمعوية جزائرية ناشطة بعدد من الدول الأوروبية    دعوة لتنظيم ورشات تكوينية دورية في المؤسسات    دعوة لرص الصفوف لتكوين جبهة موحدة    الوفد الحقوقي الصحراوي يتعرّض للتضييق والإهانة    "حماس" ترفض اتهامات ترامب وتطالبه بتصحيح موقفه    لا وجود لمقاتلين صحراويين في سوريا    الجزائر تبهر تنظيميا وتبعث جيلا رياضيا واعدا    قمة تنافسية على اللقب بين بلوزداد والمولودية في أجواء "باردة"    مكافحة الفساد مسؤولية جميع الهيئات    تحذير من السباحة في السدود والبرك والمجمّعات المائية    صناديق توظيف جماعي لتمويل المشاريع قريبا    وهران تنظم ثاني عملية إعادة إسكان بأرزيو    استقرار أسعار الخضر والفواكه بأسواق الجملة والتجزئة    20 مليار دولار خسائر الجزائر من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي    شراء سندات الهدي بالبقاع المقدّسة من الجهات المعتمدة فقط    الكتابة الإبداعية فضاء أقلّ تقييدا    الإعلان عن تأسيس مهرجان للفيلم الوثائقي التاريخي    "لعوينات" تخلد ذكرى مجازر 08 ماي    أشبال بوقرة يدخلون أجواء لقاء غامبيا    ممارسات غير قانونية بصالونات الحلاقة    المهرجان ال9 للفيلم الاوروبي: برمجة 18 فيلما للعرض من 10 الى 19 مايو    شايب يشرف على الانطلاق الرسمي لانخراط وزارة الخارجية في المنظومة المعلوماتية للحج والعمرة    الجزائر تتوج ب53 ميدالية.. منها 18 ذهبية    سونارام: وضع التحويل المحلي للمواد المنجمية ضمن أولويات استراتيجية التطوير الجديدة    وزير الصحة يكرم أعضاء اللجنة العلمية لرصد ومتابعة تفشي وباء كورونا    بمعهد الآثار يومي 11 و12 جوان .. ملتقى وطني حول الخبرة الأثرية    سوناطراك : 6000 ناجح في مسابقة توظيف المهندسين والتقنيين    تنصيب التشكيلة الجديدة للمجلس الوطني للفنون والآداب..بللو يدعو إلى توفير بيئة مستقرة ومحفّزة لتكوين ودعم الفنان    في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة : يوم دراسي حول أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لحماية التراث الثقافي    الدّورة السّادسة والعشرين لمجمع الفقه الإسلاميّ الدّولي : بحث سبل التّعاون بين مؤسّسات جامع الجزائر ونظيراتها بقطر    المجلس الشعبي الوطني: قويدري يعرض الاستراتيجية الجديدة لقطاع الصناعة الصيدلانية أمام اللجنة المختصة    كأس العرب/ قطر 2025): سحب القرعة يوم 24 مايو الجاري بالدوحة    كرة القدم/أقل من 17 سنة: انطلاق التربص الانتقائي للاعبي منطقتي الوسط والجنوب    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 52615 شهيدا و118752 جريحا    800 نقطة بيع للأضاحي المستوردة    تأكيد على تعزيز التكفّل بالفئات الهشة    غويري يواصل تألقه    طلبة من جامعة قسنطينة 3 في زيارة إلى مدينة ميلة القديمة    تصفيات بطولة افريقيا للمحلين 2025: الخضر يستأنفون التدريبات بسيدي موسى    فضل قراءة سورة الكهف    المقصد الإسلامي من السيرة النبوية الشريفة    قبس من نور النبوة    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيتنام وفلسطين.. خمسون عاماً على انتصار تحقق وآخر سيتحقق
نشر في الحياة العربية يوم 04 - 05 - 2025

لم يعايش جيل الشباب الفلسطيني والعربي الحالي ما عايشه جيلنا من متابعة للنضال البطولي الذي خاضه شعب فيتنام من أجل حريته واستقلاله… أذكر تماماً ذلك اليوم، الأول من مايو، قبل 50 عاماً، عندما شاهدنا هروب القوات الأميركية المعتدية، ومن معها من حلفائها، من مدينة سايغون، التي أصبح اسمها اليوم هوشي منه، على اسم مؤسّس نضال فيتنام وقائده ورئيس دولتها، وتركت خلفها، وهي تجرّ أذيال الخيبة، عملاءها وأعوانها غارقين في وحل عمالتهم وذلّهم بعد أن تخلت عنهم.
وأمّا نحن الطلاب الفلسطينيين، فكان ذلك اليوم يوم انتصار لنا أيضاً، كما كان يوم انتصار لإرادة كل الشعوب المناضلة ولحركات التضامن العالمية، بمن فيها حركات أميركية مناهضة للعدوان على فيتنام في الولايات المتحدة نفسها، والتي شارك فيها قادة عظام، مثل مارتن لوثر كينغ الذي دفع حياته ثمناً لنضاله ووقوفه إلى جانب المظلومين.
لم تخُض فيتنام حرباً واحدة ضد الاستعمار في العصر الحديث، بل خاضت حربين ضد استعمارين، الاستعمار الفرنسي الذي كنسته من أرضها بعد معركة ديان بيان فو، عام 1954، ثم ضد الإمبريالية الأميركية بكل جبروتها العسكري لتحرّر جنوب فيتنام في الستينيات والسبعينيات.
صحيحٌ أن فيتنام استندت إلى دعم حليفيها، الصين والاتحاد السوفييتي، ولكن العامل الحاسم كان صمود الشعب الفيتنامي وبطولته، فقد قاتل وحده دفاعاً عن وطنه وعن حرّيته بالاستناد إلى دعم أحرار العالم. ولم تكن رحلة فيتنام من أجل الحرية طريقاً سهلاً، بل مليئة بالتضحيات والآلام. ولعلي أذكر هنا أرقاماً مذهلة لما تعرّض له ذلك الشعب الباسل.
ألقى الأميركيون 14 مليون طن من المتفجرات على فيتنام، تركت 43 مليون حفرة في أرضها، بما في ذلك قنابل النابالم والمواد السامة، مثل مادة الأورانج، التي قضت على الزراعة وسبّبت أمراضاً خطيرة، منها السرطان وتشويه الأطفال للآلاف. كما ألقوا على فيتنام القنابل الزلزالية التي كانت تدمر كل ما هو حي في دائرة قطرها ثلاثة كيلومترات، وخرّبوا 43% من الأراضي الزراعية، وقصفوا 75% من القرى، بما في ذلك ثلاثة ملايين منزل وخمسمائة مستشفى وعيادة ومعابد وكنائس ومجمل البنية التحتية بما في ذلك الطرق والجسور والسكك الحديد.
وحاول المعتدون إحداث التخريب والتشويه الثقافي والمعنوي والاجتماعي، فنشروا نصف مليون جندي أميركي ومليوناً آخر من جنود دول حليفة أخرى، وعاثوا فساداً في المجتمع في جنوب فيتنام عشر سنوات، وفرضوا أسواق بغاء، ونشروا المخدّرات، وخلفوا، عند رحيلهم بعد هزيمتهم، نصف مليون امرأة ضحايا للابتزاز والاستعباد الجنسي، ونصف مليون طفل يتيم، ونصف مليون مدمن للمخدرات.
لم تستسلم فيتنام، ولم تقبل تجزئة وطنها إلى شمال وجنوب، ولم يتكئ أهل الشمال على انتصارهم على الفرنسيين، ولم يتخلوا عن الجنوب، بل واصلوا نضالهم لتحريره، وقدّمو أكثر من مليون شهيد في مسيرتهم الكفاحية. ويذكر المناضل والقائد الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد)، في مذكّراته "فلسطيني بلا هوية"، أنه فوجئ عندما زار شمال فيتنام في أثناء الحرب بأنه لم يكن في عاصمتها هانوي سوى ثماني سيارات يستعملها أركان الدولة، والباقون يستعملون الدرّاجات، فكل الجهد وكل الطاقات كانت مسخّرة للنضال والكفاح، والقادة قبل الناس كانوا يتقشّفون لدعم احتياجات مقاومة شعبهم.
رمّمت فيتنام دمارَها، وأصلحت بعد انتصارها كل ما خرّبه المستعمرون، واليوم تنهض دولةً حرّة مستقلة موحدة وقوية اقتصادياً.
رمّمت فيتنام دمارَها، وأصلحت بعد انتصارها كل ما خرّبه المستعمرون، واليوم تنهض دولةً حرّة مستقلة موحدة وقوية اقتصادياً يتسابق رجال الأعمال للاستثمار فيها، بل أصبحت الى جانب الصين من أقوى اقتصاديات آسيا، وأعادت بناء كل ما دمّره الأميركيون، بل طوّرت صناعة متفوّقة على المستوى العالمي.
لم يخضع قادة فيتنام للدعوات الانهزامية، التي كانت تقول لهم سنوات: أنتم تحاربون أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم ولا يمكن ان تنتصروا. ولم يسمحوا لآلامهم وأحزانهم أن تتغلّب على إرادتهم في الحرية والكرامة والنصر، لأنهم فهموا أن الخضوع يعني ذلاً أبدياً، وعبوديةً مستمرّة، وضياعاً ليس فقط لحرّيتهم وكرامتهم، بل أيضاً لوطنهم نفسه إلى الأبد.
والتاريخ مليء بالنموذجين، من خضعوا وهانوا فاختفوا من التاريخ البشري، ومن صمدوا وكافحوا وتحدّوا رغم معاناتهم وانتصروا في نهاية المطاف، كما فعلت شعوب فيتنام والجزائر وجنوب أفريقيا وغيرها… أكتب هذا ليوجّه إلى كل الذين يلومون الشعب الفلسطيني أينما كان، خصوصاً في غزّة الباسلة، على إصراره على مواصلة النضال والكفاح من أجل حريته وبكل وسيلة ممكنة. وردّاً على الذين يشكّكون في قدرة الشعب الفلسطيني المهدّد بالتطهير العرقي والإبادة، على الصمود والبقاء في وطنه، بعد أن أدرك أن البديل للصمود والبقاء والكفاح هو الزوال والفناء بصفته شعباً، وذلك بالضبط ما أدركه الشعب الفيتنامي من قبل، وما أدركه ثوار الجزائر الذين كانوا مثلنا يواجهون أيضاً استعماراً استيطانياً إحلالياً كذلك.
لا توجد كلمات يمكن أن تعبّر عن ألم امرأة ترى أطفالها يموتون جوعاً أو مرضاً أو قصفاً بقنابل المجرمين، أو عن ألم والد مثل إبراهيم أبو مهادي الذي فقد جميع أولاده الستة في لحظة قصف إجرامي واحدة، أو أن تصف مشاعر مُسعفين وأطباء ذهبوا ليعالجوا آلام الجرحى فوجدوا أنفسهم ضحايا للقتل، بل الدفن وهم أحياء. ولكن لا يملك أحد الحقّ الأدبي أو السياسي أو المعنوي للوم الضحية على ما يقوم به المجرمون ضدها، أو على مطالبة من يناضلون ضد القتل والموت والاضطهاد بالاستسلام… أما الشامتون بشعبهم وآلامه ومعاناته، ودعاة الهوان والاستسلام، فلن يكون مصيرُهم أفضل من مصائر الذين تخلى عنهم المستعمرون والإمبرياليون، عندما هزموا وفشلت مخطّطاتهم، وخابت مقاصدهم.
العربي الجديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.