بوتفليقة والناقة المِسياع المِرياع

بوتفليقة يا رئيسنا لكل العهدات الراكعة، الشعب ليس قطيعا من الغنم يعيش في إسطبل سلطتك ويرعى من علفها النتن تُسرّحه كلّ خمس سنوات وتسرح به أمام مرعى الانتخابات، فلا يجد أمامه سوى الحشائش الضارة والمسمومة التي تجوّعه أكثر مما تُشبعه.
الدولة يا صاحب الفخامة ليست ناقة مسياع مرياع تهيم على وجهها في البراري دون راع، يركبها كل قطاع الطرق ويستولوا على ريعها الذي لا ينقطع أبد الدهر.
هذه هي المعادلة التي يجب أن تستوعبها الأغنام والنوق، سواء أكانوا من الشعب أو من السلطة أو من حاشية السلطان، وما أكثرها الآن.
صحيح ومؤكد أنه لا ينفع القطيع أن يكون الراعي خروفا، ولكن أيضا ليس دائما يجب أن نُسلّم بأن مجتمع الخراف يجب أن يحكمه عاجلا أم أجلا حكومة من الذئاب.
نعم أيها الذئاب الذين تحكموننا، طالما كان صمتنا حجة الحاكم المستبد. نعم أنت مستبد يا بوتفليقة في قوتك مستبد وفي عجزك أكثر استبدادا واستعبادا، ولكن تأكد أن صمتنا هذا سيكون أفصح من كل الكلمات. وعلى الرغم من أننا ربما انتهينا وإياك إلى اتفاق يجعلنا نقول ما نشتهي وأنت تفعل ما تشاء، إلا أن هذا الحال دوامه من المحال، لأنه علينا أن نجرب المستحيل حتى نصل إلى الممكن.
يقول شارل ديغول الوطنية هي أن يأتي حبك لشعبك أولا... هل يا ترى سمعت بهذا يا فخامة الرئيس بوتفليقة وأنت المتشبع بالثقافات المختلفة؟ هل وطنيتك وحبك لشعبك جعلتك ترفض التخلي عن السلطة، حتى وأنت رجل مقعد ومريض لا تقوى على فعل أي شيء؟
هل تستوعب يا حاكم البلاد بأنك جعلت منها مجرد دولة مَريْعة تَريع فيها بطانتك التي استباحت ريع الشعب؟ كان يجب أن تبدل شعار ”من الشعب وإلى الشعب” بعبارة ”من الريع إلى الريع” حتى تكون مبادئ حُكمك واضحة وصريحة ولا يلومك فيها لائم.
هل تريّعت يدُ الخليفة عبد المومن وشكيب خليل وعمار غول وغيرهم من رجال الأعمال المستحدثين لخدمتك والذين يمارسون التريّع دون رقيب، هكذا دون سابق إنذار، أم أن الدولة التي تحكمها يا بوتفليقة مهدت للسُراق وحمت المفسدين وجعلتهم منهم لصوصا شرفاء وتركت الخليفة يصيع لسنوات في بريطانيا العظمى، وهاهو من بعده الرفيق والصديق المتشكبن يمارس حقه كمواطن شريف وحر في أمريكا، وأتحداك يا حضرة الرئيس الموقر أن تطبق عليه القانون أو أن تنزله لليلة واحدة في سجن الحراش.
المؤكد أن أغلبية الرجال يمكنهم تحمّل الصعاب، لكن إذا أردت اختبار معادنهم فاجعل بين أيديهم السلطة، وهاهي السلطة ”بشلاغمها” بين يديك لمدة فاقت خمس عشر سنة كاملة، ماذا فعلت فيها وبها؟
نفسها السلطة التي طلبتها وأردتها بعد وفاة بومدين، ولكن لسوء حظها أو حظك أنك لم تمسك بعرقوبها آنذاك فغضِبت وهِمت على وجهك في دول الخليج بعد أن قرّر مجلس المحاسبة ”تزيارك” في الزيار في تجاوزات كثيرة أنت تعرفها وهم يعرفونها، وحتى رئيس مجلس المحاسبة الذي أراد سجنك آنذاك ”بن عودة” هو الذي قلدك وسام الاستحقاق باكيا عندما عدت وأصبحت رئيسا بعد سنوات، هو يعرف لماذا بكى ويعرف أيضا من أبكاه.
هي نفسها التجاوزات والرشاوى والاختلاسات وقضية ال26 مليارا التي جعلت عبد الحميد لاسيونس يخرج عن صمته ويفجر وينفجر لأول مرة مثل قضايا الفساد هذه أمام الرأي العام، وها هو أيضا يهيم على وجهه خارج البلاد، لأن الكلام عن الباطل باطل.
بوتفليقة ماذا تريد أن تفعل بما تبقّى لك من العمر وأنت شبح المرادية الذي لا يظهر؟ تقول إنك ستفعل وتفعل وتفعل و... هل هذا الصراع القائم الآن والذي بلغ خطورته عليك وعلينا وعلى الدولة، مصدره رغبتك الحقيقية في خدمة البلاد؟
لا يا سيدي الرئيس.. لا تقنعنا بكلام غير ”مدوزن” ولا يحمل أي إيقاع سوى أنه تمادي في الكذب والتظليل... نعم أنت ومن سبقك ومن سيأتي بعدك في هذا النظام، كلكم مدنيون وعسكريون تحكمون حتى ”تَريعون”، وكل صراعكم هذا ليس من أجل شيء سوى الريع الذي جعلكم ملوكا علينا وما اختلافكم ليس سوى من أجل لذة الريع التي ألفتموها ولم ولن تقدروا عن التخلي عنها حتى عندما سالت الدماء.
نعم خدمة الوطن من الريع ولا شيء سوى الريع الذي حوّل البلاد إلى تجمع كبير للفساد، يباع فيه الجنون وحب المال داخل زجاجات.. ألم يقل الشاب خالد بأنه سينتخب على بوتفليقة، لأنه وفر له زجاجة خمر؟
يقال ليس هناك من حكومة يمكن أن تحتفظ باستقامتها إلا إذا كانت تحت سيطرة الشعب، ونحن بالدليل القاطع حكومتنا أخلّت بالقانون والضمير والاستقامة وصارت جارية ترضي السلطان في أطماعه.
هل من عاقل يصدق أن الوزير الأول يترك شؤون دولة المَريْعة لحالها ويصبح ”براحا” في سوق الإبل؟ هل يمكن لرئيس مخه سليم، كما يدعي رعاة مفسدته، أن يقبل بأن تتحوّل الدولة إلى سرك سياسي همه الوحيد هو أن يتسلى من سريره حتى لا نقول من خلف ستاره، ولتذهب الدولة بعدها إلى الجحيم أو النعيم أو حتى ليرفسها الشيطان الرجيم؟
المقابر مليئة بالرجال الذين لا غنى عنهم والحياة أيضا على ما يبدو تتحمّل ما لا يطاق من الملائكة والشياطين الذين يندفعون مثل الحمقى إلى حيث لا يجب أن يخطوا.
أيها الرئيس... عندما أفصحت عن ممتلكاتك وثروتك وما كسبت، قلت في نفسي هل يعقل أن يكون بوتفليقة لا يملك سوى شقتين وسيارتين ويعيش دون رصيد مالي؟
يجب أن يملك المواطن مثلي مخا صحيحا مثل مخك يا صاحب الفخامة حتى يستوعب أن أمثالك من الحكام لا يملكون أرصدة بنكية، لأن النظام الريعي جعل منهم ”مرتعين” يرتشفون فنجان بترولهم الصباحي بكل هدوء دون أدنى قلق على مستقبلهم.
الفساد الذي نما في عهدك لا يمكن تبريره سوى ”بالرعينة” التي نما فيها حكمك وسلطتك التي بسطت بسيفها على المواطنين فقط، لكن الأذرع الطويلة زادت طولا وتبطرا وتجبرا، وهاهي ترعى بالمناسبة حملتك يا فخامة الرئيس وأنت تجلس مطمئنا على كرسيك المتحرك.
هكذا تُدار الدولة وإلا فلا.. في الإسطبل لا يحتاج الشعب إلا ”لبوطة” علف من حين لآخر. وهاهي الحكومة، كثر الله من ريعها، تريع على مواطنيها ببرامج وهمية تضمن لها ممارسة الملهاة حتى النهاية ويستحيل أن تكون ثورة في النمسا ما دامت البيرة موجودة.
الفرق يا بوتفليقة بين الكذب والقطة أن للقطة سبع أرواح فقط، أما كذبك علينا طال عمره، ولكن تأكد أن الحاكم الحقيقي لا يكون كذلك إلا إذا كانت له القدرة على الاعتدال وليس القدرة على التجاوز كما تفعل أنت الآن. ألست تكذب عندما تقول إنك بخير وقادر ونحن نراك رجلا هرما مريضا مُقعدا، ورغم ذلك تستمر في تحريك دولة البهلوانات من غرفة المرض ولا تريد أن تستكين؟ كيف قبل هؤلاء جميعا أن يلعبوا هذه الأدوار القذرة لو لم يكونوا ذاقوا من ريعك الذي تجاوز باطن الأرض وما فوقها؟
سيدي الرئيس يبدو أن ”التريّع” بات صنعة ما لا صنعة له وكل ما فعله بومدين حتى يؤمم ”جغمة” البترول ليعيش المواطن في رخاء، ذهبت هباء وجعلت من البلاد مسبحا كبيرا من النفط يسبح فيه من يملكون بطاقة مواطن بدرجة سراق أو مواطن بدرجة رئيس أو مواطن بدرجة حاشية الرئيس، أو حتى مواطن مشروع رئيس وطبعا مواطن برتبة جنرال، هؤلاء فقط من يحق لهم أن يحلبوا الناقة متى شاءوا وكيف شاءوا دون وخزه ضمير.
بوتفليقة إذا كانت رغبتك في الانتقام من الذين لم يسلموك رقبة الوطن في السبعينات، فأظن أنك انتقمت منهم واحدا واحدا ولا داعي أن نفصل في الموضوع، لأنك تعرف وهم يعرفون أنّ الحساب صافي.
وإن كانت خمس عشرة سنة لم تشف غليلك وحبك للسلطة، فهذا أمر آخر، لأنك دخلت الجزائر فاتحا مثل طارق بن زياد بعد أن خرجت منها قرصانا قام بالسطو على ريع غيره وهرب إلى حيث لا يعرفه أحد.
ألا يكفيك كل هذا العبث؟ ألم تشبع بعد من السلطة؟ ألم تسأل نفسك بأن هذه البلاد التي روتها دماء الشهداء تستحق أفضل مما لديها الآن؟
يا الله.. كم أنت قاس أيها الرجل وربما ستصبح أقسى وأقسى، لأن العجز لا شريك له سوى الحرمان!
[email protected]