بكثير من الحماسة والعاطفة واللعب على الثغرات القانونية في التحقيق، دافع كبار المحامين عن موكليهم في قضية تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية، خلال المحاكمة الجارية أطوارها بمجلس قضاء الجزائر. وتطوي مرافعات أمس أسبوعا من محاكمة لم يبق منها سوى معرفة الأحكام. حظي وزير الصناعة الأسبق، يوسف يوسفي، بمرافعات قوية دفاعا عنه، قاد جوقها المحامي ميلود براهيمي، الذي وظّف اللغة القانونية وشيئا من العاطفة في محاولة تبرئة ساحة موكله. وخاطب المحامي المحكمة حول تهمة الرشوة الموجهة لموكله، قائلا: "تقولون إن هناك رشوة.. وأنا أتحدى أن تأتوا بمن قدم الرشوة للسيد يوسفي. بحثت من جهتي لمدة أشهر ولم أجد شيئا". وتابع المحامي المختص في القانون الجنائي، رافعا من نبرة صوته: "رغم أنه لا توجد أي جهة قدمت رشوة للسيد يوسفي، إلا أنه وجد قاضي تحقيق يتهمه ومحكمة تدينه بهذه التهمة. أنا أشعر بالأسف سيدي القاضي". وتحت رقابة أحمد أويحيى الذي كان يجتهد في رفع رأسه لالتقاط صوت المرافعة، استعرض براهيمي وثيقة صادرة عن ديوان الوزير الأول، عبد العزيز جراد، يوجه فيها تعليمات بتحرير هياكل السيارات الموجودة في الموانئ لإسعاف مصانع التركيب. وقال المحامي وهو يقرأ الوثيقة بالعدسة المكبرة، إن يوسفي قام بنفس ما قام به جراد. وأراد المحامي، من خلال هذه المقارنة، الإشارة إلى أن الإشكال المتعلق بعدم احترام دفتر الشروط الموجه للوزير السابق، لا يزال المتعاملون غير ممتثلين تماما له حتى في ظل الحكومة الحالية، ومع ذلك تسمح لهم بإخراج بضاعتهم من الموانئ. وتساءل براهيمي بعد ذلك: "هل نجر إذن جراد إلى العدالة.. وهل سيلتمس النائب العام في حقه 20 سنة سجنا أيضا". من داخل قفص أو حيز المتهمين، كان يوسفي يستمع دون شك باهتمام بالغ لما كانت تقوله هيئة دفاعه، لأن الأمر يتعلق بشرفه الذي قالت إحدى المحاميات إن هناك من أراد تلطيخه، مستعرضة مساره الأكاديمي والمهني المليء بالوظائف السامية، فالرجل صاحب دكتوراه في البتروكيمياء من جامعة فرنسية، وقام بالتدريس لسنوات في جامعة الجزائر، ثم شغل مناصب عليا من مدير لسوناطراك إلى سفير للجزائر بكندا إلى وزير للطاقة والمناجم إلى رئيس لمنظمة أوبيك. وعقدت المحامية المتحمسة لقضية موكلها، مقارنة بين يوسفي الذي فضل أن يبقى في الجزائر ليحاكم أمام عدالة بلاده، وبين الوزير الآخر شكيب خليل الذي غادر لأمريكا رافضا الامتثال للعدالة الجزائرية. وذهب دفاع يوسفي إلى حد طلب شاهد جديد في المحاكمة رغم أنها بصدد الاختتام، هو مدير الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار "أوندي"، التي يتم على مستواها إيداع ملفات الاستثمار. لم يكن للقاضي الذي كان يستعمل الدعابة من حين لآخر لكسر جو المحاكمة الثقيل، فسحة كبيرة من الوقت ليستمع لمرافعات لم يكن يريد أصحابها إنهاءها، فكان لا يتردد في نزع الكلمة كلما تجاوز أحدهم مدة 15 دقيقة الممنوحة له. لكن مع صرامة القاضي، لم يستطع وقف قطار المحامين الذين رافع بعضهم متطوعا لصالح وزير الصناعة السابق محجوب بدة. هذا الوزير الذي لم يعمر في منصبه سوى 3 أشهر سنة 2017، ووجد نفسه أمام المحكمة بتهم ثقيلة كلفته 10 سنوات سجنا في الحكم الابتدائي. ولعب محامو بدة الذي كان يقاوم مرارة الحبس بابتسامة لم تفارقه، على وتر قصر مدة مكوثه في الوزارة التي لم تتجاوز، حسبهم، 28 يوما فعلية، باقتطاع العطل وأيام الراحة الأسبوعية. وعاد دفاع بدة إلى تصريحاته لما تم تعيينه وزيرا، عندما تحدث بانتقاد شديد عن ملف تركيب السيارات واعتبره نوعا من الاستيراد المقنع، ووعد بتعديل دفتر الشروط للذهاب نحو نسبة إدماج أعلى في الصناعة. وسردت إحدى المحاميات في محاولة لتليين قلب القاضي، قصة لابن بدة الذي تعرض، حسبها، لشبه عزلة في مدرسته، بسبب هذه القضية رغم أن الحكم النهائي لم يصدر فيها بعد، وطالبت رئيس المحكمة بالبراءة لموكلها لتصحيح هذا الوضع الشاذ، على حد وصفها.. وضع رآه محامو رجل الأعمال النافذ سابقا، علي حداد، ينطبق على موكلهم أيضا الذي عانى، حسبهم، من حملة إعلامية شرسة قامت بشيطنته وتحميله كل مصائب البلاد، إلى الدرجة التي وصف فيها المحامي بورايو موكله بأنه ضحية تصفية حسابات في منظومة الحكم، لأن الجزائر منذ سنة 1962 إلى اليوم، لم تفصل في قضية الحكم. وانطلق بورايو من هذه المقدمة، إلى تفاصيل واردة في الملف اعتبرها مسيئة للقضاء الجزائري، مثل وصف الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، في الملف المعروض للمحاكمة ب"المدعو"، واعتبر ذلك مسيئا جدا في حق من كان رئيسا للدولة لمدة 20 سنة، ويستحق أن يعامل باحترام، على حد قوله. وخارج هذا القوس الذي فتحه بورايو، دافع محامو حداد عن براءة موكلهم، باستعمال ما اعتبروها أخطاء في التكييف القانوني، لأن حداد متابع بالتمويل الخفي للأحزاب السياسية، بينما هو ليس عضوا في أي حزب. وبحسب المحامين، لا يمكن جعل هذه التهمة تنطبق أيضا على تمويل الحملة الانتخابية، لأن الأمرين يختلفان.