التصدي ومواجهة الحملات العدائية التي تستهدف بلادنا    تعديل تاريخ الدخول المدرسي    العجز الدولي لوقف الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني    اللاجئون الفلسطينيون في سورية بعد سقوط النظام    إبراز تأييده و "اعتزازه بنجاح هذا الحدث العربي البارز"    الحماية المدنية : ست وفيات و 256 جريح في حوادث المرور    الطارف :حجز 3.1 كلغ من الزئبق الأبيض الفضي    يجب وضع ضوابط شرعية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي    التزامات الرئيس تبون تجسّدت بالتمكين السياسي للشباب    الاتحاد الإفريقي: حدادي تدعو إلى تعزيز دور الشباب الإفريقي    دور بارز للجزائر في الوقوف إلى جانب الشعب الصحراوي    وزيرة فرنسية سابقة أمام القضاء بسبب تصريحات عنصرية ضد الجزائريين    الذكاء الاصطناعي في الإرشاد الديني والفتوى يستوجب الضبط    صمود الشعب الصحراوي أحبط كل مخططات الاحتلال المغربي ومناوراته    مستلزمات مدرسية: المتعاملون الاقتصاديون مدعوون للمساهمة الفعالة في المعارض المتخصصة    التقرب من المصطافين للتعريف بخدمات الشركة    استخراج رفات 9 شهداء    حملة توعوية حول الاستخدام السيئ للأنترنيت    تحسيس حول ترشيد استهلاك الطاقة    مجلس أوروبا يحذر من مبيعات الأسلحة للكيان الصهيوني بسبب عدوانه على غزة    بوقرة يستعد لمباراة غينيا وبوراس يواصل الغياب    3913 تدخل بفضل أنظمة المراقبة بالفيديو    مصادرة 462 كيلوغرام من اللحوم البيضاء الفاسدة    "النقافات".. حارسات التقاليد بلمسة عصرية    روائع معبقة بالحياة الجزائرية في مطلع القرن 20    مراد غزال يعرض مجموعته القصصية بسكيكدة    وصيته الأخيرة "لا تعتذر عما فعلت"    وهران على موعد مع المهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي بداء من 18 أغسطس الجاري    فولفسبورغ الألماني يعرقل صفقة انتقال عمورة إلى بنفيكا    "الاتحاد" السعودي يحضّر عرضا جديدا لضم بن ناصر    يوسف بلمهدي:"المفتي الرشيد" ضرورة شرعية في زمن العولمة الرقمية    مجلس الأمن الدولي: الجزائر ترافع لإنشاء آلية أممية مخصصة للأمن البحري    وزارة الدفاع تفتح باب التجنيد في صفوف القوات الخاصة    سيدي بلعباس : تجميع أكثر من 70 ألف قنطار من الحبوب    وزارة التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية : بحث سبل تعزيز تموين السوق وضبط أسعار المواد الأساسية    بلمهدي في مصر للمشاركة في المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء    بطولة العالم للكرة الطائرة 2025 (تحضيرات) : منتخبا الجزائر و تونس في ثلاث مواجهات ودية    دعوة لترشيح أفلام من أجل انتقاء فيلم روائي طويل يمثل الجزائر في الدورة ال98 للأوسكار    السيد حيداوي يستقبل الوفود المشاركة في أشغال المؤتمر الكشفي العربي ال24    اليوم الدولي للشباب: البرلمان العربي يدعو إلى استثمار طاقات الشباب بما يسهم في مواجهة التحديات الراهنة    بلمهدي: الذكاء الاصطناعي في مجالات الإرشاد الديني والفتوى "يستوجب الحذر والضبط"    مقر جديد لسفارة الصومال بالجزائر    مزيان يوقع على سجل التعازي اثر وفاة مسؤولين سامين    القانون المنظم للنشاطات المنجمية يعزز سيادتنا الاقتصادية    الجزائر تكتب صفحة جديدة في تاريخ الرياضة المدرسية    كرة القدم/ "شان-2024" /المؤجلة إلى 2025: المنتخب الوطني يستأنف التحضيرات لمواجهة غينيا    كرة القدم: المديرية الوطنية للتحكيم تنظم ملتقى ما قبل انطلاق الموسم لحكام النخبة بوهران    ضرورة حماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة    سعداوي يكرم المتوجين في المسابقة الدولية (IYRC 2025)    وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات تدعو المستثمرين الصناعيين لإيداع البرامج التقديرية للاستيراد قبل 20 أغسطس    مسرحية على واجهة وهران البحرية    مبولحي في الدوري الجزائري    قويدري يستقبل وفداً نقابياً    شبكة استعجالات طبية جديدة بقسنطينة    تطهير قائمة موزّعي الأدوية لضبط السوق    المهرجان الثقافي الوطني للموسيقى الحالية : فرصة لاكتشاف المواهب والتقاء التجارب    تنسيق القطاعات أثمر نجاح عمليات نقل الحجاج    مناقشة الانشغالات المهنية الخاصة بنشاط الصيدلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللوبي الصهيوني في الغرب: أجندات التحكم والتوجيه
نشر في أخبار اليوم يوم 29 - 04 - 2015


بقلم: محمد الشيخ بنان*
يلعب الرأي العام في الدول الديمقراطية دورا لا يستهان به، وذلك بسبب منطق المنافسات الانتخابية. فمن خلال الجدل العام وحملات الاتصال يمكن التأثير على صانع القرار العام بواسطة الدعاية الإعلانية، التي يتم تمريرها عبر وسائل الإعلام كالصحف والقنوات التلفزيونية. وكذلك توظيف دور النشر والسينما. فهذه الممارسات تبقى شيئا أساسيا وناجعا في أسلوب التعبئة الذي تعتمده اللوبيات بشكل عام وAIPAC بشكل خاص، من أجل فرض أهدافها على المقررين الرئيسيين.
فمن وراء استهدافه الرأي العام، يسعى AIPAC إلى خلق الاعتقاد لدى أغلب مكونات المجتمع بأن المسألة المرفوعة من طرفه، تهم الجميع. كتصوير المسلمين مثلا بأنهم خطر يهدد المسيحيين واليهود على السواء. وبالتالي تتم صياغة التحالفات على أساس معادلة صديق صديقي هو صديقي، وعدو عدوي هو صديقي.
نفوذ تاريخي
وقد برز هذا المنطق بشكل قوي، أثناء فترة بوش الابن، على صعيد التحالف بين صقور الإدارة الأمريكية ذوي المرجعية اليمينية المحافظة واللوبي الصهيوني، باعتباره تعبيرا عن النظام السياسي العنصري المتنفذ في إسرائيل.
فنفوذ AIPAC هذا، جاء نتيجة للحرية الكبيرة التي تتمتع بها اللوبيات في الولايات المتحدة الأمريكية، عكس فرنسا التي تعمل فيها بشكل غير متعين.
ما يلفت الانتباه هو أنAIPAC ليس له لون سياسي واضح، حيث يمارس ضغوطه على كل من الحزبين: الجمهوري والديمقراطي- رغم أن أوجه التلاقي الإيديولوجي بينهما أكثر من أوجه الاختلاف- نتيجة علاقاته الخاصة وتغلغله داخل أوساط الرأي العام.
وقد توفرت له هذه الإمكانية، لكون القاعدة اليهودية التي يرتكز عليها تتشكل منها 11 بالمائة ممن يطلق عليهم اسم الصفوة من مجموع النخبة، و25 بالمائة من صفوة الصحافة والنشر، وأكثر من 17 بالمائة من رؤساء المنظمات التطوعية والعامة، وأكثر من 15بالمائة من المناصب الرسمية الهامة.
فقد أورد (ستيفن شتاينلات) (stephen steinlight) المدير السابق للشؤون القومية باللجنة اليهودية الأمريكية، أن لليهود قوة سياسية لا تتناسب مع عددهم، وهي أعظم من قوة أي مجموعة عرقية أو ثقافية في أمريكا. ويتركز نفوذهم الاقتصادي وقوتهم بصورة غير المتناسبة مع عددهم في هوليود والتلفزيون وفي مجال الأخبار. ونفس الشيء أكده الكاتبان اليهوديان المعروفان (سيمور ليبست) و(إبرل راب) في كتابهما (اليهود والحال الأمريكي الجديد)، المنشور سنة 1995 م، حيث قالا: (شكل اليهود خلال العقود الثلاثة الماضية 50 بالمائة من أفضل 200 مثقف بالولايات المتحدة الأمريكية، 20 بالمائة من أساتذة الجامعات الرئيسية 40 بالمائة من الشركاء بالمكاتب القانونية الكبرى بنيويورك وواشنطن، 59 بالمائة من الكتاب المنتجين للخمسين فيلما سينمائيا، التي حققت أكبر إيراد ما بين عامي 1965 1982، و58 بالمائة من المديرين والكتاب والمنتجين لاثنين أو أكثر من المسلسلات بوقت الذروة التلفازي)، رغم أن اليهود لا يشكلون إلا 2 بالمائة من مجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الإمكانيات الجبارة، يشكل بواسطتها اللوبي الصهيوني وعي الرأي العام الأمريكي وفقا لمصالح إسرائيل.
فرنسا حاضنة اللوبي
أما في فرنسا، فاللوبي الصهيوني منتعش أساسا على صعيد وسائل الإعلام، وهذا ما أقر به الجنرال (شارل دغول) قائلا: (يوجد في فرنسا لوبي قوي مؤيد لإسرائيل، يمارس تأثيره على الخصوص داخل الأوساط الإعلامية). فرابطة مناهضة الميز العنصري ومعاداة السامية تعد القوة الإعلامية الكبرى التي يسيطر عليها الصهاينة، ذلك أن بإمكانها ضبط الرأي العام الفرنسي حسب هواها، لكون التلفزيون والإذاعة والصحافة المكتوبة والسينما ودور النشر في يد هذا اللوبي.
هذه القوة الإعلامية تبرز من خلال الاهتمام الذي يوليه رؤساء فرنسا لها، فكل مرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية وكيفما كان انتماؤه الحزبي من (ميشل روكار) إلى (فرانسوا هولاند)، مرورا ب(ميتران) إلا وقام بزيارة لإسرائيل للحصول على المساندة الإعلامية.
وفي إطار بلورته للوقائع المناسبة لمصلحة إسرائيل، يلجأ هذا اللوبي بواسطة وسائل الإعلام إلى تقديم تأويلات مشوهة للمعاني. مثلا تم اعتبار الاعتداء على ديبلوماسي إسرائيلي في لندن في الثمانينيات إرهابا، رغم أن رئيسة الوزارء البريطانية آنذاك(تاتشر) قد أكدت أمام مجلس العموم، بأن منفذ الاعتداء لا ينتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، أما اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان، وحصده لآلاف القتلى فتم اعتباره عملية للسلام في الخليل. وفي ماي 1990 م تم تدنيس مقابر روضة اليهود (بكاربتنراس)، حيث انتشل جثمان أحد الأموات ونقل إلى قبر آخر، وبعد ذلك وفي يوم 14 ماي 1990 م خرج إلى شوارع باريس 80 ألف متظاهر حسب مصادر الشرطة و200 ألف حسب المنظمين، وقد دقت نواقيس كنيسة (نوطردام) على شرفهم.
يقول غارودي: (لا يعلم في الحقيقة أي متظاهر بهوية مرتكبي هذه الجريمة الشنعاء ! إذن تظاهروا ضد من؟، التحقيق وحده كان بإمكانه الكشف عن ذلك، لكنه لم يفعل). هذه المظاهرة التي جيشها اللوبي الصهيوني، كانت بطبيعة الحال، لصالح إسرائيل، حيث رفرفت أعلامها ورموزها بكثافة فوق رؤوس المتظاهرين، وتصافح فيها (جورج مارشي) مع (فرونسوا ليوتار)، رغم أنه لم يتم الكشف عن الجاني إلى يومنا هذا.
معاداة السامية.. شعار لكل زمان
تعد مسألة معاداة السامية الشعار القديم الجديد الذي يكسب به اللوبي الصهيوني الرأي العام، في أمريكا وفرنسا وغيرهما من الدول المتنفذ فيها. فيستخدم(الهولوكست) في كل ما يتعلق بإسرائيل، لوقف النقد السياسي وكبت النقاش. فالهولوكست يدعم الشعور بأن اليهود قوم محاصرون إلى الأبد، لا يمكن لهم إلا الاعتماد على القوة، لكي يدافعوا عن أنفسهم. فعادة ما تحل استثارة المعاناة التي تحملها اليهود تحت ظل الحكم النازي، محل النقاش المتزن، فيكون متوقعا أن يقتنع بذلك من لديه شك في شرعية السياسية الحالية للحكومة الإسرائيلية.
وقد صرح بهذا الصدد (نورمان فنكلشتين) Norman finkelsten أستاذ العلوم السياسية بكلية هنتر hunter college التابعة city university of new york بما يلي: (استثارة الهولكوست خدعة تهدف إلى تحريم كل انتقاد لليهود- فعقيدة الهولكوست الراسخة بإضفائها البراءة التامة على اليهود- تعطي المناعة لإسرائيل ويهود أمريكا ضد النقد المشروع... لقد استغلت التنظيمات اليهودية هولكوست النازية لصد انتقاد إسرائيل وسياساتها التي لا يمكن أن يكون هناك دفاع أخلاقي عنها).
هذه المكانة التي يحتلها AIPAC جعلته يوجه تهمة معاداة السامية لكل من لا يشاطره نفس الآراء المؤيدة لإسرائيل. وما الحملات الإعلامية التي تعرض لها البروفسوران (ستيفن م. والت) من جامعة هارفرد و(جون ج. ميرشايمر) من جامعة شيكاكو الأمريكيتين، إثر عرضهما لورقة تقر بأن الدعم الأمريكي لدولة إسرائيل يتناقض مع المصالح القومية الأمريكية، ولا ينبع من اعتبارات أمريكية استراتيجية أو أخلاقية بل من تغلغل اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، إلا دليل على قوة هذا اللوبي، الذي جعل الدكتور (ستيفن والت) عميد كلية كنيدي للسياسة في جامعة هارفرد، أحد مقدمي هذه الورقة، يتعهد بتقديم استقالته اعتبارا من نهاية العام الدراسي 2006.
نفوذ واسع يفرض قوته
نستشف مما سبق ذكره، أن قوة اللوبي الصهيوني، تعود إلى ملكيته الضخمة لوسائل الإنتاج، ونفوذه بالسينما والصحافة والراديو والحكومة والكونغرس.
هذه القوة لا تتلخص فقط في AIPAC (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة)، فهي مجرد جزء من أجزاء في ظاهرة أكبر بكثير، هي ظاهرة القوة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول العالم.
بيد أن هذه القوة ليست مقتصرة على وسائل الإعلام والترفيه فحسب، فالمال اليهودي تركز تقليديا في القطاعات غير المنتجة، لا في الصناعات الثقيلة مثل صناعة الفولاذ والسيارات أو البناء. بل في المصاريف والتمويل والأسهم والمستندات والعملات الصعبة. وبعد أن فك الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب عام 1973 م، ازدهر الرأس مال المضارب، مما دفع بالمصالح الصهيونية إلى الأمام، قطاعا بعد قطاع في الاقتصاد المعولم. وبالتالي أصبح هذا الرأسمال الصهيوني جزء عضوي من البنية الاقتصادية- الاجتماعية للرأسمال الإمبريالي، المالي المضارب والمرابي، أي الرأسمالية في عصر العولمة . لذلك فإسرائيل هي امتداد موضوعي ونوعي للبنية الرأسمالية العالمية، وذراعها القاتل وليست مجرد امتداد سياسي أو ظرفي في منطقة الشرق الأوسط.
هذا الوزن الذي شهد تحولا نوعيا في المرحلة، يتضح من خلال أجرأة بعض المخططات الإستراتيجية في الشرق الأوسط، كاحتلال العراق والسعي إلى تقسيمه، وتقسيم السودان، وبوادر الصراع بين المسلمين والأقباط في مصر، وما حدث في ليبيا بعد ما عرف بالربيع العربي، حيث انبثقت الصراعات القبلية وانتشار السلاح وتم تفكيك المؤسسات الهجينة. وما يحصل اليوم في سوريا من صراع عسكري، مدعوم من طرف القوى الخارجية، العربية والغربية والصهيونية، والتسويق لمحاولات تفكيكها على أساس عرقي وطائفي، وبوادر الصراع المذهبي الاثني بين الأمازيغ والعرب في الجزائر (أحداث غرداية نموذجا). والظهور الملحوظ للجماعات الإرهابية التي لا تمتلك بديلا واقعيا، إلا لغة التكفير والدمار والخراب الشامل.
فمن خلال العودة إلى الأجندة التي وضعتها بعض اللوبيات الصهيونية وخاصة تلك التوصية التي أصدرتها المنظمة الصهيونية العالمية في القدس سنة 1982 والتي نشرتها مجلة (كيفونيم)، يمكن فهم ما يقع اليوم في العالم العربي. تقول التوصية سالفة الذكر: (إن مصر كجسد مركزي أصبح جثة هامدة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الصراع الذي يزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين، وتقسيمها إلى مقاطعات جغرافية مختلفة يجب أن يصبح هدفنا السياسي في التسعينات على الجبهة الغربية. وبمجرد تفكيك مصر وحرمانها من السلطة المركزية، ستعرف دول مثل ليبيا والسودان، ودول أخرى نائية نفس المصير. إن إنشاء دولة قبطية في مصر العليا وخلق كيانات جهوية ضعيفة الأهمية. يعتبر مفتاحا لتطوير تاريخي تأخر في الوقت الراهن، بسبب اتفاقية السلام، ولكنه آت حتما على المدى البعيد.
مخططات التقسيم
ورغم ما يظهر، فإن الجبهة الغربية تمثل مشاكل أقل من تلك التي تمثلها الجبهة الشرقية. ثم تقسيم لبنان إلى خمس مقاطعات يعد تجسيدا مسبقا لما سيحدث في العالم العربي برمته. كما إن تفجير سوريا والعراق إلى مناطق على أساس عرقي أو ديني، يجب أن يصبح على المدى البعيد هدفا أوليا بالنسبة لإسرائيل. والمرحلة الأولى لذلك هي تحطيم القدرة العسكرية لهذه الدول.
إن البنيات العرقية لسوريا تعرضها لتفكيك قد يؤدي إلى إنشاء دولة شيعية على طول الساحل وإلى قيام دولة سنية في منطقة حلب ودولة أخرى في دمشق. وكيان درزي قد يتمنى تكوين دولة خاصة به- ربما فوق منطقتنا (الجولان) وعلى كل حال مع حوران وشمال الأردن... إن مثل هذه الدولة على المدى البعيد، قد يكون ضمانة للسلم والأمن في المنطقة إنه هدف في متناولنا.
إن العراق كدولة غنية بالبترول وعرضة لمواجهات داخلية توجد على خط التسديد الإسرائيلي، ذلك أن تفكيكها يعتبر أكثر أهمية من تفكيك سوريا، لأن العراق تمثل على المدى القصير التهديد الأكثر جدية بالنسبة لإسرائيل).
بناء على هذه التوصية، يتضح أن العراق فكك عمليا، بعدما تم تدمير بنيته العسكرية والاقتصادية والتكريس السياسي للسيادة الطائفية على جل مفاصل الدولة ومؤسساتها، وهذا ما أدخل البلاد اليوم في تطاحن داخلي مدمر وسيكون طويل الأمد، ما لم تتوحد القوى الوطنية بعد إجراء مصالحة سياسية تشمل حزب البعث العربي الاشتراكي وتنبذ الطرح الطائفي- الإثني من جهة وتصون الاستقلال الوطني من جهة ثانية. ونفس المأساة تنتظر سوريا، ما لم تنتصر معادلة الدولة الوطنية الداخلية، المتأسسة على المصالحات الاجتماعية والحسم العسكري مع الإرهاب والأذناب الخارجية، على مشروع التفكيك الطائفي -الإثني الأجنبي. وذات المؤشرات بدأت تدب في باقي مكونات الجسد السياسي لشعوب الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ذات التاريخ والتطلعات المشتركة، من جراء مواجع الطغيان التي توالت عليه لعقود، والتي أفضت في الراهن إلى الثلاثي المشؤوم، الذي كان قد حذر منه المفكر العربي طيب تزيني: الطغاة والغزاة والغلاة. لذلك لابد من حوار واسع، بين كل الذوات السياسية الوطنية الرسمية والمعارضة، يسائل هذه الأوضاع بمنظار الوحدة الوطنية والتنمية والاستقلال الوطني، حتى تتمكن هذه الشعوب من تجاوز الأوضاع الحالية وتدخل في عصر الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.