المجلس الأعلى للشباب يشارك في برنامج "سفينة النيل للشباب العربي" بمصر    وزير الشؤون الدينية يعطي إشارة انطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    تنصيب سويسي بولرباح مديرا للمدرسة الوطنية العليا لتكنولوجيات الإعلام والاتصال والبريد    الأمم المتحدة تؤكد أن العدوان الصهيوني على قطر "انتهاك صادم" للقانون الدولي    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 64964 شهيدا و165312 مصابا    وفد من المجلس الشعبي الوطني يشارك في اجتماعات البرلمان الإفريقي بجنوب إفريقيا    الطارف تستعد لاستلام مرافق تربوية جديدة مع الدخول المدرسي 2025-2026    أزيد من 1000 مواطن يستفيدون من فحوصات طبية مجانية ببلدية جيملة    تجهيز 438 مدرسة ابتدائية بوهران بألواح إلكترونية ذكية خلال الموسم الدراسي 2025-2026    معسكر: انطلاق الحفريات العاشرة بموقع "رجل تيغنيف القديم"    سماعلي يستقبل تيدور    غزّة.. النزوح وسط الجحيم    وفد صحراوي يحلّ بجنيف    القديم في قلب النظام الدولي الجديد    العُدوان على قطر اعتداء على الأمّة    الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا    شراكات جديدة لشركة الحديد    قرابة 29 ألف تدخل خلال السداسي الأول    اختتام مخيّم ذوي الاحتياجات الخاصة    مجوهرات ثمينة.. سبيل ثراء نسوة    التجارة الداخلية رافعة للاستقرار    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعاً    تقديم كتاب سفينة المالوف    دعوة إلى تكثيف الأبحاث والحفريات بالأوراس    إطلاق الأسماء على الأولاد ذكورا وإناثا ..    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    قمة الدوحة تشيد بجهود الجزائر في الدفاع عن سيادة دولة قطر ونصرة القضية الفلسطينية    التزام بتنفيذ سياسات رئيس الجمهورية    ضبط آخر التحضيرات للدخول المدرسي    الحكومة بنفس جديد لبلوغ الرهانات الاقتصادية    الجزائر تشارك في الصالون الدولي للصناعات الغذائية والمشروبات    تنظيم صالون الواجهات والنّوافذ والأبواب الأسبوع القادم    بلمهدي يهنّئ الأئمّة وموظفي القطاع    مشواري لم يكن سهلا ورُفضت بسبب قصر قامتي    بن طالب يتألق مع ليل الفرنسي ويحدد أهدافه    37 مكتبة متعاقدة لتسهيل اقتناء الكتب المدرسية    188 عملية تخريب تطول المنشآت الكهربائية    وجه جديد لمداخل عاصمة الأمير عبد القادر    وفرة وتنوع في المنتجات وتخفيضات تصل إلى 50 بالمائة    تيطراوي يطرق أبواب "الخضر" ويحرج بيتكوفيتش    العاب القوى مونديال-2025: سجاتي وتريكي آخر آمال التمثيل الجزائري للتألق    العدوان الإسرائيلي على الدوحة : اجتماع طارئ مجلس حقوق الإنسان اليوم    حول الوقود المستدام والهيدروجين..الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا اليابانية    اليوم الوطني للإمام: نشاطات متنوعة مع إبراز دور الإمام في المجتمع بولايات شرق البلاد    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة (أقل من 20 سنة): المنتخب الوطني ينهزم أمام أوغندا (3-1)    رونالدو الأوّل ورام يتفوق على ميسي    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    تعليمات للتكفّل الأمثل بانشغالات الصيادلة الخواص    إعداد ملف لإدراج المالوف ضمن قائمة التراث العالمي    ملتقى وطني عن آثاره وإنجازاته الرائدة في نوفمبر القادم    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل مضمون خطاب أوباما
نشر في المواطن يوم 06 - 06 - 2009


مع كل التقدير والاعتراف بقدرات أوباما الخطابية، وخلفيته الثقافية الجيدة، فإن خطابه الذي ألقاه من جامعة القاهرة، جاء مخيباً لآمال الكثيرين على أكثر من مستوى. ومن وجهة نري، فإن الخطاب ليس به أي جديد، سوى تخليه الواضح والصريح عن الليبراليين المصريين خصوصاً، والعرب عموماً وهو ما شكل صدمة كبيرة لهؤلاء، فضلاً عن التأكيد من جديد على السمة الرئيسية لشخصية أوباما، ومن ثم سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، وهي سمة البراغماتية حتى النخاع وليس شيئاً آخر. الخطاب بالطبع اشتمل على قضايا أخرى، ولكنها كانت كلها في نفس الإطار الذي تم الإعلان عنه من قبل. وقد ركز أوباما في خطابه على سبع قضايا هي العنف والتطرف، والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، والمسؤولية المشتركة حيال السلاح النووي، والديمقراطية، وحرية الأديان، وحقوق المرأة، والتطور والفرص الاقتصادية. بخصوص الديمقراطية وهي مسألة اعتمد فيها الليبراليون المصريون والعرب على دعم أميركي قوي وواضح، فإن آمال هؤلاء قد تبددت تماماً، وقد استبان لهم الآن أن المراهنة على الخارج في تلك القضية هو رهان خاسر، وأن من الممكن للقوى الكبرى أن تبيع هؤلاء أو غيرهم في أول منعطف، وقد حدث هذا بالفعل بالنسبة للرئيس أوباما، الذي جاء ليلقي خطاباً من مصر، رغم وجود مزاعم حول الاستبداد والفساد، بل أشاد بالرئيس المصري حسني مبارك قبل مجيئه مباشرة قائلاً "إن الرئيس مبارك قوة استقرار في المنطقة" وأشاد بأسلوبه في التعامل مع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية برغم صعوبة هذا الأمر، وأن مبارك لم يلجأ إلى الغوغائية وحافظ على السلام مع إسرائيل. وفي خطابه أنهى الرجل أوهام الليبراليين المصريين والعرب تماماً، حين اعتبر أنه لا يمكن فرض نظام حكم على شعب من الشعوب وأنه ليس بصندوق الانتخابات فقط تتحدد الحرية، وأن لكل مكان خصوصياته الثقافية والسياسية، وهو كلام كان يقول به أطراف معروفة بعدائها لليبراليين والليبرالية، فمنهم من يرى أن الحصول على الحرية لا يتم إلا بجهد داخلي خالص، وأن التدخل الأجنبي في هذا الصدد يفسد القضية ويضعف طلابها، وهؤلاء كانوا يريدون الحرية ولكن عن طريق العمل الداخلي البحت والجهد الوطني الخالص, ومنهم من كان يردد هذا الكلام تبريراً للاستبداد ودعماً له، وطريقة لحشد الشعوب مع الحكومات المستبدة لمواجهة التدخل الأجنبي. وفي كل الأحوال وأياً كانت النوايا، فإن تبني أوباما لهذا المنطق، عن حق أو باطل، هو في المحصلة النهائية نوع من التخلي عن الليبراليين العرب والمصريين وهو أمر ربما يساهم في إنهاء هؤلاء الناس حيث أنهم لم يكونوا يتمتعون أصلاً بأي عمق جماهيري، ولم تكن قوتهم إلا استناداً على الدعم الخارجي عموماً والأميركي خصوصاً. لماذا تخلى أوباما عن الليبراليين العرب وخذلهم، ولماذا فضل التعاون مع حكومات موصوفة بالاستبداد على المراهنة على المبادئ والقيم الأميركية المزعومة حول الحرية والديمقراطية وهو يعرف بالضرورة أن تلك الحكومات تقتل معارضيها وتعذب منتقديها وتفرض الطوارئ لعشرات السنين وتزور الانتخابات, المسألة أن أوباما له مهمة أكبر من ذلك كلفته بها المؤسسة الأميركية، وهي تحقيق حل الدولتين في فلسطين على أساس أن ذلك ضروري لأمن الولايات المتحدة، وضروري لمصلحة إسرائيل لأن سياسات اليمين الإسرائيلي سوف تقود إلى انهيار دولة إسرائيل وربما زوالها. وهناك الكثير من الصهاينة في أميركا وإسرائيل وأوروبا، بل وحكماء وسياسيون من الولايات المتحدة وأوروبا يرون أن حل الدولتين هو الطريقة لإنقاذ إسرائيل من نفسها، وقد قال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير نفس الكلام باللفظ عندما قال إنه يجب إنقاذ إسرائيل من نفسها، لأنه لو لم يكن هناك حل الدولتين فإن البديل هو حل الدولة الواحدة متعددة القوميات، وهذا يشكل خطراً ديموغرافياً على إسرائيل، وإن لم يكن هناك حل فهي دعوة لسيادة منطق المقاومة وهو بدوره خطر على إسرائيل.أما حل الدولتين الذي دعا إليه الرئيس أوباما في خطابه بصراحة، فهو يحقق تهدئة للأوضاع الفلسطينية ويسحب القضية من المنظور العربي والإسلامي، ومن ثم يضعف حركات التمرد العربي والإسلامي عموماً ويعزلها عن القضية الفلسطينية، وهذه الدولة أو الدويلة الفلسطينية ستكون مرتبطة اقتصادياً بإسرائيل، ومرتبطة أمنياً ومحاصرة من البر والبحر والجو، وعن طريق الطرق الالتفافية وغيرها بالقوة الإسرائيلية، ومن ثم فهي مجرد كانتونات ومعازل للفلسطينيين.أكثر من هذا فإن دعوة أوباما إلى ذلك مع معارضة حكومة إسرائيل، ستعطي الفرصة لغسل وجه أميركا في المنطقة، باعتبارها لا توافق إسرائيل على كل شيء، بل تختلف معها لصالح العرب والفلسطينيين، ومن ثم فإن على العرب والفلسطينيين دعم أوباما المسكين بتغيير المبادرة العربية في اتجاه المزيد من التنازلات وإلغاء حق العودة، والضغط بكل الوسائل على حركات المقاومة الفلسطينية.والغريب أن أوباما الذي دعا إلى حل الدولتين وتحدث عن معاناة اليهود التاريخية لعدة قرون، وحدد الرايخ الثالث وهتلر والنازية كأحد مضطهدي اليهود، وتبنى الرؤية اليهودية حول ستة ملايين يهودي تم إحراقهم في أفران النازي، تحدث فقط عن معاناة الفلسطينيين دون أن يقول لنا كم عدد ضحايا الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، وكم عدد الجرحى والأسرى وكم عدد المشردين وما هي حقوق هؤلاء تجاه الجاني، وهل من العدل ترك الجاني طليقاً، بل عدم الإشارة إلى الإسرائيليين كجناة في هذا الصدد، وكأن شياطين الجن وليس الإسرائيليين هم من قتل وجرح وشرد الفلسطينيين، وهو ازدواج معايير مروع مارسه أوباما علناً في خطابه، وكأنه يخاطب جهلاء. على مستوى القضايا الأخرى، فإنه لا جديد قاله أوباما، فالحديث عن احترام الإسلام المتسامح، وضرورة تعاون الحضارات والاستشهاد بآيات من القرآن فعله أوباما من قبل بخطابه الأول في واشنطن عقب تسلمه مقاليد الرئاسة يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2009 ثم في أنقرة من خلال البرلمان التركي. ولكن من المفيد هنا أن نذكر أوباما وغير أوباما، أن شعوب هذه المنطقة، رغم تخلفها الظاهر تمتلك حساً ثقافياً وحضارياً عميقاً جداً، وأنها لا تكترث بالأقوال بل تريد أفعالا، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تم حل مؤسسة خيرية إسلامية (الأرض المقدسة) وتم إصدار أحكام على رؤسائها بمدد تزيد على خمسين عاما لبعضهم أو قتل لبعضهم الآخر، وقد ثبت أنها كانت توزع أموالاً على الأرامل والأيتام والعجزة, كذا ما يحدث مع الدكتور سامي العريان الذي لا يزال محتجزاً ومتهماً في عهد أوباما بعد عهد بوش.ولماذا لا ينشر أوباما صور التعذيب في سجن أبي غريب، بل لماذا لم يدع مثلاً إلى إنهاء الحصار على غزة، أو تعويض مئات الآلاف من ضحايا حربه في أفغانستان والعراق وباكستان، بل لماذا دفع الحكومة الباكستانية إلى إشعال حرب أهلية ضحاياها من الباكستانيين في وادي سوات وهي الحرب التي توصف بأنها حرب أوباما الأولى، وإذا كان أوباما يريد إطفاء نار الحرب في العراق، فلماذا يزيدها اشتعالاً في أفغانستان. والأكثر إثارة للاستفزاز هنا أن أوباما يريد دعما عربيا وإسلاميا في أفغانستان وباكستان مقابل تعهده بحل الدولتين، بل ويريد تطبيعاً عربياً إسرائيلياً مقابل هذا التعهد. وكما قلنا فإن أوباما لم يأت بجديد، فما قاله بخصوص العراق وأفغانستان هو نفس كلامه في حملته الانتخابية: الانسحاب من العراق وإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وكأن أفغانستان وباكستان ليست جزءاً من العالم الإسلامي. أما كلامه حول حقوق المرأة وقضايا التسلح النووي والتنمية الاقتصادية، فهو كلام جميل مرسل لا يسمن ولا يغني من جوع ويدخل في إطار العبارات الإنشائية يتمتع بها السامع دون أن يكون لها أي مردود عملي . جاء أوباما إلى القاهرة وألقى خطابه منها وأشاد بالأزهر كجامعة لها ألف عام من الوجود، ولكنه فضل إلقاء خطابه من جامعة القاهرة ذات المائة عام لأنه ينحاز إلى العلمانية، ولا يريد أن يوصف بالانحياز إلى الأصولية الدينية لو ألقى خطابه من الأزهر، وهذا أمر مفهوم وبديهي ولا يحتاج إلى تعليق أو نقد. أما أخطر ما في الموضوع فهو أن البعض بشرنا بأن أوباما هو المهدي المنتظر وليس مجرد مسيخ دجال، وأنه صادق وواضح، وأنه يريد بالفعل نزع فتيل الحرب والعنف في العالم، وكأننا نحن من نمارس العنف فقط وليس الجيش الأميركي مثلاً في العراق وأفغانستان، وكأننا فقط منا المتطرفون وليس في إسرائيل متطرفون بدرجة وزراء خارجية بل ورؤساء وزارات، بل إن البعض تورط في القول إنه يثق في أوباما ويشكك في قدرته، على أساس أنه غير قادر على تحقيق وعوده لأنه سيواجه من هم أقوى منه من لوبي صهيوني ومجمع صناعي عسكري وجماعات ضغط أميركية.وهذا تبسيط مخل للموضوع، لأن أوباما يمثل مؤسسة هي التي رسمت له هذه السياسة لغسل وجه أميركا القبيح وإنقاذ إسرائيل من نفسها، وخطورة المنطق السابق أنه يدفعنا إلى محاولة مساعدة أوباما بكل الطرق الممكنة ولا نتركه مسكيناً أمام تلك القوى الجبارة، ومن هذه الطرق الممكنة المزيد من التنازلات حتى لا نحرج الرجل أمام القوى المتربصة به.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.